|
|
|
خالد التويجري، والسيسي،
في اجتماع مع ممثل أمير قطر |
|
حلف الخاسرين! |
إختراق سعودي في العلاقات المصرية القطرية
تحصين المُنْجَزْ السعودي
يحي مفتي
قد تكون الرياض حققت اختراقاً في العلاقات المصرية
ـ القطرية، بعد أن حققت اختراقاً مماثلاً في علاقاتها
مع قطر.
نجحت الرياض في جمع مسؤولين قطريين ومصريين برعاية
سعودية في العاصمة المصرية في ديسمبر الماضي، وكان على
رأس (الراعين) مستشار الملك عبدالله، خالد التويجري.
من نتائج الإختراق الأولية: إغلاق قناة الجزيرة ـ مصر،
وإن كانت قناة الجزيرة الرئيسية ما فتئت تتعرّض للحكم
المصري، ولم تغيّر من سياستها الداعمة للمعارضة المصرية
(الإخوانية حصراً) ضد النظام هناك.
ومن نتائج الإختراق، الذي يبدو أنه يعتمد خطوات متقابلة،
قيام السلطات المصرية بخطوة مقابلة، وهي إسقاط الحكم عن
صحفيي الجزيرة المعتقلين، والمحكوم عليهم بسنوات سجن عديدة،
وإعادة محاكمتهم من جديد، ومن ثمّ اطلاق سراحهم ـ كما
يُعتقد، بما يحفظ ماء الوجه للقضاء المصري المشوّه بسبب
تدخّل السلطات الأمنية والسياسية في أحكامه.
وقد تكون هناك ـ وهو المرجح ـ خطوات أخرى لاحقة يقوم
بها الطرفان المتصارعان المصري والقطري، لتطبيع العلاقة
بين البلدين، وهو أمرٌ قد يستغرق فترة غير قصيرة.
ما عُرف بالمبادرة السعودية لجمع المتخاصمين، لم تنضج
ظروفها إلا متأخراً. فقد طلبت قطر من بعض قيادات الإخوان
المقيمة لديها بأن تنتقل الى بلد آخر، تركيا مثلاً، كما
فعل بعضهم، أو باتجاه دول اوروبية خاصة بريطانيا، فما
كان من السعوديين والإماراتيين إلا أن تحركوا للضغط على
لندن من اجل عدم استقبالهم ومنحهم اللجوء السياسي. وقد
تجاوبت لندن مع الدولتين بحدود معيّنة، آخذة بعين الإعتبار
الاستثمار السياسي للملف الإخواني، الذي سيدفع السعوديون
والإماراتيون ثمناً له من خلال الصفقات التسليحية او التجارية
او الإستثمارية، وهو ما يهم الحكومة البريطانية في هذا
الوقت بالذات.
لكي تنجح المبادرة السعودية، كان هناك تركيز على موضوع
المواجهات الإعلامية بين قطر ومصر. وحسب خالد التويجري
في لقاء هاتفي مع عمرو أديب، أثناء اجتماعات المسؤولين
القطريين والمصريين في القاهرة.. فإن من المهم أن تسكت
المدافع الإعلامية بين البلدين، وقال ان ذلك سيساعد في
نجاح المبادرة كثيراً، مثلما سيكون للسياسة دورها.
اجتماعات مصر كانت على مستوى عال، فقد شارك فيها الشيخ
محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، المبعوث الخاص لأمير قطر،
وحضرها من الجانب المصري الرئيس السيسي نفسه، ما يعني
ان (الإختراق) السعودي قد يؤدي الى (مصالحة) بين البلدين
ولو بعد حين.
السؤال: لماذا نجد حماس الرياض كبيراً في تحقيق هذا
الإختراق في العلاقات المصرية القطرية؟ فهناك دول عديدة
عربية لديها مشاكل بينيّة، فلمَ كل هذا الحرص السعودي
على هذه القضية بالذات، خاصة وأن العلاقات القطرية السعودية
لم تتطبّع بصورة نهائية، وهناك على الدوام ما يشوب تلك
العلاقة؟
|
هؤلاء مقابل إغلاق قناة الجزيرة مصر |
واضح أن غضب الرياض على قطر له علاقة بالموقف من مصر،
سواء قبل الثورة، أو ما بعد الإنقلاب على الثورة. الرياض
غاضبة من سياسة قطر إعلاماً وسياسة ومالاً والذي أدّى
الى الإطاحة بحسني مبارك، ووصول الإخوان ـ غرماء السعودية
ـ الى سدة الحكم. وبعد انقلاب السيسي، واصلت قطر حملتها
على الحكم الجديد، في حين كانت الرياض تستميت لإبقائه
حيّاً وتزوده بالمال والنفط والدعم السياسي لتستكمل حلقة
الثورة المضادة.
عداء السعودية لقطر كان بغرض حماية نظام السيسي في
مصر، الذي أطاح بالإخوان، وبقاء النظام قوياً في مواجهة
مشروع الإخوان المسلمين، يعني حماية حقيقية للنظام السعودي
نفسه في المدى الاستراتيجي.
الآن، فإن محاولة المصالحة القطرية المصرية التي تجريها
السعودية، تحمل ذات الغرض، وهو توفير المزيد من الحماية
للنظام القائم، وتعطيل القوى الفاعلة التي تشوّش عليه.
ومع ان الغرض لم يتغيّر من الناحية الاستراتيجية، لكن
المبادرة السعودية الجديدة، تستهدف فيما تستهدف ليس (تركيع
قطر) فهذا ليس عمق الهدف؛ وإنما ايضاً عزل تركيا ونفوذها
من منطقة الشرق الأوسط، لصالح النفوذ السعودي؛ ذلك ان
تمدد نفوذ تركيا او ايران إنما يتم على حساب مصر (المُقعدة
حالياً) وعلى حساب السعودية نفسها.
وتعتقد الدبلوماسية السعودية أن المصالحة القطرية المصرية
ستدقّ بنحو أو بآخر إسفينا في التحالف الاستراتيجي التركي
القطري الذي يعتبر الداعم الأساس لحركات الإخوان المسلمين
في المنطقة.
بنظرة مقابلة الى الحلف القطري التركي الذي تطوّر في
سنوات الربيع/ او الخريف العربي؛ فإن قطر وتركيا اتخذتا
موقفاً متشدداً جداً من مصر؛ ولعلنا لسنا بحاجة الى التذكير
بالعديد من التصريحات المتوترة للرئيس التركي اردوغان
ضد النظام المصري الحالي ومن يدعمه.
قيل أن إيران نصحت أردوغان، منذ الإطاحة بمرسي، أن
يقوم على وجه السرعة بإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وأن لا يتخذ
سياسة المواجهة المباشرة مع الحكومة المصرية كحل للأزمة،
فالرؤية الإيرانية ـ وإن اشتركت في مرحلة ما في دعم حكم
الإخوان المسلمين في مصر، ولم تتمنَّ سقوط حكمهم ـ إلا
انها توقعت حدوث الإنقلاب، وقد أُبلغَ قادة الإخوان قبل
أشهر باحتمالية وقوع الإنقلاب، ليس فقط بسبب التآمر السعودي
مع بقايا النظام المصري القديم، بل ـ الأهم ـ بسبب الأخطاء
القاتلة التي ارتكبها حكم الإخوان.
ويبدو أن تركيا وقطر اعتقدتا منذ سقوط حكم مرسي، أن
بالإمكان اعادة عقارب الساعة الى الوراء، ولكنهما أدركتا
متأخرتين بأن النظام المصري الجديد يزداد سيطرة بفضل الدعم
الخليجي المالي والسياسي، وأن القوى الدولية ليست فاعلة
في تبنّي سياسة محور قطر ـ تركيا؛ وأن حركة الإخوان نفسها
تلقت ضربات قاصمة باعتقال معظم قياداتها، وصودرت ممتلكاتها
وهي بالمليارات، وهي يوماً بعد آخر تستهلك ما تبقى من
رصيدها الشعبي وقوتها وحيويتها، الأمر الذي يوضح بأن الرهان
على قلب موازين القوى ليس ممكنا، بل مستحيلاً.
هنا، وكما هو واضح، بدأت قطر وتركيا بمراجعة موقفيهما،
بعد انهيار مشروعهما السياسي، بتسويد الإخوان ـ ديمقراطياً
ـ في حكم كثير من البلدان العربية. وقد اصبحت الخسارة
شبه كاملة في كل الدول: في مصر، تونس، سوريا، ليبيا، اليمن،
ولا يمكن تعويضها أبداً. الأمر واضح بالنسبة لقطر، فهي
تبدو ـ على الأقل من التصريحات الشفوية ـ حذرة؛ اما تركيا،
فقد قال نائب ئيس وزرائها بولنت آرينج بأن من الضروري
اصلاح العلاقات مع مصر، وأطلق مسؤولون أتراك آخرون تصريحات
تفيد بأن هناك استعداداً لفتح صفحة جديدة في العلاقة مع
مصر.
لكن هذه الصفحة التركية، فيما لو تم السعي اليها، لا
تريد الرياض ـ على الأرجح ـ لها ان تنفتح، حتى لا تتأثر
هيمنتها على مصر، ولكي تستبق قيام أي تنسيق لتشكيل محور
على شكل مثلث طالما حلم به كثيرون للسيطرة على الوضع المتوتر
في المنطقة: ونعني به المثلث الإيراني التركي المصري.
لن يتضرر الحلف القطري التركي، ولكنه لم يبلور مشروعاً
سياسياً بديلاً، ولا يبدو في الأفق انه سيفعل، او بإمكانه
ان يفعل ذلك. لكن على مستوى العلاقة بين البلدين، فإن
الروابط العسكرية والإقتصادية ستتطور كثيراً. ولعلنا نذكر
أنه في الوقت الذي كانت فيه المفاوضات المصرية القطرية
قائمة، كان أمير قطر الشيخ تميم في زيارة لأنقرة، لتأكيد
الحلف، وليعلن عن استثمارات قطرية عديدة بينها 14 ملياراً
في مجال الطاقة.
السؤال الآن: وماذا عن الإخوان المسلمون؟ هل تتركهم
تركيا وقطر ـ غير مأسوف عليهم ـ بعد ان استنفذتا الجهد
للدفاع عنهم؟!
نظنّ ذلك، ولكن لن يكون التخلّي كاملاً؛ وإنما سياسياً
فقط.
فقطر أعلنت صراحة، ومن قناة الجزيرة نفسها، وعلى لسان
أحد امراء العائلة المالكة، بأن قطر ترحب بالإخوان ولكن
لن يسمح لأحد القيام بعمل سياسي؛ فمن شاء فليبقَ، ومن
لم يشأ فإنه يستطيع ان يغادر!
هذا الموقف، قد تجد تركيا نفسها مجبرة خلال الأشهر
القادمة لأن تتخذ ذات الموقف، هذا إن كانت جادّة في اصلاح
علاقاتها مع مصر السيسي.
أمرٌ أساس وحيد يمكن لتركيا وقطر أن تفعلاه، وهو (إعادة
الإخوان) الى ساحة (الدعوة) لا الى ساحة (السياسة)؛ فمن
المعلوم أن جزء من الإخوان اتجه الى العنف؛ وقسم آخر يواصل
طريق العمل السياسي السلمي من الخارج، وهذان الفريقان
لا يبدو أن النظام المصري يقبل بهما بأيّ حال. ولكن هناك
جناح ثالث في الإخوان، يريد العودة الى مرحلة (الدعوة)
الى الدين، فهو جوهر عمل الجماعة وهدفها، وليس السياسة؛
وحتى الآن فإن النظام المصري متردد في إفساح الطريق لهذا
الجزء الأكبر من الجماعة.
مصر لن تهدأ سياسياً ولا أمنياً بدون إعادة جماعة الإخوان
كحركة دعوية الى الساحة؛ ولو بإسم جديد، فهناك من يرفض
اعادة استخدام حتى مجرد الإسم. بمعنى ان النظام المصري
بحاجة ماسة من اجل تجاوز الأزمة الى شرعنة العمل الدعوي
الإخواني، إن كان مستحيلاً بالنسبة له شرعنة (الحزب السياسي
الإخواني).
ينبغي القول هنا ان الرياض لا تقبل بأقلّ من الإجتثاث
الكامل لجماعة الإخوان؛ لكن قطر وتركيا يمكنهما المساومة
مع الحكم المصري الجديد على إيجاد مخرج مريح للطرفين.
في كل الأحوال، وكيفما كانت النتائج، فإن السعودية
بحل إشكالية العلاقة المصرية القطرية، تكون قد حصّنت منجزها
الأساس وربما الوحيد بالقضاء على حكم الإخوان في مصر،
وأبعدت المنطقة العربية من قيام تجربة اسلامية ديمقراطية
خلاف التجربة السعودية السلفية الوهابية، بحيث يبدو النموذج
السياسي السعودي ـ فيما لو نجحت التجربة ـ قزماً بحق.
|