(وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا)!
النفط بخدمة السياسة.. وأمريكا!
محمد الأنصاري
بعد لأيٍ وجدلٍ طويل، طلبت السلطات الملكية السعودية
من وزير نفطها أن يُعلن بأن عدم تخفيضها لإنتاج النفط
ليس نابعاً من (مؤامرة سعودية) بغية الإضرار بدول نفطية
أخرى، محاولاً نفي المزاعم باستخدام النفط كـ (سلاح سياسي)،
ليس ضد العدو المفترض، بل ضد أعضاء منتجين في أوبك. وأضاف:
(إن الحديث عن مؤامرات مزعومة من المملكة، هو قول لا أساس
له من الصحة إطلاقاً، ويدل على سوء فهم، أو مقاصد مغرضة،
أو تخيّلات مشوّشة في عقول قائليها).
وأكد النعيمي بأن بلاده لن تخفض انتاجها النفطي الذي
زاد على العشرة ملايين برميل يومياً، متوقعاً أن لا يشهد
العالم سعر ١٠٠ دولار للبرميل مرة أخرى. وكان سعر البرميل
قد وصل الى ١٣٥ دولاراً للبرميل، بينما ترى بعض الدول
المنتجة للنفط بأن السعر العادل للبرميل يصل الى مائتي
دولار.
|
وزير النفط السعودي علي النعيمي |
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد مرّر اتهاماً
مبطّناً الى الرياض بأنها تستهدف الإقتصاد الروسي بالتآمر
مع الأميركيين وقال: (كلنا نرى تراجع أسعار النفط، وهناك
الكثير من الأقاويل حول الأسباب التي تقف خلف ذلك. هل
هناك اتفاق بين أمريكا والسعودية، لمعاقبة إيران، والتأثير
على الاقتصادين الروسي والفنزويلي؟ ربما).
السناتور جون ماكين وضع النقاط على الحروف في مقابلة
له مع السي ان ان، حيث قال بأن السعودية مسؤولة عن انهيار
الإقتصاد الروسي بأكثر من مسؤولية سياسات أوباما، وأضاف:
(علينا تقديم الشكر للسعودية التي سمحت لسعر برميل النفط
بالهبوط لدرجة تؤثر بصورة كبيرة على اقتصاد الرئيس الرئيس
الروسي بوتين). أيضاً فإن الرئيس أوباما، أشار الى أن
خفض اسعار النفط هو قرار سياسي محض لا علاقة له بتصاعد
إنتاج النفط الصخري، مؤكداً بأن قرار خفض أسعار النفط
جاء بهدف الضغط على الاقتصاد الروسي وإضعافه، حيث قال:
(قسم من تحليلنا كان يقوم على أن الشيء الوحيد الذي يبقي
اقتصاد الروس هو سعر النفط، وأن فرض عقوبات نفطية سيجعل
الاقتصاد الروسي هشاً وغير قادر على مواجهة الصعوبات الضخمة
التي ستنتج عن تقلب أسعار النفط).
فلسفة الحكومة السعودية واضحة: (نحن نستطيع أن نتحمّل
انخفاض أسعار النفط، ولا يهمّنا غيرنا)!
ومع ان الرياض كانت تجني مليار دولارٍ يومياً، أصبحت
اليوم تجني نصف المبلغ تقريباً (أي ٥٠٠ مليون دولار)؛
إلا أنها تعتقد ابتداءً بأن من حقها ان تنتج بأقصى طاقتها،
وأحياناً بمبرر أن نفطها أفضل من نفوط غيرها، كما قال
الوزير النعيمي: نفط الآخر رديء! وكأنه يريد أن يُلزم
العالم باستهلاك نفط بلاده فقط، وكأنها البلد الوحيد الذي
ينتج نفطاً خفيفاً؟ أي أنه لا يعتمد على حق الشعوب في
أن تُنتج وتبيع ما لديها، بل الحق لمن لديه بضاعة أكثر،
وأجود، وليمت الباقي جوعاً إن شاؤوا!
لكن الموضوع يبدو أكثر تأثيراً على الرياض. فحسب الميزانية
التي أعلنت في ٢٥ ديسمبر الماضي، فإن الإيرادات المتوقعة
تبلغ ٧١٥ مليار ريال؛ والنفقات المتوقعة ٨٦٠ مليار ريال،
بعجز يبلغ ١٤٥ مليار ريال، أي ما يقارب (٣٨,٧ مليار دولار).
ولدى الرياض خياران لتغطية العجز، اما ان تسحب من الإحتياطي
النقدي الذي لديها، أو تعمد الى الإقتراض، وقد ابلغ وزير
المالية السعودية ابراهيم العساف ان الحكومة قد تلجأ للإقتراض.
اقتصاديون محليون يعتقدون أن الإيرادات ابتنيت على
اساس سعر متفائل للبرميل ٦٧ دولاراً في المعدّل؛ في حين
ان السعر الحالي ٥٣ دولاراً، وقد ينخفض دون ذلك. زد على
ذلك فإن النفقات الحكومية عادة ما تكون غير منضبطة، وتزداد
اتساعاً مع مرور الوقت، رغم تأكيد السلطات بأن النفقات
ستكون منضبطة. لكن التجربة الماضية لا تفيد بذلك، ولا
ترجح ضبط المصاريف ضمن حدود الميزانية.
الآراء مختلطة ومتضاربة بين المحللين المحليين والخارجيين
من حكمة الرياض وراء إغراق العالم بالنفط، ومن ثمّ اغراق
أسعاره أيضاً. هناك شبه إجماع بأنه لا توجد مبررات في
السوق لهذا الإنخفاض الكبير في أسعار النفط في فترة زمنية
وجيزة، لولا أن هناك حرباً سياسية أو في الأقل مشكلة سياسية.
بين المحللين الإقتصاديين والسياسيين السعوديين من
يرى إيجابية في الموقف الرسمي من جهة أنها ستؤذي أعداءها
السياسيين في المنطقة والعالم: تحديداً ايران، والعراق،
وروسيا.
بعض آخر، رأى سياسة اغراق النفط السعودي ذات ايجابية
اقتصادية ايضاً، ولكن على المدى البعيد: فالموقف السعودي
سيخرج عدداً من المنتجين النفطيين من ساحة الانتاج، مثل
بعض شركات النفط الصخري، حيث ستتوقف ـ كما يتوقع ـ الاستثمار
في هذا الجانب؛ كما ان بعض شركات النفط الغربية توقفت
ايضاً عن الاستثمار في البحث عن النفط في الوقت الحالي.
وهذا ما تريده الرياض بحسب ما يقول هؤلاء، لأنها تريد
ان تؤكد هيمنتها على سوق النفط، وإضعاف البحث عن أية بدائل
ممكنة (تجارياً) في المستقبل عن النفط عامة، والنفط
السعودي خاصة.
في الجملة، يُعتقد ان الرياض بكل المقاييس خاسرة اقتصادياً،
وقد جذبت اليها المزيد من الأعداء في العالم دون ان تكسب
حلفاء جدد، او حتى تحافظ على حلفائها القدامى.
|