استفتاح العام الجديد ٢٠١٥!
هجوم داعش على عرعر السعودية
ناصر عنقاوي
داعش والقاعدة جزءٌ لا يتجزّأ من المشهد السعودي السياسي
والأمني.
عبثاً يحاول النظام القول بأنهما بضاعة طارئة صُدّرت
له من الخارج، وأنهما من انتاج (الإخوان المسلمين)، أو
من نتاج التآمر الإيراني، أو السوري، او العراقي!
وسيبقى التنظيمان (قضيّة سعودية) لفترة طويلة قادمة،
يتعاطى معها المسؤولون السعوديون والمواطنون على حدّ سواء
كجزء من الأزمة السياسية الإجتماعية الثقافية المحليّة.
فلا أحد ـ تقريباً ـ بين المواطنين، مثقفاً كان أو
كاتباً او شخصاً عادياً، او موالياً للنظام أو معارضاً
له، إلا ويؤكد كتابة وتعليقاً وحضورا في مواقع التواصل
الاجتماعي، على هذه الحقيقة التي تقول: (القاعدة وداعش
منتجنا الفكري الوهابي، ورجالهما أبناؤنا وشبابنا؛ وأن
عودهما ابتني على أموال بلادنا؛ وأن مستقبلنا مرتبط بمستقبلهما)!
بعد اطلاق الصورايخ الداعشية على عرعر قبل بضعة أشهر
من الحدود العراقية، وبعد أن اخترقت قاعدة اليمن الحدود
الجنوبية عند شرورة وقتلت عدداً من قوات النظام.. تضرب
داعش ـ مرة أخرى ـ الحدود السعودية الشمالية عند منفذ
(سويف) الحدودي مع العراق. أربعة مقاتلين داعشيين سعوديين
جاؤوا من الداخل العراقي الى الحدود، ليسلّموا أنفسهم
للسلطات الأمنية السعودية صباح الإثنين الخامس من يناير
الجاري، وأصرّوا على أن يكون ذلك بحضور مسؤول الحدود الشمالية
العميد عودة البلوي. وحين جاء هذا الأخير، فجّر أحد الأربعة
نفسه، وقتل ثلاثة ضباط بينهم العميد نفسه، وقتل في الحادث
ثان من المهاجمين، وفرّ آخران، فجّر أحدهما نفسه، وقُتل
الآخر برصاص السلطة.. كل هذا حسب الرواية الرسمية، رواية
وزارة الداخلية، التي لا تخلو من ارتباك!
ليس مهماً أن نعرف تفصيل الرواية السعودية للحدث، في
غياب الرواية الداعشية المقابلة. فالمهم هو أصل المشهد
السياسي والأمني وأركانه التي تبدو ثابتة واضحة المعالم:
١/ هناك هجوم على الحدود بغرض اختراقها، تمهيداً لهجوم
اكبر ربما للسيطرة على المدن الحدودية؛
٢/ أن المهاجمين الأربعة شبابٌ سعوديون يقاتلون الى
جانب داعش في العراق، كانوا قد تعلموا وفق المناهج الدينية
الوهابية، وتربوا تحت منابر الدعاة الوهابيين الرسميين
وغير الرسميين في الداخل؛
٣/ أن داعش كما القاعدة في اليمن تنتظر معركة جديدة
تأجّلت كثيراً مع خالقهما ومصدّرهما وهو النظام السعودي
ومؤسسته الدينية؛
٤/ أن هذا الهجوم لن يكون الأخير بقناعة الجميع.
الذين يسألون عن مبررات الهجوم الآن، ودلائله، يبحثون
في التفاصيل.
فقد ظهر وكأن هناك تنافساً على اختراق الحدود بين التنظيمين
القاعدي في اليمن (قاعدة جزيرة العرب) والداعشي (تنظيم
الدولة الإسلامية) في العراق والشام. أحدهما ضرب في الشمال،
فقابله الآخر بضربة في الجنوب. فهل لازال التنافس قائماً
كما في ساحات أخرى بأسماء مختلفة، كما في سوريا بين النصرة
وداعش؟
أم أن الهجوم الداعشي الجديد، مردّه اليأس، كما يقول
محللو وزارة الداخلية السعودية (سعد بن عمر في قناة الميادين
مثلاً، حيث أكد أكثر من مرّة على هذا الأمر)؟
لا يخلو هذا من وجه صحيح، فداعش تعيش وضعاً صعباً للغاية
في العراق بسبب الهزائم المتتالية التي لم تتوقف منذ أشهر،
ما يرجّح أن قيادة داعش تبحث عن انتصار في مكان ما، بعد
أن أعيتها الحيلة في العراق وحتى سوريا (الهزيمة في كوباني).
داعش، لمن يفهم تفكير قادتها، تبحث عن ترقيع للحالة
النفسية المتردية لجنودها وأنصارها. فقد نُظر اليها وكأنها
قوة لا تُهزم، وهذه النظرة ـ خاصة بعد السيطرة على الموصل
ـ كانت مفيدة لها من جهة ان النصر ـ الذي قيل أنه ربّاني
ـ جذب اليها آلاف المتطوعين الجدد، ودفع بآلاف المقاتلين
في سوريا وغيرها للإنضمام اليها.
لهذا تبدو الهزيمة اليوم لداعش في العراق مؤلمة كثيراً؛
وقد حاولت ان تحقق منجزاً يعوّض الشعور بالهزيمة لدى اتباعها،
سواء كان في العراق او سوريا، وقد استبسل مقاتلوها من
أجل تحقيق ذلك، ولكن دونما فائدة.
ولهذا ـ حسب هذا التحليل ـ كان من الضروري فتح معركة
جديدة على الحدود السعودية، كانت قيادة داعش مترددة بشأنها،
خشية تشتيت قواتها أكثر فأكثر على مساحة من الأرض لا تستطيع
الإحتفاظ بها لفترة طويلة.
هناك رأي آخر، يتبنّاه أتباع داعش، ويقول بأن مهاجمة
الحدود جزءٌ من تخطيط (الدولة) وليس ردة فعل على حدث بعينه؛
مذكّرين بخطاب الخليفة البغدادي الصوتي الأخير، الذي توعّد
فيه آل سعود، ودعا أتباعه في (جزيرة العرب) الى المبادرة
بمهاجمة: المواطنين الشيعة اولاً، وآل سعود وجندهم ثانياً،
والأميركيين والغربيين ثالثاً؛ وبالنص، فإنه قال لأنصاره
الوهابيين السعوديين: (عليكم أولاً بالرافضة حيثما وجدتموهم،
ثم عليكم بآل سلول وجنودهم، قبل الصليبيين وقواعدهم. عليكم
بالرافضة وآل سلول وجنودهم، مزّقوهم إرباً، وتخطّفوهم
زرافات ووحداناً. نغّصوا عليهم عيشهم، واشغلوهم عنّا بأنفسهم،
واصبروا ولا تتعجّلوا، وعمّا قريب إن شاء الله، تصلكم
طلائع الدولة الإسلامية).
هذا النص يمكن قراءته بأنه دفاعي، فهو يريد من أتباعه
إشغال آل سعود عن المشاركة في قتال داعش في سوريا، تحديداً
ما يقوم به الطيران السعودي الحربي ضمن قوات التحالف الأميركية.
ولذا، لا تخلو التحليلات الداعشية بأن هجوم الحدود
الأخير، كان بدافع الإنتقام مما يقوم به آل سعود.
وللتذكير، فإن داعشيين سعوديين قاموا بمهاجمة تجمعات
لمواطنين شيعة أبرياء في الأحساء في محرم الماضي وقتلوا
نحو عشرة مواطنين بالرصاص، وجرح العشرات؛ والغرض كان تأجيج
الحسّ الطائفي العالي لدى الوهابيين ليحتشدوا خلف أهداف
البغدادي ودولته. وإلا فإن الضحايا لا علاقة لهم بحرب
ولا سلم ولا بصراع مع داعش أو غيرها.
لطالما توقع المحللون المحليون، بمن فيهم كتاب السلطة
في الصحافة المحلية، أن تشهد البلاد موجة عنف، وهناك قلق
رسمي من هذا الأمر الى حدّ كبير، تعبّر عنه الصحافة ووسائل
الإعلام، ومواقف وتصريحات مشايخ السلطة ايضاً. لكن هذا
لا يعني ان القضية ستُحلّ بمجرد سدّ الحدود على داعش من
المجيء الى الداخل، فدواعش الداخل أكثر بكثير من الخارج،
ومن في الخارج إنما تخرّجوا من الداخل، ويقاتون على فكر
الداخل، وعلى تمويل الداخل، وهم ما خرجوا إلا وفق تنظيم
الداخل!
حتى وإن استطاع النظام ضبط الحدود مع العراق، او اليمن،
وهذا مستحيل من الناحية العملية، حتى مع صرف عشرات المليارات
على الأسوار والتكنولوجيا الرقابية.. نقول حتى وإن حدث
ذلك، فالأزمة في أساسها داخلي.
انها أزمة فكر وهابي أقلّوي تمّ تسويده، وتدريسه للصغار
منذ نعومة أظفارهم في المدارس الإبتدائية حتى التخرج من
الجامعة!
إنها أزمة بيئة حاضنة، بل أكثر من حاضنة، هي بيئة مولّدة
للعنف، ومصدّرة له الى كل أصقاع الدنيا. المصنع السعودي
هو المشكل، وليس من سيأتي من الخارج من دواعش سعوديين
يريدون العودة الى بلادهم لممارسة الجهاد، وكان يفترض
او يتوقع ـ نظرياً ـ وابتداءً ممارسته في بلدهم قبل تصدير
الفائض الى الخارج!!
لا يشك إثنان بأن هناك بيئة داعشية بامتياز في السعودية،
بين الوهابيين الذين هم في الأساس يشكلون الداعم الأساس
لحكم آل سعود. وتكشف الشهور القليلة الماضية عن اعتقالات
ومصادمات عديدة بين قوى الأمن ودواعش محليين، تنتهي باعتقالات
وقتل ومن ثم محاكمات شكلية تقضي بإعدامات وسجن لعشرات
السنين.
البيئة السياسية محرّضة أيضاً على العنف. فالإختناق
السياسي وغياب الإصلاح السياسي حتى في حدوده الدنيا، وتصاعد
الإرهاب الحكومي، متزامناً مع التشدد الفكري الديني الوهابي،
والإصرار على تعميمه وتدريسه وعدم مراجعته.. خلق في البيئة
الوهابية النجدية السعودية ذئاباً متوحشة لا قضية لها
سوى القتل. بدأ الأمر بقتل الآخر المختلف مع آل سعود،
حسب توجيه الأمراء لهم يومها، ثم انتهى اليهم.. لهذا تجد
تعليقات السعوديين في مواقع التواصل الاجتماعي تكرر جملة:
(بضاعتكم رُدّت اليكم)!
اختناق الوضع الاجتماعي، وزيادة شحنة التشدد، مترافقاً
مع الفقر والبطالة والفساد، كل ذلك يلعب دوراً مساعداً
كأحد بواعث ودوافع العنف ونموّه.
لقد مضت عشر سنوات على موجة العنف الأولى التي قضت
على حياة المئات، خرج فيها النظام منتصراً بدعم المواطنين،
ولكنه كان جريحاً في شرعيته ومكانته، فضلا عن انه انتصارٌ
مؤقّت.
واليوم، نحن نواجه موجة عنف ثانية، وحال النظام أضعف
مما كان، خاصة وان المواطنين لن يصطفوا الى جانب آل سعود
كما فعلوا اول مرة، والسبب أن آل سعود نكثوا وعودهم بالإصلاح
السياسي، وقمعوا الحراك السلمي، وأدخلوا الآلاف في السجون
لمجرد التعبير عن الرأي في تغريدة او مكالمة هاتفية او
تعليق على مقالة.
داعش والقاعدة موجودان في الداخل. أنصارهم يتوزعون
بين خلايا (قائمة!) وأخرى (نائمة)! او نصف نائمة!
الحقيقة أن كل وهابي هو داعشي أو قاعدي صغير، اذ لا
يختلف موقف التنظيمين عن الفكر الوهابي الرسمي في شيء.
بل ان التنظيمين أكثر امانة على النص الوهابي وعلى تطبيقه.
الإختلاف سياسي بامتياز. فالمؤسسة الرسمية ومشايخها لا
يجادلان دعاة التنظيمين عقدياً لأنهما يخسران المجادلة،
وكل إشكالات مشايخ السلطة منحصر في التطبيق وليس في المرجعية
الفكرية. الخلاف في تطبيق الموقف الوهابي التكفيري العنفي
على آل سعود، هل يكون ذلك أسوة بغيرهم أم لا؟! المشايخ
الرسميون لا يعترضون على ما تقوم به داعش من قتل للمخالف،
ولا على السبي، ولا على الذبح بالسكاكين، ولا على أيّ
أمر آخر. اعتراضهم: (نحن في مملكة آل سعود غير. لا تطبّقوا
النصوص علينا وعلى حكامنا لأننا مسلمون. وحتى الكفرة منّا:
كالصوفية والشيعة والإسماعيلية والليبرالية، لا يجوز قتلهم
لأنهم يعيشون تحت سيطرتنا. نعم لا يجوز قتلهم إلا بإذن
وليّ الأمر)!
هذا ليس اختلافاً حقيقياً. ومن السهل ان ينتقل الوهابي
الى داعش والقاعدة وهو جازم بأن موقفهما أقرب الى النص
الوهابي وتعاليم ابن عبدالوهاب، وحينئذ لا بد ان يتخذ
موقفاً من المشايخ المهادنين للسلطان والداعمين للطغيان
والكفر بنظرهم، فيصبحوا هم ايضاً ـ أي المشايخ ـ كفاراً
كآل سعود، وكغيرهم ممن حزّ القواعد والدواعش نحورهم!
لطالما استثمرت العائلة المالكة الحسّ الطائفي الوهابي
الداعشي القاعدي ضد خصومها. ولطالما دعمت التطرف الوهابي
في دول عديدة وروجت للعنف ودعمت جماعاته، ولاتزال حتى
الآن. ولكن آن لهذا السلاح أن يعود فيقتصّ من صانعيه:
وما ربّك بظلاّم للعبيد. قُضي الأمرُ الذي فيه تستفتيان!
|