نفط السعودية سلاح أميركي ضد روسيا.. العراق، وإيران
الخاسرون والرابحون في لعبة النفط
عمر المالكي
لا تزال المملكة السعودية تصرّ على أن انهيار أسعار
النفط عائدٌ لأسباب إقتصادية، وأن قرارها بعدم تخفيض الانتاج
لن يتغيّر من أجل المحافظة على حصّتها السوقية، مهما أدى
ارتفاع معدلات الطلب الى تراجع دراماتيكي للأسعار..
وزير البترول السعودي علي النعيمي أكّد في مؤتمر أوابك
في أبو ظبي في 21 ديسمبر الماضي على أن عدم تعاون المنتجين
المستقلين خارج أوبك والمضاربة هما مسؤولان عن هبوط أسعار
النفط، ومع ذلك يبشّر الأطراف المتضرّرة في السوق النفطية
بأن الوضع لن يدوم طويلاً، فالسوق ستتحسن. النعيمي نفى
أن يكون للسياسة دور في السياسة النفطية للمملكة، وزاد
على ذلك قائلاً بأن «هبوط الأسعار لن يكون له تأثير ملموس
وكبير على اقتصادات السعودية أو الدول العربية الأخرى»،
مع أن السعودية تعد الخاسر الأكبر اقتصادياً في هذا الانهيار،
حيث يقدّر حجم خسائرها السنويّة بأكثر من 216 مليار دولار،
وأن عجز الميزانية لعام 2015 بلغ 38 مليار دولار، وهو
الأضخم في تاريخ السعودية..
النعيمي برّأ حكومته من أي مسؤولية عن الانهيار، وزعم
بأن السعودية، مع دول أخرى، سعت «لإعادة التوازن للسوق
ولكن عدم تعاون المنتجين المستقلين ونشر معلومات مضللة
والمضاربة أدّت لاستمرار الاتجاه النزولي للأسعار». وكرّر
نفيه وجود مؤامرة سعودية لأهداف سياسية وقال بأن مثل هذا
الاتهام «لا أساس له من الصحة وينم عن عدم دراية». وأكّد
على أن السياسة النفطية التي تنتهجها الحكومة السعودية
مستندة الى أسس اقتصادية خالصة «لا أكثر ولا أقل». حسب
قوله.
على خلاف مقاربة النعيمي، يرى نظيره الإماراتي محمد
المزروعي بأن عدم زيادة إنتاج الخام في العام 2015 سيؤدي
الى سرعة استقرار الأسعار، وحثّ الدول المنتجة على القيام
بذلك. ومن المتوقّع أن يتراجع الطلب العالمي على نفط أوبك
في 2015 في حال زادت كمية المعروض من النفط الصخري الأميركي
ومصادر منافسة أخرى في ظل تراجع الطلب العالمي على النفط
بشكل ملحوظ.
ومن المعلوم أن أوبك أخفقت في اجتماعها في نهاية نوفمبر
الماضي في التوصل الى قرار تخفيض معدل الانتاج، بضغط من
السعودية التي رفضت طلب عدد من الدول الاعضاء مثل فنزويلا
والاكوادور وايران وغيرها وأبقت على سقف الانتاج عند 30
مليون برميل يومياً بدعوى أن السوق هو من سيتولى مهمة
تحقيق التوازن من تلقاء نفسه دون تدخّل من المنظمة.
وزير البترول السعودي علي النعيمي وفي سياق نفيه أية
دوافع سياسية للمملكة، راح يتهكم على من يعتقد بأنهم مسكونون
بنظرية المؤامرة، وأن السعودية تسعى لكبح طفرة النفط الأميركية
أو أن الرياض تسعى لتقويض إيران وروسيا بسبب دعمهما للنظام
السوري..نشير الى أن روسيا لمّحت قبل اجتماع فيينا في
نهاية نوفمبر الماضي بأنها قد تخفّض الصادرات إذا أقدمت
أوبك على الشيء نفسه..ولكن روسيا لم تقم بتغير معدل الانتاج..
على أية حال، فإن نفي الرياض عن «مؤامرة» و»أغراض سياسية»
مالبث أن تبدّد على وقع تصريح صادم للسيناتور الأميركي
الناشط جون ماكين في 22 ديسمبر الماضي بأن المملكة السعودية
مسؤولة عن انهيار الاقتصاد الروسي أكثر من مسؤولية سياسات
الرئيس الأمريكي باراك أوباما. وأضاف ماكين، خلال مقابلة
مع شبكة «CNN»: «علينا تقديم الشكر للسعودية التي سمحت
لسعر برميل النفط بالهبوط لدرجة تؤثّر بصورة كبيرة على
اقتصاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين». وتابع قائلا: «سياسة
الرئيس الأمريكي لا علاقة لها»، مشيراً إلى ما يمر به
الاقتصاد الروسي من صعوبات في الفترة الأخيرة.
ولم يصدر أي تعقيب من السلطات الروسية على ما قاله
ماكين، ولكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وخلال المؤتمر
الصحفي السنوي الموسّع في 18 ديسمبر الماضي لم يستبعد
احتمال تورّط الثنائي السعودي الأميركي في تراجع أسعار
النفط في الفترة الأخيرة بهدف معاقبة ايران والتأثير على
الاقتصاد الروسي وعلى فنزويلا، وقال معلّقاً: «ربما الأمر
كذلك وربما لا، وربما هو صراع بين المنتجين التقليديين
للمواد الخام مع منتجي النفط الصخري».
النعيمي نفى تلك التحليلات وخصوصاً الكلام عن مؤامرة
سعودية لأهداف سياسية باستخدام البترول وأسعاره، وهاجم
القائلين بهذا الرأي وقال بأن ذلك «يدل على سوء فهم أو
مقاصد مغرضة أو تخيّلات مشوّشة في عقول قائليها».
على أية حال، فقد حسمت تصريحات الرئيس الأميركي بارك
أوباما الجدل والنفي السعودي معاً بأن خفض أسعار النفط
كان قراراً سياسياً والهدف منه إضعاف الاقتصاد الروسي.
هذا ما قاله أوباما في في تصريحات إذاعية في 29 ديسمبر
الماضي، إذ اعترف بأن «قرار خفض أسعار النفط بنسبة تزيد
عن خمسين بالمائة، هو محض قرار سياسي، لا علاقة له بتصاعد
إنتاج النفط الصخري الذي يشكل تهديداً مباشراً لنفط دول
منظمة أوبك وحصتها في الأسواق العالمية».
وأوضح الرئيس الأميركي بأن قرار خفض أسعار النفط العالمي،
بهدف الضغط على الاقتصاد الروسي وإضعافه، قائلاً: «قسم
من تحليلنا كان يقوم على أن الشيء الوحيد الذي يبقي اقتصاد
الروس هو سعر النفط، وأن فرض عقوبات نفطية سيجعل الاقتصاد
الروسي هشّاً وغير قادر على مواجهة الصعوبات الضخمة التي
ستنتج عن تقلّب أسعار النفط».
ومع أن أوباما لم يشر الى دور المملكة السعودية في
قرار خفض أسعار النفط، إلا أن جمع تصريح جون ماكين بتوجيه
الشكر الى السعودية مع حديث أوباما عن القرار السياسي
لخفض أسعار البترول بهدف الضغط على روسيا يجعل من السعودية
صاحبة الدور المحوري في لعبة النفط.
النعيمي أصرّ على نفي أي مسؤولية لدولته في انهيار
الاسعار، بل تمسّك بأن قرار خفض أسعار النفط لا يستهدف
أي دولة في العالم، مؤكّداً في الوقت نفسه على أن بلاده
ستستمر في إنتاج النفط حتى لو وصل سعره إلى عشرين دولاراً
للبرميل ما دام الطلب مستمراً عالمياً.
وقال النعيمي بأننا لن نتزحزح، وقد أقنعت السعودية
أصدقاءها الأعضاء في أوبك بأن من غير مصلحة المجموعة خفض
الانتاج مهما بلغ معدل انخفاض الاسعار، بحسب تصريح النعيمي
الى مجلة (ميس). وكانت السعودية رفضت في اجتماع أوبك في
27 نوفمبر خفض الانتاج بالرغم من انهيار الاسعار، بما
يشير الى تحوّل في استراتيجية نحو الدفاع عن حصتها في
السوق وليس دعم الاسعار، وهي القناعة التي نقلها النعيمي
وآخرون مقرّبون من السعودية داخل أوبك. وقال بأن العالم
قد لا يرى النفط يعود الى 100 دولار للبرميل، وهو المستوى
المفضل للسعر لدى السعودية..
(الحياة) نقلت عن النعيمي قوله بأن السعودية جاهزة
لزيادة الانتاج وكسب حصة سوقية من خلال تلبية طلبات أي
زبائن جدد. وقال بأن أسعار الخام المنخفضة سوف تساعد على
الطلب بتحفيز الاقتصاد. وشهد العالم كيف أن فشل الأوبك
في اجتماعه في نوفمبر الماضي قد أدى الى تسارع انخفاض
أسعار النفط، التي كانت منخفضة في الأصل.
وفيما يلي عرض لأبرز التحليلات المنشورة في الصحافة
الاجنبية حول الجدل الدائر إزاء أسباب انخفاض أسعار النفط
والعوامل الضالعة في لعبة النفط بين الدول الكبرى والصغرى..
بزنس انسايدر
|
مايلز اودلاند |
في مقالة للكاتب مايلس أودلاند في 18 ديسمبر الماضي
نشرت في مجلة (بزنس انسايدر) بعنوان (لا يمكن السعودية
أن تبقي على أسعار البترول منخفضة لفترة طويلة جداً) قال
فيه: “وسط انخفاض أسعار النفط، يتوقّع كثيرون بأن أوبك
ـ في هذه الحالة تعمل بالنيابة عن السعودية ـ تتطلع الى
قوة منتجي النفظ الصخري في الولايات المتحدة خارج السوق”.
وفي مقالة للكاتب شين فرو في المجلة نفسها بتاريخ 17
ديسمبر الماضي بعنوان: «الإستراتيجية السعودية تستهدف
ما هو أبعد بكثير من تدمير إنتاج النفط الصخري الأمريكي»
ورجح فيه أن الولايات المتحدة قد لا تكون هي هدف المملكة
السعودية في سياستها بعدم التدخل تجاه انخفاض أسعار النفط.
وفي حلقة نقاش عقدت باستضافة نادي الصحافة ومركز مراقبة
المخاطر في الخارج، بدا المتحدثون مشككين في فكرة أن المملكة
السعودية ترفض دعم أسعار النفط لأنها تريد أن تجبر المنتجين
الأمريكيين على الخروج من السوق. حيث بدا أن هناك أسباباً
سياسية قد تكون أفضل لتبرير اتخاذ مثل هذه الخطوة من قبل
السعوديين، وانخفاض الإنتاج الأمريكي قد لا يكون سوى طبقة
السكر التي تتوّج قالب الحلوى بالنسبة لهم.
وقال التقرير أن «الخاسرين الأكثر وضوحاً في ظل المناخ
الحالي لأسعار النفط هم إيران، وروسيا». موضحاً أن «الأولى
بالطبع كونها الخصم اللدود للمملكة السعودية في المنطقة،
والثانية لأنها ليست صديقاً مفضّلًا بالنسبة للسعوديين
كذلك».
وقال «مايكل موران»، مدير تحليل المخاطر العالمية في
مركز مكافحة المخاطر، إن «اللدغة التي سيتعرّض لها إنتاج
النفط الصخري الأمريكي هي مجرد نتيجة ثانوية رائعة بالنسبة
للسعوديين الذين يهدفون أساساً إلى إصابة الإيرانيين والروس
بمقتل»، مضيفاً أن عدم فعل شيء حيال هبوط أسعار النفط
كان «خطوة ذكية حقًا من قبل السعوديين». وإنّه كلما انخفضت
الأسعار أكثر، كلما أصبحت تصرفات السعوديين مرئية عن كثب
أكبر من قبل العالم، وكلما تعزّز موقف البلاد كقوة عظمى
للنفط في العالم، على حد قوله.
وفي حين سوف يضر هذا بالإيرانيين والروس، إلا أنه من
غير المرجّح أن يؤدي إلى شلل اقتصادي في الدولتين بالنظر
إلى الميزانية (فنزويلا قصة مختلفة). وقد أشار مايكل ليفي،
وديفيد روبنشتاين، زميل رئيسي في قسم الطاقة والبيئة في
مجلس العلاقات الخارجية أن العديد من الدول التي تعتمد
على ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير لتحقيق التوازن مع ذلك
ميزانياتها لديها احتياطيات ضخمة من شأنها أن تساعد على
تجاوز انخفاض الأسعار لفترة طويلة (إيران مثالاً). تلك
الدول التي لا تملك احتياطيات ضخمة، كما يقول، عموماً
لديها عملات عائمة. كما رأينا في الأيام القليلة الماضية،
أن روسيا لديها الآن أزمة عملة، وليس أزمة ميزانية.
أما بالنسبة لتأثير انخفاض الأسعار على النفط الصخري
في الولايات المتحدة، يقول ليفي، حتى لوأن أرقام السوق
تصل الى سعر التعادل بالنسبة للمنتجين الأمريكيين (وهي
صعبة، لأنها تختلف من بئر إلى بئر)، والذي سوف يتغير خلال
عامين وربما أكثر أي الى خمس سنوات، مع استمرار التكنولوجيا
في التطوّر.
في ضوء كل ما قيل سابقاً، ليفي يحذر من التفكير بأن
المملكة السعودية هي نوع من العقل المدبّر لقصة الطاقة
العالمية. ومن غير الواضح كم يبعد السعوديون عن ذلك بخطوات
في الواقع. وختم بالقول: «لا تقلل من شأن استراتيجية أوبك».
إيبوك تايمز
كتب ريد سكرام مقالاً في صحيفة (إيبوك تايمز) الأميركية
في 30 ديسمبر الماضي بعنوان (هبوط أسعار النفط خبر سيء
للحكومات القمعية). وقال بأن تراجع أسعار النفط بأكثر
من 45% منذ شهر يونيو الماضي والذي يأتي في أعقاب بقائها
فوق مستوى الـ 100 دولار للبرميل طيلة السنوات الخمس الماضية
تقريباً يسدّد طعنة نافذة إلى أنظمة الدول القمعية
(وهل السعودية وبقية مشيخات الخليج
دول ديمقراطية مثلاً؟).
وقالت الصحيفة: «إن العديد من الدول المصدّرة للنفط
قد أسّست اقتصادياتها على أساس هذا السعر، من بينها بعض
الدول التي تحكمها أنظمة مستبدة والتي لا تطبق الحريات
الكاملة وتعاني من معدلات فساد مستشرية مثل إيران وفنزويلا
وروسيا ونيجيريا».
وأضاف التقرير: «أن هناك عديداً من الأسباب التي تفسّر
هذا التراجع السريع في أسعار النفط العالمية، ولكن أبرزها
هو الولايات المتحدة الأمريكية التي أصبحت أكبر منتج للنفط
في العالم وإخفاق الدول المصدرة للنفط «أوبك» في الوصول
إلى إتفاقية حول السعر الذي ينبغي عليها البدء عنده في
خفض الانتاج، والذي سوف يسهم في رفع الأسعار، أو على الأقل
في تقليل تراجعها».
وأوضح التقرير أنه: «على الرغم من أن «أوبك» قد تحاول
عرقلة الطفرة التي تحقّقها الولايات المتحدة في إنتاج
النفط الصخري، فإنها تتسبب بالفعل في إثارة القلق للأنظمة
القمعية».
وتوقفت الصحيفة عند روسيا، كمثال واضح على الأنظمة
المتضررة من انخفاض أسعار النفط، وقالت: «أن الدولة الشيوعية
السابقة قد تضررت أشد الضرر نتيجة هبوط الاسعار». وفسّر
التقرير بـ «أن موسكو تعتمد اعتماداً كلياً على بيع النفط
والغاز، مشيراً إلى أن 45% من موازنة الحكومة المركزية
يأتي من صادرات النفط».
ورأى التقرير: «أن الأوضاع الاقتصادية الروسية تفاقمت
بدرجة أكبر بفعل العقوبات المفروضة من جانب معظم الدول
الغربية على خلفية الأزمة الأوكرانية، لافتاً إلى أن العملة
الروسية «الروبل» تفقد قيمتها بمعدل باعث على القلق، ما
يشجع على هروب رؤوس الأموال إلى الخارج ودب القلق في نفوس
المستثمرين، علما بأنّه من المتوقع أن ينكمش الناتج المحلي
الإجمالي لـ روسيا بنسبة 4% في العام 2015”.
ثم انتقل التقرير إلى الحالة الفنزويلية كمثال حي على
البلدان التي تأثّرت بأزمة النفط الحالية، موضحاً أنه
قبل وفاة الرئيس السابق هوجو تشافيز في بداية العام 2013،
إقترض ما قيمته 46 مليار دولار من الصين، واعداً إياها
بمنحها نفط مقابل الدين.
ولم يحصل الصينيون، وفقا للتقرير، حتى على مليون برميل
يومياً تقريباً من النفط من الدولة الاشتراكية، لكنهم
أغرقوا السوق الفنزويلي بالبضائع الصينية رخيصة الكلفة
التي لا تقبل المنافسة من منتجات محلية.
وعلاوة على ذلك، حصلت شركات البناء الصينية أيضا على
عقود لمشروعات تطوير البنية التحتية في فنزويلا، واستعانت
بالعمال الصينيين، ما فاقم معدّلات البطالة في فنزويلا
صاحبة الاقتصاد المأزوم بالفعل. وتحتاج فنزويلا لبيع النفط
الخاص بها مقابل 120 دولار للبرميل لدفع عجلة الاقتصاد،
أو ستجد نفسها مضطرة إلى إرجاء سداد ديونها إلى الصين.
وتطرق تقرير» إيبوك تايمز» إلى إيران وهي الدولة التي
تذوق مرارة الهبوط الحاد في أسعار النفط، قائلا إن الحكومة
تنفق الكثير من الأموال على مشروعات البنية التحتية، غير
أنها بحاجة إلى نحو 130 دولار للبرميل لتمويل تلك الأعمال
التنموية.
ولفت التقرير إلى التكهنات التي مفادها أن السعودية
تشن حرباً إقتصادية على طهران من خلال الضلوع في خفض أسعار
النفط، وذلك بسبب دورها في تصاعد وتيرة العنف الشيعي ضد
المسلمين السنّة. الصحيفة نقلت عن مصادر لم تسمّها بأن
ايران تدعم مقاتلي الدولة الاسلامية (داعش) الذين يتمدّدون
في الشرق الأوسط.
وختم التقرير بالحديث عن نيجيريا، موضحاً أن رئيسها
السابق ساني أباتشي الذي تفيد مزاعم باختلاسه أكثر من
1.1 مليار دولار. إن هذه السرقة الضخمة جعلت الحكومة عاجزة
عن تمويل الجيش. وأوضح التقرير أن انعدام القوة العسكرية
اللازمة سمح لمناصري مشروع الدولة الاسلامية مثل جماعة
«بوكو حرام» المسلحة بارتكاب أعمال إرهابية، من بينها
خطف ما يزيد عن 250 طالبة. وفي سؤال حول الحكومة النيجيرية
أبدى 90 بالمئة من النيجيريين عدم ثقتهم في الحكومة، وفي
ظل أوضاع أقتصادية صعبة، فإن البلاد سوف تواجه مداخيل
نفطية منخفضة وبذلك سوف يزداد الوضع سوءاً بوتيرة متسارعة.
فايننشال بوست
|
كونارد بلاك |
الكاتب السياسي كونارد بلاك كتب في (فايننشال بوست)
في 20 ديسمبر الماضي بأن السعوديين يعتقدون بأن الغرب
على وشك التسليم بالمطالب الإيرانية. وإن تحطيم أسعار
النفط هو كيف تقاوم ذلك.
وكتب كونارد:
إن ردود الفعل على الانخفاض في أسعار النفط العالمية
كان مموّهاً ـ وفي الحقيقة خفقاناً. السكرتير العام لمنظمة
أوبك عبد الله البدري، قال بأن التكهنات كانت لتوجيه اللوم
للانخفاض بنسبة 15 بالمئة منذ الزيادة الأخيرة في الانتاج.
وقد نفى بطريقة احتفالية أن تكون هناك أي محاولة من قبل
الكارتل النفطي إحباط إنتاج النفط الصخري أو الرملي، أو
للضغط السياسي على إيران أو روسيا. بشكل عام، فقد خضع
الإعلام العالمي تحت تأثير النظرية القائلة بأن إحباط
الإنتاج من مصادر جديدة من شأنها أن تخفض واردات النفط،
وخاصة من قبل الولايات المتحدة، وهو السبب الحقيقي لزيادة
الإنتاج وخفض الأسعار.
كيلي ماكبارلاند رئيس تحرير صحيفة (ناشيونال بوست)
قال بأن الحقيقة حول النفط الأكبر (على غرار الأخ الأكبر)
هي: لا أحد يسيطر عليه، وليس لديه أصدقاء، ولا يمكن الاعتماد
عليه. فالنفط الأكبر متقلّب وحليف لا يمكن الوثوق به،
ويميل الى الخداع والى الاختفاء في اللحظات الحرجة.
وإن كنت في ريب من ذلك، إسئل الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين، الذي استعرض تقارير لمدة ثلاث ساعات لمحور الشر
المناهض لموسكو من قبل النفط الأكبر، وإثنين من خدّامه،
الولايات المتحدة والسعودية. أو لتجنّب فكرة الزعيم الاسكتلندي
أليكس سالموند، الذي قاد حملة لاستقلال استكلندا عن المملكة
المتحدة تقوم على ضمان حصتها من نفط بحر الشمال الذي سوف
يضمن بدوره مستقبلاً مزدهراً وديناميكياً. الهبوط المفاجىء
وغير المتوقّع لأسعار النفط ترك فجوة خطيرة في الميزانية
الوطنية، قبل حتى أن يكون لدى اسكتلندا الحرة فرصة إعادة
تصميم علمها.
لكن البدري لديه تفويض محدود للكشف عن التوجّه الرسمي
المتفق عليه في أوبك وليس لديه سلطة للحديث عن دوافع الدول
الأعضاء بصورة فردية، وحتى أدنى من القدرة على قراءة ما
يدور في ذهن سلطات هذه البلدان والحديث باسمهم. أوبك كارتل
منزلق في أفضل الأوقات، العديد من الاعضاء هم في الواقع
الافتراضي، إن لم يكن في الواقع الحقيقي، في حالة حرب
مع بعضها البعض. وإن الدول الأعضاء لا تتحدث بالضرورة
بصدق فيما بينها وأي شيء ينطق نيابة عن المجموعة كلها
يجب التعامل معه بحذر. بعض الدول الأعضاء، بما في ذلك
العراق وليبيا ونيجيريا، لا تتحدث حقا عن المناطق المصدرة
للنفط في البلاد، وهناك العديد من الدول المنتجة للنفط
الأخرى التي إمّا لا تصدّر، أو حتى إذا فعلت ذلك، هي ليست
في أوبك ، بما في ذلك كندا واستراليا والنرويج والمملكة
المتحدة والولايات المتحدة.
تفسير التكهنات هو هراء، إذ ليس هناك مضارب عاقل سيشجع
بيع النفط بأقل من قيمته السوقية الحقيقية لغير نفسه،
وإذ وصل إنتاج أوبك الى 30 مليون برميل يومياً، فإن تكهنات
غير رسمية سوف تسبب هذا النوع من التقلبات في أسعار النفط
التي وقعت. بشكل عام، إن انخفاض معدل الصين للنمو الاقتصادي،
وتدابير الحفظ والطاقة البديلة التشجيع في كثير من بلاد
الغرب والتقدم المطرد لزيادة الإنتاج المحلي في الولايات
المتحدة، يشرح الكثير من انخفاض الأسعار. ولكن ليس هناك
شك في أن المملكة السعودية، بكونها أكبر مصدر للنفط في
العالم، قد زادت من انتاجها ، سواء كان بمشورة من السيد
البدري أم لا، وليس هناك شك في أن دوافعها سياسية بالدرجة
الأولى.
المملكة السعودية إستسلمت إلى حقيقة أن لا قدرتها الظاهرة
على مجاراة عزم الولايات المتحدة الدوري للحد من اعتمادها
على النفط الأجنبي مثل اليويو حسب السعر خفض إلى حين مرور
الانضباط الذاتي، ولا استثارة أنصار البيئة لجهة إنتاج
نفط بكميات منضبطة سوف يكون له أثر. (النفط الصخري المسجّل
هو نسبيا صديق للبيئة.) حذر الرئيس ايزنهاور خلال أزمة
السويس في عام 1956 من مخاطر الاعتماد على الدول الأجنبية
بنسبة تزيد عن 10٪ من إمدادات النفط في أميركا. فعل الرئيس
نيكسون نفسه في عام 1973 أثناء الحظر النفطي العربي، حين
ارتفعت النسبة المئوية من احتياجات الولايات المتحدة من
وارادات النفط إلى 20٪. في أواخر الثمانينات من القرن
الماضي، رتّب الرئيس ريغان مع السعوديين لناحية الإفراط
في الإنتاج بهدف تخفيض الأسعار إلى النصف، من خلال بيع
المملكة السعودية طائرات استطلاع الأواكس المتقدمة وأفضل
طائرات اعتراضية أميركية وأنظمة متطورة أسلحة جو - جو.
كان هذا جزءاً من خطّة ريغان لتقليص مصادر الاتحاد السوفيياتي
من العملة الأجنبية في حين إنفاقها على مبادرة الدفاع
الاستراتيجي. طبيعة هذه الترتيبات جاءت حقاً فقط في ظل
مذكّرات بعض المتورطين في الجانب الأمريكي بعد حوالي 20
عاماً.
نيويورك بوست
|
رالف بيترز |
نشرت صحيفة (نيويورك بوست) مقالة للكاتب رالف بيترز
في 14 ديسمبر الماضي بعنوان (حرب النفط السعودية ضد إيران
وروسيا) جاء فيه:
انخفض سعر النفط مسجلاً 60 دولاراً للبرميل في حين
أن البنزين في محطة التعبئة المحلية القريبة مني كان 2.26
دولاراً للجالون. وهذه أنباء سارّة بالتأكيد للمسافرين
وكل الأعمال تقريباً، ولكنها في الوقت ذاته سيئة تماماً
لأبشع أعدائنا.
إذا واصلت أسعار النفط انخفاضها خلال العام المقبل
فإن التأثير على «الحكومات المارقة» من روسيا الاتحادية
إلى فنزويلا سوف تتحول من مجرد الإصابة ببعض التلف أو
الضرر إلى الدمار. لكن الاقتصادات الغربية (والصين) ستستفيد
من هذه الأسعار المتهاوية، ما قد يستحث السوق الأوروبي
على الاستيقاظ من غفوته. وحتى أكثر الدول تخلفاً سوف تحصل
على استراحة ترحيب.
لقد قادت المملكة السعودية - القوة المهيمنة في منظمة
أوبك - عملية هبوط الأسعار. وفي الوقت الذي تُعدّ فيه
خطوة المملكة طبيعية كرد فعل على طفرة الطاقة في أمريكا
الشمالية، لكن الدافع الأبرز يتبلور في كسر إرادة الجمهورية
الإيرانية.
ويعتقد السعوديون أنه ما عاد يمكنهم الاعتماد على الولايات
المتحدة لاحتواء تهديد طهران النووي الوشيك، ومن ثمّ فإنه
يمكنهم القيام بما لا تستطيع عقوباتنا الفاترة فعله. كما
لا يوجد في الوقت ذاته حب بين السعوديين والروس. فالسعوديون
يريدون رحيل نظام «بشار الأسد» في سوريا، وموسكو أحد أبرز
الداعمين له. لا يفعل السعوديون أي شيء من هذا لمساعدتنا،
لكن ما يفعلونه يُفضي في نهاية المطاف إلى مساعدتنا. والآن؛
القضية الرئيسية هي: إلى متى سيبقى انخفاض الأسعار؟
قد تكون الأسواق خارج أي توقعات، لكن وفرة المعروض
عالمياً وخفض الطلب وزيادة الكفاءة تشير إلى أن المنتجات
البترولية ينبغي أن تظل رخيصة نسبياً - مع التقلبات -
على مدى السنوات القليلة المقبلة. إنه لخبر سارٌّ للديمقراطيات
والأسواق الحرة، لكنه كابوس للديكتاتوريين في كل مكان.
ابرز الخاسرين ايران، التي تعلمت كيف تتكيّف وتدير
شؤونها مع العقوبات الغربية المفروضة عليها. ويُعدّ النفط
شريان الحياة لها. ولكي تحقق التوازن لميزانيتها فإنها
بحاجة لبيع نفطها بين 135 و140 دولار للبرميل!
وفي ظل سعر برميل بالكاد يقترب من 40٪ مما تعوزه إيران
فسيدخل الاقتصاد في نزيف حاد. وسوف يتعرض قادة إيران إلى
أكبر ضغط يُمارس عليهم للتنازل عن الأسلحة النووية - ما
لم نقم من جانبنا بتخفيف العقوبات مقابل لا شيء. هذه هي
الفرصة الأخيرة التي تجعل المفاوضات تؤتي ثمارها المرجوة.
وتتمثل الزاوية الرائعة هنا في بذل المملكة السعودية
المزيد من الجهد لأمن إسرائيل أكثر مما تعلن إدارة الرئيس
«أوباما» استعدادها للقيام به. إن العدو المشترك يُولّد
تحالفات غير متوقعة وإن لم تُعلن رسمياً.
اما روسيا، فلا يمكن لانخفاض أسعار النفط أن يأتي في
وقت أسوأ من هذا بالنسبة للرئيس السيئ «فلاديمير بوتين».
ويحتاج الرئيس الروسي إلى أسعار نفط حول معدّل 100 دولار
للبرميل لدعم اقتصاده الذي يعتبره في زمن الحرب. ويوفّر
النفط والغاز ما يصل إلى ثلث إيرادات الميزانية كما أنهما
ثلثا الصادرات تقريباً.
وتنخر العقوبات المفروضة على «بوتين» الاقتصاد الروسي،
ولكن انخفاض أسعار النفط بهذه الصورة بمثابة اللدغات العميقة:
لقد تهاوى الروبل الروسي، وأصبحت السندات الروسية في حالة
يُرثى لها، ودخلت الاحتياطيات الأجنبية في نزيف. وفي الوقت
الذي يتحمّل فيه الروس عناء أوقات أصعب من التي سوف يقاسيها
الغربيون، فإن «بوتين» قد ألزم نفسه بالتزامات باهظة (رهانه
بالسعي لإعادة 50 مليار دولار بدّدها على البناء الأوليمبي
الفاسد).
لقد أقحم ذلك المستأسد عاري الصدر نفسه في عملية مراكمة
أسلحة واسعة مع مركز قيادة فائق التكنولولوجيا بقيمة خمسة
مليارات دولار أمريكي فقط. لكن رؤية «بوتين» لإعادة بعث
الجيش الروسي أصبحت لا تطاق. كما أعطى وعوداً انتخابية
لتحسين نظام الرعاية الصحية المزري في روسيا. وبدلاً من
ذلك؛ قام بتسريح العاملين في مجال الرعاية الصحية وأغلق
عدداً من المستشفيات. لقد تعهّد برفع مستويات المعيشة،
لكن «إيفان» - اسم عام مشهور في روسيا - يشعر حالياً أن
ما حدث هو العكس. ويواجه «بوتين» أيضاً التكاليف الباهظة
في شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا صاحبتا الجوائز التافهة
بعد خسارتهما، والأخيرة منهما تُسرع نحو الهاوية. لكن
الحق يُقال أنه لا تزال شعبية «بوتين» عالية حتى اللحظة،
لكن القلق الأخطر هو أنه في ظل المأزق الذي لا يعرف سبيلاً
للخروج منه فإنه سيلعب ببطاقة روسيا الأم ويهاجم مجدداً.
وبالنسبة للعراق، فليس لديه ما يقدمه للعالم سُوى النفط.
وتحتاج بغداد لتمويل يطيل فترة صمودها أمام عناصر «الدولة
الإسلامية» المتشددة. يكره السعوديون الدعوات المطالبة
بالخلافة من تنظيم «الدولة الإسلامية»، وفي الوقت ذاته
لا يكنّون أي تعاطفٍ تجاه حكومة بغداد الشيعية الموالية
لإيران. لذا؛ إطرد من رأسك فكرة أن انخفاض الأسعار إنما
جاء من أجل صالح العراق. وتكمن المشكلة في أننا سنصل في
النهاية إلى دفع أكثر مما تتطلبه فاتورة المعركة من أجل
تظاهر بغداد أن العراق يمكن أن يظل متماسكاً. ليست مشاكل
العراق في المناطق التي سيطر عليها «إرهابيو» «الدولة
الإسلامية»، لكنّها أحد الأعراض المتعددة.
اما الرابحون من انخفاض اسعار النفط، فتأتي في المقدمة
الولايات المتحدة. فعلى الرغم من أن بعض الأطراف الفاعلة
في مجال الطاقة سوف يعانون من انخفاض الأسعار وسنرى موجة
من اندماج الشركات، إلا إن أخبار انخفاض أسعار النفط للمستهلكين
الأمريكيين والشركات وحتى - على المدى البعيد - جيشنا
هي مبعث سرور. وقد حصل الاقتصاد الذي كان قد بدأ باسترداد
عافيته على جرعة فيتامين أخرى في الوقت الذي حصلت فيه
ميزانيات الأسر العاملة على فرصة مناسبة.
وتهدف الاستراتيجية السعودية أيضا إلى الإضرار بصناعة
الطاقة المزدهرة لدينا؛ مثل استخراج النفط الصخري في ولاية
داكوتا الشمالية. ولكنّها لن تعرقل ذلك، وسيكون التأثير
الكلي على اقتصادنا إيجابياً. ولعل أكبر فائدة في انخفاض
أسعار النفط هو ما يترتّب من نتائج تفتقر إدارة «أوباما»
الشجاعة للقيام بها: صفع أعدائنا بقوة. وزيرة الخارجية
الأمريكية السابقة «هيلاري كلينتون» لم تُعد العلاقات
مع موسكو كما كانت، لكن أسعار النفط المنخفضة تفعل. وقد
يكون على إيران التخلي عن أحلامها بالهيمنة النووية في
الشرق الأوسط.
وتستفيد كل دولة كبرى تقريباً من انخفاض أسعار النفط؛
من اليابان إلى الهند، سواء أكانت حليفة أو محايدة. سعي
المملكة السعودية لتحقيق مصالحها هي مساهمة في الوقت ذاته
في إنقاذ سياستنا الخارجية الفاشلة.
الصين رابح اكبر من انخفاض اسعار النفط، لأنها ثاني
أكبر بلد مستهلك للطاقة في العالم (بعد الولايات المتحدة
الأمريكية) وفقيرة للغاية في احتياطيات النفط والغاز المحلية،
وتسير بكين في طريقها نحو إنفاق نصف تريليون دولار سنويًا
على واردات الغاز والنفط. ويمكن خفض هذا الرقم إلى النصف
تقريباً إذا ظلت أسعار منتجات النفط منخفضة. وتوفّر أسعار
النفط والغاز المنخفضة للصين طريقاً آخر للحد من التلوث
الهائل؛ نظراً لأن معظم التلوث المنبعث منها يأتي من استخدام
فحم محلي منخفض الجودة. لقد انزلقت معدلات النمو الرائعة
في الصين، ولكن انخفاض أسعار النفط سيساعد في تخفيف أي
سقوط.
الهند رابح كبير ايضاً، ويأتي انخفاض تكاليف استيراد
الطاقة باعتباره نعمة في الوقت المناسب. لقد انخفضت معدلات
النمو بنسبة 60% في وقت يتعيّن فيه على الهند أن تنفق
على نطاق واسع لاستيراد ثلاثة أرباع النفط الذي تستهلكه.
انخفاض تكاليف الطاقة من شأنه أن يساعد نيودلهي في الحفاظ
على نمو الناتج المحلي الإجمالي ولو بوتيرة أقل تقييداً
مما كان في العقد الماضي. ويؤدّي الانخفاض في الأسعار
إلى جعل خط أنابيب الغاز الذي تريد روسيا زرعه في المنطقة
أقل جاذبية.
الأمر ملتبس بالنسبة لكندا، فهل يُقال «الويل لكندا؟»
أو يُكتفى فقط بالأمر»توقفي كندا!». إن الانخفاض الحاد
في أسعار النفط يجعل استغلال مخزونات قطران الرمال الكندية
أقل قابلية للحياة - خيبة أمل بالغة لخبراء الميزانية
في «أوتاوا» - ولكن الاقتصاد الكندي المتنوع والقوي يدفع
نحو تخطي الأزمة المتعلقة بكل مقاطعة: فقدان صناعة واحدة
هي مكسب لآخرين.
وهناك بعض المناطق التي ستُضرب بشدة (تمامًا كما في
الولايات الأمريكية الــ48 المجاورة)، لكن أمريكا الشمالية
لا تزال تبدو صاحبة أفضل الصفقات إشراقاً من الناحية الاقتصادية
أكثر من اليساريين في جميع أنحاء العالم، والذين أطلقوا
تحذيراتهم لقرن من الزمان.
والأمر بالنسبة للمكسيك وهي منتج نفطي مختلف، فقبل
عقد من الزمان، دمّر انخفاض مثل هذا اقتصاد المكسيك المعتمد
على النفط. لكنّ تنويع الخيارات والتعاقدات الذكية ورفع
القيود، كل ذلك يجعل الاقتصاد المكسيكي - على الأقل في
العام القادم - لايتأثر كثيراً بانخفاض الأسعار. غير أن
استمرار هذا الانخفاض لسنوات سيجعل الاقتصاد المكسيكي
يعاني. فمازالت الحكومة تعتمد على النفط لتوفير ثلث إيراداتها،
كما يمثل النفط 15% من الصادرات. سيتراجع الاقتصاد المكسيكي
بصورة حادة، بينما يكفل اقتصادنا المزيد من الهجرة غير
الشرعية.
هناك اضرار فادحة أُصيب بها الاقتصاد الفنزويلي الذي
مُسح تماماً بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ فهناك نقص في
كل شيء من الطحين والحليب حتى مناديل دورة المياه اختفت
من السوق. الدولة التي كانت فيما مضى أغنى دولة في أمريكا
الجنوبية على أساس نصيب الفرد، انهارت صناعتها النفطية
وأصبح اقتصادها يلهث بعد حكم خمسة عشر عاماً للاشتراكية.
هروب رأس المال وتفشي المحسوبية الحزبية وعرقلة عمليات
الرقابة على الأسعار والفساد الهائل الذي يميّز اليوتوبيا
اليسارية دائماً ترك مؤسسة واحدة هي التي تعمل في الدولة
- الشرطة السرية (مُدربة ومدعومة من الكوبيين).
ويعاني الرئيس البائس «نيكولاس مادورو» - وريث «التشافيزية»
(اقتصاديات الفودو الحقيقي) - الذي خلف الرئيس الراحل
«هوجو شافيز» ليس بسبب عدم كفاءته مثل معلمه لكنه يفتقر
إلى مثل الكاريزما التي كان يتمتع بها الراحل. وبطبيعة
الحال، فإنه يلقي باللوم في كل شيء على الأمريكيين. إذا
بقيت أسعار النفط في انخفاض فسوف تسقط الحكومة في كراكاس.
وهذا لن يكون جيداً، وسوف يستغرق الاقتصاد عقودًا لإعادة
البناء من جديد.
في المقابل، ففي ظل اقتصاد البرازيل الضخم المتنوّع
فإنها حتماً ستكون قادرة على الصمود في وجه تراجع عائدات
النفط. لكن الحكومة الاشتراكية الحالية تعتمد على دخل
الطاقة لدعم البرامج الاجتماعية المُلحّة وحماية الاقتصاد
من آثار الفساد المستشري. وتعاني صناعة الطاقة في البلاد
من حالة فوضى. نستطيع القول إجمالاً إن البرازيل ستنجو
لكنها لن تزدهر في حال بقيت أسعار النفط منخفضة.
وتواجه نيجيريا حالياً أزمة في الميزانية تلوح في الأفق
في ظل انهيار جهود الإصلاح وحالة الهيجان التي تعيشها
«بوكو حرام» في الشمال. وتعتمد تلك الدولة الإفريقية صاحبة
أكبر التعدادات السكانية في القارة السمراء - على النفط
في توفير ثلاثة أرباع الإيرادات الحكومية وثلث الاقتصاد
و90% من صادراتها. انهيار اسعار النفط هو خبر صادم لبلد
غير منطقي بالمرة في ظروفه بالنظر إلى شمال فقير للغاية
ذي أغلبية مسلمة وجنوب غني بالنفط ذي أغلبية مسيحية. إذا
كان هناك حليف واحد من الناحية الاسمية يجب أن نقلق بشأنه
مع هذا الانخفاض البالغ في أسعار النفط فإنها نيجيريا.
|