|
|
|
الطفل المدلل ملكاً |
|
مقرن: هل يكون منصبه مؤقتاً؟
|
من الجناح الى الفرد
فرامانات سلمان السديرية
عمر المالكي
في اللحظة التي أعلن فيها عن موت الملك عبد الله وما
أعقب ذلك مباشرة من قرارات ارتسمت معالم مرحلة بالغة الجدّة،
فكل شيء كان يوحي بأمر ما قادم وصادم.. وبدت لحظة رحيل
عبد الله كما لو أنها شرارة معركة من طرف واحد جرى التخطيط
لها بعناية من قبل الجناح السديري الذي يقوده سلمان منفرداً.
لم يشأ أنصار سياسة المواربة المعروفة عن السعودية المحافظة
الالتزام بتقليد لم يعد ممكناً في ظل متغيرات سريعة، فقد
اختار الملك الجديد خوض معركة السلطة على نحو عاجل وحاسم،
لبدء عهده دون تحديات من داخل البيت.
لم يخف الملك الجديد ما كان يبيّته، فأوامر الاعفاء
والتعيين بعد مرور ساعات من إعلان موت الملك عبد الله
تنطوي على دلالات بالغة الأهمية..لا تقتصر على مجرد الكشف
عن أزمة داخلية وصراع شرس بين الأجنحة في الأسرة المالكة،
ولكن تمتد الى ما يمكن أن يصل اليه الصراع على السلطة
بين الملك الجديد وبقية الأجنحة. صحيح أن معادلة السلطة
تتركز الآن على ثلاثة أطراف كبرى ممثلة في بيوتات: عبد
الله، سلمان، ونايف، ولكن تزايد أعداد المهمّشين داخل
الأسرة يبقي احتمالات توسّع رقعة الخلاف وتالياً الصراع
مفتوحة على مديات أخطر وأبعد..
اختار الملك الجديد السير على خطى سلفه، وبنفس الآليات
التي عيّن وأعفى من خلالها منافسيه. عيّن سلمان نجله محمد
وزيراً للدفاع، وإبن أخيه محمد بن نايف، في منصب ولي ولي
العهد وبنفس الشرط الالزامي الذي عيّن فيه الملك عبد الله
أخاه غير الشقيق مقرن، ولي العهد الجديد، وزاد عليه بأن
جعل البيعة تشمل منصب ولي ولي العهد وهذا غير مسبوق. وعلى
الطريقة نفسها أيضاً، تجاهل الملك الجديد «هيئة البيعة»
المعنيّة باختيار ولي العهد بعد موت الملك السابق. نعم،
قد يلجأ سلمان الى الهيئة لإبعاد مقرن، في عملية تصحيح
مفتعلة لآليات انتقال السلطة.
في واقع الأمر، أن الملك الجديد يتسلّح بتجربة سلفه
في اختراق المألوف في التعيين والإعفاء، ثم جاءت الأوامر
الملكية الثلاثين الصادرة في 29 يناير الماضي وقبل مرور
اسبوع على رحيل الملك عبد الله، فكانت أشد راديكالية من
تلك التي كانت في عهد الملك عبد الله..
من وجهة نظر البعض، قد يبدو الملك سلمان مدفوعاً بروح
انتقامية، وتكشف قراراته عن جانب خطير من الخلاف المستتر
والطويل مع جناح سلفه كما تظهر ذلك التعيينات والاعفاءات..
وكما كان عبد الله اللاعب الوحيد في ميدان السلطة، فإن
سلمان يبدو هو الآخر كذلك، إذ يقود ويعفي ويعيّن، وليس
هناك من قوة أخرى يمكن أن تمتنع عن التنفيذ أو تعترض وإن
في الشكل..
لا ريب أن سلمان يعتمد سياسة تصفية حساب من جهة مع
جناح عبد الله، وفي الوقت نفسه يمهّد الطريق لوصول أبنائه
الى السلطة والذي بدأ بتعيين نجله محمد بن سلمان في منصب
وزير دفاع، وهو من المناصب السيادية الموصلة الى العرش،
ثم زاد عليها بأن سلّمه رئاسة مجلس الشؤون الاقتصادية
والتنمية والذي يمهّد لتحالف مستقبلي قوي مع محمد بن نايف
الذي يرأس مجلس الشؤون السياسية والامنية بعد الغاء 12
مجلس أعلى وهيئة..
سوف ينشغل الملك الجديد ولفترة وجيزة بترتيب البيت
الداخلي وبما يتناسب مع تعديل ميزان القوى لصالح الجناح
السديري.. مع أن سلمان يتطلع، بحسب وتيرة التغييرات السريعة
التي استهلّ به عهده، الى حسم سريع.
في الأدوار الخارجية، بدا أن السباق بين محمد بن نايف،
وزير الداخلية، ومتعب بن عبد الله، وزير الحرس الوطني
نحو واشنطن قد انتهى لصالح الأول. فالزيارات التي قام
بها محمد بن نايف الى الولايات المتحدة خلال العام 2014
كانت أشبه بتقديم أوراق اعتماد، وقد نجح في تسويق نفسه
بكونه المحارب الشرس لتنظيم القاعدة والارهاب عموماً،
وإن المرحلة الراهنة تتطلب تعزيز دوره في الحرب على الارهاب.
في المقابل، خسر أبناء عبد الله مواقع بالغة الحساسية
باعفاء مشعل بن عبد الله من إمارة مكة وتركي بن عبد الله
من إمارة الرياض، وبصورة خاطفة في ظل أحاديث حول تهميش
متعب في الحرس الوطني والضغط على ولي العهد مقرن للتنحي
من منصبه، بالرغم من كونه ـ اي مقرن ـ الضامن الوحيد لوصول
الأمير متعب الى العرش، بعد إبن عمه محمد بن نايف.
مهما يكن، لا شيء في الأفق يجعل أحداً مطمئناً الى
ما يمكن أن تسير عليه الأمور، فالمتغيرات السريعة في الداخل
والإقليم تفتح الباب على مروحة واسعة من الاحتمالات والخيارات.
تزايد أعداد المهمّشين في العائلة المالكة يزيد من
فرص النزاع الداخلي واتساعه، واضطراب الأوضاع الاقليمية
يضع استقرار المملكة على المحك.
ثمة تحديّات جديدة تواجه الملك الجديد، تبدأ بصراع
الأجنحة شبه المعلن وسوف تكون له انعكاساته المباشرة في
العهد الجديد، وهناك التحدي الاقتصادي بعد الهبوط الحاد
لأسعار النفط وتالياً تراجع دور الدولة الريعية وما ينطوي
عليه من أخطار جديّة تتعلق بالاستقرار والأمن الداخلي..وهناك
تحدي المشروعية، إذ من المؤكد أن مشروعية النظام اليوم
ليست كما كانت عليه قبل عام، فهناك نقمة بأشكال متعددة
على العائلة المالكة لأسباب كثيرة منها ما هو محلي (الفساد
المالي والاداري، وقمع الناشطين والاصلاحيين)، ومنها ما
هو خارجي (قيادة الثورة المضادة والتواطؤ مع الغرب والولايات
المتحدة ضد الشعوب..).
يبدأ الملك سلمان عهده في ظل ثورة اتصالية غير مسبوقة،
وما لم يقل في بداية عهد الملك عبد الله سنة في آب 2005،
يقال اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي عن الملك الجديد،
حيث يطلق ناشطون حملات تشكيك في آلية البيعة، فيما يطالب
آخرون بملكية دستورية يكون فيها الشعب هو مصدر السلطات.
لابد من الإشارة الى أن السعودية بدأت منذ إعلان الملك
عبد الله في 3 شباط 2014 عن تجريم المقاتلين السعوديين
المدنيين والعسكريين في ملاحقة كل الناشطين بمن فيهم المدافعين
عن حقوق الانسان والإصلاحيون بذريعة الحرب على الإرهاب.
ومنذاك، يخضع عشرات الناشطين لتدابير قمعية أثارت حفيظة
منظمات حقوقية دولية مثل العفو الدولية وهيومان رايتس
ووتش وأرغمت حكومات غربية على تبني موقف ناقد للانتهاكات
المتصاعدة في المملكة السعودية. وفي الداخل، سوف تأكل
تلك الانتهاكات من رصيد السلطة وتماسكها خصوصاً في حال
اندلاع أي أزمة داخلية أو إقليمية ذات انعكاسات محلية.
إعلان الملك الجديد عن السير على «خطى أسلافه» يحمل
رسالة سلبية، لأن ما هو مطلوب هو كسر الخط السلفي في السياسة
السعودية، والذي ينتمي الى عالم لم يعد قائماً، وأن المطلوب
هو قرارات جوهرية في مجال الاصلاح السياسي والتي تأكد
أن سلمان ليس في هذا الوارد بعد إصداره الأوامر الملكية
التي زادت على الثلاثين التي كشفت عن نزعة تسلّطية جامحة
لدى الرجل وأن السلطة بات مقتصرة على بيت سلمان الى جانب
بيت نايف بدعم أمريكي واضح.
في الاقليم، متغيّرات كبرى ولها بالتأكيد تداعيات على
الداخل السعودي، وأبرزها المتغير اليمني الدراماتيكي،
خصوصاً بعد تقديم الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي استقالته
بعد استقالة الحكومة، واغلاق الرياض سفارتها في صنعاء،
ما قد يفتح الباب على خيارات ثورية شعبية تطيح النفوذ
السعودي للأبد.
الحرب على داعش تفرض هي الأخرى نفسها على الداخل السعودي
في ظل مخاوف من استفاقة مفاجئة للخلايا النائمة، والتي
قد تستغل الخلاف المتجدّد داخل بين الأمراء من الأجنحة
كافة.
ويبقى السؤال، هل ينجح سلمان في احتواء خلافات الأسرة
المالكة وفرض واقع جديد؟
بدا المراقبون للواقع السياسي السعودي هذه المرة متشائمين
على غير العادة؛ وإن عبارة (الانتقال السلس للسلطة) اختفت
من قراءات الصحافيين الأجانب، وحلّت مكانها عبارة أخرى،
كانت صحيفة (واشنطن بوست) قد لفتت اليها في 23 يناير الماضي
ومفادها أن عملية انتقال السلطة باتت الأشد غموضاً في
تاريخ السعودية..وهي بالفعل كذلك، فقد كسر الملك الجديد
تقليداً سائداً بقرارات راديكالية، الأمر الذي قد يفجّر
صراعاً دموياً على السلطة، ولعل الموقف الذي أعلن عنه
الأمير طلال وتخوّفه من «انهيار النظام بسبب الخلافات»
يعبّر عن قلق جدي وسط عدد كبير من أمراء آل سعود من أن
يسير الملك الجديد على السياسة ذاتها التي انتهجها سلفه
فتصبح السلطة حكراً على بيت وليس أسرة.. ولكن في ظروف
مختلفة، ووفق حسابات أيضاً مختلفة.
قراءة في الشكل
في وقت متأخر من الليل بدت القنوات الفضائية التابعة
لآل سعود متأهبة لاستقبال سيل الأوامر الملكية الانقلابية.
كانت قناة (العربية) تهيء جمهورها لاستقبال أوامر ملكية
مهمة.. لم يكن أحد يتوقع أن تكون بهذا الحجم ولا بالمضمون
الانقلابي، وأقصى ما يمكن أن تصل اليه هو تغييرات تمهيدية،
ولكن ما حصل هو تغيير انقلابي بكل ما للكلمة من معنى.
تغيير في إمارات المناطق، وتغيير في التركيبة الوزارية،
والبنية الادارية، والجسد الدولتي، وكل ذلك جرى في غضون
إسبوع، بحيث أحال من كل التغييرات التي قام بها الملك
عبد الله هباءً منثوراً..
بدأت الأوامر الملكية بإعادة تشكيلة مجلس الوزراء،
وضمّ مقرن ولياً للعهد، ومحمد بن نايف ولي ولي العهد ونائب
ثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للداخلية، وسعود بن فيصل
بن عبدالعزيز آل سعود وزيراً للخارجية، ومنصور بن متعب
بن عبدالعزيز آل سعود وزير دولة وعضواً بمجلس الوزراء
مستشاراً للملك، وكان يتولى وزراة الشؤون البلدية والقروية
بعد والده، ومتعب بن عبد الله وزيراً للحرس الوطني، ومحمد
بن سلمان وزيراً للدفاع، والشيخ صالح بن عبدالعزيز بن
محمد بن إبراهيم آل الشيخ وزيراً للشؤون الإسلامية والأوقاف
والدعوة والإرشاد، ووليد بن محمد بن صالح الصمعاني وزيراً
للعدل، ومطلب بن عبدالله النفيسة وزير دولة وعضواً بمجلس
الوزراء، ومساعد بن محمد العيبان وزير دولة وعضواً بمجلس
الوزراء، وعلي النعيمي وزيراً للبترول والثروة المعدنية،
وإبراهيم العساف وزيراً للمالية، وعبدالله بن عبدالرحمن
الحصين وزيراً للمياه والكهرباء، وعادل فقيه وزيراً للعم،
وشويش بن سعود بن ضويحي الضويحي وزيراً للإسكان، وبندر
بن محمد بن حمزة أسعد حجار وزيراً للحج، ومحمد بن سليمان
بن محمد الجاسر وزيراً للاقتصاد والتخطيط، وتوفيق بن فوزان
بن محمد الربيعة وزيراً للتجارة والصناعة، ومحمد بن فيصل
بن جابر أبو ساق وزير دولة وعضواً بمجلس الوزراء لشؤون
مجلس الشورى، وعصام بن سعد بن سعيد وزير دولة وعضواً بمجلس
الوزراء، وعبدالله بن عبدالرحمن المقبل وزيراً للنقل،
ومحمد بن إبراهيم السويل وزيراً للاتصالات وتقنية المعلومات،
وماجد بن عبدالله القصبي وزيراً للشؤون الاجتماعية، وسعد
بن خالد بن سعدالله الجبري وزير دولة وعضواً بمجلس الوزراء،
ومحمد بن عبدالملك بن عبدالله آل الشيخ وزير دولة وعضواً
بمجلس الوزراء. وعبداللطيف بن عبدالملك بن عمر آل الشيخ
وزيراً للشؤون البلدية والقروية وأحمد بن عقيل الخطيب
وزيراً للصحة، وخالد بن عبدالله العرج وزيراً للخدمة المدنية،
وعادل بن زيد الطريفي وزيراً للثقافة والإعلام، وعبدالرحمن
بن عبدالمحسن الفضلي وزيراً للزراعة، وعزام بن محمد الدخيل
وزيراً للتعليم.
دلالات التشكيلة
هناك مجموعة دلالات يمكن استخلاصها من هذه التشكيلة
الوزارية:
أولاً: في التوزيع الجغرافي
أن 26 وزيراً من أصل 30 وزيراً ينتمون الى منطقة نجد،
التي لا تمثل سوى نحو خمس عدد السكان، وهذا يعد انتكاسة
كبيرة.. فيما يتوزع الوزراء الأربعة الباقون على المناطق
الأخرى.
ثانياً: أن التشكيلة الوزارية
هي أقرب الى بيت سلمان وإبنه محمد، فلم تعتمد معياراً
وطنياً ولا حتى معيار الولاء لآل سعود، وإنما أصبح المعيار
ضيّقاً الى حد اعتبار الولاء لسلمان وإبنه المعيار الوحيد،
ما يجعلها تشكيلة من نوع خاص فلا هي حكومة وطنية وهذا
قطعي، ولا هي حكومة سعودية بالمعنى الحصري للكلمة، أي
حكومة موالية لآل سعود، وإنما هي حكومة تمثّل مصالح بيت
سلمان.
ثالثاً: ليس من بين الوزراء
من يمكن القول بأنه يحمل تطلعاً إصلاحياً أو رؤية إصلاحية،
وليس على هذا الأساس جرى اختيارهم، وكل ما يقال عن دماء
جديدة، وحكومة شباب هو مجرد هراء تام.
إحتكار السلطة وتركيزها
تقرر إلغاء عدد من أجهزة الدولة مثل: اللجنة العليا
لسياسة التعليم، اللجنة العليا للتنظيم الإداري، مجلس
الخدمة المدنية، الهيئة العليا لمدينة الملك عبدالعزيز
للعلوم والتقنية، مجلس التعليم العالي والجامعات، المجلس
الأعلى للتعليم، المجلس الأعلى لشؤون البترول والمعادن،
المجلس الاقتصادي الأعلى، مجلس الأمن الوطني، المجلس الأعلى
لمدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة، المجلس
الأعلى للشؤون الإسلامية، المجلس الأعلى لشؤون المعوقين.
تخضع الغالبية الساحقة من هذه المجالس واللجان لجناح
الملك عبد الله، وهناك مجالس عليا أخرى لم يعرف مصيرها:
لجنة الحج العليا، المجلس الأعلى للإعلام، الهيئة العليا
للأمن الصناعي، المجلس الأعلى للدفاع المدني، مجلس القوى
العاملة، مجلس إدارة صندوق التنمية البشرية، والهيئة العليا
للسياحة، المجلس الأعلى للجامعات، المجلس الأعلى للقوى
العاملة، وكان جميعها يخضع تحت إدارة الأمير نايف بن عبد
العزيز وآخرين من التيار السديري.
على اية حال، فإن إلغاء الإثني عشر جهازاً كان ضمن
تصفية تركة الملك عبد الله، وإن ما تأسس على الالغاء هو
بيت القصيد. فقد صدر الأمر الملكي بتشكيل مجلسين يرتبطان
تنظيمياً بمجلس الوزراء: مجلس الشؤون السياسية والأمنية،
برئاسة محمد بن نايف، ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية
برئاسة محمد بن سلمان.
وفي واقع الأمر، يناط بالمجلسين كل شؤون الدولة، ويؤسسان
لتحالف مستقبلي بين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان في وجه
متعب بن عبد الله وأي أجنحة أخرى، بل يمكن القول بأن هذا
التحالف سوف يقبض على مفاصل الدولة.
على سبيل المثال، في مجلس الشؤون السياسية والامنية
بات محمد بن نايف رئيساً على مجموعة من الوزراء بمن فيهم
سعود الفيصل وزير الخارجية، ومتعب بن عبد الله وزير الحرس
الوطني، ومحمد بن سلمان وزير الدفاع، وصالح آل الشيخ،
وزير الشؤون الاسلامية، وعادل الطريفي وزير الثقافة والاعلام،
وخالد الحميدان رئيس الاستخبارات العامة.
وعلى الموال نفسه، فإن مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية
برئاسة محمد بن سلمان، نجل الملك، ويكون رئيساً على مجموعة
أخرى من الوزراء مثل وزير العدل، وزير البترول والثروة
المعدنية، ووزير المالية، ووزير المياه والكهرباء، ووزير
العمل، ووزير الاسكان، وزير الحج، وزير الاقتصاد والتخطيط
، وزير التجارة والصناعة، وزير النقل، وزير الاتصالات
وتقنية المعلومات، وزير الشؤون الاجتماعية، ووزير الشؤون
البلدية والقروية، وزير الصحة، وزير الخدمة المدنية، وزير
الثقافة والاعلام، وزير الزراعة، وزير التعليم، إضافة
الى عدد من وزراء دولة.
في النتائج، إن الذي جرى هو عملية احتكار للسلطة في
بيتي سلمان ونايف، وتركيزها بحيث لم تعد هذه السلطة مجزئة
ومشتّتة وإنما مركزّة في عدد محدود للغاية. وفي هذين المجلسين
لم يتم تقاسم المهام أو توزيعها بل إن الهدف من وراء تشكيلهما
هو بناء هرمية للسلطة يكون رأسها سلمان وجناحاها محمد
بن نايف ومحمد بن سلمان. ويمكن تصوير ما جرى على أنه بمثابة
حكومة كبرى وحكومتين مصغّرتين، واحدة متخصصة في الشؤون
السياسية والامنية والاخرى متخصصة بالشؤون الاقتصادية..وصارت
الدولة تقاد من ثلاثة سلمان والمحمدين، وأما ولي العهد
فهو منصب معطّل لا قيمة عملية له، وفي ظل وجود المجلسين
فإنه غير قادر على الاضطلاع بأي دور..فيما الحكّام الفعليين
هم محمد بن نايف ومحمد بن سلمان..
ثمة إشارة ملتبسة يلفت إليها الأمر الملكي الخاص بتشكيل
المجلسين وهي أن لرئيس أي منهما أن ينيب عنه من يراه من
الأعضاء لرئاسة جلسات المجلس، ولكن الفقرة التالية تبدو
مثيرة (ولكل من وزير الخارجية ووزير الحرس الوطني أن ينيب
عنه من يراه من منسوبي الوزارة لحضور جلسات المجلس على
أن يكون بمرتبة وزير)..وكأن هذه النقطة تلفت الى أمر خلافي
حول مشاركة هذين الوزيرين في مجلس الشؤون السياسية والامنية،
وقد يشي باعتراضهما على تركيبة المجلس..فهنا نحن أمام
مجلس وزراء مصغر يرأسه محمد بن نايف وهناك مجلس مماثل
اقتصادي برئاسة محمد بن نايف، إذ لم يعد الملك وحده هو
السلطة العليا لهذين الوزيرين بل هناك سلطة أخرى فرعية
تعلو مقامهم..
دلالات الاعفاءات والتعيينات
خلت الأوامر الملكية الخاصة بالاعفاءات والتعيينات
من أي لمسة دبلوماسية، فقد جاءت مباشرة وواضحة في الدلالة
والرسالة.. بدأت بإعفاء مشعل بن عبد الله من إمارة مكة
المكرمة، وفيصل بن بندر بن عبد العزيز من إمارة القصيم،
وتركي بن عبد الله من إمارة الرياض..في المقابل، أعيد
خالد الفيصل الى إمارة مكة، وقد كان عليها في عهد الملك
عبد الله قبل أن يعفيه ويعيّنه وزيراً للتعليم والتعليم
العالي، وعيّن فيصل بن بندر بن عبد العزيز أميراً على
الرياض، فيما تولى فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز
آل سعود أميراً لمنطقة القصيم.
إعفاءات شملت بندر بن سلطان من الامانة العامة لمجلس
الأمن الوطني، وخالد بن بندر بن عبد العزيز من رئاسة الاستخبارات
العامة وعين مستشاراً للملك بمرتبة وزير، وعين مكانه خالد
الحميدان الفريق في الجيش.
اللافت في التعيينات كثرة المستشارين للمملك، في عملية
تعويم واضحة بحيث يجرّدهم من أي سلطة ولكن يبقيهم تحت
نفوذه.
من جهة أخرى، تمّ تعيين عبد العزيز بن سلمان نائباً
لوزير البترول بمرتبة وزير، وكان قبل ذلك مساعداً لوزير
البترول، ما يجعله الرجل الثاني في الوزارة، ولن يطول
الزمن الذي يصبح فيه وزيراً مكان علي النعيمي.
وجرى تعيين عدد من الشخصيات النجدّية المقرّبة من سلمان
في رئاسة عدد من الهيئات واعفاء آخرين. فقد تمّ اعفاء
محمد بن عبدالله الشريف من رئاسة الهيئة الوطنية لمكافحة
الفساد من منصب، وعيّن مكانه خالد بن عبدالمحسن بن محمد
المحيسن، وعيّن عبدالرحمن بن إبراهيم الحصين رئيساً لهيئة
الرقابة والتحقيق بمرتبة وزير، ومحمد بن عبدالله بن عبدالعزيز
الجدعان رئيساً لهيئة السوق المالية بمرتبة وزير.
وأعفي الأمير فهد بن عبدالله بن محمد آل سعود من رئاسة
الهيئة العامة للطيران المدني من منصبه، وكان محسوباً
على جناح عبد الله، وعيّن مكانه سليمان بن عبدالله الحمدان،
المقرّب من سلمان، وأعفي عبدالعزيز بن محمد بن ناصر التويجري
من رئاسة المؤسسة العامة للموانئ من منصبه، وعيّن مكانه
نبيل بن محمد العامودي، وهو مقرّب من محمد بن سلمان.
في النتائج، يمكن القول بأن الاوامر الملكية الثلاثين
الصادرة في 29 يناير الماضي لا صلة لها من قريب أو بعيد
بالإصلاح السياسي لا جزئياً ولا كليّاً، وإن وضعها في
سياق من هذا القبيل يعني المغالطة التاريخية ويتكافأ مع
تشويه مفهوم الإصلاح.
يمكن تصنيّف الأوامر على أساس الموضوعات التي تناولتها:
ـ سياسي/ وزاري.
ـ اقتصادي/ معيشي.
ـ أمني.
على المستوى السياسي، وفي بعد التغيير الوزاري حصراً،
يمكن اشتقاق أبعاد ثلاثة في هذا التغيير فمنه ما يتعلق
بـ:
ـ صراع الاجنحة: فقد وجّه
سلمان ضربة قاصمة لجناح عبد الله، وتأتي استكمالاً لضربة
قاصمة سابقة (في 23 يناير) بإعفاء خالد التويجري وتعيين
محمد بن نايف، وزير الداخلية، في منصب ولي ولي عهد، وتعيين
إبنه محمد بن سلمان وزيراً للدفاع.. وجاءت الأوامر الملكية
في 29 يناير لتستكمل الضربة بأخرى أشد حين أعفى سلمان
إبني الملك عبد الله، الأمير مشعل من إمارة مكة، والامير
تركي من إمارة الرياض، الأمر الذي جرّد جناح الأمير متعب
من آخر أوراق القوة التي يمكن الرهان عليها في مواجهة
الجناح السديري المتغوّل..
التقديمات الاجتماعية التي أعلن عنها سلمان في نفس
اليوم الذي أعلن فيه عن الأوامر الملكية الثلاثين تحمل
رسالة واضحة بأن لا اصلاحات سياسية مرتقبة وأنه يمارس
السلطة بأسوأ وأشرس من سلفه، فهو إقصائي بامتياز ولا يكترث
لأحد، فقد حصر السلطة في بيته وبيت شقيقه نايف، ولولا
التدخل الأميركي في تعيين محمد بن نايف لربما كان لسلمان
كلام آخر..
التشكيلة الوزراية مؤلفة من أشخاص حلفاء لسلمان ولإبنه
محمد بن سلمان، ما يفقدها صفة التوازن..وأي كلام آخر هو
هراء..(جيل الشباب، والكفاءات..الخ).
ـ التقديمات الاجتماعية محاولة
لإلهاء الناس عما فعله سلمان في جناح عبد الله وفي السلطة
بصورة عامة التي أعادها سديرية بل وسلمانية..
في كل الاحوال، فإن سلمان يقدّم نموذجاً متقدّماً في
الاستبداد لم يسبقه إليه أحد، وقد يكون استرق السمع لتطلعات
إخوته السابقين فراح ينفّذ ما عجزوا عنه، فأصبح الحاكم
بأمره، والمستبد الذي لا يجاريه أحد. وفي تقديرنا، أن
سلمان يرسم معالم مرحلة جديدة، تحمل كل تناقضات السابق
والحاضر، فهو يعيد إنتاج سلطة مستبدة قمعية في مرحلة انتعاش
الآمال وارتفاع أسقف التوقعات بالانتقال الديمقراطي. وما
يجعل الأمر بالغ التعقيد هو أن هذه الدولة التي كان ينتظر
الناس منها أن تتخلى عن تركة سابقة كانت فيها الفردانية
طاغية على حساب حقوق الناس وإرادتهم، فإذا بنا أمام شكل
جديد وأشد بشاعة من الفردانية المستبدة يقودها سلمان ويحميها
محمد بن نايف، المستبد الصغير الذي لا يلبث أن يكون مستبداً
مكتمل النمو.
عهد مريب وملفات إقليمية ساخنة
سؤال يطرح بعد غياب الملك عبد الله عن المشهد السياسي
في المملكة: هل ثمة تغييرات مرتقبة في السياسة السعودية
إزاء الملفات الإقليمية الساخنة خصوصاً في اليمن والعراق
وسوريا وايران والبحرين..؟
على خلاف المقاربات المتّصلة بالصراع على السلطة داخل
العائلة المالكة، فإن التباين حول الملفات الخارجية يكاد
يكون نادراً إن لم يكن معدوماً. فالاتفاق على الملفات
الخارجية الإقليمية والدولية منعقد بين الاجنحة كافة،
وإن التباينات تبدو شكلية في الغالب..
في الملف اليمني، على سبيل المثال، يتوحّد الموقف السعودي
ضد أي تغيير داخلي يقود الى وصول الحوثيين والحراك الجنوبي
والقوى الشعبية المستقلة الى السلطة وإحداث تغيير في شكل
التحالفات التقليدية المرتبطة ويحرم الرياض من نفوذها
الواسع والقديم في السلطة الحاكمة في صنعاء..
في العراق، يبقى الحال كما هو باستثناء الخطر المتمثل
في «داعش» وما يفرضه من تحدي أمني على الداخل السعودي،
وعليه سوف يبقى التعاون بين البلدين مقتصراً على الأخطار
المحدقة بالسعودية، وتبقى للأخيرة خلافات أخرى عميقة مع
بغداد، لأسباب طائفية وسياسية وجيوسياسية..
في الملف السوري، ليس هناك من تغييرات محتملة الا بما
تطوّر ميدانياً وفرض نفسه في السياسة، وقد بدأ التغيّر
في الموقف السعودي منذ إعفاء رئيس الاستخبارات العامة
السابق بندر بن سلطان من منصبه، حيث باتت الرياض لاعباً
ثانوياً في الأزمة السورية بعد تبدّد فرص اسقاط النظام..
وفي الملف الايراني لا جديد فيه سعودياً، وهناك مؤشرات
تفيد بتراجع فرص التقارب الايراني السعودي، فقد كان الملف
في عهدة جناح الملك عبد الله منذ نحو عشرين عام، وإن غياب
الأخير يعزز فرص التباعد مع طهران ما لم يحدث تطور دراماتيكي
أو يوجد خطر مشترك يستوجب تقارب البلدين..
في البحرين كذلك، فإن الموقف السعودي الذي عبّر عنه
الأمير نايف، وزير الداخلية الأسبق، في لقائه نظيره الايراني
مصلحي في ديسمبر 2011 بأن الحل في البحرين هو عودة المتظاهرين
الى بيوتهم سوف يبقى هو الموقف السعودي السائد. وعليه،
فإن لا تغيير جوهري في الموقف من الثورة الشعبية في البحرين..
أيضاً، السياسة السعودية النفطية ستكون ثابتة لن تتغير،
وإن الارتفاع الطارىء في أسعار النفط بسبب موت الملك عبد
الله لن يطول وسوف تعود الاسعار للهبوط مجدداً، مالم يحدث
تطوّر أمني دراماتيكي يبعث القلق في الأسواق العالمية..فالسعودية
تخوض حرباً ضد ايران بسلاح النفط وتشارك الولايات المتحدة
في الحرب على روسيا..وسوف تستمر حتى النهاية أو سقوط مفعول
السلاح..
في كل الاحوال، الملفات الخارجية لا تحمل بشارة من
أي نوع مع رحيل الملك، فهناك سياسات ثابتة تتبناها السعودية
حيال قضايا الخارج، وإن الكلام عن صقور وحمائم يبقى مجرد
رؤية خارجية لا نصيب لها في صناعة القرار السعودي.
|