وجوه جديدة وعتيقة في السلطة
السعودية تعيش مخاضها
محمد فلالي
الانتقال السلس للسلطة من الملك الراحل عبد الله الى
الملك سلمان، دحض في الظاهر الشائعات حول الانفجار المرتقب
وانهيار هذه المملكة بسبب التناقضات بين امراء العائلة.
الا ان القرارات السريعة التي بادر اليها الملك الجديد،
احيت الشائعات حول صراع الاجنحة، ورغبة الحكام الجدد بطي
صفحة الملك عبدالله وانهاء أي أمل لأبنائه في الاحتفاظ
بما كسبوه في زمن والدهم.
واذا كان البعض يجادل بأن ما يجري أمر درج عليه ملوك
السعودية، وان الصراعات نفسها ليست جديدة، فإن ما يجب
التوقف عنده هو ان المملكة اليوم باتت على مفترق طرق،
وعليها الانتقال الى شكل جديد من توارث السلطة، واعتماد
النموذج العمودي وليس الافقي، وان الامر لم يعد محصورا
بين عدد محدود من الاخوة، مهما كان عددهم، بل امتد ليشمل
التفاضل بين مئات الاحفاد وابناء الاحفاد ربما، وهم بالآلاف،
المتساوين في الحقوق لتسلم المناصب القيادية، والذين لا
تتسع لهم البلاد، خاصة اذا ما تمحور الصراع على منصب الملك،
حيث تتركز السلطات المطلقة، في بلاد لا دستور فيها ولا
قوانين.
واذا كانت السعودية تأخذ مكانتها المعنوية من كونها
حاضنة للحرمين الشريفين، ومهد الدين الذي يعتنقه أكثر
من مليار ونصف المليار مسلم، فإن دورها السياسي ينبع من
عاملين مختلفين:
اولاً ـ كونها أكبر منتج للنفط، وما يؤمنه لها ذلك
من فائض مالي ضخم، يعزز القدرة على التحكم بجانب من الحركة
الاقتصادية الاقليمية والدولية.
ثانياً ـ حقيقة انها تبنت منهجا مذهبيا لتثبيت حكم
عائلة آل سعود، تحول الى منتج وراع لموجات متتالية من
الارهاب، باتت خطرا داهما على الكثير من دول الاقليم والعالم،
وشبت على استراتيجية الاستغلال السياسي لها.
ولا شك ان السعودية التي تعيش في اقليم تحول الى بؤرة
متفجرة بالصراعات، جذوتها الارهاب التكفيري والفتنة المذهبية،
تشعر بالقلق من تحولها الى ساحة لهذه الازمة، التي تسعى
الى ابقائها خارج حدودها، في الوقت الذي تخشى فيه خسارة
مكانتها كنقطة استقطاب وصاحبة الدور الاقليمي الاول في
الخارطة الدولية.
لذا ليس مفاجئا ان نرى الملك سلمان يقسم السلطة بين
مجلسين مستحدثين: مجلس الشؤون السياسية والامنية برئاسة
محمد بن نايف، ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، الذي
اسندت رئاسته لابنه محمد بن سلمان.
هذه الثنائية تعكس طبيعة النظام السعودي والاسس التي
يقوم عليها، من جهة، والتوازن بين مراكز القوى الجديدة
بين اجنحة العائلة الحاكمة من جهة أخرى.. وتؤكد بالتالي
الاستمرار في تهميش بقية الامراء، والمستقبل القاتم الذي
ينتظرهم، بمن في ذلك ابناء الملك عبد الله نفسه.
|
ابن نايف وابن سلمان، هل يخرجا العائلة المالكة من أزمتها؟
|
ولا شك ان مهمة الامير محمد بن نايف هي الاصعب والاكثر
تعقيدا! لأن عليه جمع التناقضات والسير على حبل مشدود
في اقصى درجات التوتر والحساسية. فقد بنى ولي ولي العهد
ووزير الداخلية سمعته من خلال القبضة الامنية العنيفة
في مواجهة الارهابيين ذوي المنشأ الوهابي - كما في مواجهة
القوى الاصلاحية والدعوات الى المساواة والعدالة والحقوق
- والذين تم شحنهم وتعبئتهم في مساجد ومدارس وجامعات نجد،
وبإشراف علماء المذهب الرسمي. وهو يقدم نفسه باعتباره
الاقرب للمؤسسة الأمنية الاميركية، والقادر على ضمان مصالحها
في السعودية والمنطقة، وهو ما يفترض في المرحلة الراهنة
والمقبلة ان يراعي الحساسيات الاعلامية الغربية بما يتعلق
بالليبراليين المتخرجين من الجامعات الاميركية والبريطانية
والحاملين لثقافتها، وعدم التمادي في احراج مؤسسات حقوق
الانسان، من خلال ممارسات شاذة في المحاكم التي لا تلتزم
معايير العدالة والإنسانية.
وبالتالي فإن محمد بن نايف، وبقدر ما يقترب من المؤسسة
الدينية الرسمية، ويطلق يدها لاحكام قبضتها على القبائل
والمناطق، وتبرير شرعية النظام الداخلية، فإنه يجد نفسه
في مواجهة التزاماته مع حلفائه الغربيين وحلفائهم الداخليين.
لقد حلت المؤسسة السعودية الوهابية هذه المعضلة في
العقود الماضية عبر تصدير الارهاب الى الخارج، وايجاد
منافذ له في الصراعات الدولية او الاقليمية، ضمن استراتيجيات
اميركية معروفة، ولا شك ان هذه التجربة وصلت الى نهايتها،
وباتت السعودية على وشك مواجهة استحقاقاتها مع هذا الارهاب،
او مواجهة اضمحلال نفوذها الاقليمي، بعد ان بات الجميع
على اقتناع بمسؤوليتها عن هذا العنف الاعمى الذي يهدد
وحدة دول المنطقة، ويسبب اكبر الاساءات للدين الاسلامي
الحنيف.
ان إشراف محمد بن نايف على برنامج المناصحة لاعادة
تأهيل الارهابيين، وانشاء مركز باسمه لهذه الغاية، هو
عنوان سياسته في التعامل مع الارهابيين التكفيريين، وهو
ما ثبت فشله بعد ان عاد العشرات من هؤلاء الى ممارسة الارهاب،
وعودة مشايخهم الى اطلاق شعارات التحريض والتكفير ذاتها،
ابان الحملة السعودية لاسقاط النظام في سورية. ولم يعد
بالتالي ممكنا ترويض الارهابيين بإغرائهم بالتعويضات والمكافآت
والمناصب، بعد أن باتت لهم دولتهم، التي يريدونها ان تكون
باقية وتتوسع!! ولا شك ان الاماكن المقدسة من جهة، والثروة
الهائلة من جهة اخرى، سيسيل لها لعابهم، وسيسعون للاستحواذ
عليها ويتحينون الفرصة لذلك.
وفي المقابل فإن محمد بن سلمان سيعتمد على الذراع الاقتصادي
لتوثيق علاقة جناحه بالمؤسسات الاستثمارية الدولية، ومواصلة
سياسات المملكة للعبث والتدخل في التطورات السياسية الاقليمية
والدولية.
ولا شك ان التجربة المريرة لفترة حكم الملك عبدالله
في السنوات الماضية، ستكون ماثلة أمام الاطر الجديدة التي
تحيط برئيس الديوان الملكي ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية
والتنمية. فالمليارات التي انفقتها السعودية لتمويل الجماعات
وشراء الزعامات في اليمن والعراق وسوريا ولبنان ومصر،
والدعم اللامحدود الذي قدمته لتمويل الحركات التكفيرية
والميليشيات في ليبيا والعراق وسوريا وليبيا، والالتزامات
المالية الضخمة التي فرضتها على نفسها لدعم النظام الجديد
في مصر، والنظام المتداعي في البحرين، اضافة الى التزاماتها
تجاه الاردن والمغرب بناء لحسابات اخرى.. كل هذه، لم تنتج
للرياض سوى المزيد من الإنزلاق في دائرة العنف، ولم ينهي
أزمة تقلص نفوذ الرياض الإقليمي والدولي حيث النزيف ضخم
ومتسع.
كل ما فعلته الرياض لم يعد عليها بالنتيجة المرجوة،
فهي الان خارج اللعبة في اليمن والعراق وسوريا تقريبا،
وهي على كل حال لن تستطيع ابتلاع مصر، بل ان عليها ان
تواجه حلفاءها السابقين بعد ان اضطرت الى تغيير مسارها
السياسي انسجاما مع السياسات الاميركية.
فهل سيواصل محمد بن سلمان سياسة اليد السخية مع الاتباع
والانصار التي اعتمدها بندر بن سلطان وخالد التويجري في
السنوات القليلة الماضية؟
ان ما يجب ملاحظته على هذا الصعيد، هو ان هذه السياسة
أفضت الى ثلاث نتائج اساسية:
1/ انها وجدت نفسها في وضعية تصادم مع الاستراتيجية
الاميركية في بعض المفاصل، بعد ان عجزت العقلية القبلية
الثأرية لامراء العائلة عن تقبل التحولات البراغماتية
في السياسة الاميركية.
2/ انها ذهبت بعيدا في اثارة العصبيات المذهبية بما
يهدد الاستقرار الاقليمي لأمد طويل، وهو ما يتعارض مع
المصالح الغربية.
3/ انها اقتربت من التحالف العلني مع اسرائيل واللوبي
الصهيوني، وهو ما يهدد بتحولات غير محسوبة وانفجارات مدمرة،
في واقع عربي غير جاهز حتى الان لقبول مثل هذا التحالف،
مهما بلغ حجم التنظير له وتبريره بالعداء لايران والحرب
مع الشيعة، التي تحولت الى حرب مع الاقليات الدينية والاديان
الاخرى، واطلقت يد الارهاب التكفيري على اوسع نطاق.
فهل تستطيع السعودية ان تواصل هذا الطريق الى نهايته؟
هل ستكفي ثروتها ومدخراتها لتمويل هذا الانقلاب الذي سيكلف
المنطقة عشرات السنين من الحروب المدمرة؟ بل يبقى السؤال
هل ستبقى السعودية بمنأى عن اتون هذه الكارثة التاريخية؟
ام نها بدأت بالفعل مرحلة تحول في سياستها الخارجية، أحس
بها المصريون اولا، والاماراتيون المتخوفون من استبدال
العلاقة التحالفية معهم خليجيا بمحور سعودي قطري تركي
جديد يدعو اليه بعض مستشاري محمد بن سلمان؟
لا شك ان الاستمرار في نهج التدخل السافر الذي ارساه
عهد الملك الراحل يمثل سياسة انتحارية لن تكون نتائجه
أفضل مما حققه الانتحاريون الذين زجت بهم الرياض في دول
المنطقة: المزيد من الدماء والاحقاد، والفشل السياسي!
ولا شك ايضا ان السعودية تعيش مرحلة مخاض صعبة، وهي
كغيرها من دول المنطقة تواجه اسئلة مصيرية، تزيدها قلقا
وغموضا الصراعات داخل العائلة والطموحات والاحقاد الشخصية
الناشئة عن مسلسلات العزل والتهميش التي مارسها ملوك السعودية
تباعا، والتي تعبر في جزء منها عن وجهات النظر المختلفة
حيال هذه الاسئلة، التي لا ينفع معها لا التجاهل والتضليل،
ولا التعمية واساليب التجميل.
|