الأمير تشارلز في الرياض
حقوق الإنسان آخراً!
فريد أيهم
في فبراير 2014، زار ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز
السعودية بحثاً عن دعم من أصدقائه الأمراء لعشر منظمات
شبابية بريطانية خيرية؛ ويومها رفض توسلات منظمات حقوقية
بريطانية ودولية وعربية بأن يطرح على اصدقائه الأمراء
السعوديين تحسين أوضاع حقوق الانسان، واطلاق سراح معتقلي
الرأي. وما زاد الأمر سوءا ان الأمير تشارلز شارك في مهرجان
الجنادرية يومها وارتدى الزي السعودي الرسمي، ورقص العرضة
النجدية حاملاً السيف الى جانب الأمراء بمرح ظاهر، والتقى
بالأمير سلمان (الملك حالياً)؛ كما زار الدرعية موطن آل
سعود الأصلي، وتناول الغذاء مع الوليد بن طلال.. تلك البهجة
التي ابداها الأمير سببت ازعاجاً لدى المنظمات الحقوقية
البريطانية وغيرها، في وقت كان العالم ولازال مشغولا بالإنتهاكات
التي لا تتوقف.
مرة أخرى في نهاية يناير الماضي، زار الأمير تشارلز
الرياض بصحبة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون لتقديم العزاء
في وفاة الملك عبدالله، ما عرّضه الى نقد مماثل ولذات
الأسباب. وكان تشارلز بين عشرات من قادة العالم وكبار
الشخصيات تعرضوا لانتقادات بسبب سفرهم إلى الرياض للتعزية
بوفاة الملك عبد الله، الذي تميز حكمه للبلاد باتساع دائرة
الانتهاكات لحرية التعبير وحقوق المرأة، وقد خلفه شقيقه
سلمان الاكثر تشددا ورفضا للإصلاح.
وبعد أقل من أسبوعين زار تشارلز في فبراير الجاري العاصمة
السعودية للمرة الثالثة بغرض جمع المال لذات الجمعيات
الخيرية الشبابية البريطانية، لكن المنظمات الحقوقية الدولية
استبقت الأمر بهجوم اعلامي شرس ضاغط لذات الغاية: (الحديث
مع الأمراء السعوديين باطلاق سراح معتقلي الرأي وخاصة
رائف بدوي الذي شغلت قضيته العالم).
وعبرت كيت آلن مديرة منظمة العفو الدولية في المملكة
المتحدة عن الأمل في يستغل الامير تشارلز هذه الزيارة
ـ التي تشمل دولاً خليجية اخرى ـ لتمرير عدد قليل من الكلمات
المختارة جيدا لمضيفيه السعوديين. وقالت إنه يتوجب على
الأمير استخدام نفوذه لتسليط الضوء على محنة العمالة الوافدة
في دول الخليج وبالخصوص المشاركين في مشاريع بناء المنشآت
الرياضية لنهائيات كأس العالم 2022 لكرة القدم في قطر.
|
اللورد يارو: المصالح اولا! |
وأضافت كيت آلن: (نحن لا نتوقع ان يتخلى الامير تشارلز
عن السجاد الأحمر والحفلات الرسمية، وهو لن يصبح داعية
لحقوق الإنسان، الا أن حرية الدين هي قضية قريبة من قلبه،
وهي قضية نأمل ان يثيرها في السعودية، اضافة لوقف العقوبة
اللاإنسانية ضد رائف بدوي).
ومع ان الناشطين الحقوقيين يعتقدون بأن الأمير تشارلز
سيواصل سياسة الممالأة للنظام السعودي، بالتوازي مع سياسة
حكومته التي تغلب المنافع الاقتصادية على مبادئ حقوق الانسان
والديمقراطية التي تزعم الدفاع عنها وحمايتها ونشرها..
الا أن الضغط أثمر بعض التنازل، فقد سرّب مرافقو الأمير
تشارلز بأنه سيبحث مع الملك السعودي الجديد قضية المدون
رائف بدوي، الذي حكم عليه بالسجن عشر سنوات والف جلدة
وغرامة مليون ريال، بسبب اشرافه على موقع على النت انتقد
فيه المؤسسة الدينية الوهابية في البلاد.
من جهة اخرى، كتب كريس يورك في صحيفة هفنغتون بوست
مقالة طالب فيها ولي العهد البريطاني بأن يطرح سبعة مواضيع
على المسؤولين السعوديين تتعلق بحقوق الانسان، وهي على
شكل أسئلة تقول:
أولا: متى يمكن ان يسمح للمرأة بأن تملك قرارها؟ فالمرأة
لا تستطيع السفر ولا ممارسة العمل الا في اضيق الحالات،
كما انها لا تستطيع الحصول العلاج في بعض الحالات الا
بوجود محرم.
ثانيا: متى تتساوى المرأة السعودية مع الرجل أمام القانون؟
وهي تعاني من التمييز في شتى الأمور.. وعلى سبيل المثال
ما يتعلق بمنعها من قيادة السيارات؟
ثالثا: متى تتم معاملة العمالة الوافدة بشكل عادل وبناء
على قوانين مكتوبة؟ فهناك نحو تسعة ملايين عامل أجنبي
يعمل الكثير منهم في أوضاع تشبه العبودية؛ فنظام الكفيل
يفتح المجال للاعتداء على حقوق العمال فيحرمهم اجورهم
ويحتفظ بجوازات سفرهم تقييدا لحركتهم.
رابعا: متى تتوقف السعودية عن اعدام مواطنيها والمقيمين
بمن فيهم الاطفال؟
خامسا: متى يتم السماح بحرية العبادة في السعودية؟
حيث يمنع الملايين من الاجانب من ممارسة عبادتهم بحرية
في السعودية، وهذا ينطبق ايضاً على المواطنين الشيعة في
السعودية.
سادسا: متى ستتمكن التلميذات السعوديات من ممارسة الرياضة
في المدارس كجزء من المنهج التعليمي؟
سابعا: متى سيوقف المسؤولون السعوديون اعتقال المواطنين
الذين يدافعون عن حقوق الانسان؟ فالسعودية تقوم باعتقال
الناشطين بشكل روتيني، مثال ذلك المحامي وليد ابو
الخير وزوجته سمر بدوي.
وهكذا، وصل تشارلز الى الرياض بعد أن مرّ بالأردن معزّياً
بوفاة معاذ الكساسبة، الطيار الذي أحرقته داعش. وقد استقبل
الملك سلمان بن عبد العزيز الامير تشارلز والوفد المرافق
له في قصره بالرياض. وقالت وكالة الانباء السعودية ان
الملك اقام مأدبة غداء تكريماً للضيف. وحسب وكالة الانباء
نفسها، فإن ولي العهد الأمير مقرن التقى بتشارلز في مقر
إقامته بقصر المؤتمرات في الرياض، وانهما استعرضا مُجمل
التطورات على الساحتين الإقليمية والدولية.
مرة أخرى، سرّب الوفد المرافق لتشارلز خبراً للصحافة
البريطانية بأن الأخير بحث فعلا موضوع رائف بدوي مع الملك
سلمان، وأن استجابة الأخير لم تكن سلبية.
في تعليقها على هذه الانباء قالت مديرة منظمة العفو
الدولية في المملكة المتحدة كيت ألن: (هذه الاخبار بالطبع
مشجعة وطيبة جدا. لقد قلنا دائما أننا لم نكن نتوقع ان
يتخلى الأمير تشارلز عن البروتوكول الرسمي والسجاد الأحمر
والحفلات وان يصبح داعية حقوق إنسان، ولكن كنا نأمل أيضا
ان يستخدم منصبه الفريد لتمرير بضع كلمات لمضيفيه الأمراء
حول حقوق الإنسان في السعودية). واضافت: (اننا لا نزال
بحاجة لأن تبذل حكومة المملكة المتحدة المزيد من الجهد
من اجل قضية رائف، بما في ذلك الدعوة على وجه التحديد
الى أن يطلق سراحه).
زيارة اللورد يارو الى السعودية
أيضاً، وفي ذات السياق، تعرّض اللورد آلان يارو عمدة
حي المال في لندن لحملة نقد في الصحافة البريطانية اثر
تجاهله قضية المدون المسجون رائف بدوي، أثناء زيارته الى
السعودية على رأس وفد تجاري الشهر الماضي، فيما وصفته
جماعات حقوق الإنسان بأنه وضع طوعا على فمه كمامة حيال
هذه القضية.
وقضى يارو اثني عشر يوما بجولة في الشرق الاوسط يقرع
الطبول للترويج لرجال الأعمال البريطانيين، وانضم إليه
ممثلون من بورصة لندن، وبنك HSBC، والعديد من شركات إدارة
الاستثمار. وكانت المجموعة قد زارت الرياض بعد نحو عشرة
أيام من تنفيذ الجلد بحق رائف بدوي علنا خارج مسجد في
جدة، ما سبب امتعاضاً متزايداً لدى الرأي العام الغربي،
ما ينبيء عن تغيّر في المزاج العام للرأي العام الغربي
عامة تجاه السعودية والنظرة اليها كدولة مصدّرة للعنف
والإرهاب والتي تقوم بانتهاكات خطيرة لحقوق الانسان خاصة
المرأة والأقليات والعمالة الوافدة.
التقرير الرسمي عن جولة اللورد يارو كما نشرته وزارة
الخارجية، أفاد بأنها زيارة قيمة ساهمت في تعزيز العلاقات
بين المملكة المتحدة والسعودية، وشهدت ترحيبا بالوفد من
قبل أمير الرياض، كما أنها أكدت على توثيق التعاون مع
الشركات البريطانية العاملة في السعودية. الا ان الزيارة
كان لها صدى آخر لدى منظمات وناشطي حقوق الانسان، الذين
سبق ان انتقدوا صمت الحكومة البريطانية وامتناعها عن دعوة
السلطات السعودية للإفراج عن معتقلي الرأي، واتهموا المسؤولين
البريطانيين بالتضحية بحقوق الانسان من اجل مكاسب اقتصادية
وتجارية.
ألان هوغارث، رئيس قسم الشؤون السياسية في منظمة العفو
الدولية في المملكة المتحدة قال بأن اللورد يارو كان حريصا
على الصراخ للحصول على مكاسب مفترضة لرجال الاعمال البريطانيين
من السعودية، وتساءل: لماذا لم ينبس ببنت شفة حول محنة
بدوي؟ واضاف: كم كان مخيبا للآمال أن السيد يارو اختار
الصمت، ما يقدم مثالا آخر لمسؤول بريطاني يرتدي كمامة،
حتى لا يسيء إلى الحكام السعوديين.
وقالت راين بينون، المتحدثة في منظمة شؤون الحرية من
التعذيب: انه بينما كان اللورد يارو يتجول بين مكاتب المسؤولين
السعوديين، كان الناشط من اجل حرية التعبير بدوي يواجه
عقوبة وحشية بجلده 50 جلدة كدفعة اولى من العقوبة المفروضة
عليه. واضافت انه امر محبط للغاية الا تستغل الحكومة البريطانية
زيارة يارو باعتبارها فرصة لمناقشة هذه القضايا الحيوية
في مجال حقوق الإنسان.
مصادر قريبة من يارو ذكرت انه حاول ان يعكس بوضوح وجهة
نظر الحكومة في إدانة أي استخدام للعقوبات القاسية أو
اللاإنسانية أو المهينة في جميع الظروف. بينما رفضت وزارة
الخارجية التعليق على رحلة اللورد يارو.
|