(3)
استعداداً لما بعد النووي:
السعودية وترتيب البيت الخليجي
توفيق العباد
في ١٥ فبراير الماضي وصل امير الكويت الى الرياض لملاقاة
الملك سلمان. وفي ١٦ فبراير وصل ولي عهد ابو ظبي محمد
بن زايد الى العاصمة السعودية. تبعه في ١٧ فبراير أمير
قطر الشيخ تميم. اما ملك البحرين فقد زار الرياض عدّة
مرات كان آخرها في ٣٠ يناير الماضي. وقبلها في ٢٤ فبراير
التقى الملك سلمان بنائب رئيس الوزراء العماني. وكانت
الرياض قد شهدت عدّة اجتماعات لوزراء خارجية دول مجلس
التعاون، كان موضوع اكثرها الوحيد هو ما يجري في اليمن.
أيضاً يجب التذكير بزيارة محمد بن نايف وزير الداخلية
وولي ولي العهد، الى قطر والتقائه بالشيخ تميم في 17 فبراير
الماضي.
ما سرّ هذه الحيوية السعودية؟
|
الأمر لا يختلف عن لقاءات اخرى مع رؤساء دول او مسؤولين
أجانب، فالرياض تحاول ترتيب علاقاتها الإقليمية، استعداداً
لما بعد الإتفاق النووي بين إيران والغرب، سواء بالتحالفات
مع تركيا والباكستان، أو من خلال حماية مواقع نفوذها،
وأولها في منطقة الخليج نفسها. إذ لا يخفى أن الرياض خسرت
خلال العقد الماضي الكثير من نفوذها في دول الخليج، وقد
لاحظنا خلافات علنية وأخرى مكتومة بين دول الخليج وما
يسمى (الشقيقة الكبرى). العلنية واضحة بين قطر والسعودية،
حيث المواقف السياسية المتنافسة في مصر وليبيا وحتى في
اماكن التوافق العراق وسوريا واليمن. وكانت هناك خلافات
علنية بين الإمارات والسعودية بسبب الحدود، الى حد رفض
الرياض دخول الاماراتيين بالبطاقة الشخصية لأنها تحوي
خريطة الإمارات التي تقول الرياض انها تتضمن اراض سعودية!
وكان الخلاف الأساس قد نشب ليس بسبب التدخلات السعودية
في الشأن الاماراتي فحسب، بل ايضاً بسبب تعويق التواصل
بين الامارات وقطر لذات الخلافات الحدودية. وجاء الخلاف
بين الرياض وأبو ظبي عنيفاً حول مقر البنك المركزي الخليجي،
حيث طالبت الرياض ان يكون المقر في الرياض، فيما اصرت
الامارات على توزيع مقرات المؤسسات التابعة لمجلس التعاون،
وان يكون البنك في ابو ظبي. رفض الرياض لهذا ادى الى الغاء
فكرة العملة الخليجية المشتركة من أساسها.
ومن الخلافات المكتومة، وهي في أكثرها حدودية تكمن
في سيطرة الرياض على جزر بحرينية وكويتية، وما يتبعها
من خلاف حول آبار النفط والغاز كما هو مع الكويت؛ وأما
مع مسقط فخلاف الرياض معها سياسي، بسبب علاقة السلطنة
الطيبة مع ايران، ثم ان السلطنة استضافت المباحثات الأميركية
الايرانية السرية لأشهر عديدة، دون ان تعلم الرياض بذلك،
وحين انكشف الأمر أبدت الرياض استياءها الشديد، وشنّ اعلاميون
تابعون للسعودية هجوماً عنيفاً على مسقط، وشتموا مذهبها
الإباضي، ونددوا بمناوراتها البحرية المتكررة مع ايران
عند باب المندب وبحر العرب.
الملك السعودي الجديد يحاول الآن ترطيب الأجواء مع
المشاغبين في قطر ومسقط، وإبداء بعض الليونة ولو بالكلام
مع بقية امراء الخليج، بغية إعادة تأكيد الدور الأبوي
السعودي، ومنعاً لتوسيع اختراق ايران لنفوذ السعودية.
لهذا السبب، لا تميل الرياض اليوم الى مواجهة قطر رغم
انكفائها عن تنفيذ ما يُسمى باتفاق الرياض مع مصر والذي
رعته القيادة السعودية.
أكثر ما تخشاه الرياض من الاتفاق النووي الإيراني،
أن تنفضّ دول الخليج عنها، وهناك بوادر لذلك. فزيارة امير
الكويت الأخيرة لطهران، وتصريحاته التي قال فيها بأن مرشد
الثورة هو مرشد لكل المنطقة، أزعجت الرياض وأقلقتها. ونظرت
الرياض الى زيارة عدد من المسؤولين الاماراتيين والعمانيين
الى طهران، كبوادر تفلّت من عباءتها السياسية.
لكن.. هل حقّاً تطمع الرياض مواجهة ايران من خلال اصطفاف
خليجي يبقى مستمراً حتى بعد توقيع النووي؟!
دول الخليج عامة لا ترى معركتها مع ايران، بل هي مرتبطة
بمصالح اقتصادية وتجارية واستراتيجية كبيرة معها ستتضاعف
بعد فك الحصار الاقتصادي. مواقف بعض هذه الدول المتشدد
في العقود الماضية لم يكن مسايرة للموقف السعودي، بل للموقف
الغربي عامة. وعليه إذا ما تغيّر هذا الموقف الغربي تجاه
ايران، فمن المؤكد أن دول الخليج جميعاً ـ عدا السعودية
ـ لن تواصل طريق المصادمة؛ خاصة وان دول الخليج لا ترى
في نفسها منافساً لإيران، ولا هي مستعدة للتصعيد من أجل
عيون الرياض، أي ان المشكلة في صلبها سعودية ايرانية،
وليس لدول الخليج تاريخياً وواقعياً مشكلة في ان تتعايش
مع ايران التي تقع على كامل الشاطئ الشرقي من الخليج.
بهذه الرؤية يتوضح أن ترتيب النفوذ السعودي في دول
الخليج، اذا ما قُصد منه استمرار النهج السعودي فيما يتعلق
بعدم التنسيق مع ايران، او بغرض تحجيم المصالح الاقتصادية
والمبادلات التجارية معها، فإن الرياض ستكون خاسرة ولن
يتحقق لها ما تريد. بل قد نجد انفضاضاً خليجياً عن تبنّي
سياسات سعودية في ملفات أخرى، بما فيها الملف اليمني والسوري
واللبناني والعراقي.
تأكيد الرياض لنفوذها في الخليج جاء متأخراً جداً،
فهناك عقدان على الأقل مضيا تكرست خلالهما الخلافات البينية،
في ظل فشل لمنظمومة مجلس التعاون الخليجي حتى في التنسيق
السياسي الخارجي. وأما في الجوانب الأمنية، فقد التهمت
القواعد العسكرية الأميركية والبريطانية والفرنسية الدور
السعودي في دول الخليج، التي لم تعد بحاجة لا الى مجلس
التعاون، ولا الى قوة السعودية نفسها لحمايتها. فما دام
الغرب وقواته وقواعده حاضرة في كل بلد خليجي، فلمَ الخشية
من إيران أولاً؟! ولمَ الحاجة الى السعودية ثانياً؟، وهي
التي بحاجة الى من يحميها، وما الاتفاق مع الباكستان على
استقدام عشرات الألوف من قوات الأخيرة الى السعودية الا
دليل على ذلك.
|