|
|
|
اتفاق مكة (2007) |
|
مشعل في الرياض (2010)
|
(4)
خالد مشعل في الرياض
هل تستعيد الرياض الورقة الفلسطينية؟
محمد الأنصاري
في 19 يناير 2010 كتب خالد مشعل رسالة الى الملك عبدالله،
فسرّبتها الخارجية السعودية الى صحيفة الأهرام المصرية
التي نشرتها كاملة في 26 يناير من السنة نفسها. يقول مشعل
فيها: (خادم الحرمين الشريفين.. سبق أن كتبت لكم رسالة
من القلب والعقل، في شهر رمضان المبارك قبل عامين،
وطرقت بابكم مرات عديدة، وما زلت أطرق الباب حتى يفتح).
وبرر مشعل كثرة طرق الباب لثقته في المملكة وقيادتها من
جهة؛ ولحرصه على المكاشفة وتقبّل العتب من الرياض والاعتراف
بالخطأ ان كان قد فعله؛ وأيضاً محبته للملك عبدالله واصراره
على اللقاء به لإيصال الحقيقة اليه. في الرسالة تطرق مشعل
الى اتفاق مكة وقال: (أعلم انكم متألمون جداً على نقضه
واجهاضه)؛ وأقسم مشعل (ان الذي نقض اتفاق مكة غيرنا ولسنا
نحن، ونقسم على ذلك أيماناً مغلظة).
والأهم ان مشعل شرح في الرسالة موضوع العلاقة مع ايران
وهو أمرٌ يقلق المملكة. وبرر مشعل العلاقة بالقول: (يا
خادم الحرمين الشريفين نحن أصحاب قضية عادلة، وقع علينا
احتلال وعدوان وظلم متواصل منذ أكثر من مائة عام، وما
زلنا تحت الاحتلال والمعاناة والتشريد والعدوان، ونحن
نحتاج باستمرار إلى من يدعمنا بكل الوسائل حتى نتمكن من
الصمود في أرضنا، ومقاومة المحتلين لبلادنا والمدنسين
لقدسنا ومقدساتنا. وقد طرقنا باب الجميع، فمن استجاب
لنا قلنا له شكرا، وهذا هو الذي يحكم علاقتنا مع كل
البلاد العربية والإسلامية، بما فيها إيران، بل مع
أي بلد آخر في العالم شرقا أو غربا).
واضافت رسالة مشعل: (لكننا لا يمكن أن نقبل دعما مشروطا
من أي دولة أو طرف، ولا يمكن أن نقبل ثمنا لأي دعم من
أي دولة أو طرف كان. هذه سياستنا الثابتة التي بدأناها
منذ أن انطلقت حركتنا، وما زلنا عليها، وسنبقى بإذن
الله عليها. نحن أحرار أعزاء لا يمكن أن نخضع لأحد،
ونعتز باستقلالية قرارنا ووجهتنا. ثم إننا عرب أقحاح،
نعتز بعروبتنا، ونحن سنّة نعتز بانتسابنا إلى أهل السنّة
والجماعة، فلا يمكن على الإطلاق أن تكون علاقتنا مع
أي طرف في العالم، إيران أو غير إيران، على حساب أمتنا
العربية وأمنها ومصالحها، ولا على حساب عقيدتنا، عقيدة
أهل السنة والجماعة، التي نشأنا عليها، ونضحي في سبيلها،
ونلقى الله عليها بإذنه سبحانه وتعالى).
وأكمل: (إننا إذ نقبل الدعم غير المشروط من أي دولة
أو طرف بسبب حاجتنا إلى هذا الدعم لصالح شعبنا وقضيتنا،
فإننا نرغب ونأمل أن يكون الدعم العربي لنا هو الأساس
وله الأولوية، خاصة أن العرب هم عمقنا الأول، وهم
الذين تحملوا ـ مشكورين ـ بكل دولهم وشعوبهم).
وجاءت رسالة مشعل بعد ايام من لقاء وفد لحماس على رأسه
مشعل مع سعود الفيصل في الرياض في الثالث من يناير 2010؛
ووصف مشعل في رسالته للملك اللقاء بـ (الحوار الصادق والشفاف
والمكاشفة الأخوية التي نتطلع اليها منذ زمن). لكن سعود
الفيصل نفسه هو الذي سرّب الرسالة التي يفترض ان تذهب
الى الملك للصحافة المصرية. يومها اعرب موسى ابو مرزوق
نائب رئيس المكتب السياسي، عن أسفه لنشر فحوى الخطاب،
وقال: (لا شك أن تسريب الخطاب إلى الإعلام له مغزى، وهو
قطع الطريق على المصالحة بين حماس والمملكة العربية السعودية،
ذلك أنه في العرف السياسي لا يوجد ما يدعو إلى نشر رسالة
خاصة بين طرفين في الإعلام إلا بالتوافق بين الطرفين على
أنها رسالة عامة ولا مانع من نشرها، ولذلك نحن نستغرب
نشر هذه الرسالة في وسائل الإعلام المصرية).
منذ تلك الرسالة وذلك اللقاء، جرت مياه كثيرة، ولم
يتغيّر موقف المملكة من حماس، لم يلتق مسؤول سعودي بالقيادة
الحمساوية، وكان هناك حظر على نشر لقاءات او اخبار لها
صلة بها. قامت ثورات الربيع العربي، وخرجت حماس من دمشق،
وأغضبت داعميها الإيرانيين والسوريين، ولكن بقي الموقف
السعودي على حاله. والسبب ان رهان حماس لم يكن على السعودية،
بل على مصر الإخوانية وتونس النهضوية وتركيا الأردوغانية،
فلماذا تبقى حماس في دمشق وقد صار لديها الكثير من البدائل
التي هي من صنفها؟ شنّت اسرائيل حربين على غزّة، وقاومت
بالسلاح الإيراني أولاً، وبالكاد نالت شكراً من مشعل،
وذهب المديح الى الغير. لكن طهران رغم الخلاف لم توقف
دعمها التسليحي، وحتى المالي الذي كان حاسماً في ايقاف
حكومة غزة على قدميها، ما لبث أن عاد. الضربة التي تلقاها
الإخوان في كل المنطقة جاء بانقلاب السيسي المدعوم سعودياً،
ووجدت حماس نفسها أسيرة معزولة من جديد. ماذا تستطيع ان
تفعل، فقطر وتركيا لا تستطيعان توفير السلاح بل لا تجرؤان
على فعل ذلك؛ وهنا بدأت العودة الحمساوية من جديد الى
ايران.
اما السعودية فقد زادت في عدائها للإخوان، ووضعتهم
في قائمة الإرهاب جميعاً بكل فصائلهم، ما يفترض معه ان
حماس مشمولة بالتصنيف السعودي.
في 12 من مارس الجاري جرى لقاء في الدوحة بين رئيس
مجلس الشورى الايراني، علي لاريجاني، مع خالد مشعل. وفي
ذات الفترة راجت أخبار عن احتمال زيارة مشعل الى الرياض،
بعد خمس سنوات من آخر زيارة قام بها. قيل ان دعوة قد وجهت
اليه من الملك سلمان نفسه، وطفق الشيخ الإخواسلفي عوض
القرني يمجد في الملك وراح يروّج في هاشتاق للخبر مرحبا
بالقادم الجديد. ايضاً فإن اخوان الخليج، وحسب التسريبات
القطرية، قالوا بأن الملك طلب من الصحافة السعودية برفع
الحظر عن نشر اخبار حركة حماس؛ واعتبروا ذلك صفعة للرئيس
المصري السيسي، الذي وصم قضاؤه حماس بأنها حركة ارهابية.
وهكذا، اشرأبت الأعناق، وتزايدت الأسئلة حول ما اذا
كان هناك تغيّراً دراماتيكاً في السياسة السعودية قد بدأ
تجاه حماس، وربما تجاه الإخوان المسلمين الذين تنتمي حماس
لفكرهم وتوجههم. فهل الأمر هكذا فعلاً؟ وهل لما يروج علاقة
بزيارة محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية للرياض ولقاء
الملك سلمان في الحادي والعشرين من فبراير الماضي، وكذلك
زيارة ملك الأردن للرياض في الخامس والعشرين من الشهر
نفسه؟
من أكثر القضايا إيلاماً للرياض أنها حين تخلّت عن
حماس بل وأعلنت العداء لها الى حد الاصطفاف مع اسرائيل،
هو أن ايران احتضنت القضية الفلسطينية وقدّمت بدعمها منجزاً
للفلسطينيين أنفسهم، ما كان أحد يتخيل وقوعه قبل سنوات.
راهنت الرياض كما اسرائيل على حصار حماس وانهائها بعد
ان نجحت في الانتخابات، وراهنت الرياض على مشروع تسووي
يبعد من تسميهم بـ (المتطرفين) او (المغامرين) ويقضي عليهم،
فبيان وزارة الخارجية السعودية في حرب تموز 2006 لم يتهم
حزب الله لوحده بالمغامرة، وانما اشار باصبع الاتهام الى
حماس ايضاً. صمدت حماس ومعها من سمي بعدئذ بحلف المقاومة،
وخسرت السعودية التي قدمت تنازلات على حساب القضية الفلسطينية:
(مبادرة الملك عبدالله).
لم يكن مهماً بالنسبة للرياض أن تكون حماس قد كسبت
الجولة؛ وانما المهم أن ايران الداعمة انتصرت بمشروعها
ورؤيتها، وصارت اللاعب المؤثر وربما الأكبر في المعادلة
الفلسطينية.
الآن، وكما هو واضح، لم تحقق الرياض شيئاً في مشروعها
التسووي؛ فلا مبادرتها قبلته اسرائيل؛ ولا حليفها محمود
عباس قبض ثمن التنازلات، وزيادة على ذلك جاء من ينازع
الرياض وبمصداقية أكبر أنه يدعم القضية الفلسطينية وشعب
فلسطين.
سنوات طويلة والرياض متألمة من حصيلتها السياسية البائسة.
فكيف ولماذا فرّطت هي والدول العربية الأخرى بالورقة الفلسطينية؟
وهل يمكن استعادتها؟ وكيف يتم ذلك؟ هذه الأسئلة هي محور
التحوّل في السياسة السعودية تجاه القضية الفلسطينية إن
كان هناك من تحوّل حقيقي.
ليست القضية هي أن السعودية تشجّع خيار السلام مع اسرائيل،
فقد كانت كذلك منذ زمن بعيد، ومبادرة الملك عبدالله سبقتها
مبادرات، اشهرها مشروع الملك فهد في فاس عام 1982، الذي
لا يبتعد عن مبادرة خلفه الملك عبدالله. انما القضية هي
أن الرياض ـ وخلافاً لسياساتها ما قبل عام 1990 ـ لم تكن
تعلن العداء للفصائل الفلسطينية المختلفة معها في النهج،
ولا حتى تجاه الأنظمة العربية التي ترى رأياً مخالفاً
لرأيها في هذا الشأن كما هو الحال مع سوريا، حيث احتفظت
بعلاقات طيبة مع الرئيس السوري السابق حافظ الأسد. لكن
الرياض اليوم تختلف عن رياض الأمس، وسياستها قائمة على
اساس ان من يختلف معها في النهج والموقف السياسي، فإنه
يستحق اللعنة وقطع الدعم والعداء الصريح والتشهير، وهذا
بالتحديد ما حدث لحماس والجهاد والفصائل الفلسطينية المختلفة
عن نهج محمود عباس.
بدا ان الرياض عام 2007 وبعد فشلها في اسقاط حكومة
حماس رغم انحصارها في غزة؛ انها بحاجة الى تعديل في سياستها،
فدعت الى اجتماع بين قادة حماس وفتح للإجتماع، وظهر اتفاق
مكة، الذي افشلته اطراف فلسطينية في فتح نفسها، لكن الرياض
تميل الى تحميل قادة حماس كامل المسؤولية، وهو ما نفاه
مشعل في رسالته الى الملك عبدالله.
الآن.. تبدو الورقة الفلسطينية بالنسبة للأمراء السعوديين
مجرد وسيلة للصراع. لو لم تدعم ايران حماس أو لم يكن للدعم
الإيراني قيمة، لم اكترثت الرياض للأمر.. اما الآن في
خضم التنافس والصراع، فإن الورقة الفلسطينية يجب أن تُسحب
من الخصم أو يتم الإلتفاف عليها إن أمكن، وبأيّ ثمن؟
هل يكون ذلك عبر استقطاب حماس، فإذا ما لقيت هذه الأخيرة
مموّلاً وداعماً افضل، أُمكنَ لها التخلّي عن الدعم الايراني؟
ربما، رغم ان القضية ليست مالاً فحسب، بل مواقف سياسية،
ودعماً لوجيستياً عسكرياً استراتيجياً، وهذا لا يستطيع
احد ان يوفره، لا تركيا ولا قطر ولا السعودية. كان بإمكان
الرياض تجربة ذلك لو أرادت، وقد سنحت لها الفرصة حين قررت
حماس الخروج من دمشق. لكن لا بأس، يمكن للملك الجديد ان
يجرّب الأمر الآن في ظرف أقلّ مواءمة.
يبقى تساؤل مشروع: هل تغامر الرياض بتوتير علاقاتها
مع حلفائها الغربيين خاصة الامريكيين بدعم حماس؟ ربما
لا تكون مغامرة، ولكنها على الأقل ستواجه نقداً. وايضاً
هل سيؤثر هذا الأمر ـ دعم حماس لو حدث ـ على التواصل الاستخباري
مع اسرائيل، والتنسيق معها سياسيا بشأن ايران؟ ثم هل يكفي
هذا لسحب الورقة الفلسطينية من يد إيران؟ لا نظنّ ذلك،
اللهم إلا أن تغيّر الرياض سياستها الفلسطينية بالكامل،
وتتبنى المقاومة لإسرائيل بلا حدود، تماما مثلما تفعل
ايران، أما ترويض حماس فهذا يقتل الأخيرة سياسياً، ولا
يؤدي الى ان تربح الرياض منافستها مع ايران. تستطيع الرياض
ان تكون مثل قطر اليوم، فهي مرضي عنها امريكيا واسرائيليا،
وهي في نفس الوقت تدعم حماس بقدرٍ ما، مالياً وسياسياً
واعلامياً.
قال الملك عبدالله لقادة حماس حين التقوا به في 2007،
ان قضية فلسطين عربية! أي لا شأن لإيران ولا أية دولة
اسلامية بها، بعكس ما كان يروجه ويدعو له الملك فيصل اثناء
صراعه مع عبدالناصر الذي كان يروج لشعار (فلسطين عربية)؛
يومها كانت الرياض مع (اسلامية القضية) وضد قومية عبدالناصر،
بل ان الشيخ ابن باز ألف كتاباً ضد القومية العربية واعتبر
القومية كفراً، والقوميون كفاراً!
من وجهة نظر حماس وبقية الفصائل، فإن فلسطين قضية انسانية
بالدرجة الأولى، وهي قضية اسلامية كما هي قضية عربية،
وحماس مع كل دعم يأتي للقضية من أي جهة او شخص كان، وهذا
ما لا تقبل به الرياض.
يقول الأمراء السعوديون، أن ايران تتاجر بالقضية الفلسطينية،
وأنها تكسب من دعمها أكثر مما تخسر. حسنٌ! إذن افعلوا
مثل فعلها، ادعموا حماس وقوى المقاومة الأخرى، وتحمّلوا
الضغوط والعقوبات السياسية، واربحوا بدعمها أكثر مما تخسرون!
وبهذا تستعيدون الورقة الفلسطينية الى جيوبكم.
لا يبدو ان الرياض قادرة او حتى راغبة في تغيير مسار
علاقتها مع القضية الفلسطينية ولا مع حماس ولا الجهاد
الاسلامي ولا نظرائهما من الحركات التي تعتمد لغة السلاح
في مواجهة اسرائيل.
اذن ماذا تريد الرياض، ان صدق خبر ان خالد مشعل سيزورها
ويلتقي بمسؤوليها؟ تهدئة لإخوان الداخل مثلاً؟ تهيئة لصفقة
ما مع تركيا؟ مماحكة مع ايران؟ أم كل هذا؟ ام قد يكون
كل قصة العلاقة مع حماس مجرد دعاية روّج لها الرغبويون
الإخوان، مثلما روّجوا لتحالف (سنّي) مع اردوغان في زيارته
الأخيرة للرياض؟
|