مؤرّخو الوهابية.. عثمان بن بشر
الغزو أساس المُلك - 2
سعد الشريف
لا تكشف قصص الغزوات السعودية ـ الوهابية عن ملمح ديني
من نوع خاص، فالروح القبلية بكل مدسوساتها (السلب، النهب،
القتل، حب السيطرة، الانتقام، التشفي) كانت حاضرة في تلك
الغزوات. فالروح الدينية لم تتجاوز الادعاءات الشفهية
والمراسلات في بعض الحالات التي كانت تسبق الغزوات، ثم
ما تلبث أن تكتسي المعارك طابعها القبلي المحض.
لا يختلف المحاربون الوهابيون عن غيرهم في الميدان،
فهم كمن سواهم في القتل والنهب والسلب، اللهم الا في إضفاء
مسوّغات دينية على كل الافعال الحربية الخالصة. لقد تشرّبوا
فكرة أنهم الصفوة الخالصة التي تلقت نداءً من السماء من
أجل إرساء دعائم العقيدة الصحيحة على الأرض، فأجازت لنفسها
فعل كل ما يمكن أن يتخيّله المقاتلون المعتقّون وخبراء
الحرب.
في استئناف قراءتنا لسيرة الحروب الوهابية، نبدأ بوقائع
سنة 1194هـ، حيث يروي إبن بشر كيف أن سعود بن عبد العزيز
بن محمد بن سعود جهّز غزواً بمن أسماهم «المسلمين» وهو
المسمى الذي يفصل فيه بين أتباع محمد بن عبد الوهاب، عن
بقية الخلق أجمعين، سواء كانوا من المعتنقين لدين الإسلام
أو من أتباع الديانات الأخرى.. سار سعود بالمشاة والركبان
الذين استنفرهم من أهل بلدان نجد، ونزل على بلد حرمة وحصرها
أشد الحصار. وهنا نتوقف عند حادثة ذات أهمية خاصة: حيث
قام سعود بالانتقام من قاضي حرمة الشيخ عبد الله المويس،
وكان من الشخصيات التي عارضت دعوة بن عبد الوهاب فضمر
الأخير له شراً وانتقاماً. قطع سعود نخل المويس وملك أكثر
نخل حرمة، وأقام عليها مدة أيام، كل يوم يباكرها بالقتال
ويراوحها، حتى وصل الى جدار القلعة وحصرهم فيها، فلما
اشتد عليهم الحصار أرسلوا الى سعود وطلبوا المصالحة،
«فأبى عليهم إلا أن تكون بيت مال أو يزيل
ما في البلد من المحذور ومن الرجال وغيرهم. فصالحه أهلها
على ما في بطن الحلة والأموال. فلما استقرّ الصلح، كتب
الى أبيه عبد العزيز يخبره بذلك. فكتب إليه عبد العزيز،
أن أهل هذه القرية تكرّر منهم نقض العهد وهي محذورة كلّها،
فاهدمها ودمّرها، فأمر سعود بهدم سورها وبعضاً من بيوتها،
وأمر أيضاً على أن من أهلها ممن أثار الشرّ على المسلمين
أن يرتحلوا عنها، فارتحل أناس كثير، ونزلوا المجمعة، وكثير
منهم نزلوا بلد الزلفي» (ص 139).
لقد بدت النزعة الانتقامية نافرة في سلوك سعود وأبيه
والمحاربين الوهابيين الذين جاءوا معه، ما يسلب الحروب
السعودية الوهابية أي معنى ديني. ولسوف تتواصل الحروب
على النحو الذي كانت عليه في نجد قبل الوهابية وبعدها،
أي كونها حروب من أجل المرعى والغنيمة والسيطرة.
في سنة 1194 سار سعود الى (الزلفي) وقد أنذروا عنهم
وحصل بينهم قتال قتل فيه من الفريقين رجال (ص 140). وتكررت
الغزوة في وقت لاحق لأكثر من مرة، وقام السعوديون بإشعال
النار في زروع أهلها. (ص 141). وفي العام نفسه، سار سعود
بالجيوش، وقصد (حوطة بني تميم) المعروفة في الفرع، فأناخ
فيها ليلاً، ورتّب كمينه، وفي الصباح، نشب القتال وقتل
من أهلها خمسة عشر رجلاً. (ص 141 ـ142).
وفي السنة التالية، 1195هـ، سار سعود بن عبد العزيز
بـ «جنود المسلمين» الى ناحية الخرج فنازل أهل الدلم وحاصرهم
أشد الحصار وتحصّنوا في بلدهم، وأغار عليهم طلوع الشمس..
وأقام سعود أياماً محاصراً لهم «يخرب
في بلادهم، وقطع في نخيلهم، وقطع نخل ابن عشبان المسمى
خضرا، نحو ألفي نخلة، وقتل عدة رجال.. «. (ص 142
ـ 143). وفي هذا العام أيضاً، غزا عبد الله بن محمد بن
سعود (والد تركي بن عبد الله، مؤسس الدولة السعودية الثانية)
وقصد ناحية الخرج، فنازل أهل اليمامة، وأناخ فيها جيشه
وكمينه، وفي الصباح أغار الجيش على البلد، وخرج أهلها
فحصل قتال شديد فولوا أهل البلد منهزمين، وقتل منهم نحو
العشرين، ثم سار منها وأغار على سروح أهل الحريق، وكان
مع السروح جنب رجال، فحصل بينهم قتال قتل فيه منهم عشرون
رجلاً. (ص143). وفيها أجمع أهل الخرج أنه لا يستقيم لهم
حال، حسب ابن بشر، وقصر البدع هذا على حاله، وذلك إن أهل
هذا القصر ضيقوا على سكان الخرج، فكانوا في غالب الأيام
والليالي يغيرون عليهم، ويرصدون لهم المراصد، ويأخذون
كل مسافر، وكل قادم قاصد، واستمر عليهم ذلك الحال لا يذوقون
لذة المنام، فصنع أهل الخرج محاملاً وبنياناً وسلالماً
وساروا إليه بالليل، فاستيقظ بهم أهل القصر، فقتلوا منهم
عدة رجال فولوا عنه منهزمين. (ص 143 ـ 144).
وهذه من الحوادث التي تحمل دلالة غاية في الأهمية،
إذ تكشف عن أن آل سعود كانوا قوة احتلال، وليسوا حركة
دينية، وتلك كانت نظرة أهل الخرج إليهم. وقد استنجد أهل
الخرج بسعدون بن عريعر في الأحساء، وطلبوا منه المسير
معهم على القصر، فسار سعدون بالجنود والعساكر والمدافع
ونازل أهل القصر وواقعهم، ولم ينجح في كسرهم، بل ترك عتاده
في المعركة «فأخذها المسلمون بعد ذلك». (ص 144).
وفي هذه السنة 1195هـ، سار عبد العزيز بن محمد بن سعود
بالجنود، وقصد حوطة بني تميم في الجنوب، فنزل عليهم وقطع
النخيل المسمى بالرحيل من أكبر نخيلها، وقتل من أهلها
نحو خمسة عشر رجلاً.. ورحل منها وسار الى الدلم فنازل
أهلها وقطع فيها نخيلاً بالفريع والنتيفة، ثم سار منها
وقصد بلد نعجان ونازل أهلها وقطع فيها نخيلاً، وسار منها
وقصد اليمامة ونزل عليها وقاتلهم وهدم فيها بروجاً وغير
ذلك. (ص 144).
هذه شواهد تؤكد أن آل سعود وحلفاءهم الوهابيين، كانوا
قوة تدمير وتخريب أكثر منهم حركة دعوية تستهدف إقناع الناس
بفكرتها الدينية، فكانت تنتقم من السكان المحليين، وتخيّرهم
بين الخضوع أو القتل والسلب وتخريب الممتلكات.
وفي هذه السنة أيضاً، اجتمعت قبائل الظفير وغيرهم والجميع
نحو سبعة الآف، ونزلوا على مبايض الماء المعروف قرب سدير،
فسار سعود إليهم بالجنود من الحاضرة والبادية، ولكنه استكثرهم،
فرجع الى أرض بلد نمير، واستنفر أهل سدير ركباناً ومشاة
فنفروا إليه، واشتبك مع تلك القبائل. ويقول ابن بشر:
«فأدال الله المسلمين عليهم وانهزم تلك العربان فولوا
مدبرين، وغنم المسلمون منهم غنائم عظيمة، واستأصل سعود
أكثر أموالهم وحازها، فالأغنام نحو سبعة عشر ألف، والإبل
خمسة آلاف، والخيل خمسة عشر فرساً، وأخذ جميع ما في محلتهم
من الأثاث، والأمتعة وغير ذلك، وقتل منهم قتلى كثيرة من
الفرسان والرجال.. «. ص 145 ـ146.
انتفاضة ضد الوهابية
في سنة 1196هـ، وقعت انتفاضة شعبية في القصيم ضد الوهابية،
وأعلنت الحرب عليها (باستثناء بريدة والرس والتنومة) وقتل
كل دعاة الوهابية، وحضر رؤوساء القصيم يوم الجمعة، وعقدوا
العزم وتعاهدوا على أن يقتل كل بلد من عندهم من مشايخ
الوهابية، وأرسلوا الى سعدون بن عريعر يخبرونه بذلك، ويستحثونه
بالقدوم عليهم، فبادر في الحال وأمر بالرحيل واستنفر العربان
فأقبلوا بجنود. وحين قرب من القصيم، شعر أهلها بالاطمئنان،
فقام كل بلد بقتل من عندهم من المشايخ والدعاة الوهابيين،
فقتل أهل بلد الخبرا إمامهم في الصلاة منصور أبا الخيل
يوم الجمعة وهو قاصد المسجد، وقتل ثنيان أبا الخيل، وقتل
آل جناح رجلاً عندهم وكان ضرير البصر وصلبوه بعصبة رجله
وفيه رمق حياة، وقتل آل شمس أميرهم علي ابن حوشان؛ وفعل
أهل البدان ذلك الفعل، وأقبل سعدون بعدده وعدته، وجمع
جموعاً من بني خالد وغيرهم.
واستنفر الظفير وعربان شمر ومن حضر من عربان عنزة،
فأقبلت تلك الجموع ونزلوا بريدة وأحاطوا بها، وبادر منهم
رجال للقتال، فظهر بهم أهل البلد وقتلوهم، وأرسلوا رؤوسهم
الى سعدون فامتلأ غيظاً وغضباً، وقال إن ظفرت بأهل هذه
البلد قطعتهم إرباً إرباً. وحين نزل بريدة أرسل اليه أهل
عنيزة على سبيل الإكرام والامتثال من كان عندهم من مشايخ
الوهابية، وهما عبد الله القاضي، وناصر الشبلي، وقالوا
هذان كرامة لك، وهدية منا إليك، فقتلهم سعدون.. ثم إنه
لما رميت الرؤوس بين يديه، زحف على البلد بجنوده وحصل
بينهم قتال شديد. (ص 147).
ودارت معارك بين عنيزة وبريدة، وبين سدير والرس، وفي
قرى قصيمية أخرى: الخرج والزلفي، وشاعت الفوضى وتفرقت
الجموع. وفي رد فعل على تلك الانتفاضة، سار سعود بن عبدالعزيز
آل سعود ـ كما يقول ابن بشر ـ بالجنود وصار يغزو المناطق
بعد أن هدأت الانتفاضة، واستولى بعد رحيله من ثادق على
الروضة، فاشتد عليها القتال والمواقعات، واستولى على النخيل،
وجعل يقطع في نخيلها قطع نخيل الحوطة والرفيعة وغيرها،
وأنزل أهل البروج منها، فلما لم يبق الا قلعة البلد، أرسلوا
الى سعود وطلبوا المصالحة، وبذلوا كثيراً من الدراهم نكالاً،
فصالحهم على ما في بطن الحلة من الأموال، وأن يرحل آل
ماضي وأعوانهم من البلد. (ص 151 ـ152).
وفي سنة 1197هـ، سار سعود بالجنود، وقصد عالية نجد،
وأغار على الصهبة من عربان مطير، وهم على المستجدة، المزرع
المعروف عند جبل شمر، فصبحهم عليها، وأخذ إبلهم وأغنامهم
وحلتهم وأثاثهم، وأخذ عشراً من الخيل، وقتل رجالاً من
رؤسائهم وفرسانهم، ثم رجع الى وطنه (ص 152).
وفي سنة 1198هـ، سار سعود بـ «المسلمين» وقصد ناحية
الأحساء، وصبّح أهل العيون ولم يبلغهم عنه خبر، وأخذ كثيراً
من الحيوانات، وأخذ من بيوتها أزواداً وأمتعة.. ثم قفل
راجعاً، واقتضى رأيه أن يغير على أهل اليمامة، فوجدهم
قد خرج جميعهم الى النزهة، واشتاقت نفوسهم الى رؤية الأزهار
في رياض البر، فحين وصلوها شنّت عليهم غارة «المسلمين»،
فلما رأوهم داخلهم الرعب، وولوا منهزمين، فقتل منهم في
تلك الهزيمة أكثر من ثمانين رجلاً.
وفي هذه السنة سار سعود بالجنود، وقصد بلد عنيزة في
ناحية القصيم، فحصل بينهم وبين «المسلمين» قتال، قُتل
منهم عدة رجل، وقتل من المسلمين ثنيان بن زويد. (ص 154).
وفي حوادث سنة 1199هـ، سار سعود بـ «جنود المسلمين»
الى جهة الخرج وغيره ظاهرة من الأحساء، فرصد لهم سعود
على الثليما المعروفة قرب الخرج، فأقبلت القافلة وكانت
على ظمأ، وقدموا لهم ركاباً ورجالاً الى الماء، فأغار
عليهم سعود فقتلهم، ثم أناخت الحدرة فنالهم سعود، واستمروا
ساعة في جلاد وقتال، واقتتلوا قتالاً شديداً قتل بينهم
قتلى كثيرة والقافلة قريب ثلثمائة رجل، فحمل عليهم المسلمون
وأخذوا جميع ما معهم من الأموال والقماش والمتاع والإبل
وغير ذلك، وقتل منهم قريب من سبعين رجل. (ص 155).
لابد أن يتساءل المرء وهو يقرأ مثل هذه التصرفات، عن
الفارق بين قطّاع الطرق وأهل الغزو من «المسلمين»، بحسب
التوصيف الوهابي. فثمة غياب تام لقيم الدين، وأخلاقيات
الحرب في مثل هذه الحالة، حيث تغير قوة مسلّحة على قافلة
لتجار فتنهب ويقتل أهلها، أو تغير على قافلة فيها رجال
عطشى، يطلبون الماء، فيقوم سعود بالغارة عليهم وقتلهم.
وفي آخر ذي الحجة من هذه السنة 1199هـ، سار سعود بالجنود
وقصد الخرج، ونازل بلد الدلم، وحاصر أهلها، ووقع بينهم
قتال في النخيل، ثم ألجأهم الى البلد وحصرهم فيها. (ص
155). ثم ان سعود هجم على البلد وأخذها عنوة، وقتل أميرها
تركي بن زيد بن زامل ومعه عدة رجال، واستولى عليها، واستعمل
فيها أميراً هو سليمان بن عفيصان، ثم أذعن جميع الخرج
وأهل الحوطة والحريق وأهل اليمامة والسلمية وغيرهم، وطلب
عليهم سعود نكالاً من النقد وغيره، فصبروا له بذلك وبايعوه
كلهم على دين الله ورسوله والسمع والطاعة. (ص 156).
وفي حوادث سنة 1200هـ غزا سعود بـ «جنود
المسلمين»، وقصد ناحية الجنوب، فأغار على عربان قحطان،
فأخذ غالب إبلهم ومحلتهم (ص 157). وفيها غزا حجيلان بن
حمد أمير القصيم الى ناحية جبل شمر، فذكر له قافلة خارجة
من البصرة وسوق الشيوخ، فأسرع السير حتى وصل الى بقعا،
فرصد لهم فيها، فوافقوا ومعها كثير من اللباس والقماش
لأهل الجبل وغيرهم، فأخذهم وأحدث مقتلة عظيمة فيهم (ص
157).
وفي حوادث سنة 1201هـ، غزا سعود بـ «المسلمين»، ونزل
أرض (ملهم)، فأتاه رجال من أهل اليمامة، وذكروا له أن
آل بجاد يريدون نقض العهد، فجاءهم، ولما علم أهل البلدة
بخبر قدومه، خرجوا اليهم يطلبون الأمان والعفو، فألزمهم
بأن يفدوا على الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وعبد العزيز
بن محمد بن سعود، فخرجوا يريدون الدرعية، ولكن هربوا باتجاه
الأحساء، فأمر عبد العزيز بهدم محلتهم التي تسمى البنه
واستعمل عليهم سعود أميراً، الرويس، وبنى فيها حصناً،
وجعل فيها رجالاً، أميرهم محمد بن غشيان (ص 158).
وفي حوادث سنة 1202هـ، سار سعود بالعساكر وقصد ناحية
القصيم، ونزل بلد عنيزة، لأنه ذكر له أناساً من أهلها
يريدون نقض العهد من آل رشيد وأتباعهم،
فأمر عليهم يخرجون من البلد وأجلاهم
عنها، واستعمل فيها أميراً عبد الله بن يحيى (ص
161).
وفي هذه السنة أمر الشيخ محمد بن عبد الوهاب جميع أهل
نجد، أن يبايعوا سعود بن عبد العزيز، وأن يكون ولي العهد
بعد أبيه، وذلك بإذن عبد العزيز فبايعوه جميعاً. وقد يكون
محمد بن عبد الوهاب هو من ابتدع فكرة «ولاية العهد» في
الدولة السعودية، خوفاً من إنفراط الدولة السعودية الوهابية،
خصوصاً بعد الخلافات التي نشبت بين أبناء محمد بن سعود،
فأراد أن يجعلها في بيت واحد، وهو عبد العزيز وأبنائه
من بعده. وكانت قيادة الأمراء للجيوش تعد تجربة تأهيلية
لتولي القيادة، أي بكلمات أخرى: أن القيادة العسكرية تؤول
الى القيادة السياسية.
وكان سعود قد سار في سنة تنصيبه ولياً للعهد، بالجيوش
من أهل نجد وعربانها، وقصد عالية نجد من وراء القصيم،
فأغار على عربان عنزة وهم مجتمعون على قناة وقني الجبلان
المعروفان في عالية نجد، فأخذهم وقتل منهم رجالاً (ص 162).
وفي حوادث سنة 1203هـ، يذكر ابن بشر مسير سعود بن عبد
العزيز بما أسماه «بالجيوش المؤيدة المنصورة» من حاضرة
نجد وباديها، وقصد جهة الشمال، فوافق ثويني في ديرة بني
خالد من أرض الصمان، وذلك بعدما خرج من البصرة، ومعه قطعة
من المنتفق وآل شبيب فنازلهم سعود، وأخذ محلتهم وأثاثهم
(ج1، ص 167).
وفي السنة نفسها، سار سعود قبل هذه الغزوة بـ «جنود
المسلمين» الحاضرة والبادية، وقصد بني خالد فوجدهم مجتمعين
بأرضهم، فنازلهم نحو يومين، ثم رحل وانصرف عنهم ولم يقع
قتال، لأن سعود خاف من خيانة بعض الأعراب الذين معه من
بني خالد، ونزل على قراياهم التي في الطف،
فأخذ ذخائرهم التي فيها من الطعام وغيره
وسميت هذه الغزوة ويقه.
وفيها أيضاً سار سعود بـ «الجيوش المنصورة»، وقصد المنتفق،
فوجدهم بالموضع المعروف بالروضتين بين سفوان والمطلاع،
فناوخهم وأخذ محلتهم خياماً وأمتعة.
ولما أراد الإنصراف «ظن المسلمون» أنه يقصد ماء قرية،
فلما ركب، صرف وجه راحلته إلى غير جهتها، فارتاعت قلوب
الناس من طول المغزا، وقالوا للدليل وهو صالح أبا العلى
من عتيبة، أشر على الإمام يصد ماء قرية، فاعترضه الدليل
فأخذ يلاطف سعود حتى أخبره أنه يريد ورد ماء الوفرا، (وتقع
في الكويت حاليا)..فأبى سعود ذلك و»قصدها بالمسلمين»،
فوردها ثم رحل منها، ووافق غزو لآل سحبان من بني خالد،
فأخذهم وقتلهم وكانوا نحواً من تسعين
رجلاً.
وفيها ـ 1203هـ ـ سار سعود بـ «جنود المسلمين» من الحاضر
والبادي وقصد الاحساء، ونازل أهل المبرز، ووقع بينه وبين
أهلها رمي بالبنادق، ثم رحل منه ونازل أهل قرية الفضول
في شرقي الأحساء، فأخذها وقتل من أهلها
نحو ثلثمائة رجل. (ج1، ص 168).
وفي حوادث سنة 1204هـ، حدثت (وقعة غريميل)، إذ سار
سعود بالجنود، واستلحق معه عربان الظفير وعربان العارض،
ومعه زيد بن عريعر وجلوية بن خالد، وقصد بني خالد ورئيسهم
يومئذ عبد المحسن بن سرداح وابن اخيه، ودويحس بن عريعر،
وهم نازلون عند غريميل المعروف عند الاحساء، فعدا عليهم
ونازلهم، ووقع القتال بينهم ثلاثة أيام، ثم انهزم بنو
خالد واتباعهم «فكرّ المسلمون في ساقتهم
يقتلون ويغنمون وحاز سعود من الإبل والغنم والأمتعة والأثاث
ما لا يعد ولا يحصى، وقتل عليهم قتلى كثيرة، وأخذ خمس
الغنيمة، وقسم باقيها في المسلمين..» (ج1، ص170).
وفي هذه السنة ـ 1204هـ ـ أرسل الشيخ محمد بن عبد الوهاب
الى علماء مكة كتاباً، بعد هدم أنصاره البنيان على القبور
العامة، وزعم بانه يفعل ذلك اتّباعاً لا ابتداعاً، وقال
فيه «فنحن وله الحمد، متبعون لا مبتدعون، على مذهب الإمام
احمد..» (ج1، ص171). وقد بعث ابن عبد الوهاب موفداً من
طرفه يدعى الشيخ عبد العزيز بن عبد الله، وعرض عليهم كتب
الحنابلة.
يعلق ابن بشر على الرسالة بأن الشريف أذعن وأقرّ بما
فيها: «وطلب من عبد العزيز حضور العلماء للمناظرة في التوحيد،
فأبوا وقالوا هؤلاء يريدون أن يقطعوا جوايزك.. التي من
أجدادك.. ويملكون بلادك فارتعش قلبه وطار» (ج1، ص 171).
وكما يظهر فإن ابن بشر يقدّم تحليلاً أكثر منه معلومة،
ويفترض أن يكون رد علماء مكة على هذا النحو، لأن هذا هو
ديدن الشيوخ ووجوه القوم في حالات مشابهة في نجد.
وفي حوادث سنة 1205هـ ، سار سعود بالجنود، وقصد عالية
نجد، وأغار على فرقان مطير، ورئيسهم الحميداني وأسلاف
غيرهم، وهم في أرض الجريسية، فسبقه النذير فانهزموا..
فلحقهم سعود وصبحهم بأرض الجريسية، فركبت العربان الخيل،
وكثر عليهم المسلمون، فحصل قتال شديد فولوا منهزمين،
وقتل منهم نحو خمسين رجلاً وغنم المسلمون
ما معهم من الأموال والأمتعة والأثاث والزاد والإبل والغنم
(ج1، ص 174). هذه وغيرها مجرد معارك مادية بحتة،
ولكن القوات السعودية الوهابية تضفي عليها طابعاً عقائدياً،
فتخرج في هيئة حرب بين المؤمنين والكفّار، تماما كما يفعل
منتج الوهابية الجديد (ما تقوم به القاعدة وداعش وبوكو
حرام وحركة الشباب في الصومال وغيرها).
وفي هذه السنة 1205هـ، سار الشريف غالب بن مساعد مع
أخيه عبد العزيز الشريف بالعساكر من الحجاز الى نجد، فسار
عبد العزيز ال سعود بقوة هائلة مؤلّفة من عشرة آلاف مقاتل،
ومعهم أكثر من عشرين مدفعاً. وكان قصد الشريف: الدرعية
ومنازلتها، ويعلّق ابن بشر:
«وهذه الأحزاب رفعت إليه الرؤس ووقع منه شيء في النفوس،
لأن أعداء هذا الدين إذا تطاولت الى أحزاب، ورأوا كثرة
ما معهم من العدد والعدة، رجع بالفشل وخاب، فلما رأوا
أن الأمر جاء من الأشراف، أيقنوا بالهلكة للمسلمين والإتلاف،
وارتد كثير من العربان، وراسله أناس من أهل البلدان، منهم
حسين الدويش رئيس مطير وعربانه، وتبيّن لأهل الباطل دخان،
وأكثرهم نقض العهد وخان، وارتد معه كثير من قحطان، فأقبلت
تلك العساكر والجنود، وسار معهم كثير من بوادي الحجاز
وعربان شمر ومطير وغيرهم، فملأ السهل والجبل، وصار في
قلوب المسلمين منهم وجل، فنازلوا قصر بسام المعروف في
السر، وحاصر أهلها أكثر من عشرة أيام ونصبوا عليه المدافع
وضربوه بها ضرباً هائلاً، وكادوه بانواع القتل.. وكان
عبد العزيز قد استنفر بلدان المسلمين مع ابنه سعود فتجهز
غازياً، فسار بنجنود ونزل رمحين النفوذ المعروفة عند بلد
أشيقر، وأقام فيها، يخيف تلك الجنود ويخففهم..» (ج1، ص
172 ـ 174).
وقام سعود بمحاربة القبائل التي وقفت الى جانب الشريف
غالب، وأمر سعود بن عبد العزيز، محمد بن معيقل، فأغار
على فريق من قحطان «فأخذ عليهم إبلاً كثيرة وفزع عليهم
منهم خيل، فحصل جلاد خيل بين الفرسان، وأخذ المسلمون منهم
خمسة عشر فرساً من عتاق الخيل الأصايل» (ج1، ص176). ثم
رحل سعود وقصد عربان مطير رئيسهم حسن الدويش «فأغار عليهم
وحصل قتال شديد بين الرجال والفرسان فقتل من الأعراب نحو
العشرين، وأخذوا بعض الإبل» (ج1، ص 176).
وفي هذه السنة 1205هـ، حدثت «وقعة العدوة»، وذلك أن
كثيراً من البوادي الذين ساروا مع الشريف، انفردوا عندما
رجع إلى مكة، وأكثرهم من قبائل مطير وقبائل شمر، ما غاب
من هاتين القبيلتين الا القليل ورئيسهم مسعود وكان يطلق
عليه ابن بشر «حصان إبليس»، وانحازوا الى المعروف بالعدوة
وهو مزروع لشمر قرب حائل، فنهض إليهم سعود واستنفر أهل
نجد البادي والحاضر، فسار بالجنود وقصدهم في تلك الناحية،
وكان يريد الانتقام منهم، لأنهم وقفوا مع عدوه، فنازلهم
ووقع بينهم قتال شديد، فانهزمت تلك البوادي وقتل منهم
قتلى كثيرة من فرسانهم منهم: مسعود الملقب حصان إبليس،
وسمرة المشهور رئيس العبيات، وأبو هليبة من مطير، وعدد
كثير منهم «وغنم المسلمون منهم غنائم كثيرة من الإبل والغنم
والأثاث والأمتعة، وأخذ جميع محلتهم»، فلما انهزم هؤلاء
البوادي، وأخذ المسلمون أموالهم، استنفروا ما يليهم من
قبائلهم وغيرهم ممن لم يحضروا الواقعة، وارسلوا الى سعود
يدعونه للمنازلة، وأنهم يريدون المسير عليه، فثبت لهم
ووقع القتال لمدة يومين ونهب جنود سعود جميع أموالهم من
الإبل والغنم والأمتعة «وحاز سعود جميع الغنائم، الإبل
أحد عشر ألف بعير، والغنم أكثر من مائة ألف (ج1، ص177ـ
178).
وفي جمادى الأولى من سنة 1206هـ، سار سعود غازياً بالجنود
من البادي والحاضر وقصد القطيف، وحاصر اهل سيهات
«وتسوّر المسلمون جدارها واخذوها عنوة،
وأخذوا ما فيها من الأموال وغير ذلك، مما لا يعد ولا يحصى،
وأخذوا عنك عنوة، وقتل منهم خمسمائة رجل، ثم سار الى القديح،
وأخذها عنوة، وأخذ منه كثيراً من الأموال وقتل عليهم رجال،
واستولى على عنك والعوامية وغيرهما، وحاصروا الفرضه، لأن
أكثر أهل القطيف هربوا إليها، فصالحوا بثلاثة آلاف زر،
وأزال المسلمون جميع ما في القطيف من الأوثان والمتعبدات
والكنائس وأحرقوا كتبهم القبيحة بعدما جمعوا منها احمالاً»
(ج1، ص 178).
ومن الواضح أن إبن بشر يفقد هنا صفته كمؤرخ، ويمارس
دور المؤدلج ورجل العقيدة. إذ من الثابت أن القطيف لم
يكن يقطنها مسيحيون حتى يكون فيها كنائس، ولم يكن فيها
عبدة أصنام حتى تزال أوثانهم، ولكن الموقف العقدي الوهابي
من سكّان هذه المنطقة، وهم من الغالبية الشيعية يصوّر
مساجدهم وحسينياتهم على أنها كنائس وأوثان.
وفي هذه السنة قتل رئيس بني خالد عبد المحسن بن سرداح.
وفيها أيضاً، غزا هادي بن قرملة رئيس عربان قحطان بأمر
عبد العزيز بن سعود، وسار معه عربان قحطان وغيرهم، وأغار
على عربان من مطير، وهم على الحنابج، الماء المعروف في
عالية نجد، فحصل بينهم قتال شديد، فانهزم المطران واخذ
منهم ثلاثة آلاف بعير (ج1، ص179).
وفي هذه السنة غزا سليمان بن عفيصان ـ بأمر عبد العزيز
آل سعود ـ بجيش من أهل الخرج وغيرهم، وقصد قطر، فصادف
غزواً منهم نحو خمسين مطية، فنازلهم وقاتلهم فانهزموا،
ولحقهم سليمان وجنوده وقتلوهم الا القليل وأخذ ركابهم
(ج1، ص 179).
وفيها غزوة الشقرة، إذ أن سعود سار بجنوده، وقصد ناحية
جبل شمر، بعد ان سمع بأن قبائل كثيرة مجتمعة من عربان
مطير وعربان حرب وغيرهم على الماء المعروف بالشقرة قرب
جبل شمر فأغار عليهم وصبحهم فيها، وأخذهم جميعهم، وحاز
منهم أموالاً عظيمة من الإبل والغنم والأمتعة والأزواد،
وأخذ منهم أكثر من عشرين فرسا وقتل منهم عدة رجال ثم رحل
سعود بجميع الغنائم (ج1، ص179 ـ 180).
وفاة محمد بن عبد الوهاب
في هذه السنة أي 1206هـ، توفي الركن الثاني في التحالف
السعودي الوهابي، ومؤسس المذهب الوهابي الشيخ محمد بن
عبد الوهاب.. وقد بالغ إبن بشر في وصفه إذ قال عنه: «توفي
شيخ الإسلام، مفيد الأنام، قامع المبتدعين، مشيّد أعلام
الدين، ومقرّر دلائل البراهين، محيي معالم الدين بعد دروسها،
ومظهر آيات البراهين بعد أفول أقمارها وشموسها..» (ج1،
ص180).
ويضيف في مكان آخر: «فهو شيخ الإسلام، والبحر الهمام
الذي عم بركة علمه الأنام، فنصر السنة وعظمت به من الله
المنة، بعد أن كان الإسلام غريباً، فقام بهذا الدين ولم
يكن في البلاد الإ إسمه، فانتشر في الآفاق وكل أمر أخذ
منه حظه وقسمه». ويشير ابن بشر الى اضفاء ابن عبد الوهاب
الطابع الديني على الممارسات المادية السائدة مثل:
«وبعث العمال لقبض الزكوات، وخرص الثمار
من البادي والحاضر، بعد ان كانوا قبل ذلك يسمون عند الناس
مكاساً وعشاراً، ونشرت راية الجهاد بعد ان كانت فتناً
وقتالا» (ج1، ص182).
وبالغ ابن بشر في توصيف دور ابن عبد الوهاب، فقال بأن
بسببه «عرف التوحيد الصغير والكبير، بعد ان كان لا يعرفه
الا الخواص، واجتمع الناس على الصلوات والدروس، والسؤال
عن معنى لا اله الا الله وفقه معناها، والسؤال عن أركان
الاسلام، وشروط الصلاة وأركانها وواجباتها، ومعاني قراءتها
وأذكارها، فتعلم ذلك الصغير والكبير، والقارىء والأمي،
بعد أن كان لا يعرفه الا الخصائص، انتفع بعلمه أهل الآفاق،
لأنهم يسألون عما يامر به وينهى عنه..
وهدم المسلمون ـ ببركة ـ علمه جميع
القباب والمشاهد التي بنيت على القبور وغيرها من جميع
المواضع، المضاهية لأوثان المشركين، في أقاصي الأقطار
من الحرمين واليمن وتهامة وعمان والأحساء ونجد، وغير ذلك
من البلاد. حتى لا تجد في جميع من شملته ولاية المسلمين
الشرك الأصغر فضلاً عن غيره»(ج1، ص 183).
وتحدّث ابن بشر عن دور ابن عبدالوهاب في الدولة السعودية
بأنه «هو الذي يجهز الجيوش، ويبعث السرايا
على يد محمد بن سعود، ويكاتب أهل البلدان ويكاتبونهم،
والوفود إليهما والضيوف عنده، وصدور الأوامر من عنده حتى
أذعن أهل نجد وتابعوا على العمل بالحق»(ج1، ص184).
وفي سنة 1207هـ، سار سعود بالجيوش من جميع نواحي نجد
وعربانها وقصد ناحية الشمال يريد عربان بني خالد، وهم
على الجهر، الماء المعروف، فلما قرب منهم وجد آثار الجيوش
والخيل غازية وعادية من تلك العربان المقصودة، وكان بنو
خالد تابعوا عبد المحسن، وطردوا اولاد عريعر وذويهم..
ثم تواجه مع براك بن عبد المحسن من بني خالد ولحقهم
«فتبعهم المسلمون في ساقتهم يقتلون
ويغنمون واستأصلوا تلك الجموع قتلاً ونهباً... وهلك من
بني خالد في هذه الوقعة بين القتل والظمأ خلائق كثيرة،
قيل أنهم أكثر من ألف رجل، وأخذ جميع ركابهم وخيلهم وأذوادهم
وأمتاعهم وفرشهم وجميع ما معهم، والخيل أكثر من مائتين
فرس» (ج1، ص201 ـ 202). وسميت وقعة الشيط وهو موضع
معروف شرقي ماء اللصافة.
ثم سار سعود ورحل بـ «جنود المسلمين» وقصد ناحية الإحساء
«يدعوهم الى دين الله ورسوله والمبايعة
والسمع والطاعة»، وأرسل خلفهم سعود ابن غيث، ومعه
جيش من المسلمين يترصّدون للهارب من الأحساء
فصادفوا غزواً من أهل عُمان، ومعهم
خيل وإبل، فقتلوهم وأخذوا ما معهم وهم يزيدون على المائة»،
فسار سعود ونزل الردينية الماء المعروف في الطف وأقام
أياماً، وأتته المكاتبات مع رسله من أهل الأحساء يدعونه
إليهم ليبايعوه، فارتحل منها وسار الى الأحساء، ونزل عين
نجم خارج البلد، فخرج إليه أهلها وبايعوه على دين الله
ورسوله والسمع والطاعة و»دخل المسلمون
الاحساء، وهدموا جميع ما فيه من القباب والمشاهد التي
على القبور والمواضع الشركية، فلم يتركوا لها أثراً»،
وأقام سعود قريباً من شهر، ورتب أئمة المساجد، وأمرهم
بالمواظبة على الصلوات، وإقامة الجمع والجماعات، ونادى
بإبطال جميع المعاملات الربوية وما خالف الشرع وإفساد
الحيل، ورتب الدروس، وجعل فيهم رجالاً علماء من قومه يعلمونهم
التوحيد، ويذكرونهم فيه ويعلمونهم أصول الإسلام. (ج1،
ص 202 ـ 203).
في هذا المقطع، يتقمص الوهابيون مهمة رسولية،
حيث يصوّرون غارتهم على الأحساء، بأنه فتح لبلاد الشرك،
فهدم أصنامها، وعطّل ما كان فيها من معاملات ربوية، وقد
جاء اليها بالعقيدة الصحيحة، والحال ان سعود أراد السلطة
والغنيمة باسم الدين، وهذا ما أدركه سكّان الأحساء من
غزو الوهابيين وآل سعود لبلادهم.
ترك سعود الاحساء قافلاً، ونزل نطاع، الماء المعروف
في الطف، فأقام عليه أكثر من شهر، وكان أهل الأحساء قد
أبطنوا رفض ما جاء به سعود، وقد أسماه ابن بشر «الغدر
والارتداد»، لأنهم ثاروا على من نصّبهم سعود من الشيوخ
والأمير وصاحب بيت المال، وهم نحو ثلاثون رجلاً، فأجمعوا
على ذلك وطردوهم، وقال ابن بشر بأن أهالي الأحساء قتلوا
الأمير محمد الحملي ونهبوا بيته، وابن سبيت ونهبوا بيته،
وقتلوا باقيهم وجروهم في الأسواق. ثم سيطر زيد بن عريعر
على الإحساء، ولما بلغ سعود ذلك الخبر، استشار أصحابه،
فمنهم من أشار بالمسير الى الاحساء، ومنهم من أشار بالقفول،
فعزم على القفول، فقفل راجعاً الى وطنه. وفسّر ابن بشر
قراره بأنه «يحب الأناة، ويكره مبادرة أهل الشر عند أول
شرهم» (ج1، ص204).
وفي سنة 1208هـ، سار سعود بالجموع من جميع نواحي نجد
وعربانها وقصد الأحساء انتقاماً منها ومن أهلها بعد ان
سيطر زيد بن عريعر عليها هو واخوانه وذووه. يقول ابن بشر:
«فأقبل عليه سعود بجنود المسلمين وفرسانهم ومعهم براك
بن عبد المحسن بن سرداح آل حميد، ونزل سعود بالمسلمين
على قرية الشقيق المعروفة في الأحساء، فحاصرها يومين وأخذها
عنوة، واستولى عليها وهرب أهلها، وقتل منهم عدة رجال،
ثم اجتمع أهل قرى شمال الأحساء في قرية القرين، فسار اليها
سعود فنزلها وحاصرها أشد الحصار، وحاصر اهل بلد المطيرفي
المعروفة، فصالحوه على نصف أموالهم، وسار سعود بتلك الجنود
الى المبرز، فخرج عليهم زيد بن عريعر بما عنده من الخيل،
فحصل بينهم قتال وقتل من قوم زيد غدير بن عمر، وحمود بن
غرمول، وانهزم زيد ومن معه الى البلد».
ثم بعد أيام سار الجموع الى المبرز فكمنوا لهم، فجرت
وقعة المحيرس قتل فيها من أهل المبرز
مقتل عظيمة، قيل أن القتلى ينيفون عن المائة رجل،
وسارت الجنود الى بلاد ابن بطال (يقصد بلدة البطالية)،
فوقع فيها قتال فانهزم أهلها وقتل منهم
عدد كثير، وأخذ سعود ما فيها من الأمتعة والطعام والحيوان
والأموال، ثم ساروا الى بلدان الشرق فحصلها فيها
قتال وجلاد وارتجف أهل الشرق، هذا وجميع
البوادي الذين مع سعود وغيرهم يدمرون في الأحساء ويصرمون
النخيل، ويأخذون من التمر، ويبيعونه احمالاً، ويأكلون
ويطعمون رواحلهم من الحاضر والبادي، واكتالوا جميع البوادي
من الأحساء نهباً، وأوقروا رواحلهم وأقاموا على ذلك أياماً.
بعدها يضيف ابن بشر: ثم إن براك بن عبد المحسن أتى
الى سعود وقال: «إن أهل الإحساء يريدون
المبايعة والدخول في الإسلام، ولكن لا يقدرون على الجلوس
بين يديك خوفاً وفرقاً وهيبة، فقال سعود لا بد من إقبالهم
عندي، فشفع براك برؤساء المسلمين على سعود يرحل عنهم،
وقال: إذا رحلت عنهم أخرجوا عنهم زيد بن عريعر وأتباعه،
ووفدوا عليه وبايعوك، فرحل سعود قافلاً الى الدرعية، وقصد
براك عبد العزيز، أرسله أهل الإحساء إليه ليأخذ لهم أماناً
ويبايعونه على السمع والطاعة، فأجابهم الى ذلك، وركب براك
الى أهل الإحساء، فلما وصل إليهم نابذوه ونقضوا ما بينهم
وبينه، وقاتلوه واستمروا على أمرهم، فأرسل إليه فريق السياسب
وادخلوه المبرز، وكان أولاد عريعر في الجفر والجشه البلد
المعروفة، فحصل بينهم وبين السياسب وأتباعهم قتال شديد،
فهرب أولاد عريعر من الأحساء وقصدوا البصرة والزبير وسكنوا
فيه، واستولى على الأحساء اميراً من جهة عبد العزيز، براك
بن عبد المحسن، وبايعوه على السمع والطاعة، وكتب إليه
عبد العزيز أنه يجلي من الأحساء رؤوساء الفتن: محمد بن
فيروز، واحمد بن حبيل، ومحمد بن سعدون، فأخرجهم براك منه،
ودخل أهل الهفوف، وأهل الأحساء في طاعة براك، وصار أميراً
نائباً لعبد العزيز سامعاً مطيعاً (ج1، ص206).
لا بد من الإشارة هنا الى أن محمد بن عبد الله بن فيروز،
والد عبد الوهاب صاحب الحاشية، حنبلي، وكان من خصوم محمد
بن عبد الوهاب، وقد ولد سنة 1146 وتوفي سنة 1216هـ، ودفن
بمدينة الزبير، وكان يتربص به ال سعود لكونه عارض دعاوى
ابن عبد الوهاب وآل سعود، وحذّر منها ومن أهداف الدعوة
الوهابية، فكانوا يكيدون له ويتربّصون به الدوائر.
وكانت القوات السعودية الوهابية هجمات على بلدان خليجية
مثل قطر والكويت وعمان وغيرها. ففي سنة 1208هـ، سار ابراهيم
بن عفيصان بأهل بلدان الخرج وما يليهم من بلدان النواحي،
وقصد ناحية قطر ونازل أهل الحويلة البلد المعروفة على
سيف البحر، فأخذها. وفيها غزا ابراهيم الى جهة الشمال،
فأغار على بلد الكويت وأخذ غنمهم وكان قد عبأ لهم كميناً،
فظهر عليه أهل البلد وناشبوهم القتال، ثم خرج عليهم الكمين
فقتل من أهل الكويت نحو ثلاثون رجلاً (ج1، ص 209).
وفي هذا العام 1208هـ، توفي سليمان بن عبد الوهاب،
أخو الشيخ محمد بن محمد بن عبد الوهاب ودفن في الدرعية.
ولم يذكر ابن بشر من سيرته شيئاً سوى كونه اخ الشيخ محمد،
بخلاف كلامه عن شيوخ وقضاة آخرين، مع أنه تولى القضاء
ودرس علوم الشريعة..ما يشي بموقف سلبي منه.
وفي حوادث سنة 1209هـ، سار سعود بالجنود وقصد جهة الشمال،
وأغار على آل ظفير وغيرهم بالحجرة، الأرض المعروفة، فهزمهم
وقتل منهم رجالاً كثيرة وأخذ منهم ألفاً
وخمسمائة بعير وجميع أغنامهم ومحلّتهم وأثاثهم، ثم قفل
راجعاً (ج1، ص 210 ـ211).
وفي ذي القعدة من سنة 1210هـ، سار سعود بالجنود وقصد
الحجاز، ونازل أهل بلد تربة، بلد البقوم المعروفة، فحاصر
أهلها حصاراً شديداً وقطع كثيراً من نخيلها، وقتل بينهم
قتلى كثيرة، ثم صالحه بعض أهل البلد وقفل راجعاً. وفيها
أمر عبد العزيز على جيش من أهل الخرج وغيرهم، وسار بهم
ابراهيم بن عفيصان وقصد ناحية قطر، وأغار على أهله، فأخذ
إبلاً كثيرة وأموالاً من عربانهم، فأقبل بها وباعها في
الأحساء (ج1، ص211).
ومن حوادث هذه السنة، أن سعود سار بالجنود وأغار على
عربان مجتمعة من عتيبة ومطير، وهم في الحرة المعروفة في
الحجاز، ورئيسهم أبو محيور العتيبي، فدهمهم فيها وهربوا
في الحرة وحصل قتال شديد فأخذ عليهم نحو مائة بعير وأغناماً
كثيرة، وكثيراً من الأمتعة والأزواد، وقتل أبو محيور المذكور
والقدح من رؤساء مطير في نحو ثلاثين قتيلاً و»قتل من المسلمين
سبيلاً بن نصير المطرفي، رئيس خيالة سعود».
وفي سنة 2010هـ، سار عبد العزيز لمحاربة رؤوس الاحساء
بعد نقضهم عهداً قطعوه له، فعسكر في شقرا فاجتمع له نفر
كثيرون، فسار بهم نحو الاحساء، فلما وصل نزل قرب الرقيقة،
وهي مزارع معروفة لأهل الأحساء،
«وأمر مناديه ينادي في المسلمين أن يوقد
كل رجل ناراً، وأن يثوروا البنادق عند طلوع الشمس.. وفعلوا
ذلك، فأرجفت الأرض، وأظلمت السماء، وثار عج الدخان في
الجو، وأسقط كثير من الحوامل في الأحساء، ثم نزل سعود
في الرقيقة المذكورة، فسلم له، وظهر عليه جميع أهل الاحساء
على احسانه واساءته، وأمرهم بالخروج فخرجوا فأقام في ذلك
المنزل مدة أشهر يقتل من أراد قتله، ويجلي من أراد جلاءه،
ويحبس من أراد حبسه، ويأخذ من الأموال، ويهدم من المحال،
ويبني ثغوراً، ويهدم دوراً، وضرب عليهم ألوفاً من الدراهم
وقبضهم منهم، وذلك لأجل ما تكرر منهم من نقض العهد، ومنابذة
المسلمين، وجرهم الأعداء عليهم، وأكثر سعود فيهم القتل،
فكان مع ناجم بن دهينيم عدة من الرجال يتخطفون في الأسواق
لأهل الفسوق، ونقاض العهود، وكان أكثر القتل ذلك في اليوم
في التلنقية والسوادية المجتمعين على الفسوق، الذين كان
فعلهم بهواهم كلما أرادوه فعلوه، ولا يتجاسر أحد أن يأمرهم
وينهاهم فكثر ذلك تعدّيهم واعتداءهم؛ فهذا مقتول في البلد،
وهذا يخرجونه الى الخيام، ويضرب عنقه عند خيمة سعود، حتى
أفناهم إلا قليل، وحاز سعود من الأموال في تلك الغزو ما
لا يعد ولا يحصى، فلما أراد سعود الرحيل من الاحساء أمسك
عدة رجال من رؤساء أهله، منهم علي بن حمد آل عمران، ومبارك
محمد العدساني القضاة، ورجال كثير غيرهم، وظهر بهم معه
الى الدرعية، وأسكنهم فيها، واستعمل في الاحساء أميراً:
ناجم المذكور، وهو رجل من عامتهم، وسميت هذه الواقعة وقعة
الرقيقة» (ج1، ص 216 ـ217).
وبقي سعود يعاقب الاحساء بالاستباحة كلما وقعت واقعة
بالقرب منها.. وبدا من سلوك سعود وجيش الغزاة، الذي كان
معه أنه كان قد أضمر ارتكاب إبادة جماعية ضد أهل الإحساء،
التي بقيت مستباحة الدم والمال والعرض.
ومن حوادث سنة 1212هـ، أن منّاع أبا رجلين الزعبي،
غزا بجيش من أهل الاحساء بأمر عبد العزيز الكويت، فعبّأ
لهم كميناً، وأغار على سوارحهم فأخذها، وخرج عليه أهلها
فناشبهم القتال، ثم خرج الكمين فانهزم أهل البلد، فقتل
منهم نحو عشرين رجلاً (ج1، ص239).
وفيها غزا حجيلان بن حمد أمير ناحية القصيم، بجيش من
أهل القصيم وغيرهم وقصدوا أرض الشام، وأغاروا على عربان
الشرارات فانهزموا فقتل منهم نحو مائة
وعشرون رجلاً، واخذوا جميع محلتهم وأمتاعهم وأزوادهم وأخذوا
من الإبل خمسة آلاف بعير وأغناماً كثيرة.
فأين الدين في هذه الغزوة؟ وهل تختلف عن بقية الغزوات
وما تشتمل عليه من نهب وسلب لأجل الدنيا فحسب؟ وما هي
الغاية من الغزو، هل ثمة ما يتجاوز الغنيمة؟ كيف والشام
تحت السيطرة العثمانية؟!
وفي نفس العام 1212هـ، سار سعود بالجنود من جميع نواحي
نجد وعربانها وقصد الشمال وأغار على
سوق الشيوخ المعروف عند البصرة وقتل منهم قتلى كثيرة،
وهرب أناس وغرقوا بالشط، ثم سار وقصد جهة السماوة
فأتاه عيونه وأخبروه بعربان كثيرة مجتمعين في الأبيض،
الماء المعروف قرب السماوة، فوجّه الرايات اليهم ونازلهم
على مائهم ذلك، وكانت تلك العربان كثيرة من عربان شمر،
ورئيسهم مطلق بن محمد الجربا الفارس المشهور، ومعه عدة
من قبائل الظفير، وعربان آل بعبج والزقاريط وغيرهم، فدخلهم
سعود في وادي الأبيض المذكور فنازلهم، فحصل بينهم قتال
شديد وطراد خيل، فساعة يهزمون بعض جنود المسلمين، وساعة
يهزمونهم، وقتل من المسلمين عدة رجال في تلك المحاولات
نحو خمسة عشر رجلاً منهم: براك بن عبد المحسن رئيس بني
خالد، ومحمد آل علي رئيس المهاشير، ثم حمل عليهم المسلمون
فداهموهم في منازلهم وبيوتهم، فقتل عدة رجال من فرسان
شمر وآل ظفير وغيرهم.. وفي الاخير انهزمت تلك القبائل
«وغنم المسلمون أكثر محلتهم وإبلهم
وأمتاعهم» (ج1، ص 241).
وفي تلك السنة، أقبل الشريف غالب
من بيشه ونظل الخرمة، القرية المعروفة قرب بلدة
تربة، وكان سعود حين سار الى الشمال في تلك الغزوة، بلغه
في أثناء طريقه مسير غالب، فكره الرجوع ورد من غزوه جيشاً
من بعض أهل النواحي قليلاً، ليكونوا ردءاً للعربان وعوناً
لهم، ثم أرسل عبد العزيز الى هادي بن قرملة ومن لديه من
قبائل قحطان، وربيع بن زيد أمير الوادي ومن معه من الدواسر
وغيرهم، وأمر أيضاً على قبائل من أخلاط البوادي وجيشاً
من الحضر، وأمرهم أن يجتمعوا ويكونوا في وجه الشريف. فساروا
اليه حتى دهموه في منزله على الخرمة المذكورة، ولم يقفوا
دون خيامة، وهرب عسكر غالب، وتركوا الخيام ومحلهم وجيمع
اموالهم «وتبعهم تلك العربان في ساقتهم
يقتلون ويغنمون، فمن وقف منهم للقتال قتل، ومن انهزم أدرك
فقتل، ومن فايت فبين ناج وهالك ظماءً وضياعاً، فكانت وقعة
عظيمة ومقتلة كبيرة، فكانت عدة القتلى على ما ذكره من
أرّخ هذه الوقعة وغيرها من أهل ناحيتهم ألف رجل ومايتان
وعشرون رجلاً، منهم الشريف مسعود بن يحي بن بركات، وابن
أخيه هزّاع.. وعدة القتلى من قريش أربعون رجلاً، ومع قريش
من عتيبة رجال، ومن ثقيف ثمانون رجلاً، وقتل من العسكر
ما ينوف على الاربعمائة، ومن المصارية مائتين، ومن المغاربة
ثمانون، وفقد من العبيد قتلاً وسبياَ مائة وخمسون عبداً،
واخذوا جميع الذخائر والخيام والمتاع» (ج1، ص 242
ـ 243).
تفسير ابن بشر للحملة الفرنسية
على مصر
لا يخرج تفسير ابن بشر للحملة الفرنسية على مصر عن
نطاق بيئة الصراع القبلي النجدي والعوامل المحرّكة له،
ولذلك تبدو قراءته بقدر ما تبعث على التندر، فإنها تفصح
بأمانة عن عقل البدوي النجدي الذي يفسّر الصراع على أنه
مجرد خلاف مالي.
يذكر ابن بشر في حوادث سنة 1212هـ، وصول الفرنسيين
الى مصر «وسبب مسيرهم، أن لهم مالاً عند أمين لهم في مصر
قبطي من القبط، فأراد إرساله إليهم، فبلغ باشا مصر مراد
بيك فغضب لأجل إخفائه عن العثور، وأمر بأخذه كله، فقال
له الأمين خذ العشر ورد ما بقي، فأبى فأرسل الى كبيرهم
وعرفه ما فعل مراد فرادع فلم ينجع فيه بشيء، فلما يئس
توجه الى السلطان سليم بعروض تضمن الشكوى، وأن مراد لم
ينصفهم، وطلب من السلطان الركوب عليهم لأخذ مالهم من غير
مضرة تكون على أهل مصر، فأخذ السلطان عليهم العهود والمواثيق
بذلك وكتب معهم كتاباً مختوماً بختمه، ولم يدر أنهم مضمرون
الغدر والمكر، وكانوا إذ ذاك مستعدين لحرب السناجق بأنواع
الذخاير من البارود والرصاص وخرجوا في جيش ينيف على ماية
ألف، وتودهوا الى الأسكندرية، فلما أشرفوا عليهم قالوا
نحن أعوان السلطان لحرب امراء مصر، وبيدنا خط السلمان
متوجه بختمه، وأظهروه لهم، فلما رأوه مكنوهم من البلد
بغير حرب». (ج1، ص245).
ويبدو أن المحقق لم يقتنع هو الآخر برواية ابن بشر،
فأحال الى الجزء الثالث من تاريخ الجبرتي لتصحيح الصورة..
ومع ذلك فإن ابن بشر يقول بأنه نقل وقائع الحملة الفرنسية
على مصر من أوراق تاريخ وجدت في الطايف حين فتحها عثمان
المضايفي يقول «فنقتلها باختصار، ولم أقف على صفة استنقاذ
الدولة لمصر من أيدي الفرنسيين، الا أنهم اخذوه من أيديهم
سنة سبعة عشر وطردوهم عنه» (ج1، ص250).
وفي حوادث سنة 1216هـ، يقول ابن بشر: «سار سعود بالجيوش
من جميع حاضر نجد وباديها والجنوب والحجاز وتهامة وغير
ذلك وقصدوا أرض كربلاء ونازل أهل بلد
الحسين وذلك في ذي القعدة فحشد عليها المسلمون،
وتسوّروا جدرانها ودخلوها عنوة، وقتلوا
غالب أهلها في الأسواق والبيوت، وهدموا القبة الموضوع
بزعم من يعتقد فيها على قبر الحسين، وأخذوا ما في القبة
وما حولها، وأخذوا النصيبة التي وضعوها على القبر، وكانت
مرصوفة بالزمرد والياقوت والجواهر، وأخذوا جميع ما وجدوا
في البلد من الأموال والسلاح واللباس والفرش والذهب والفضة
والمصاحف الثمينة، وغير ذلك مما يعجز عنه الحصر، ولم يلبثوا
فيها إلا ضحوة، وخرجوا منها قرب الظهر بجميع تلك الأموال،
وقتل من أهلها قريب ألفا رجل».
ثم إن سعود ارتحل منها على الماء المعروف بالأبيض فجمع
الغنائم، وعزل أخماسها، وقسم باقيها على المسلمين غنيمة،
ثم ارتحل قافلاً الى وطنه. وفي هذه السنة 1216هـ، في عاشورا،
سار سلطان بن أحمد صاحب مسكة (مسقط)، البلد المعروفة في
عمان، في كثير من المراكب والسفن، ونازل أهل البحرين،
وأخذه من أيدي آل خليفة واستولى عليه: ثم إن آل خليفة
ساروا الى عبد العزيز بن محمد بن سعود، واستنصروه، فأمدهم
بجيش كثيف من المسلمين فساروا الى البحرين، فضاربوهم وقاتلوهم
قتالاً شديداً، وأخذوه من يد سلطان المذكور، وقتل من قومه
ما ينيف على ألفي رجل (ج1، ص257 ـ 258).
وفي حوادث سنة 1217هـ، يذكر ابن بشر موت سليمان باشا
العراق وتولي مكانه كيخيا العراق علي باشا. وفيها سار
الأتراك بالعساكر العظيمة الى مصر وأخذوه من أيدي الفرنسيين
وأخرجوهم منه. وفي هذا العام انتقض الصلح بين غالب الشريف
وبين عبد العزيز بن محمد بن سعود، وفارق الشريف وزيره
عثمان بن عبد الرحمن المضايفي، وخرج من مكة، وترك الشريف
ونابذه، ووفد على عبد العزيز وبايعه على دين الله ورسوله
والسمع والطاعة، ونزل بلدة العبيلا، القرية المعروفة بين
تربة الطائف، واجتمع عليه جنود من أهل الحجاز وغيرهم،
واشتبك مع عساكر غالب الشريف، واستعان المضايفي بجنود
نجديين وقبائل موالية لابن سعود، فهزمت جيش الشريف غالب،
ورجع الى مكة وترك الطايف، فدخله عثمان المضايفي ومن معه
من الجموع وفتح عنوة بغير قتال، «وقتلوا
من اهله في الأسواق والبيوت، فقتل منهم عدة مايتين، وأخذوا
من البلد الأموال الأثمان والأمتاع والسلاح والقماش والجواهر
والسلع الثمينة، ما لا يحيط به الحصر، ولا يدركه العد،
وضبط عثمان البلد وسلمت له جميع نواحيه وبواديه،
وجمعوا الأخماس وبعثوها الى عبد العزيز، فقرر ولاية عثمان
للطايف، واستعمله أميراً عليها وعلى الحجاز. وكانت هذه
الوقعة، وسعود بن عبد العزيز قد أمر على جميع النواحي
بالمغزا، وأرسل رجالاً حواويشاً الى البوادي ليأتوا إليهم
بغزواتهم..» (ج1، ص259ـ260).
وفي حوادث سنة 1217هـ، تجهز سعود بعد سيطرة المضايفي
على الطائف وتعيينه أميراً على الحجاز لغزوه، فجمع الجيوش
ونزل السبلة، الروضة المعروفة قرب الزلفي، فأقام فيها
أياماً حتى اجتمع إليه البوادي، فرحل منها وقصد الحجاز،
ونزل العقيق المعروف عند الريعان، وكان ذلك وقت الحج،
وكانت الحواج الشامية والمصرية والمغربية، ومسكة/ مسقط
وغيرهم في مكة، وهم في قوة هائلة، وعدة، فهموا بالخروج
إلى سعود والمسير الى قتاله، ثم تراجعوا عن قرارهم وانصرفوا
الى أوطانهم، وانسحب الشريف غالب الى جدة، هو وأتباعه
من العساكر، وحمل خزائنه وذخايره وبعض متاعه وشوكته.
ولكن سعود عاد وخطط اقتحام مكة، فرحل وجنوده من العقيق
ونزلوا المغاسل، فأحرموا منها بعمرة، ودخل سعود مكة واستولى
عليها. فلما خرج سعود وجنوده من الطواف والسعي، فرّق أهل
النواحي يهدمون القباب التي بنيت على
القبور والمشاهد الشركية، وكان في مكة من هذا النوع شيء
كثير في أسفلها واعلاها ووسطها وبيوتها فأقام فيها أكثر
من عشرين يوماً، ولبث المسلمون في تلك القباب بضعة عشر
يوماً يهدمون، يباكرون الى هدمها كل يوم.. حتى لم يبق
في مكة شيء من تلك المشاهد والقباب إلا أعدموها وجعلوها
تراباً.. ثم إن سعود رحل من مكة واستعمل فيها أميراً
عبد المعين بن مساعد الشريف، ونازل جدة وحاصرها أياماً
فوجدها محصنة بسور حصين وخندق دونها، ورحل منها ورتب جنداً
من المسلمين في قصر من قصور مكة ورجع قافلاً الى وطنه.
(ج1، ص262 ـ 263).
في العدد القادم نستأنف سرد وتحليل وقائع الحروب الوهابية
مع سنة 1218هـ، أي منذ مقتل عبد العزيز بن محمد بن سعود.
|