دولة سلمان
كل ملوك آل سعود مستبدون، وفردانيون إلى جانب كونهم
ظلاميين ورجعيين، ويميلون الى احتكار مراكز السلطة كافة.
ومايقوم به سلمان حالياً يعيد الى الذاكرة ما كان يقوم
به الملك سعود حين قرر أن يجعل أبناءه في المناصب الأساسية،
ويضع يده على خزينة الدولة، حتى تسبب في أزمة داخل عائلة
آل سعود قبل أن تنتقل الى خارجها..
شكل السيطرة في عهد سلمان وإن بدا مختلفاً، إلا أنه
ينتهي الى النتيجة نفسها، لجهة استئثار سلمان وأبنائه
بمقدرات الدولة. ربما الاستثناء الوحيد أن سلمان أفاد
من تجربة أخيه غير الشقيق سعود في الاستماع لنصيحة الأميركيين
الذين أولوا محمد بن نايف رعاية خاصة، وجعلوه على رأس
المؤسسة الأمنية، وثالث ثلاثة بعد سلمان ومقرن..برغم من
أن سلمان إن ترك ونهجه ما تردّد في تعيين إبنه ولياً للعهد،
مع ما ينطوي عليه من مجازفة على مستوى وحدة العائلة المالكة..
وبخلاف كل ما يقال عن سلمان في الإدارة والحنكة والحكمه
فإن الرجل بدا فاقداً لكل ذلك، تكشف عن ذلك قراراته الفورية
بتصفية تركة سلفه. ويمكن تصوير ذلك على هذا النحو: فبينما
كان الملك عبد الله يمارس طيلة عقد من السنوات تشكيل السلطة
بحسب قواعد لعبة الشطرنج، فإن سلمان كان بمثابة بولدوزر
إذ هدم كل ما بناه سلفه بضربات قاصمة..
جاء سلمان بتشكيلة وزارية لا يكاد يجد التنوع في الرأي
إليها سبيلاً، فالغالبية العظمى منهم مقرّبة من بيت سلمان،
ومن الذين يتقنون فن «مسح الجوخ»..ومن أكرمه الله في هذا
العهد جعله خارج التشكيلة، ووهبه نعمة النأي عن الخضوع
لغير رب العباد..
الباحثة الأكاديمية مضاوي الرشيد ذكرت بأن عهد سلمان
هو عهد العنف، وهو كذلك، وليس بالضرورة أن يكون عنفاً
جسدياً فحسب، بل هناك عنف فكري وآخر نفسي، وثالث اقتصادي
ورابع أمني..ولذلك، نلحظ سياسة تكميم الأفواه أصبحت أشد
في عهده، ومن تمظهراتها أن كل من ينتقد عاصفة الحزم على
الجارة اليمن يصبح عرضة للعقاب من بن نايف، وأن اعتقال
الناشطين تزداد وتيرته، حتى أنك لا تجد من جرى اعتقالهم
في العهد السابق قد أفرج عنه أو حتى تمّ تخفيف مدة حبسه
أو حسنت معاملته داخل السجن..
وتحت مبرر أن الدولة تخوض حرباً ضد عدو خارجي، بات
على من في الداخل أن يتنازلوا عن حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية
والسياسية كجزء من المجهود الحربي لآل سعود!
من حكم عليه بالسجن المؤبد، أو بعشر أو عشرين سنة،
أو حتى بالإعدام لا يزال كذلك، وما كانت تفعله الداخلية
من تدابير قمعية ضد الناشطين، لا تزال على حالها..وزيد
على ذلك بأن ما جمعه عبد الله خلال السنوات من 2003 حتى
عام 2014 من فائض نقدي يرمي به سلمان في محرقة العدوان
على جار عربي ومسلم، بدعوى «إعادة الشرعية» التي لا يمكن
أن تعود حتى لو هدّم آل سعود بيوت اليمنيين كافة..لأن
التاريخ لن يعود في هذا البلد الى الوراء، وأن نفوذ آل
سعود بات من الماضي..
صورة أخرى في دولة سلمان هو ما يتعلق بحقوق المواطنين
وحاجاتهم..ومن الواضح أن فريق الدعاية الذي يعمل في مجال
«صناعة الاصنام» في عهد سلمان أقل إبداعية من الفريق الذي
سبقه، برغم من أن هذا الفريق يعمل في الاعلام ويسيطر على
الإمبراطورية الاعلامية..ولكن مشكلة هذا الفريق أنه بلا
ذاكرة، وأن سطوة الشخصية الكاريزمية للملك عبد الله سلبت
الفطنة من أفراد هذا الفريق الذي يهمه أن يروّج لمعاجز
لم تقع ولم يشعر بها أحد..
المطلوب من كل العاملين في دولة سلمان أن يخصّصوا جزءاً
من نشاطهم الحكومي للدعاية له، والتوسّع في مدح منجزاته
منذ اليوم الأولى لاعتلائه العرش..
واحدة من تلك المعاجز التي لم تقع الا في جماجم صنّاعها
هي مسألة البطالة في مملكة النفط. فقد خرج علينا المدير
العام لصندوق تنمية الموارد البشرية إبراهيم المعيقل ليصدمنا
بمعطى خيالي حول هبوط صاروخي لنسبة البطالة بين الإناث
في المملكة الى 32%.
وقال المعيقل في تصريح لصحيفة «الوطن» السعودية في
2 إبريل الجاري: «أن وزارة العمل سعت إلى توفير فرص عمل
تتناسب مع إمكاناتهن في مختلف القطاعات، وبينها القطاع
المالي والصحي وقطاع التجزئة، إذ تم توظيف 12 ألف سعودية
في قطاع التجزئة خلال العام الماضي من خلال توفير بيئة
عمل آمنة ومناسبة لهن». وأوضح المعيقل أن نسبة عدد السعوديين
والسعوديات العاملين في القطاع الخاص ارتفعت من 700 ألف
إلى مليون و500 ألف خلال الأربع سنوات الماضية «وهو أكثر
من الضعف والفضل يعود إلى فعاليات التوظيف».
وزير العمل عادل فقيه أعلن في تصريح نشرته جريدة «الشرق»
في 19 ديسمبر 2012 أن هناك مليونا عاطل عن العمل في السعودية
وأن 85 في المئة منهم إناث. وقال بأن هناك 1.7 مليون إمرأة
يبحثن عن عمل بينهن 373 ألفاً من حملة الشهادات الجامعية..
من المؤكّد أن أي انجاز في التوظيف لا يمكن نسبته للملك
الجديد، الذي لم يمض على تسلمه العرش سوى ثلاثة شهور،
ولكن ما يراد ذكره هنا هو منجز داخل نطاق العهد الجديد..
|