دعا الى المشاركة السياسية لحماية الوطن
سعود الفيصل في لغة جديدة
فاجأنا وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل بورقته التي قدمها في الجنادرية
في ديسمبر الماضي حول المشاركة السياسية في المملكة، وضعها بصيغة (الجمع)
وكأنها تخص العالم العربي كله. الأمير سعود كان واحداً من المرشحين المقبولين
لتولي زمام إدارة البلد مستقبلاً، ولكنه لم يُظهر رغبة في ذلك، وقبل
أن يعمل في الظلّ ويتحمّل الكثير من التجاوزات والتعدّيات على صلاحياته
كوزير. وبالرغم من هذا، فإن الوزير سعود الفيصل، تحدّث في الأشهر الماضية
الى أعضاء في الكونغرس الأميركي، فلم يبشّر بالتغيير الجادّ، وكان يتحدث
عن مسائل تغيير تدريجية، قد تتطلب عقوداً طويلة من السنين. حتى الإنتخابات
كان يراها محدودة الضرورة، ومحدود من يحق له الإنتخاب.. أي أنه كان ذرائعياً
منذ تداعيات الحادي عشر من سبتمبر.
فما الذي تغيّر الآن؟ ربما وصل الأمير الى قناعة مختلفة، فهو يدرك
أن الإدارة الأميركية تتقاسمها نزعتان: المحافظون الجدد يرون المملكة
عدواً، ويرون وجوب استئصال الوهابية، وربما استئصال العائلة المالكة
ونظامها السياسي، بل وصلوا الى ما هو أبعد من ذلك وهو التلويح بتقسيم
المملكة. أما النزعة الثانية: فتتبناها وزارة الخارجية وكولن باول، وكان
الى ما قبل بضعة أشهر ضعيفاً مقابل صقور الإدارة وعلى رأسهم تشيني ورامسفيلد
وولفويتز وريتشارد بيرل وحتى كونداليزا رايس. جمع الخارجية يتبنّى الرأي
القائل بأن المملكة لازالت قادرة على أن تقدم خدمة للولايات المتحدة
في مكافحة الإرهاب (الإسلامي) وأنها تتمتع بثقل سياسي يمكن أن يخدم صانع
القرار الأميركي، ولذلك فإن أصحاب هذا التوجه يرون الضغط على العائلة
المالكة من أجل أمرين: مكافحة الإرهاب والتطرف الداخلي، والشروع في تغيير
سياسي.
الآن.. والى حد ما، تميل الكفة الى الجناح المعتدل في الإدارة الأميركية،
ولكن يبدو أن المسؤولين السعوديين لا يأملون في تغيير كبير في السياسة
الأميركية تجاه السعودية. وبالتالي عليهم أن يقبلوا بالحل الأسهل ـ وإن
كان مؤلماً ـ وهو التغيير الداخلي، والإصلاح السياسي، فهذا أمرٌ لا يمكن
الفكاك منه، ولا يبدو أن الولايات المتحدة ستتنازل عنه.
ربما يكون هذا هو السبب وراء تغير لغة وزير الخارجية، ولربما كانت
هذه القناعة قد اصطدمت مع بعض أعمامه المقربين خاصة سلطان وثم نايف وسلمان.
ولعله رأى أن الوقت قد حان للدفع بهذا الإتجاه، رغم إيلامه، بدل أن يخسر
آل سعود ملكهم، ولربما تتقسم المملكة، كما يخطط لها المتطرفون في الجناح
اليميني.
من أهم ما قاله الأمير في ورقته حول المشاركة السياسية: (إن غياب
المشاركة السياسية الفاعلة هو المفضي إلى توالي الأزمات وهو المؤدي إلى
تعميق التشوهات وهو المتسبب في فقدان القدرة على مواجهة التحديثات. وبدون
تطوير فعلي للمشاركة سيبقى العالم العربي يعيش في الماضي والتاريخ وستخسر
الأجيال القادمة رهان المشاركة في صنع المستقبل).
لكن لا تعني رغبته هذه أن هناك إجماعاً في العائلة المالكة على موضوع
المشاركة السياسية فضلاً عن حدودها وتفاصيلها. ما تعنيه الرغبة هو أن
شخصية جديدة اختارت الإنحياز بشكل نسبي الى الخانة الإصلاحية واقتنعت
بضرورة الإصلاحات السياسية كمخرج لأزمة الدولة. ومما قاله الأمير سعود:
(يتطلب تطوير المشاركة السياسية أن نملك الجرأة اللازمة لممارسة النقد
الذاتي البناء وإعادة النظر في ثقافتنا السياسية السائدة، والتغلب على
العوائق التي تضعف قدرتنا على الابتكار والتكيف). وانتقد الأمير ما أسماه
بالأوهام الرائجة التي تدعو الى تأجيل المشاركة السياسية بحجة مواجهة
العدوان الخارجي ويضيف: (من الغريب أن تتم التضحية بالمشاركة السياسية
والتي تعد مطلباً قائماً بذاته بسبب هذه الحجج الواهية والأوهام الخاطئة
في حين تؤكد جميع التجارب التاريخية والمعاصرة أن المشاركة الشعبية هي
التي تعزز القدرة على مواجهة التحديات الخارجية). بمعنى أن التحديات
الخارجية لا يمكن مواجهتها (إلا بالاعتماد على قوة الجبهة الداخلية ومتانة
الوحدة الوطنية ورسوخ الشرعية السياسية وهذه بدورها تعتمد اعتماداً واضحاً
على وجود مشاركة سياسية فاعلة ومجدية).
نتمنى أن يكون تحول الأمير سعود الفيصل جاداً!
ونتمنى ثانياً أن يكون ذلك بداية تحوّل بين الأمراء الآخرين ومشجعاً
لهم لمحاصرة الجناح المتشدد (السديري) الرافض للإصلاح!
ونتمنّى ثالثاً أن لا يأتي اليوم الذي تتعرض فيه المملكة وشعبها لخيارات
الإفناء أو الإقتتال الداخلي!
|