السعودية حليف أميركا وخصمها
نشرت صحيفة انترناشيونال هيرالد تريبيون في الثالث والعشرين من ديسمبر
الماضي مقالاً للبروفسور المساعد مايكل سكوت دوران المتخصص في دراسات
الشرق الأدنى في جامعة برنستون وعضو رئيسي في مجلس الشؤون الخارجية.
المقالة التي تنشر لاحقاً في هيئة بحث في مجلة (فورين أفيرز) المتخصصة،
تحاول تلمّس المواقف المرتبكة في السياسة السعودية وما تعكسه من صراعات
داخل الاسرة المالكة والتوجهات المتناقضة لدى أقطاب الحكم في المملكة.
وفيما يلي نص المقالة:
إن السعودية في مخاض أزمة، فشعبها ينمو بسرعة بما يفوق إقتصادها،
وأن دولة الرعاية فيها تتدهور بوتيرة سريعة، كما أن السخط المذهبي والمناطقي
يتصاعد، فيما يتحول المتذمرون بصورة متزايدة الى النشاطية الاسلامية
الراديكالية. يدرك كثيرون بأن النظام السياسي السعودي يجب أن يتطور كيما
يبقى على قيد الحياة، ولكن الانفصام الثقافي العميق يمنع النخبة من الموافقة
على شروط الاصلاح.
فمن جهة، فإن بعض المتغربين في الطبقة الحاكمة ينظر الى أوروبا والولايات
المتحدة كنماذج للتنمية السياسية، ومن جهة ثانية فإن المؤسسة الدينية
الوهابية تتمسك بتفسير العصر الذهبي للاسلام بوصفه مرشداً وتعتبر السماح
لظهور صوت آخر غير وهابي شركاً.
لقد إتخذت الشخصيتان الأشد قوة في السعودية موقفين متعارضين في هذه
المناظرة: فولي العهد الأمير عبد الله يميل باتجاه المصلحين الليبراليين،
فيما يصطف أخوه غير الشقيق الأمير نايف وزير الداخلية الى جانب العلماء.
ويحظى الأمير عبد الله بسمعة عالية في الخارج، فيما يبدو الأمير نايف
الذي يسيطر على الجهاز الأمني في هيئة مظلمة في الداخل.
وتنقسم هاتان الجبهتان على سؤال محدد حول ما اذا كانت الدولة يجب
أن تخفّض من سلطة المؤسسة الدينية. فالعلماء والأمير نايف يلتزمون بموقف
قائم على مبدأ التوحيد كما عرّفه مؤسس المذهب الوهابي الشيخ محمد بن
عبد الوهاب. في نظرهم، فإن كثيراً من الناس الذين يزعمون بأنهم موّحدون
هم في حقيقة الأمر مشركون ووثنيون. وبالنسبة للعلماء السعوديين الأشد
راديكالية، فإن هؤلاء الخصوم يشملون المسيحيين واليهود والشيعة وحتى
أولئك السنة المسلمين غير الملتزمين بدرجة كافية. وبحسب عقيدة التوحيد،
فإن هذه المجموعات تحيك مجتمعة مؤامرة كبرى لتدمير الاسلام الحقيقي.
في أذهان العلماء، إن إزالة الممارسات السياسية والثقافية الشركية
في الداخل ودعم الحرب ضد الأميركيين في أفغانستان والعراق هما وجهان
لعملة واحدة. فالجهاد ضد الوثنية، كما يردد العلماء دائماً هو مهمة غير
منقطعة حتى قيام الساعة، أي حتى أن يتمكن التوحيد الخالص من تدمير الشرك
مرة واحدة وللأبد. إن عقيدة التوحيد تكفل أيضاً مقاماً سياسياً محلياً
فريداً للعلماء، فبحسب هذه العقيدة فإن العلماء وحدهم يملكون التأهيل
الضروري لتأمين نقاء العالم.
فإذا كان التوحيد يشير الى القطب الأيمن في المجال السياسي السعودي،
فإن عقيدة التقارب بين المسلمين وغير المسلمين تشير الى القطب الأيسر.
فالتقارب يهدف الى تطوير فكرة التعايش السلمي مع غير المؤمنين، كما تهدف
الى البحث في توسعة إطار المجتمع السياسي عبر شرعنة المشاركة السياسية
من قبل جماعات يصنّفها الوهابيون بوصفهم غير مسلمين مثل الشيعة، والعلمانيين
ومناصري المرأة وغيرهم. في السياسة الخارجية، فإن التقارب يؤدي الى إيقاف
العمل بعقيدة الجهاد، بما يسمح للسعوديين العيش في سلام مع الأميركيين
المسيحيين، والاسرائيليين اليهود، وحتى الايرانيين الشيعة.
ومن الواضح، فإن الأمير عبد الله يربط نفسه بمبدأ التقارب، فقد ناصر
تخفيف القيود على حرية التعبير في الشأن العام، وتطوير الاصلاح الديمقراطي،
ودعم تخفيض سلطة العلماء كما أبدى استعداداً للسماح لحريات أكبر للأقلية
الشيعية المضطهدة في السعودية. ومن خلال تعويم (الخطة السعودية) للسلام
العربي الاسلامي، بل والسفر الى كراوفورد في تكساس لمناقشة الموضوع مع
الرئيس جورج دبليو بوش، فإن الأمير عبد الله يحاول تحقيق الانسجام بين
أجندتيه في الداخل والخارج. من منظور غربي، ليس هناك رابطة حميمية بين
أجندة الاصلاح السياسي لدى الأمير عبد الله وسياسات التقارب مع الدول
غير الاسلامية والشيعة. وعلى أية حال، فإن الثقافة السياسية التي يديرها
الوهابيون، تجعل الاجندتين وكأنهما قطعتان من قماشة واحدة.
وفيما ينفرد الأمير عبد الله بعلاقة صداقة مع الغرب، فإن نايف قد
شجّع الجهاد الى حد تقديمه عرض بالمساعدة الخفية لتنظيم القاعدة، واقتحام
معاقل تيار الليبراليين السعوديين. وبالرغم من أن نايف لم يضطلع بمسؤولية
صريحة في اضطهاد المصلحين المحليين، ولكن يد أجهزة المباحث لا تبدو خافية
أو غائبة عن المشهد. فتسلسل الاحداث بات مألوفاً، وسواء كان الأمر ناشئاً
عن تحذير أو كونه رد فعل على شكوى من قبل عالم بارز، فإن من يتعرض لنقد
المؤسسة الدينية يفقد وظيفته، وسيحجم الموظِفون في وقت لاحق وازاء قرار
الفصل عن التعليق. إن المتشددين الاسلاميين يقومون بإبلاغ تهديدات عبر
الهاتف بالقتل الى الشخص المفصول أو عبر الانترنت، وغالباً ما تنتهي
الحملة الى تحقيق النتائج المرجوّة.
يعلم الجميع بأن أسامة بن لادن ينكر شرعية العائلة المالكة في السعودية،
ولكن قلة تعتقد بالتطابق المبدئي بين معتقدات القاعدة والمؤسسة الدينية
الرسمية. فالاختلاف الايديولوجي الرئيسي بينهما يقوم على أن القاعدة
تضع العائلة المالكة السعودية في قائمة الاعداء فيما لا ترى المؤسسة
الدينية ذلك.
على أن هذا يجعل من الصعب نفي إمكانية التعاون المحدود أو الخفي في
قضايا أخرى متعددة. فناشطو القاعدة يشعرون بأن الأميركيين يرغبون في
فصل المسجد عن الدولة في الشرق الاوسط وهذا بدوره يمثل تهديداً مباشراً
عظيماً لأهدافهم السياسية الكبرى. ولذلك، فإن هدف القاعدة في المدى القصير
ليس قلب النظام السعودي ولكن تعديل ميزان القوى المحلي في الداخل لصالح
اليمين ومعاقبة أنصار التقارب.
وبإسقاط الصراع المحلي على العالم الخارجي، فإن المتشددين السعوديين
يجادلون الآن بأن الاقلية الشيعية في السعودية تتآمر مع الولايات المتحدة
في حرب الأخيرة لتدمير الاسلام. إن سيناريو كابوس القاعدة هو أن الأميركيين
وشيعة العراق سيجبرون الرياض على إدخال اصلاحات واسعة وإشراك الشيعة
السعوديين في المجتمع السياسي، وليس ثمة شك في أن علماء الخط المتشدد
في السعودية يتقاسمون بالدقة نفس المخاوف.
إن هذه الافكار حول المؤامرة الأميركية ـ الشيعية ليست شأناً سعودياً
داخلياً، فإنها ـ أي الافكار ـ تشرّع للهجمات اليومية ضد الجنود الأميركيين
في المثلث السني العراقي، وهكذا هجمات مثل التفجيرات الانتحارية ضد الشيعة
في النجف في أغسطس الماضي. ومهما يكن، فإن الوضع يبدو صعباً، لأن الولايات
المتحدة تملك وسائل محدودة في تحييد المشاعر المناوئة للشيعة والأميركان
التي يحملها العلماء السعوديون.
إن الوهابية هي الاساس لمجمل النظام السياسي ـ في السعودية ـ وأن
كل شخص ينتمي اليها يمكن ان يصطف خلفها حين يتزايد الضغط عليها، وأن
الولايات المتحدة لا تملك خياراً سوى الضغط بشدة من أجل إصلاحات سياسية
في كل من العراق والسعودية. ولكن محاولة خلق أنظمة سياسية أكثر ليبرالية
ستفضي لاحقاً الى خلافات جديدة، والتي ستؤدي بدورها الى توليد مشاعر
مناوئة لأميركا. وفيما تناضل واشنطن من أجل تشجيع الديمقراطية في الشرق
الأوسط، فإنها ستجد مرة أخرى بأن حليفها العربي الحميم قد أصبح واحداً
من أشد خصومها.
|