البيعة والخروج على الدولة
ينزعج كثيرون ـ وقد لا يفهمون ـ الأسباب الإجتماعية والدينية لفلسفة
الخروج على الدولة والقيام بأعمال عنف ضدها وضد الطاقم السياسي الحاكم.
يرى هؤلاء أن الخط الأحمر قد تم اختراقه مراراً وتكراراً. وفي حين يحاول
البعض البحث عن بعض الأسباب الإجتماعية يتم التجاهل الواضح لموضوع (شرعية
النظام السياسي) وكأنها إحدى المسلمات التي لا يجوز الحديث عنها. في
التيار السلفي، المؤيد للحكومة، نرى إهمالاً للأسباب الإجتماعية واستمراء
سياسة (الوعظ الديني) لحلّ مشكل العنف والخروج عما يسمونه بالجادة الصحيحة،
ويكررون أحاديث الطاعة والولاء للحاكم في المنشط والمكره، دون الإهتمام
مطلقاً بالحقوق المتبادلة بين الحاكم والمحكوم كعقد اجتماعي، ودون النظر
الى صلب (شرعية النظام السياسي) في أصله. ويعتقد هؤلاء أن العنف (خروج
على البيعة) وانتهاك لأساسيات الدين.
لنترك الحديث عن أسباب العنف التي يتحدث عنها الكثيرون، ولنركّز الموضوع
حول مسألة الشرعية هذه التي تتضمن إثارة غير قليلة. لقد جاء من بين دعاة
العنف من لا يعترف بأصل الدولة السعودية (كدولة قطرية) يحدوه الأمل بإقامة
دولة (الأمة) وهي إشكالية لم تحلها الطروحات الدينية الحديثة بعد. وهناك
من بين دعاة العنف من لا يعترف بشرعية النظام السياسي ولا شرعية الحاكم،
وهناك صعوبة حقيقية في إثبات شرعية الحكم السعودي على أساس ديني.
لنفترض جدلاً أن الملك الحالي كان ملكاً شرعياً عام 1982 حين تولّى
عملياً كرسي الملك. لنقل أن معظم المواطنين آنئذ حتى سن البلوغ الشرعي
(15) عاماً بايعوا الملك، أو كان هناك إجماع، وهو أمرٌ لم يحدث أصلاً،
فنظرية الحلّ والعقد التي سيأتي بها مشايخ التيار السلفي لا يمكن أن
تغطي على النقصان في هذا الجانب. فلا (الأمراء ـ أي آل سعود، ولا العلماء
ـ أي علماء الوهابية) كانوا حينئذ يمثلون الشعب كلّه أو معظمه، ونحن
نعلم أن فئات عديدة من المجتمع لا يراد في الأصل أن يكون لها قول في
هذا الشأن (البيعة). وحتى من زُعم أنهم من أهل الحل والعقد من المناطق
غير السلفية، فقاموا وبايعوا، إن كانوا تجاراً أو زعماء قبائل، فإنهم
لا يمثلون سوى أنفسهم وربما الفئة القريبة منهم.
لكن.. لنقل أن الملك فهد كان حين تسنم السلطة ملكاً شرعياً على البلاد!
وأن الجميع منحه البيعة عدا أولئك الذين لم يبلغوا سن الحلم (1-14 عاماً).
نحن الآن في عام 2004، بعد مرور أكثر من 21 عاماً على تلك البيعة،
أي أن من لم تتح لهم البيعة ولم يمارسوها هم من تحت سن الخامسة والثلاثين.
الإحصاءات تقول بأن من هم تحت هذا السن يمثلون ما نسبته ثلاثة أرباع
سكان المملكة، وهؤلاء هم قوة المملكة الشبابية، الذين لم يعاصروا الطفرة
النفطية، ولم يتلذذوا بآثارها، وولدوا في عالم متحوّل متغير من الأفكار
والقناعات، ولا يمكن ضبط هؤلاء بكلمة (البيعة) وهم يرون الإنتخابات في
كل مكان عدا بلدهم، ويرون الفساد منتشراً في كل جهاز حكومي، فيما يعيشون
الضائقة المالية والتعليمية والوظيفية.
هؤلاء هم الذين لم يبايعوا.. فكيف يمكن إقناعهم بأنهم خرجوا على البيعة
الشرعية الصحيحة؟!
وهؤلاء يتعرضون لتحديات العولمة والإتصالات، والنماذج السياسية الحديثة،
ومبادئ العدالة وحقوق الإنسان، كيف يمكن إقناعهم بالمستويات المتدنية
من الأفكار والأداء؟!
وإذا كانت هذه الطبقة أو الشريحة الشبابية لا تمنح النظام شرعيتها،
أو لم يختبر موقفها بشأن ذلك، فإن أي ميلان في موقفها كفيل بإحداث إرباك
شديد في الدولة والمجتمع.
لنكفّ عن أساليب الوعظ، ولنبحث في تجديد شرعية النظام عبر الطرق الصحيحة:
عقد سياسي جديد قائم على الإنتخاب والمحاسبة وإطلاق الحريات العامة.
|