مؤرّخو الوهابية.. عثمان بن بشر
الغزو أساس المُلك - 3
سعد الشريف
في رواية ابن بشر لما جرى من غزوات في الدولة السعودية
الأولى والثانية ثمة ما يستحق اهتماماً خاصاً، لأننا أمام
تجربة تنتمي الى البيئة التي نشأت فيها، وإن المدّعيات
الدينية التي حملتها أو تبنتها لم تغيّر كثيراً من أولئك
الذين انغمسوا في تفاصيلها وأفادوها منها لجهة تحقيق مصالح
مادية خالصة..
لا تخبر أي من الغزوات عن مقدّمات ضرورية لإيصال رسالة
“الدعوة” قبل الإعلان عن “الغزو”، برغم من أن الفرضية
المدعّاة أن الرسائل قد وصلت وأن مرحلة الغزو إنما بدأت
بعد ان استنفذ الغزاة ـ الدعاة كل ما في وسعهم من جهد..ولكن
حين ندخل في تفاصيل الغزوات يبدو الأمر على نحو مخالف
غالباً، إذ يكون الغزو أحياناً للغزو، وأنه يستهدف تحقيق
مكاسب مادية: غنائم، سلب ونهب، وقتل، وحرق وبسط السيطرة..
نستأنف مطالعة سردية ابن بشر في كتابه (عنوان المجد
في تاريخ نجد)، حيث ذكر في حوادث سنة 1218 مقتل عبد العزيز
بن محمد بن سعود في مسجد الطريف في الدرعية.
في الوهلة الأولى كان المتّهم كردياً من أهل العمادية
بلد الأكراد المعروفة عند الموصل وأن إسمه عثمان، وقال
إبن بشر بأنه جاء من موطنه لتنفيذ خطة اغتيال عبد العزيز،
وأنه تقمّص شخصية محتسب، ووصل الدرعية في صورة درويش،
وادعى أنه مهاجر، وأظهر التنسك بالطاعة، وتعلّم شيئاً
من القرآن، وتعلّم أركان الإسلام وشروط الصلاة، وأركانها
وواجباتها مما كان مشايخ الوهابية يعلمونه الغريب المهاجر
إليهم، وكان قصده غير ذلك.
ولكن ابن بشر نقل رواية أخرى: “قيل أن هذا الدرويش
الذي قتل عبد العزيز من أهل بلد الحسين، أي شيعي من العراق،
خرج من وطنه لهذا القصد بعد ما قتلهم سعود فيها، وأخذ
أموالهم فخرج ليأخذ الثأر، وكان قصده قتل سعود، فلم يقدر
عليه فقتل عبد العزيز”. وعلّل ذلك: “لأن الأكراد ليسوا
بأهل رفض، أي ليسوا من الشيعة، وليس في قلوبهم غلٍ على
المسلمين”، أي أتباع المذهب الوهابي. ج1ص266.
“وثب هذا الشخص العراقي الشيعي
على عبد العزيز من الصف الثالث والناس في السجود فطعنه
في أبهره، أو في خاصرته أسفل البطن بخنجر كان معه، وهو
قد تأهّب للموت، فاضطرب أهل المسجد وماج بعضهم في بعض..
فمنهم المنهزم ومنهم الواقف ومنهم الكار الى جهة الكردي،
وكان لما طعن عبد العزيز أهوى إلى أخيه عبد الله وهو في
جانبه وبرك عليه ليطعنه، فنهض عليه وتصارعا وجرح عبد الله
جرحاً شديداً، ثم أن عبد الله صرعه وضربه بالسيف، وتكاثر
عليه الناس فقتلوه، وقد تبيّن لهم وجه الأمر، وحمل عبد
العزيز الى قصره، ولم يلبث أن فارق الحياة” (ابن بشر،
ج1ص 264-265).
بعد الاغتيال تولى إبنه سعود الحكم من بعد أبيه.
وفي حوادث سنة 1218 جهّز سعود جيشاً لغزو البصرة، وهدم
قصر الدريهمية مشرب أهل الزبير وقتل من كان فيه. رواية
ابن بشر لا تشير من أي طرف الى السبب الذي يدفع سعود للخروج
من موطنه في الدرعية، والخروج على الدولة العثمانية وسيادتها
على العراق.
يقول إبن بشر: “أن سعود سار من
الدرعية واستلحق جميع رعاياه من البادي والحاضر، فنهض
بجيوشه والخيل العتاق، وقصد ناحية الشمال، حتى نزل القرية
المعروفة بالتنومة عند القصيم، فعيّد فيها عيد النحر ونحر
ضحاياه بها، ثم أرخص لغزو عربان الشمال من الظفير، وذكر
لهم أنه يريد الرجوع والقفول الى وطنه. وكان قصده بذلك
أن يخبروا أهل البصرة والزبير ومن في جهنم إذا رجعوا إليهم
أنه قفل، حتى يبعثهم من حيث لا يعلمون، وكان عادته إذا
أراد غزو الشمال قصد جهة الجنوب أو الشرق أو الغرب، ثم
رجع لما يريد وبالعكس، وإذا كان يريد جهة من تلك الجهات
وارى بغيرها، وحاول أن يوهم خصومه بأنه ليس متوجهاً نحو
البصرة بل أنه عازم على الرجوع، ولكنّه بعد ذلك سار باتجاه
البصرة، فلما أتى قربها وافق كتيبة خيل للمنتفق، رئيسهم
منصور بن ثامر، ظاهرين من البصرة لما بلغهم قفول سعود،
فأغارت عليهم خيل المسلمين، وقتلوا منهم قتلى، وأخذوا
منصوراً أسيراً، فأراد سعود أن يضرب عنقه، ثم منّ عليه
وعفا عنه، فأقام عنده أربع سنين، ثم أذن له في الرجوع
الى أهله؟”.
حين نتأمل في هذه الحادثة، نجد أنها لا تتضمن أي بعد
ديني، بل هي تندرج في سياق الصراعات القبلية التي كانت
سائدة في الجزيرة العربية، بل إن سعود يرتكب بحسب هذه
الرواية مخالفات كبيرة ضد الدولة العثمانية الشرعية، وضد
أبرياء وأصحاب الأرض، فهو عدوان سافر على أهل العراق وأرضهم.
يقول إبن بشر:
“ثم نزل سعود على الجامع المعروف
قرب الزبير، فنهضت جموع المسلمين الى البصرة فداهموا جنوبها،
ونهبوها وقتلوا من أهلها قتلى كثيرة، واحتصر أهلها في
وسط الحلة، ثم رجعت تلك الجموع فحاصروا أهل الزبير، وهدموا
جميع القباب والمشاهد التي خارج سور البلد، وضعت على القبور
وقبة الحسن البصري وقبة طلحة ولم يبقوا لها أثراً، ثم
إنها أعيدت قبة طلحة والحسن بعد هدم الدرعية...ثم إن سعوداً
أمر المسلمين أن يحشدوا على القصر، فحشدوا على قصر الدريهمية
فهدموه وقتلوا أهله، فلما كان وقت غروب الشمس أمر سعود
مناديه، ينادي أن يثور كل رجل من المسلمين بندقه، فثوروها
دفعة واحدة”.
وينقل ابن بشر عن رجل من أهل الزبير قوله:
“لما ثارت البنادق، شبّت النار
في الأرض والجو، وأظلمت السماء، ورجفت الأرض بأهلها، وانزعج
أهل الزبير انزعاجاً عظيماً، وصعد النساء في رؤوس السطوح،
ووقع فيهم الضجيج، وألقت بعض الحوامل، فأقام محاصرهم نحو
إثنا عشر يوماً، وحصد جميع زروعهم، ورحل قافلاً الى وطنه”(ج1
ص 280 -281).
وفي حوادث سنة 1220هـ يذكر إبن بشر الحصار الذي ضربه
سعود على مكة المكرمة ما أدى الى ارتفاع الاسعار واشتداد
الجوع بالناس.
“في هذه السنة عيّن سعود شخصاً
يدعى عبد الوهاب على جميع سكّان تهامة، وعيّن سالم بن
شكبان على أهل بيشة ونواحيها، وعثمان المضايفي على أهل
الحجاز، وطلب منهم بالسير الى مكة فينزلون حولها ويضيقون
على أهلها، وأمرهم بانتظار الحاج الشامي، وأن يمنعوه عن
دخول مكة إن كان محارباً. فسارعت تلك الجموع الى مكة،
واشتد الأمر على الشريف غالب، وبلغ منه الجهد، وطلب منهم
الصلح على مواجهة سعود ومبايعته، فصالحوه وأمهلوه، ومشت
السوابل والقوافل الى مكة، ودخلها عبد الوهاب وعثمان ومن
معهم وحجوا واعتمروا، واجتمع عبد الوهاب بغالب، وفاوضه
الحديث وتهادوا، وأجازه غالب بجوائز سنيّة، وأعرضوا عن
الحاج الشامي، وكان رئيس الحاج يومئذ عبد الله العظم باشا
الشام، وانصرف عبد الوهاب ومن معه من الأمراء والأتباع
الى أوطانهم”(ج1 ص285 ـ286).
غالب الذي حاول الصلح مع سعود وطلبه منه، اضطر الى
الاستعانة بالأتراك والمغاربة وغيرهم من الحجاج، كما قام
بتحصين جدّة بالبناء وأحاطها بخندق، ومنع الغرباء والسفار
من أهل جهة نجد عن دخولها واستوطنها أغلب أيامه، وبقيت
تلك العساكر تحت رعاية غالب الى وقت الحج من العام التالي،
واختار سعود الاعراض عنه الى الحج (ج1 ص287).
“وفي أول هذه السنة 1220هـ، قبل
مبايعة غالب بايع أهل المدينة المنورة سعوداً، وهدمت جميع
القباب التي وضعوها على القبور والمشاهد، وذلك أن آل مضيان
رؤساء حرب، وهما بدي وبداي أبناء بدوي بن مضيان ومن تبعهم
من عربانهم، أحبوا المسلمين، ووفدوا على عبد العزيز وبايعوه،
وأرسل معهم عثمان بن عبد المحسن أبا حسين يعلمهم فرائض
الدين، ويقرر لهم التوحيد، فأجمعوا على حرب المدينة، ونزلوا
عواليها، ثم أمرهم عبد العزيز ببناء قصر فيها، فبنوه وأحكموه
واستوطنوه، وتبعهم أهل قبا ومن حولهم، وضيّقوا على أهل
المدينة، وقطعوا عنهم السوابل، وأقاموا على ذلك سنين؛
وأرسل اليهم سعود وهم في موضعهم ذاك، الشيخ العالم قرناس
بن عبد الرحمن صاحب بلد الرس المعروف بالقصيم، فأقام عندهم
قاضياً معلّماً، كل سنة يأتي إليهم في موضعهم ذلك. فلما
طال الحصار على أهل المدينة، وقعت المكاتبات بينهم وبين
سعود وبين حسن قلعي وأحمد الطيار والأعيان والقضاة وبايعوا
في هذه السنة”(ج1ص 288).
بدا واضحاً أن الدولة السعودية هي دولة حرب بامتياز،
فهي لا تتوقف عن المبادرة بحرب هنا وغزوة هناك، ولا تقتصر
الحروب على داخل الجزيرة العربية، بل تمتد الى كل ما تصل
اليه حوافر خيولها وأقدام محاربيها. يقول ابن بشر:
“في هذه السنة، أي 1220، سار سعود
بالجيوش من جميع نجد ونواحيها وبواديها، وقصد جهة الشمال،
ونازل بلد المشهد المعروف في العراق، وفرّق المسلمين عليه
من كل جهة، وأمرهم أن يتسوّروا الجدار على أهله، فلما
قربوا منه فإذا دونه خندق عريض عميق، فلم يقدروا على الوصول
اليه، وجرى بينهم مناوشة رمي من السور والبروج، فقتل من
المسلمين عدة قتلى ورجعوا عنه، ثم رحل عنه سعود، وأغار
على الرملات من عربان غزية، فأخذ مواشيهم، ثم ورد الهندية
المعروفة ثم اجتاز بحلل الخزعل وجرى بينه وبينهم قتال
وطراد خيل.
ثم سار وقصد السماوة وحاصر أهلها،
وأخذ من نواحيها ودمر أشجارها، ووقع بينهم رمي وقتال،
ثم رحل منها وقصد الى جهة البصرة، ونازل أهل بلد الزبير
ووقع بينهم وبين أهله مناوشة رمي، ورحل منه الى وطنه”(ج1ص
288 -289).
وفيها أمر سعود على عبد الوهاب ورعاياه من عسير وألمع
وغيرهم، وفهاد بن شكبان ورعاياه من بيشة وغيرها، وعبيدة
وأهل سنحان ووادعه، وقراها، وأهل وادي الدواسر ومن تبعهم
حوالي ثلاثين ألف مقاتل، وذكر لهم يقصدون نجران لقتال
أهله (ج1ص 289 -290).
وسار هؤلاء الجموع ونازلوا أهل بدر (من قرى نجران)
مدّة أيام، وجرى بينهم وقائع وقتل بين الفريقين، وأكثر
القتل ذلك اليوم من قوم عبد الوهاب. وممن قتل من المسلمين
أمير الوداعين من الدواسر إبراهيم بن مبارك بن عبد الهادي،
وإدريس بن حويل، وعدة من الدواسر، وأمر عبد الوهاب ومن
معه ببناء قصر مقابل قصور بدر، يصير ثغراً للمسلمين، حسب
ابن بشر، ويضيق على أهل بدر وأهل نجران، فتمّ بناؤه وأحصنوه
وجعلوا فيه مرابطة، ووضعوا لهم جميع ما يحتاجون إليه،
ثم رجعوا الى أوطانهم (ج1 ص290).
العنوان: الحج والهدف احتلال الحجاز
في حوادث سنة 1221، حج سعود برعيته حجته الثالثة، وخرج
من الدرعية وقد سيّر أمامه قبل خروجه عبد الوهاب بن عامر
برعاياه من عسير وألمع وغيرهم، وفهاد بن سالم بن شكبان
بأهل بيشة ونواحيها، وعثمان المضايفي بأهل الطائف ونواحيه،
وأهل اليمن وتهامة وأهل الحجاز، ثم سيّر أمامه من أهل
نجد حجيلان بن حمد بشوكة أهل القصيم، ومحمد بن عبد المحسن
بن علي بشوكة أهل الجبل، ومن تبعه من شمر وغيرهم، وشوكة
أهل ناحية الوشم، وواعدهم في المدينة النبوية، واجتمع
معهم مسعود بن مضيان وأتباعه من حرب، وجابر بن جبارة وأتباعه،
فاجتمع هؤلاء الجموع ونزلوا بالقرب من المدينة.
فلما خرج سعود من الدرعية قاصداً مكة أرسل فراج بن
شرعان العتيبي ورجاله معه لهؤلاء الأمراء المذكورين، وذكر
لهم أن يمنعوا محامل الحج التي تأتي من جهة الشام واستانبول
ونواحيهما. فلما أقبل على المدينة الحاج الشامي ومن تبعه
وأميره عبد الله العظم باشا الشام، أرسل اليه هؤلاء الأمراء
أن لا يقدم إليهم، وأن يرجع إلى أوطانه، وذلك لأن سعوداً
خاف من غالب شريف مكة أن يحدث عليه حوادث بسبب دخول الحواج
الشامية وأتباعهم مكة، فرجع عبد الله العظم ومن تبعه من
المدينة الى أوطانهم، ثم رحل هؤلاء الأمراء وأتباعهم من
المدينة وقصدوا مكة فاجتمعوا فيها بسعود فاعتمروا وحجوا.
ونزل قصر البياضية الشمالي، فركب اليه الشريف وبايعه وأخرج
سعود من كان في مكة من الأتراك.
وأخرج سعود من كان في قصور مكة من عسر الروم (اي الاتراك)،
ثم رحل منها في آخر ذي الحجة وقصد المدينة النبوية فدخلها،
وضبطها وجعل في ثغورها مرابطة، وأجلى عنبر، باشا الحرم،
والقاضي وكل من يحاذر منه، فأقام فيها أياماً واستعمل
أميراً على المرابطة حمد بن سالم، من أهل العيينة، وجعل
على الخراج محمد الغربي من أهل الدرعية، ثم رحل إلى وطنه،
وأذن لأهل النواحي يرحلون الى أوطانهم (ج1ص 292 -293).
ويذكر ابن بشر في حوادث سنة 1223هـ، أن سعود سار بالجيوش
من جميع نواحي نجد والاحساء والجنوب وأهل وادي الدواسر
وأهل بيشة ورنية والطائف والحجاز والتهايم، خرج من الدرعية
في شهر جمادى الأولى واستقر بوادي نجد وتوجّه ناحية العراق.
يقول ابن بشر:
“ونازل سعود أهل بلد الحسين (يقصد
كربلاء) فوجدهم محصنين بلدهم بسور عظيم وجنود جمعوها وذلك
بعد أخذه لبلادهم عنوة، فحشد المسلمون على السور السلالم
ووقع عنده رمي وقتال شديد، فلما علم سعود بإحصان بلدهم
وعظم سورها كفّ المسلمين بعد أن كانوا يتجاوزون السور
وينزلوا فيها، فرحل عنها ونزل على بلدة شثاثا المعروفة
في العراق، فهرب أهلها في رؤوس الجبال واستولى على بلدهم،
وأخذ جميع ما عندهم من الخيل. ورحل منها وقصد المجرة وناوش
المنتفق بقتال وحصل مجاولة خيل، وقتل فيها من المنتفق
سلطان بن حمود بن ثامر، ثم سار منها الى البصرة ونزل عندها،
وسار المسلمون على جنوبها ونهبوا ما فيه وقتلوا قتلاً،
ثم سار ونزل قبالة الزبير ثم رحل منه الى وطنه”(ج1ص 295-296).
وفي هذه السنة، “لم يحج أحد من أهل
الشام ومصر والعراق والمغرب وغيرهم الا شرذمة قليلة من
أهل المغرب لا اسم لهم..” والسبب في ذلك أن سعود
جاء الى مكة والمدينة وسيطر عليها وفرض قوانينه وصار يجبر
الناس على فعل ما يريده هو. وفي هذه السنة ايضاً، بعث
سعود سرية الى عُمان لتعلّم فرائض الدين والإطّلاع على
أحوالهم، فلما وصولوا هناك فإذا قيس بن أحمد المسمى ابن
الامام رئيس سحار وجميع باطنة عمان وابن اخيه سعيد بن
سلطان رئيس مكة، بندر عمان ونواحيها ومعهما من الجنود
نحو عشرة آلاف رجل أو يزيديون سائرين على النواحي التي
تليهم من عمان من رعية سعود؛ ورأس عمان يومئذ من جهة سعود
سلطان بن صقر بن راشد صاحب رأس الخيمة، فأرسل الى من يليه
من أهل عمان فاجتمع عنده نحو ثلاثة آلاف رجل، فالتقى الجمعان
جمع قيس وسلطان عند خوير المكان المعروف في عمان بين الباطنة
ورأس الخيمة، واقتتلوا قتالاً شديداً، فانهزم جمع قيس
هزيمة شنيعة، وقتل قيس المذكور وهلك من قومه خلق كثير
بين القتل والغرق في البحر. قيل إن الذي هلك قريب أربعة
آلاف رجل.
“بعد هذه الواقعة أرسل ابن قيس
الى سعود وسلطان إبن صقر وطلب المبايعة على دين الله ورسوله
والسمع والطاعة، وبايع على ذلك وبذل مالاً كثيراً وشوكة
من الحرب وأرسل ابن أخيه سعيد بن سلطان الى سعود وبذل
مالاً كثيراَ، وبايع على السمع والطاعة، وصار جميع عمان
تحت ولاية سعود، وجمع سلطان بن صقر الغنائم من هذه الوقعة،
وأخذ خمسها فدفعه الى عمال سعود وأرسلوه الى الدرعية”(ج1ص297
-298).
وفي حوادث سنة 1224 توفي الشيخ القاضي حسين ابن الشيخ
محمد بن عبد الوهاب ويعرّفه ابن بشر بالقول: “كان له معرفة
في الأصل والفرع والتفسير، والمراد بمعرفة الأصل في هذا
الكتاب إنما هو التوحيد لا أصل الفقه..وله مجالس عديدة
في التدريس في الفقه والتفسير وغير ذلك”(ج1ص299 -300).
كان الشيخ حسين هو القاضي في بلد الدرعية والخليفة
بعد أبيه في القضاء والامامة والخطبة، وكان إماماً في
مسجد البجيري الكبير الذي في منازل الدرعية الشرقية..وهو
الخطيب والإمام يوم الجمعة في مسجد الجامع، مسجد الطريف
الكبير الذي تحت قصر آل سعود في المنازل الغربية، وكان
ضرير البصر. ج1ص 300
وفي هذه السنة حدث من حمود بن محمد أبو مسمسار صاحب
أبو عريش، البندر المعروف في اليمن، وهو من نسل أحمد بن
أبي نمي الشريف، ما يريب سعود من المخالفة ومعادات رعيته،
وكان قبل ذلك قد بايعه على السمع والطاعة، وأخذ سعود من
عشور بنادره، وأوفد إبنه على سعود وأقام على ذلك سنين،
فحدث بينه وبين عبد الوهاب أمير عسير عداوة ومنابذة، فأقبل
إبنه ومعه القاضي حسن بن خالد، وأقبل عبد الوهاب ومعه
محمد بن عبد الله بن أحمد بن غيهب صاحب شقراء، ووقع بينهم
منازعات بالكلام عند سعود فلم يقع اتفاق بينهم،
“وكتب سعود الى حمود وأمره أن
يحارب أهل صنعاء ويسير إليهم بجنوده، فلم يفعل، فأمر سعود
أهل النواحي الحجازية واليمنية ومن يليهم بالمسير لقتاله،
وبعث من الدرعية فرساناً انتقاهم مع نائبه غصاب العتيبي،
وجعله ناظراً على أمراء النواحي ونهاه عن المخالفة لعبد
الوهاب لأنه أمير الجميع، فسار عبد الوهاب بجميع رعاياه
من عسير وألمه وغيرهم من أهل الطور وتهامة وسار علي بن
عبد الرحمن المضايفي أخو عثمان من الطايف وقراه ومن بوادي
الحجاز، وسار آخرون من بيشة ومشيط وشهران وجنب واجتمع
ما يربو عن خمسين ألف مقاتل”.
“ثم حشد أبو مسمار ومن معه من
أهل اليمن وأهل نجران ويام ومن والدهم وقبايل حاشد وبكيل
ومن يليهم من قبايل همدان وجعل في الحصون التهامية مقاتلة،
وأقبل معه بجنود كثيرة فالتقى الجمعان بوادي بيش وحصل
قتال شديد وقتل عبد الوهاب في تلك المعركة وقتل معه عدة
رجال من قومه، ثم كرت الجمع على قوم أبو مسمار فهزموهم
هزيمة شنيعة واستمروا في ساقتهم يقتلون ويغنمون، واستولى
على بعض خيامهم ومحطتهم، واستمر أبو مسمار في هزيمة آل
حصنه أبو عريش وأخذ المسلمون ظاهر بلاد صبيا ونواحيها
وغنموا أموالاً كثيرة، واستولوا على حصنها صلحاً وجعل
فيها غصاب عسكراً مرابطين وبعثوا السرايا في تهامة، فقتلوا
ودمروا وغنموا، وانفضت تلك الوقعة عن قتل كثيرة من الفريقين،
وكان للمسلمين (أي أتباع ال سعود) سفن في البحر، فأخذوا
غنايم كثيرة قهوة وغيرها من بندر جازان، واستعمل سعود
على تهامة بعد عبد الوهاب، طامي ابن شعيب ابن عم عبد الوهاب”(ج1
ص 303 -304).
وفي العام نفسه تحقق عند سعود أن آل خليفة أهل البحرين
والزبارة يقع منهم بعض المخالفات، فخاف أن يقع أكبر من
ذلك، فأرسل اليهم جيشاً واستعمل عليه أميراً محمد بن معيقل،
ثم أتبعه بعبد الله بن عفيصان، واجتمعوا ونزلوا عند الزبارة
المعروفة عند البحرين فأقاموا فيها قريب أربعة أشهر حتى
رجع سعود من الحج.
“فلما رجع من الحج أرسل أمراء
ذلك الجيش الى آل خليفة، وأمروهم يفدون على سعود وساقوهم
كرهاً، فألفوا عليه في الدرعية”(ص 306 -307).
ولكن سعود قام باعتقال رؤوساء آل خليفة وأبقاهم في
السجن ولم يسأل عنهم. فاضطروا اللجوء الى عمان وكاتبوا
الايرانيين والانجليز من أجل التدخل لفك أسرهم. ويذكر
إبن بشر في حوادث سنة 1225: “ولما قدم سعود من الحج في
المحرم، قدم عليه آل خليفة أهل البحرين والزبارة في الدرعية،
وهم الأمير سليمان بن أحمد بن خليفة، وأخوه عبد الله وعبد
الله بن خليفه وأبنائهم وغيرهم ومعهم كليب البجادي وغيره
من أعوانهم، ورؤوساء رعيتهم،
“فلما قدموا الدرعية قرّر عليهم
سعود ما حدث منهم، ثم اعتقل رؤوساءهم، وردّ أبناءهم وبقية
الرعية الى بلادهم، وكان سعود لما قبض عليهم أخذ جميع
خيلهم ونجائبهم وغير ذلك من الشوكة لهم في البحرين، والزبارة،
ثم أمر فهد بن سليمان بن عفيصان أن يعير الى البحرين ضابطاً
له وجعله في بيت المال، ثم إن أبناء آل خليفة، نقلوا أكثر
نسائهم وأموالهم في السفن، ثم هربوا من الزبارة، وقصدوا
صاحب مسقط سعيد بن سلطان فاستنصروه وأرسلوا إلى العجم،
وبني عتبة، واستصرخوهم، وكانت مراكب النصارى (أي الانجليز)
عند سعيد في مسقط فاستعانوهم فأقبل جموع عظيمة في مراكب
كثيرة، وبندروا عند الزبارة بالليل، فأظهروا منها بقية
رجالهم وما فيها من المتاع والمال ودمروها جملة، ثم ساروا
الى البحرين ونازلوا فهد بن عفيصان والمرابطة الذين في
قصر المنامة وهم نحو ثلاثمائة رجل، فحاصروهم وأقاموا على
ذلك أياماً، ثم أخرجوهم بالأمان على دمائهم، فأمسكوا منهم
فهد بن عفيصان ومعه ستة عشر رجلاً، واعتقلوهم رهينة في
رجالهم الذين في الدرعية وتركوا الباقين، ثم أن سعود غزا
غزوة المزيريب (وهي قرية من قرى سوريا وتقع على طريق الحج
بين دمشق ومكة المكرمة) وآل خليفة في الاعتقال، فلما رجع
طلب منه آل خليفة أن يفكوا أسرهم ووعدوه السمع والطاعة
وينزلون الزبارة، وأن يجتمعوا فيها ببنيهم وأقربائهم،
فإن أراد بنوهم الامتناع فإنهم يرجعون الى الدرعية وبايعوا
سعوداً على ذلك، وأعطوه عهداً وميثاقاً، فارتحلوا من الدرعية
وبعث معهم سعود شوكة من الجيش، فلما وصلوا الى ناحيتهم
طلبوا من بينهم الموافقة على ما بايعوا عليه سعود، فأبوا
عليهم، فرجعوا الى الدرعية وأقاموا فيها حتى رجع سعود
من الحج..فأطلقوا ابن عفيصان ومن معه”(ج1 ص 308 -309).
وفي هذه السنة سار سعود بالجنود واستنفر النواحي من
جميع الحاضر والبادي من وادي الدواسر الى مكة والمدينة
الى جبل طي والجوف وما بين ذلك، وخرج من الدرعية لثلاث
خلون من ربيع الثاني وقصد نقرة الشام المعروفة لأنه بلغه
الخبر أن بوادي الشام وعربانه من عنزة وبني صخر وغيرهم
فيها، فلما وصل تلك الناحية لم يجد فيها أحداً منهم، وإذا
قد سبقه النذير إليهم فاجتمعوا على دوخي بن سمير رئيس
ولد علي من عنزة، وهو من وراء الجبل المعروف بطويل الثلج
قرب نابلس نازلين عين القهوة من جبال حوران، ولما بلغ
ابن سمير ومن معه اقبال سعود إليهم انهزم بمن معه من البوادي
ونزلوا الغور من حوران، فسار سعود في تلك الناحية، وأقبل
فيها وأدبر واجتاز بالقرى التي حول المزيريب وبصرى فنهبت
الجموع ما جدوا فيها من المتاع والطعام، وأشعلوا فيها
النيران، وكان أهلها قد هربوا عنها لما سمعوا بمسيره،
ثم نزل عين البجّة، وروى منها المسلمون وشربت خيلهم وجيوشهم،
ثم أقبل على قصر المزيريب، فظهر عليهم منهم خيل فحصل طراد،
فانهزمت الخيل الى القصر واحتصروا فيه، فأراد المسلمون
الحشدة على القصر، ولا أحب سعود ذلك مضنة بالمسلمين لأجل
إحصانه ثم رحل ونزلى بصرى الشام وما فيها،
ثم رجع قافلاً الى وطنه ومعه غنائم
كثيرة من الخيل والمتاع والأثاث والطعام، وقتل من أهل
الشام عدة قتلى، وحصل في الشام رجفة ورهب عظيم
بهذه الغزوة، في دمشق وغيرها من بلدانه وجميع بواديه،
ومن حين قفل سعود من الشام، جاء العزل ليوسف باشا الشام،
وسار اليه سليمان صاحب عكا، فأجلاه واحتوى على جميع أمواله،
وتولى في إمارة الشام..
وفي هذه السنة 1225، توفي حسين ابن غنام الأحسائي المالكي
مذهباً التميمي نسباً المبرز ولادة، وقد نزح منها الى
الدرعية وقدم على عبد العزيز ابن محمد بن سعود والشيخ
محمد بن عبد الوهاب واستقر في الدرعية وجلس فيها؛ وقد
ألّف مؤلفات منها كتابه المشهور (روضة الأفكار والأفهام
لمرتاد حال الأمام وتعدد غزوات ذوي الإسلام) وكان يروي
فيها سيرة محمد بن عبد الوهاب ومعاركه وغزواته، وسوف نأتي
على الكتاب عرضاً وتعليقاً في حلقات قادمة، لما يشتمل
عليه من معلومات غاية في الأهمية كونه مصدر رئيسي ووثيق
الصلة في تلك المرحلة.
وفي هذه السنة حصل خلاف بين سعود وأبنائه على الغنيمة،
وحصّتهم منها. استغل الابناء خروج سعود الى الحج، فقرروا
مغادرة الدرعية وهم تركي وأخوه ناصر وسعد وقصدوا ناحية
عمان ومعهم عدة رجال من أتباعهم وخدمهم، وقد طلبوا من
أبيهم الخروج لقتال عمان بهدف الحصول على الغنائم ولكنه
رفض، فلما خرج في هذه السنة للحج خرجوا من الدرعية، فلما
وصلوا الى عمان علم بهم أناس من أهل باطنة عمان وغيرهم
فنفروا عليهم وهجدوهم بالليل بياتاً، فحصل بينهم قتال
شديد، قتل من الفريقين عدة قتلى، فلما انقضت الوقعة، أرسل
أبناء سعود إلى مطلق المطيري أمير الجيوش في عمان، فأتى
إليهم واجتمعوا به ومعه جنود كثيرة من أهل نجد وأهل عمان
وغيرهم، وصار رئيس الجميع تركي بن سعود.
سارت تلك الجنود الى عمان، فنازلوا أهل بلد مطرح المعروف
على الساحل وأخذوه عنوة، وقتلوا من أهله قتلى كثيرة، وغنموا
منه أموالاً عظيمة، ثم ساروا على ساحل البحر، وفي باطنة
عمان وظاهرته، فأخذوا بلد خلفان عنوة، ثم ساروا الى جعلان
وسور وسحار وغيرهم وأخذوها عنوة وأوغلوا في عمان وأخذوا
أموالاً عظيمة، فلما بلغ سعود الخبر وهو في الحج غضب غضباً
شديداً، فلما رجع الى الدرعية طلب منه رؤوساء أهلها أن
يعفو عنهم ويرسل إليهم ويبذل الأمان، فأبى ذلك، فبعث جيشاً
من الدرعية نحو أربعين رجلاً وقال لهم:
“اقصدوا قصر البريمي المعروف في
عمان، وأخرجوا منه المرابطة الذي فيه واسمكوه، ولا تدعوا
أحداً من جنودهم يدخله، وكان الذي في القصر عبد الله بن
مزروع صاحب منفوحة ورفقة معه من أهل نجد، وكان أبناء سعود
يأوون إليهم فيه. فلما أمسكوه هؤلاء طردوا عنه الأبناء
وأتباعهم فلم يدخلوه وأرسل سعود أيضاً إلى مطلق المطيري،
ومن معه من رؤساء المسلمين وأتباعهم وأمرهم أن يخرجوا
من عمان ولا يبقوا رجلاً واحداً، فصدق الأمر بالأبناء،
وشفع فيهم رؤساء المسلمين من أهل الدرعية وغيرهم، وطلبوه
أن يبذل لهم الأمان، فأبى سعود ذلك إلا أنهم يأتون على
الحسنة والسيئة. فأقبل مطلق والأبناء، فلما وصلوا الأحساء
خافوا من أبيهم، وأبوا أن يقدموا الى الدرعية، فأرسل مطلق
إلى سعود وأبلغه الخبر، وأعطاهم الأمان، وضمن لهم مطلق
أنهم يسيرون إلى أبيهم ولا ينالهم مكروه، فقدموا على أبيهم،
ومرض ناصر بن سعود، وأقام نحو شهرين مريضاً في الدرعية
ومات، ولم يعده أبوه وذلك لمخالفته الأمر. فلما خرج هؤلاء
من عمان وقع فيه بعض الخلل ونقض العهد أكثر بنو إياس،
فكتب سعود لعبد العزيز بن غردقة صاحب الأحساء وأمره أن
يقصد عمان ويكون هو أمير الجيش فيها، وأمر على غزاة يسيرون
معه، فلما وصل عمان وقع بينه وبين بني إياس وغيرهم من
أهل عمان وقعة، وصارت هزيمة على عبد العزيز ومن معه من
المسلمين، فقتل عبد العزيز المذكور وقتل نحو من مائتي
رجل من أهل عمان والاحساء وغيرهم، وذلك في جمادى من سنة
ست وعشرين”.
وفي حوادث سنة 1226 ولما رجع سعود من الحج في المحرم،
وأطلق آل خليفة أهل البحرين والزبارة، وأذن لهم بالرجوع،
إلى بلدهم ووعدوه بالسمع والطاعة وعدم المخالفة، ووافق
وقت وصولهم أن وقع بين عشايرهم وأبنائهم وبين طوارف المسلمين
الذين في ناحيتهم وهم رحمة ابن جابر بن عذبي أمير خوير
حسان المعروف، وأبا حسين أمير الحويلة البلد المعروفة
في قطر، وابراهيم بن عفيصان أمير شوكة المرابطة من أهل
نجد وغيرهم من مقاتلة عظيمة في البحرين، وذلك أن هؤلاء
سار بعضهم على بعض في السفن فوقعت الملاقات في البحر قرب
البحرين وذلك في شهر ربيع الأول، فوقع قتال شديد وكثرت
القتلى بين الفريقين، ثم اشتعلت النار في السن وجبخاتها
ومات بينهم خلق كثير قتلاً وحرقاً وغرقاً فاحترقت السفن
بما فيها، واحترق لابن جابر وأبا حسين ومن معهم من المسلمين
سبعة مراكب، واحترق لآل خليفة نحو ذلك، وقتل من أهل البحرين
وأتباعهم أكثر من ألف رجل منهم، دعيج (بن عبد الله بن
صباح) صاحب بلد الكويت، وكان من أعوان أهل البحرين، وقتل
راشد ابن عبد الله بن حمد بن خليفة وغيرهم من الأعيان،
وقيل أن الذي هلك من أهل البحرين وأتباعهم ألف وأربعمائة
رجل وقتل من المسلمين نحو مائتين منهم: أبنا حسين أمير
الحويلة. ج1ص319 -320
دخول الاتراك لإسقاط الدولة السعودية
في عام 1226 قرر من وصفهم ابن بشر (أمراء الروم) المسير
الى الحجاز وأعدوا جميع آلات الحرب من السفن والمدافع
والقنابر والبنادق وجميع آلاتها وما يحتاجون إليه من الأموال
والذخاير من الطعام وغيره، فاجتمع العساكر من اسطنبول
ونواحيها وما دونها الى الشام ومصر، والرئيس المقوم بهذا
الأمر من جهة الروم صاحب مصر محمد علي؛ فسير العساكر المذكورة
براً وبحراً؛ وسير عساكر في السفن واستولى على ميناء ينبع،
ثم سار إبنه أحمد طوسون بالعسكر الكثيف من جهة البر، فاجتمعت
العساكر البرية والبحرية فكانت العسكر التي استقلت من
مصر من الترك وأهل المغرب وغيرهم نحو أربعة عشر ألف مقاتل
أو يزيديون، ومعهم من الخيل عدد كثير.
فلما اجتمعت العساكر في ينبع، هرب منه رئيسه جابر بن
جبارة وقصد المسلمين، فلما سمع سعود بمسيرهم أمر على نواحي
المسلمين من الحاضرة والبادية من أهل نجد والجنوب والحجاز
وتهامة وغيرهم، فسيرهم مع ابنه عبد الله، فنهض عبد الله
بتلك الجنود ونزل الخيف المعروف من وادي الصفراء فوق المدينة
النبوية، واستعدوا لاستقبال العساكر المصرية (ج1ص321-322).
واجتمع معه من الجنود نحو ثمانية عشر ألف مقاتل وثمانمائة
فارس، ولما نزل عبد الله بالخيف، أمر على مسعود ابن مضيان
ومن معه من بوادي حرب وجيش أهل الوشم أن ينزلوا في الوادي
الذي جانب منزلهم الذي هم فيه، مخافة أن يأتي معه دفعة
من الروم فيفتكوا بالمسلمين ويخرجونهم، ثم إن العساكر
المصرية والتركية زحفت وأقبلت على المسلمين، فأرسل إليهم
عبد الله طليعة جيش وفرسان، واستعد لهم الأتراك، وحصل
على المسلمين هزيمة وقتل إثنان وثلاثون رجلاً، فنزل عسكر
الأتراك مقابل عسكر المسلمين، فالتقى الفريقان.
وجعل عبد الله على الخيل أخاه فيصل بن سعود، وحباب
بن قحيطان المطيري، فحصل قتال شديد وصبر الفريقان، وكثر
القتلى في الأتراك والمسلمين، وصار عدة وقائع ومقاتلات
في هذا المنزل، وابتلى المسلمون بلاء شديداً، فلما حمل
الأتراك على جميع المسلمين انهزم الأعراب، وثبت غيرهم
وأقاموا على ذلك نحو ثلاثة أيام.
أرسل عبد الله الى مسعود بن مضيان ومن معه من عربان
حرب وأهل الوشم، وأمرهم أن يحملوا على الأتراك، فأقبلوا
وصار أول حملتهم عليهم مع حملة جنود المسلمين عليهم، فانهزمت
العساكر المصرية لا يلوي أحد على أحد، وانكشفوا عن مخيمهم
ومحطتهم وولوا مدبرين، وتركوا المدافع وهي سبعة، والخيام
والثقل والرجال وكثير السلاح، وما في محلهم من جميع الآلات
والذخائر، ولا نجا منهم الا أهل الخيل، الذين أدبروا مع
باشتهم، ومات غالب خيولهم حتفاً وظمأ، حتى وصلوا الى البريكة،
وركبوا منها في السفن الى ينبع، واستقروا فيه وقتل من
رجالتهم عدد كثير، وأخذ المسلمون منهم من الأموال والسلاح
ما لا يحصر.
والذي حرر لنا أن القتلى من الروم
أكثر من أربعة آلاف رجل، وقتل من المسلمين من جميع النواحي
نحو ستمائة رجل منهم: مقرن بن حسن بن مشاري ابن
سعود، ورئيس قحطان هادي بن قرملة، ورئيس عبيدة مانع بن
كرم، وراشد بن شبعان أخو محمد بن سالم أمير بني هاجر،
ومانع أبو وحير العجمي الفارس المشهور وغيرهم، وكانت هذه
الوقعة في العشر الأواخر من ذي القعدة في هذه السنة (ج1ص324
-326).
وفي أوائل سنة 1225 سار عبد الله بن سعود بالجنود من
جميع نواحي نجد وغيرها من البادي والحاضر
وقصد ناحية العراق، وأغار على عربان
آل قشعم ورئيسهم يومئذ ناصر بن قشعم، وأخذ محلتهم وكان
مع البوادي عسكر من الروم، فأخذ بعض مخيمهم وقتل عليهم
عدة قتلى، وهم قرب بلد الحلة المعروفة في العراق
(ج1ص327 -328).
وفي بدايات سنة 1227 قدم من مصر أحمد بن نابرت على
العسكر الذي في البحر مع أحمد طوسون، وكانوا قد أقاموا
فيه بعد وقعة الخيف، فقدم عليهم ابن نابرت المذكور بعساكر
كثيرة من مصر جهزها معه محمد علي صاحب مصر، فسيطروا على
ينبع وتبعهم بقية عربان جهينة واستولوا على ينبع النخل،
ثم وادي الصفرا وبلدان بوادي حرب، ثم ساروا قاصدين المدينة،
وسار معهم بوادي حرب، فنزلوا على المدينة منتصف شوال وحصروها
أشد الحصار ونصبوا عليها المدافع والقنابر الكبار وهدموا
ناحية قلعة البلد، وحفروا عليهم السراديب، وثوروا فيها
البارود، وكان فيها عدد كثير من جميع النواحي جعلهم فيها
سعود وقت قفوله من الحج نحو سبعة آلاف رجل، لكنهم ابتلوا
بالأمراض المؤلمة.
ثم إن العساكر المصرية كادوهم بكل كيد وسدّوا عنهم
المياه الداخلة في وسط المدينة، وحفروا سرداباً تحت سور
قلعة المدينة وملأوه بالبارود، وأشعلوا فيه النار، فانهدم
السور فقاتلهم من كان فيها من المرابطة قتالاً شديداً.
ثم إن أهل المدينة فتحوا للأتراك باب البلد فلم يدر
المرابطة إلا والرمي عليهم من الروم داخل البلد، وذلك
لتسع مضين من ذي القعدة، فانحاز المرابطة من جنود المسلمين
الى القلعة فاحتصروا فيها، وكانت ضيقة عليهم من كثرتهم،
وصار فيها خلق كثير يرتكم بعضهم على بعض، ونصب الروم وعليهم
القنابر والمدافع، فكانت القنبرة إذا وقعت وسط القليعة
أهلكت عدداً من الرجال، فكثر فيها المرضى والجرحى. فطلبوا
المصالحة بعد أيام فأنزلوهم منها بالأمان.
وهلك في هذه الواقعة من المسلمين بين القتل والوباء
والهلاك في البر بعدما خرجوا من المدينة وقبل أن ينزل
عليهم الروح نحو أربعة آلاف رجل من عسير وأهل بيشة والحجاز
وأهل الجنوب وأهل نجد، وظهر باقيهم إلى أوطانهم، وأمسك
الأتراك حسن قلعي، أمير سعود، وعذبوه بأنواع العذاب وبعثوه
إلى مصر، وكان سعود قد سير إبنه عبد الله بشوكة المسلمين
بجميع النواحي، وقصد الحجاز ونزلوا بوادي فاطمة المعروف
قرب مكة وأقام فيه أياماً (ج1ص 329 -330).
وفي هذه السنة وبينما كان سعود يقفل راجعاً من الحج
الى الدرعية، وبعد أيام من وصوله اجتمعت العساكر المصري
وساروا من المدينة الى مكة فوقع من غالب ما أوحش عبد الله
فأرسل الى العساكر الذين في مكة واستظهرهم فرحل عبد الله
من مكانه وانحاز الى الريعان. ثم رحل وانحاز الى العبيلا
ونزل عندها بالمسلمين، ثم أمر عثمان المضايفي، وكان معه
أن يتجهز لبلدة الطايف ويضبطها، فسار عثمان اليها وارتحل
عبد الله من العبيلا وتوجه الى الخرمة قافلاً،
وقد دخل المسلمين الفشل وذلك بقضاء
الله وقدره، وبسبب ذنوبنا نسأل الله العظيم المغفرة..
ولما دخل عثمان الطائف استوحش وخاف على نفسه وحرمه، فخرج
منها منهزماً بعياله ونسائه، وبعض خيله وما خف من أمواله
ومتاعه، ولحق بعبد الله، وكان خروجه من الطائف يوم الثلاث
لسبع بقين من المحرم أول سنة ثمان وعشرين (ج1ص330
-331).
وفي العام نفسه سنة 1228هـ خرج عثمان بن عبد الرحمن
المضايفي من الطائف ونزل رنية البلد المعروفة، ثم إن طوسون
والعساكر المصريين ساروا الى مكة ودخلوها بغير قتال، وذلك
بعدما قفل عبد الله فنزل طوسون قصر القرارة المعروف في
مكة، وكان الشريف هو الذي دعاهم لدخولها ومالأهم عليه.
فلما استقر الترك في مكة، سار مصطفى ومعه راجح الشريف
وابن غالب الى الطائف ودخلوه وضبطوه وكاتبهم جميع رعايا
عثمان من نواحي الطائف وأطرافها، وتبعهم زهران (أي بنو
زهران بن كعب بن الحارب بن كعب نب عدب الله بن مالك بن
مصر) وغامد وغيرهم، وثبت أهل رنية وبيشة وجميع الحجاز
اليماني (ج1ص ص 331 -332).
وفي آخر ربيع سار سعود بالجيش من جميع النواحي وآفاق
نجد الحاضرة والبادية وقصد الحناكية الماء المعروف قرب
المدينة النبوية، وكان في قصر عسكر من الأتراك مع عثمان
كاشف علي، وعلى الماء المعروف أعراب من حرب وغيرهم، فلما
أقبل عليهم هرب البوادي بإبلهم وزبنوها الحرة،
فدهمهم المسلمون في منازلهم فأخذوا
ما وجدوا فيها من الأثاث والأمتاع، ثم إن سعوداً
نازل العساكر التي في ذلك القصر وهم نحو ثلاثمائة فارس
ومقاتل وحاصرهم، وهمّ المسلمون أن يتسوروا عليهم الجدار
فطلب العسكر من سعود العفو ومنع عنهم المسلمين، فنزلوا
بأمان على دمائهم وأموالهم، وشرط عليهم أن يسيروا الى
ناحية العراق فساروا إليها، وأمر سعود محمد بن علي صاحب
الجبل وجيش معه من المسلمين أن يسيروا معهم حتى يبلغوا
مأمنهم.
ثم إن سعود رحل من الحناكية وسار الى جهة المدينة المنورة،
فغنم في طريقه من بوادي حرب مغانم كثيرة، فلما قرب من
جبل أحد وإذا خيل من الترك وجيش من حرب قد أقبلت فأغارت
خيل للمسلمين وقتلوا منهم نحواً من ثلاثين فارساً، وكان
الجيش قد هرب قبل الخيل وتزبّن المدينة، ثم نزل سعود على
أبا الرشيد عند البلد، وهرب أهل البركة عنها، ثم رحل ونزل
الحساء (وهي المعروفة اليوم بآبار علي) ثم سار الى وادي
الصفراء فحرق نخيلاً وقتل رجالاً، ثم سار في الحرة ونزل
على أهل بلد السوارقية فحصرهم، ونزلوا منها بالأمان على
نصف الحلقة وشطر ما تحت يديهم بعدما
قطع نخيلهم وهدم أكثر منازلهم، فأقام عليها مدّة أيام
وجمع فيها الغنايم وباعها وقسمها على المسلمين
للراجل سهم وللفارس سهمان (ج1ص 332 -333).
وفي شعبان من العام نفسه اجتمعت العساكر المصرية من
مكة والطائف وسار بهم مصطفى (مصطفى بيك أمير ركب الحجاج
الى مصر) ومعهم راجح الشريف في جموع من البوادي الذين
نقضوا العهد وتابعوا الروم، حسب ابن بشر، فسارت تلك العساكر
والجموع ومعهم المدافع والقنابر، وقصدوا بلد التربة وفيها
مرابطة من أهل نجد وغيرهم، فحاصرهم الروم ثلاثة أيام،
ثم أقبل مدد من أهل بيشة وغيرهم لأهل تربة، فلما أقبلوا
على الروم كمنوا لهم وناوشوهم القتال، فخرج كمين المسلمين
على المحطة والخيام فانهزمت تلك العساكر والجموع، فاستولى
المسلمون على محطتهم وخيلهم وقتل منهم قتلى كثيرة ورجعوا
مكسورين.
وفي هذا العام اجتمع شرذمة من عدوان وغيرهم من أهل
الحجاز مع عثمان بن عبد الرحمن المضايفي وقصد الطايف وملك
قصرين أو ثلاثة من أعمال الطائف، ثم نزل قصر بسل (بسل
وادي كبير يقع شرقي الطائف) المعروف، فحين علم غالب الشريف
نزوله فيه سار إليه بعساكر كثيرة من الترك وغيرهم وحصره
في ذلك القصر وحاصر القصور التي حوله وأقام على ذلك أياماً،
ثم إن الشريف استولى عليها وقتل كثيراً من قوم عثمان،
وهرب عثمان فلما وصل قرب الحزم ظفر به أناس من العصمة
(هم من بني عصيمة بن حشم بن معاوية بن بكر بن هوزان بن
منصور بن عكرمة بن خصفة ابن قيس عيلان)، من عتيبة وأمسكوه
وساروا به الى غالب، فأمسكه أسيراً ثم قتل بعد ذلك، وقتل
في هذه الكرة من قرابة عثمان وأتباعه نحو من خمسين رجل
وكان إمساكه لعشر رمضان (ج1ص335 -336).
وفي هذا العام، وتحديداً في ذي القعدة جرت وقعة عمان،
وذلك أنه لما قدم مطلق المطيري الدرعية ومعه أبناء سعود
كما تقدم، أقام مطلق مدة أشهر ووقع في عمان بعض الخلل،
ثم أمر سعود على مطلق أن يقصد عمان، وأمر على جيش يسير
معه ويكون رئيس جيوش المسلمين في عمان،
فسار وقصد جعلان البلد المعروفة في
تلك الناحية، فحاصرهم حصاراً شديداً، وأخذ عليهم غنائم
كثيرة، فلما رحل عنهم واجتمع جموع منهم، وغيرهم
وتبعوا مطلق ومن معه من جيوش المسلمين، فحصل بينهم وقعة
عظيمة ومقتلة شديدة قتل فيها من المسلمين عدة قتلى، قتل
مطلق المذكور (ج1ص337).
وفي ذي القعدة سنة 1228 قدم محمد علي باشا صاحب مصر
مكة المشرفة بالعساكر العظيمة وقدم معه الحاج المصري،
فلما دخل مكة واستقر به القرار فيها سار إليه غالب الشريف
للتهنئة، فأكرمه محمد علي وأعظمه وأعطاه جزيلاً وفعل معه
بالظاهر فعلاً جميلاً، وكان قصده غير ذلك، فلما ضبط محمد
علي مكة بالعساكر وزاره الشريف على عادته أمسكه وقيده
وحبسه وأحاط بجميع ما يملك من الأموال والأثاث والمتاع
والحلقة والكراع والمماليك، وأخذ جميع ما في خزائنه من
الذهب والفضة وغير ذلك؛ وأخرج حرمه وعياله من قصر جياد
المعروف في مكة واستولى عليه، وأمسك كبار بنيه وقيدهم
وحبسهم معه، واستعمل في مكة شريفاً يحيى بن سرور بن أخي
غالب، ونادى بالأمان لأهل البلد، وادعى أن هذا أمر من
السلطان، وكان قبضه على غالب وبنيه لعشر بقين من ذي القعدة،
وهرب من مكة أكثر الأشراف وأتباع غالب وتبنوا رؤوس الجبال.
ثم إن محمد علي جهز غالب وبنيه عبد الله وحسن الى مصر،
فلما وصلوه أرسل غالب شكاية الى السلطان وهو محبوس في
مصر، فورد الأمر من السلطان أن يكون غالب الشريف وإبنيه
في سلانيك ويعطى ما ينوبه من خراج وغيره ويرد عليه شيئاً
من أمواله، فأقام فيها حتى مات بالطاعون سنة إحدى وثلاثين
(ج1ص 338).
ثم أن محمد علي باشا سير إبنه طوسون بالعساكر العظيمة
والجموع الكثيرة الى جهة الحجاز واليمن، وكان أدنى ما
يليهم تربة، وكان قد أحصنها سعود بالبناء وأعد فيها عدة
للحصار ومرابطة، واستنفر أهل الحجاز وأمرهم أن ينزلوا
حولها مرابطة لها، ثم أقبل طوسون ومن معه من العساكر والجموع
ونازلوا أهل بلد تربة وحاصروها نحو أربعة أيام، ونصبوا
على قصورها المدافع والقنابر ورموها رمياً كثيراً فلم
يؤثر فيها شيئاً، ثم رحل عنها بعد ذلك (ج1ص339).
وفي هذه السنة 1229 توفي سعود بن عبد العزيز بن محمد
بن سعود، في ليلة الاثنين 11 جمادي الأول سنة 1229، وكانت
ولايته عشر سنين وتسعة أشهر وأياماً، وموته بعلة وقعت
أسفل بطنه أصابه منها مثل حصر البول..ج1ص364
ومن بين ما ورد في سيرته أنه جلس يوماً فيصل بن وطبان
الدويش رئيس أعراب مطير، والحميدي بن عبد الله بن هذال
رئيس بوادي عنزة، وكان هؤلاء من أشد البوادي عداوة لبعضهم
بعضاً، وذلك في غزوة الحناكية سنة ألف ومائتين وثمان وعشرون
وتنازعا بين يدي سعود وتفاخرا وأظهرا نخوة الجاهلية فقال
أحدهما لصاحبه: احمد الله على نعمة الاسلام وسلامة هذا
الإمام الذي أطال الله عمرك بسببه، وكساك الشيب بعد أن
كان آباؤكم لا يشيبون ولا ينتهون الى حده، بل نقتلهم قبل
ذلك. قال له الآخر: احمد الله على نعمة الاسلام وسلامة
هذا الإمام، الذي كثّر الله بسببه مالك وسلّم عيالك، ولولا
ذلك لم تملك ما هنالك، ولا نزلت في تلك الديار ولا استقر
بك فيها قرار، فذكرهم سعود بما أنعم الله به عليهم من
الاسلام والجهاد والجماعة، وما أعطاهم في ضمن ذلك من الأموال
وكثرة الرجال وأمان السبل (ج1ص353).
وفي الحديث عن الاموال وما يفعله بها سعود، كان يبعث
عمالاً لقبض زكاة الابل والغنم من بوادي جزيرة العرب مما
وراء الحرمين الشريفين وعمان واليمن والعراق والشام وما
بين ذلك من بوادي نجد..وينقل ابن بشر عن بعض خواص سعود
كان يبعث الى تلك البوادي بضعاً وسبعين عاملة، كل عاملة
سبعة رجال، وهم أمير وكاتب وحافظ دفتر وقابض للدراهم التي
تباع بها إبل الزكاة والغنم، وثلاثة رجال خدام لهؤلاء
الأربعة لأوامرهم وجمع الأبل والأغنام المقبوضة في الزكاة
وغير ذلك، وذلك من غير عمال نواحي البلدان من الحفر لخرص
التمور وعمال زكاة العروض والأثمان وغير ذلك.
وكان سعود بعث عماله لبوادي الغز المعروفين في ناحية
مصر، وبعث عماله أيضاً لبوادي يام في نجران، وقبضوا من
الجميع الزكاة؛ وأتوا عمال الفدعان المعروفين من بوادي
عنزة بزكاتهم فبلغت أربعين ألف ريال، من غير خرج العمال
وثمان أفراساً من الخيل الجياد، قال: وهذا أكثر ما تأتي
به العاملة من أولئك العمال المذكورين ثلاثة آلاف ريال
وألفين ونصف. والذي يأخذ عمال اللحية المعروفة في اليمن
مائة وخمسين ألف ريال، وهو لا يأخذ الا ربع العشر، ومن
بندر الحديدة نحو ذلك، ويأتي من بوادي عنزة أهل خيبر شيء
كثير.
والذي يحصل من بيت مال الأحساء يقسّم أثلاثاً، ثلثاً
يدّخره لثغوره وخراجاً لأهلها والمرابطة فيه، وثلثاً خراجاً
لخيالته ورجالته ونوابه، وما يخرجه لقصره وبيوت بنيه وبيوت
آل الشيخ وغيرهم في الدرعية، وثلثاً يباع بدراهم وتكون
عند عماله لعطاياه وحوالاته. قال: ويحصل بعد ذلك ثمانون
ألف ريال تظهر للدرعية.
وأما غير ذلك مما يجيء الى الدرعية من الأموال من القطيف
والبحرين وعمان واليمن وتهامة والحجاز وغير ذلك وزكاة
أثمان نجد وعروضها وأثمانها لا يستطيع أحد عدّه ولا يبلغه
حصره ولا حدّه، وما ينقل من الأخماس والغنائم أضعاف ذلك
(ج1ص354 -355).
ويذكر ان من أمراء وقضاة سعود أميره على الأحساء ابراهيم
بن عفيصان، وعلى القطيف أحمد بن غانم، وعلى البحرين سلمان
بن خليفة، وعلى عمان سلطان بن صقر بن راشد، ثم عزله وجعل
مكانه بن أخيه حسن بن رحمه، وعلى الجيوش في عمان مطلق
المطيري، وعلى وادي الدواسر ربيع بن زيد الدوسري، وعلى
ناحية الخرج عبد الله بن سليمان بن عفيصان، وعلى الطور
وتهامة عبد الوهاب المعروف بأبي (نقطة)، فلما قتل جعل
مكانه طامي بن شعيب من عشيرة عبد الوهاب، وعلى بيشة ونواحيها
سالم بن شكبان ثم بعده إبنه فهاد، وعلى رنية ونواحيها
مصلط بن قطنان، وعلى الطايف والحجاز عثمان بن عبد الرحمن
المضايفي، وعلى مكة غالب بن مساعد الشريف، وعلى المدينة
النبوية حسن قلعي، وعلى ينبع جابر بن جبارة الشريف، وعلى
جبل شمر والجوف محمد بن عبد المحسن بن فاير بن علي، وعلى
ناحية القصيم حجيلان بن حمد، وعلى ناحية سدير حمد بن سالم
من أهل العيينة، ثم عزله وجعل مكانه عبد الكريم بن معيقل
من أهل قرين الوشم، وعلى ناحية الوشم محمد بن ابراهيم
بن غيهب المعروف بالجميح، وعلى المحمل ساري بن يحيي وبعده
إبنه يحيى (ج1ص362 -363).
اما القضاة، فكان قاضيه على الدرعية عبد الله ابن الشيخ
محمد بن عبد الوهاب وعلي بن حسين ابن الشيخ محمد بن عبد
الوهاب وعبد الرحمن بن حسن ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب
وحمد بن بن ناصر بن عثمان بن معمر وعبد الرحمن بن خميش،
إمام القصر، وقاضيه على الأحساء محمد بن سلطان العوسجي،
من أهل بلد ثادق، فلما توفي جعل مكانه عبد الرحمن بن نامي
من أهل العيينة، وعلى القطيف محمود الفارسي مهاجراً من
أهل فارس، وعلى تهامة أحمد الحفظي، وعلى اليمن حسن بن
خالد الشريف، وعلى الطايف وناحية الحجاز عبد الله بن عبد
الرحمن أبا بطين من أهل روضة سدير، وعلى جبل شمر وما يليه
عبد الله بن سليمان بن عبيد من أهل بلد جلاجل، وعلى بريدة
وما حولها من ناحية القصيم غنيم بن سيف..وعلى ناحية الوشم
عبد العزيز بن عبد الله الحصين، وعلى ناحية سدير شيخنا
على بن يحيى بن ساعد، وعلى ناحية منيخ عثمان بن عبد الجبار
بن شبانة وعلى حريملاء والمحمل عبد الرحمن بن عبد المحسن
أبا حسين، وعلى ناحية الخرج على بن حمد بن راشد العريني،
وكان أبوه قاضياً لعبد العزيز في ناحية سدير، وعلى المدينة
النبوية أحمد الياس الاسطنبولي الحنفي، وأحمد بن رشيد
الحنبلي، وأما مكة فأقرّ فيها قضاتها ، ثم أرسل إليها
سليمان بن عبد الله ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فأقفام
فيها مدة قاضياً ورجع، وأما غير ذلك من النواحي فكان يبعث
إليها القاضي نحو سنة ثم يرجع ويبعث غيره (ج1 ص363 -364).
|