الدولة السعودية الذاهبة
وصف ابن سعود ـ مؤسس الدولة السعودية الحالية ـ الدولة
العثمانية بـ (الدولة الذاهبة)؛ وكان كثيراً ما يسخر،
هو وصديقه ومعلّمه مبارك الصباح، شيخ الكويت، من أولئك
(الذاهبين) أي العثمانيين ومملكتهم التي كان الغرب يسميها
بـ (الرجل المريض).
السعودية اليوم تمثل الدولة المريضة في الجزيرة العربية،
وهي تحاول أن تُثبت بأنها الدولة الأكثر حيوية وحماسةً
وشاببية، من خلال شنّ الحرب والعدوان على اليمن، وكذلك
من خلال تعيين أمراء شباب في الحكم، كمحمد بن سلمان، ذي
الثلاثين عاماً، وهو أصغر وزير دفاع في العالم.
لقد تمّ التحوّل من حكم العجزة الهرمين من آل سعود،
الى حكم صبيتهم!
الدولة السعودية المريضة لها ملامحها:
إنها دولة فاسدة ومشلولة وعاجزة عن تنفيذ مشاريعها
وخططها، بحيث أنك ترى مخططات كثيرة، ومشاريع طويلة عريضة،
ولكن على الورق فحسب! حيث تُرصد الميزانيات بمئات الملايين
من الدولارات، وفي الواقع لا ترى شيئاً.
والدولة السعودية الذاهبة تُهزم أمام أسهل التحديّات
السياسية الخارجية التي تواجهها، فتتنقّل وبسرعة فائقة
من هزيمة اقليمية الى أخرى. وما محاولة الإستقواء بالدم
والعدوان على اليمن إلا محاولة لكسر سلسلة الانهزامات
المتواصلة، ومع ذلك ستلقى الرياض أم الهزائم على أرض اليمن.
والدولة السعودية الذاهبة، هي دولة متخبّطة، فلا يوجد
قرار مدروس بشكل جيد، لا في مواضيع التنمية ولا في السياسة
ولا في العسكر. فهي تقوم بالفعل ونقيضه في وقت واحد. تنقض
غزلها من بعد قوّة أنكاثا، في اليوم والليلة مرّات ومرّات.
الدولة السعودية الذاهبة لا تعتمد دراسات استراتيجية،
ولا على قراءات واقعية، تميل الى اعتماد الاشاعة بدلا
من المعلومة، والحقد بدلا من المصلحة كدافع سياسي، والأماني
والأحلام بدل الركون الى العمل والعطاء والأداء الصحيح.
الدولة السعودية الذاهبة، تفتت مجتمعها بالطائفية والعنصرية
والقبلية عن سابق اصرار وتصميم، وتظنّ انها بذلك تكون
قد حفظت سلطة آل سعود موحدة (وحدة السلطة في تمزيق المجتمع).
لا يدرك (الذاهبون) ان تمزيق المجتمع يؤدي قسراً الى تمزيق
الدولة، وليس السلطة فحسب، أي يعود الحجاز لأهله، وتعود
الأحساء والقطيف لأهلها، وتعود المناطق الى سابق عهدها،
بعيداً عن حكم الأقليّة النجدية.
الدولة السعودية الذاهبة، لا تستطيع ان تحمي نفسها،
رغم ما تنفقه من مئات مليارات الدولارات على الأسلحة!
والذاهبون لا يريدون جيشاً قوياً في الأساس، ولا شعباً
مسلحاً يدافع عن أرضه، فهناك خشية ان ينقلب الضحايا ضدّ
جلاديهم. الذاهبون من آل سعود، يعتمدون أكثر فأكثر على
الأجنبي لحمايتهم، يستجدون الحماية من أوباما وغيره. يشترون
مرتزقة ما أمكنهم من الباكستان والسنغال ومصر والأردن
والمغرب وغيرها. الذاهبون يذهبون مع حماتهم في آخر المطاف!
الدولة الذاهبة المُسعوَدَة، هي دولة جامدة، لا قدرة
لها على التكيّف مع المتغيّرات السريعة، فتتأخّر في اتخاذ
القرارات ـ إنْ اتخذتها، وتتأخّر في تنفيذها، ولا تنفذها
حسب الأصول! الذاهبون لا يتكيفون مع الواقع ولا يتجاوبون
مع متطلباته، فينكسرون، ويخسرون، ويذهبون!
الدولة الذاهبة، ومن عليها من الحكام الذاهبين، يستشعرون
قرب الهزيمة، فيتوترون في تصرفاتهم، ويزيدون في قمعهم،
وكلّما كان شعورهم بالخطر محدقاً، كلما تصاعد عنفهم ضد
شعبهم، وهم بفعلهم إنما يقرّبون يوم آخرتهم!
حكام الدولة السعودية الذاهبة خاوون داخلياً، يتلبسهم
النقص، فيظهرونه على شكل استعلاء وغرور وفوقية، ويعوّضون
عن الانكسار الداخلي، بمظاهر الفخامة والهيبة، وتعقيد
البروتوكول، والصرف الزائد على المديح وأشعار النبط والفصحى!
لكن شعوب الذاهبين يكتشفون شيئاً فشيئاً ضعف من يحكمهم،
وسخافته، وعُقَد نقصه، وفساده، وممالأته لأعداء الأمة،
وتفريطه بمصالح الشعب، وخواره وجبنه، وإن سلّ سيفاً خشبياً،
أو ادّعى نصراً تاريخياً!
الملوك السعوديون الذاهبون محتقرون من شعبهم، الذي
يُكثر من السخرية بهم، واصدار النكات بحقهم، وتهزئتهم،
وإسقاط هيبتهم في داخله، وتمنّي زوال ملكهم، بالدعاء الصريح
عليهم، آناء الليل وأطراف النهار!
الذاهبون ساقطون من الأعين والنفوس والقلوب، يرحلون
غير مأسوف عليهم، إلا ممن ينتفع بوجودهم من حاشية وطامعين
ومتملقين!
المملكة السعودية الذاهبة أرادت أن تُدمّر كيان غيرها،
فتدمّرت، وارتدّ عليها بأسها، ووقعت في الحفر التي حفرتها
لعدوها او خصمها. إنها تسير بلا هدى من كتاب أو علم او
تقوى، ولا تستطيع أن تستفيد من تجربتها الخاصة، ولا من
تجارب مثيلاتها في الحاضر والتاريخ.
اقترب يوم الذاهبين، ودولة الذاهبين، فادعوا الله بقرب
الفرج من الظالمين!
|