|
تشييع شهداء القديح |
تفجيرات القديح والدمام
إنهيار الحكم في السعودية حتمي
عمر المالكي
ثلاث قضايا ستشكل انعطافات في تاريخ الدولة السعودية
الحديثة، وقد تودي بها الى التذرّر والتلاشي.
الأولى ـ الاتفاق النووي
الايراني ـ الغربي، والذي إن تمّ نهاية هذا الشهر، فسيطلق
المارد الإيراني ليكون سيّد المنطقة، وليقلّص النفوذ السعودي
الى أبعد الحدود، بحيث ستنكفيء الرياض على ذاتها، وستكون
طهران نقطة الجذب حتى لدول الخليج الأخرى. الاتفاق النووي،
سيخط مرحلة جديدة في انحدار مكانة الرياض الاستراتيجية
في عين حلفائها، فلن تكون لها تلك الأهمية الاقتصادية
والسياسية، بعد أن أصبحت كالهيكل العظمي بسبب النزيف السياسي
طيلة العقود الثلاثة الماضية.
الثانية ـ هزيمة العدوان
السعودي في اليمن؛ وهذا سيطلق قوّة جديدة قد تتحوّل خلال
عقد الى سيّد الجزيرة العربية. اليمن الذي حصرته الجغرافيا،
وخنقته السعودية لعقود طويلة، تمرّد على الرياض ولن يعود
الى حضنها بعد اليوم، فكانت الحرب السعودية عليه عقاباً
ومحاولة لإعادته الى الحظيرة، وهي حرب عدوانية تمثل اختباراً
لحجم القوة السعودية العسكري والسياسي والاقتصادي وحتى
الأخلاقي، ومدى إمكانية الاعتماد عليها لإستعادة نفوذ
الرياض الضائع.
اليمن الذي أُقصي من محيطه في الجزيرة العربية، ويتعرض
اليوم للقصف والقتل والدمار، يحقق انتصارات عسكرية واختراقات
في الداخل السعودي، وآمال الرياض تنهار بتحقيق أي انتصار.
هزيمة الرياض ستولد قوة جديدة يمنية مستقلة ستأخذ دورها
القيادي في محيط الجزيرة العربية، باعتبارها الأكبر سكاناً،
والأقوى عسكرياً، وباعتبارها بكراً اقتصادياً بموارد لم
يسمح العدوان السعودي باستثمارها طيلة العقود الماضية.
هزيمة آل سعود في اليمن ستكون مجلجلة، ستحطم كبرياءهم
على مستوى المنطقة، وعلى مستوى الخليج، وأمام شعبهم. سينكفؤون
داخلياً، وسيلاحقهم سيل الشتائم، وستنفجر أوضاع العائلة
المالكة ضد الجنرال الصغير وأبيه الملك. ستتجرّأ القوى
الوهابية الموالية لأن تتحول الى قوى معادية لآل سعود،
فقد فقد هؤلاء الأخيرون ألقهم، وباتوا غير قادرين على
حفظ (المنجز النجدي) وآن لقوة نجدية أخرى لتحكم.. انها
قوة القاعدة الوهابية.
الثالثة ـ وهي نتيجة لما
سبق، حيث الانهيارات الأمنية تتزايد، وكلما زادت هزائم
النظام خارجياً، تمت ترجمتها داخلياً. فدور القاعدة وداعش
يتصاعد بشكل مستمر، حيث الاغتيالات للقوى الأمنية والعسكرية،
والتفجيرات، وتزايد الخلايا، وتكاثر قوائم المطلوبين،
في حين أن البعض لا يريد أن يصدق بأنه سيصحو قريباً على
انهيارات أكبر مما جرى حتى الآن.
داعش تتوقع هزيمة النظام في اليمن، وهي تنتظر الفرصة
لتطرح نفسها كبديل. وقد مهدت لذلك بتفجيرات ثلاثة ضد مساجد
شيعية في المنطقة الشرقية السعودية، بدأت بقرية الدالوة
في الأحساء، وانتهت بمسجد الامام الحسين في الدمام، مروراً
بمسجد الإمام علي في مدينة القديح. والضحايا بالعشرات،
ولكنهم بمثابة الطُعم الذي تصطاد به داعش انصاراً جدداً
من حظيرة ال سعود.
قاعدة اليمن في تحالف مع آل سعود هذه الأيام، فالخطر
الحوثي الزيدي مشترك، وتصفية الحساب ستكون لاحقة بينهما.
لكن الطارئ الكبير هو الانهيارات الأمنية في منطقة
النفط، في تفجيرات القديح والدمام.
لم تكن مشكلة النظام السعودي الكبرى مع التفجيرات بذاتها،
او مع داعش التي تقف وراءها، حتى وان قيل ان تلك التفجيرات
كشفت عن هشاشة الوضع الأمني السعودي، وأن داعش تمثل خطراً
على آل سعود.
تداعيات التفجيرات هي الأهم، فقد خرجت مناطق الشيعة
في القطيف والدمام عن سيطرة النظام منذ اللحظات الأولى
للتفجيرات. اندفع عشرات الألوف من المواطنين وسيطروا على
الشوارع والمناطق الحساسة وبدأوا بفرض سلطة أمنية تمنع
القوة الداعشية من القيام بتفجيرات جديدة.
شرطة النظام، وعساكره، ورجال أمنه اختفوا من الساحة
تماماً. كأن أحداً اعطاهم أمراً بذلك.
المرارة السعودية الوهابية من تفجيرات داعش في القديح
والدمام، تمحورت بشكل واضح تقريباً، ليس على الضحايا،
الذين رفض الوهابيون اعتبارهم شهداء؛ وليس على داعش لأنها
وضعت آل سعود ومشايخهم في موقف دفاعي، وان شفَت بعض أحقاد
الوهابية الدموية.. بل كان ما يهم النخبة السعودية النجدية
هو: (الشيعة خرجوا عن الطوق وبدأوا بحماية أنفسهم ومناطقهم
ومساجدهم)!
محمد بن نايف الذي طالبه احد عوائل الشهداء بإيقاف
التحريض الطائفي، والا اصبحت الدولة شريكاً في الجريمة،
ردّ بجملة لا علاقة لها بالقضية، وكشف عن موطن ألم آل
سعود، قال: (الدولة تبقى دولة)! وهو يرى بأن أحداً لن
يأخذ مكان الدولة أمنياً، وإنْ فشلت في ذلك.
كل المؤشرات تفيد بأن ال سعود يفقدون سيطرتهم على البلاد
تدريجياً. عنصر الأمن الذي يعتقدون بأنه أهم منجزاتهم،
لم يعد كذلك. فبعيداً عن تصاعد جرائم القتل والنهب والسرقات
المسلحة، وتصاعد أرقام الجرائم بشكل مخيف، فإن الانهيار
الأمني على خلفية سياسية هو الذي يشغل بال الكثير من المواطنين.
فالدولة تظهر الكثير من المؤشرات على أنها غير قادرة في
المدى المنظور على وقف الإنهيارات الامنية.
الحرب على اليمن، والأوضاع السياسية الملتهبة في الجوار،
والتي كانت الرياض سبباً فيها، تعود اليوم لتنقض الأمن
السعودي المزعوم داخلياً. أهم حدود السعودية ملتهبة اليوم،
وأهمها الحدود الطويلة جداً مع العراق واليمن.
القلق الأمني بدأ يلفّ مجاميع كبيرة من السكان؛ لم
يكن رجال الأعمال وحدهم من يتوقّع الأسوأ؛ ولم يكن المختلفون
مذهبياً مع الوهابية وهم أكثرية الشعب وحدهم من يشعر بأنهم
ليسوا بعيدين عن نيران منتج آل سعود الداعشي. فالتفجيرات
التي قد تبدأ في مساجد الشيعة في الشرق، قادر من يقوم
بها على تفجير نظيرها في وسط الرياض وحتى في عمق الحجاز
حيث الأماكن المقدسة.
الوضع الاقتصادي السيء، وتصاعد حجم البطالة الى ما
فوق الأربعين بالمائة ـ كما أفادت احصاءات شبه رسمية مؤخراً،
واتساع مساحة الفقر، وسّعت معها مساحة السخط على النظام
والعائلة المالكة. ومع تزايد الاعتقاد الشعبي بضعف النظام
وهزيمته خارجياً، نلاحظ ازدياداً في الجرأة عليه، والسخرية
منه، والتعبير عن الغضب من سياساته، بل ودعم معارضيه،
وتمنّي زواله حتّى.
القلق من صورة المستقبل غير المستقر، سبب إرباكاً لشرائح
واسعة، فقد مضى اكثر من عشرة أعوام على موجة عنف القاعدة
بعيد تفجيرات نيويورك وواشنطن 2001. أعلنت الرياض انها
انتصرت وهزمت القاعدة. لكن، ها نحن نعود مرّة اخرى الى
الخندق القديم، فالقاعدة استبدلت بداعش والعنف استمر طيلة
السنوات الماضية، وقوائم المطلوبين تثبت ذلك. ثم هناك
الحراك الشيعي المتصاعد والذي لم يتوقف طيلة السنوات الأربع
الماضية رغم القتل واستخدام الرصاص؛ والنخبة الاصلاحية
النجدية ممثلة في (جمعية حسم) التي ظهرت كنواة أمل بتغيير
سلمي اصلاحي تدرجي في بنيان النظام الأساسي، لازال قادتها
يقبعون في السجون، مذكرين بقية الشعب، بأن لا إصلاح سياسي
او غيره مادام الأمراء حاكمون، وتالياً لا أفق لإصلاح
سياسي يكون بديلاً عن الحلول الأمنية الرسمية، وبديلاً
عن العنف الداعشي القاعدي، وبديلاً عن الانهيارات الأمنية
والسياسية المتواصلة منذ نحو عقدين.
مستقبل السعودية معتم، بل شديد العتمة، فلا أفق بنصر
سعودي في اليمن، ولا أفق بانتصار سعودي يضمن زعامة الرياض
على الخليج مقابل إيران؛ ولا أفق لحل أمني يقمع مطالب
التغيير، ولا أفق باستقرار في ظل تكالب داعش وتفجيراتها
التي طالت مساجد عديدة، ما كشف عن ضعف أمني، وفشل في توفير
الحد الأدنى من الأمن للمواطنين.
هل يمكن توفير الأمن والإستقرار بدون اجهزة الأمن؟
ماذا اذا أصابها العطب ولم تعد قادرة على الإيفاء بدورها؟
بمجرد أن ضرب العنف الداعشي الوهابي مدينة القديح في مسجد
الإمام علي، انطلقت الحناجر داعية المواطنين الى توفير
الحماية الذاتية، فالحكومة في عالم آخر. هي في أفضل الأحوال
عاجزة، وفي أسوئها متواطئة. متواطئة بترويجها لفكر العنف
الوهابي، وسماحها بالتحريض على الكراهية والقتل في الاعلام
والمناهج الدراسية، وتشجيعها لفتاوى التكفير التي تنطلق
من مؤسستها الدينية، وبالتالي فهي صنعت المناخ والبيئة
الحاضنة للعنف، فكراً وممارسة.
قال المواطنون يجب تشكيل لجان أهلية، وخلال ساعات تشكلت
لجان اولية لحراسة ما يزيد عن ثمانمائة ألف مواطن في القطيف.
لكن النظام اعتقل وحقق ثم اطلق سراح بعض من روجوا للجان
الاهلية، في ظل تأكيد من وزير الداخلية الذي قال: (من
سيأخذ دور الحكومة سينال عقابه). لكن شهداء الصلاة في
الدمام أخذوا فعلاً دور رجال الأمن في الجمعة التالية،
ودفع أربعة منهم ارواحهم ليحموا جموع المصلين، وذلك في
تفجير داعشي لنفسه بحزام ناسف.
الدكتور فؤاد ابراهيم، المعارض السعودي، رأى في وقوع
انفجارين في اسبوع واحد يكشف عن خلل امني كبير جداً، ما
يثبت أن الدولة غائبة، وأمنها هش ومتهاوي؛ واضاف بأن تصرف
الشهيد الأربش الذي منع المفجر من اقتحام المسجد، وتصرف
رجل الأمن مع الانتحاري (هروبه)، يحسمان الجدل حول دور
الدولة، فقد غابت حين أُريد لها الحضور، وحضر الأربش شاهداً
عليها، او على فشلها الذريع.
الاعلامي الجميري، يؤكد حقيقة عجز الدولة عن حراسة
جميع المساجد، وأن فكرة المشاركة الشعبية في حمايتها ليست
سيئة؛ ويرجع الجميري حساسية الحكومة من ان يكون للمواطن
دور أمني، لا يدل على خوفها على الوطن بل على خوفها (من
المواطن). وأكمل: (لا احد يطلب بأن يحل محل الدولة، ولا
بتكوين دولة داخل دولة، لكننا نردد كثيرا بأن المواطن
رجل أمن. إذن لنمنحه فرصة التعاون مع رجال الأمن).
أيضاً فإن الإعلامي والمعارض عمر بن عبدالعزيز علق
على تفجير مسجد الدمام بالقول: (الشيعة لا يذوقون الأمان
في مناطقهم، وتشكيل لجان شعبية نقطة خطيرة، تعني اعتراف
السكان بعدم قدرة الدولة على حمياتهم)؛ واضاف بأن من واجب
الدولة توفير حماية اكبر لمواطنيها، فتفجير العنود بالدمام
لن يكون الأخير. وأكمل بأن محمد بن نايف حذّر المواطن
الشيعي من أخذ دور الدولة، وتساءل: (أين دور الدولة من
هذه التفجيرات؟ الدولة ليست قادرة على حماية المواطنين
الشيعة).
|