كلّهم تحت عباءة آل سعود
المحرّضون على الطائفية وسفك الدماء
عبدالحميد قدس
حقاً هو امرٌ غير مستوعب، أن تعمد حكومة الى تأجيج
النزعات الفطرية المناطقية والطائفية والقبلية بين المواطنين.
فحتى أسوأ الديكتاتوريات تجد في الانشقاقات الاجتماعية
بوابة تهددها، أو على الأقل تثقل كاهلها، وغالباً ما تؤكد
على اللحمة الوطنية والتضامن مع النظام. في السعودية الحالة
غير عادية، فتقسيم المجتمع بشكل متعمد ليس جديداً، بل
هو نهج لآل سعود منذ تشكيل دولتهم. وهو وسيلة من وسائل
احتفاظ الأقلية النجدية الوهابية واستئثارها بالحكم.
التقسيمات القبلية والطائفية والمناطقية هي إحدى أهم
وسائل ومبررات التهميش للآخر، فهو إما كافر شيعي او صوفي
او غيره، وإما هو حجازي طرش بحر، لا يوازي مقام اصحاب
الدماء الخضراء الموحّدة. أي مشاعر وطنية قائمة على ثقافة
وطنية مساواتية، لا بدّ أن تحدث تعديلاً في السلطة ومن
يتولاها، وتحدث مساواتية على مستوى الخدمات في المناطق،
وتفكك الإستئثارية النجدية بالحكم منذ قرن كامل رغم أقلويتها.
لذا كان اعتماد آل سعود على الانتماءات الفطرية هو
الأساس، وجعلها فوق وطنية قرار ولم يأتِ اعتباطاً. بل
أن الفتاوى التي تحطّ من الوطنية ـ وتسميتها بالوثنية
ـ ومن مساواة المواطنين على أساس المواطنة واعتبار ذلك
بمثابة شرك بالله، لم تكن إلا على خلفية سياسية، وبهدف
عدم مشاركة اكثرية المواطنين للنجديين المسيطرين على الحكم.
التحريض ـ إذن ـ أداة إقصاء وتهميش؛ وهو أداة شدّ للعصب
النجدي الوهابي أيضاً. فلا أحد في مهلكة آل سعود صحيح
الإسلام إلا النجدي؛ ولا عربي أصيل (ابن قبيلة) الا هو،
فهو من أعلاها كعباً. لذلك لا غرابة أن نجد تأتي في المرتبة
الأولى عنصرية ومناطقية وطائفية بين كل مناطق المملكة.
والعجيب انها الأكثر زعماً في تقمّص مبادئ الاسلام الصحيح،
والأكثر عجباً أن معظم مشايخ السلطة الوهابيين ينتمون
اليها؛ وأنها في نفس الوقت المنطقة التي تضم أكثر الملحدين
عدداً ونسبة في العالم الإسلامي برمته!
التحريض الطائفي في معظمه بل يكاد يكون كله يأتي من
مشايخ وكتاب نجد ومثقفي نجد، فهم الأكثر التصاقاً بالنهج
الرسمي والأكثر استجابة لدعوات الإقصاء، والأكثر انتفاعاً
بالسيطرة على السلطة.
أكدت تفجيرات القديح والدمام المرة تلو الأخرى، ان
التحريض عليهم محلي، جاء من نجد، من وسط السلطة وحريمها،
من منابرها ومشايخها وكتابها ومثقفيها، فمن هم هؤلاء المحرضون
العلنيون؟ ولماذا لم يُعتقل أيّ منهم، او على الأقل يتم
توجيهه بالصمت. الغريب ان هؤلاء واصلوا مسيرة التحريض
الطائفي ودعوات القتل حتى بعد التفجيرات.
إبراهيم الفارس: الداعشي
الذي لازال ابناه مسجونين، وهو استاذ دين في جامعة الامام
محمد بن سعود، التي تعد من أهم معاقل ومصانع التكفير..
يقول ان المواطنين الشيعة كفار، وان المجوسية دينهم، وأن
تكفيرهم لا يحتاج الى دليل. والفارس يرى استخدام القوة
مع الشيعة (بالذراع) حسب قوله. فجهادهم برأيه من أعظم
الطاعات والعبادات والجهاد (فهلموا للتكاتف ضدهم)؛ فهو
يراهم: خونة يثيرون عواطف حول الوحدة والوطنية، في حين
أن التاريخ يقول انهم خونة، كما يقول. ويزيد الفارس فيوجه
كلامه لمواطنيه الشيعة، بأن أبطال الجهاد سيجعلونكم تلطمون
طوال العمر وليس في ايام عاشوراء فحسب. شخص هذا تحريضه
العلني، حمل المشيعون لشهداء القديح يافطات لصور تغريدات
الفارس وعليها تعليق: (نحن ضحايا طائفيتكم).
الشيخ محمد الفراج: وهو من
كبار المحرضين الطائفيين نثراً وشعراً، ومع انه أدان المجرم
في تفجير القديح وقال انه يهدف الى تحويل المساجد ساحات
معارك، وأنه يريد فوضى وانهار دماء! الا انه لازال يعتقد
بكفر الشيعة، وحين رفع الناشط الحقوقي مخلف الشمري ـ والذي
حكم عليه بالسجن لمجرد انه التقى بمواطنين شيعة ـ يافطة
تحمل تغريدات متطرفين، عمد الفراج الى شتمه شعراً، هكذا
بلا سبب معقول:
يا منظراً ما أنكرَه
وموقفاً ما أحقره
من مُخلفٍ مثل اسمهِ
مُخالفٍ للجمهرةْ
|
محمد الشنار: وهو يمضي على
ذات درب مشايخ التكفير، فيكفر الشيعة، ويرى قتالهم مقدّم
على قتال الأعداء كإسرائيل؛ كم ويحرض على الشيعة بأنهم
لو تمكنوا من قومه فسيفتكون بهم. ولم يقبل الشنار بإعلان
داعش انها وراء تفجير مسجد القديح، ويصر على تحليلاته
العقدية، وان إيران وراء ذلك (عرف ذلك من عرفه، وجهله
من جهله)!
ناصر العمر: ويوصف أحياناً
بالنازية، كونه طالب في كتابه (واقع الشيعة في بلاد التوحيد)
بممارسة وسائل استئصالية للمواطنين، بما في ذلك (الحدّ
من تكاثرهم) على حد تعبيره. وقد طالب العمر بإدانة تفجير
القديح، وكشف هوية الفاعل، وإحالته للقضاء! مع ان الفاعل
فجّر نفسه. ووصف ناصر العمر الفعل بأنه يجر البلاد الى
الفتنة! مع انه سبق وأن طالب بتحويل الشيعة الى وهابيين
بالقوة، ووضع علمائهم تحت الإقامة الجبرية، وطردهم من
وظائفهم، وغير ذلك. وبعد ان ندد العمر بتفجير مسجد القديح،
قال بأن الشيعة لازالوا كفاراً وضالين!
الشيخ محمد النجيمي: وهو
استاذ بالمعهد العالي للقضاء، وعضو مجمع فقهاء الشريعة
بأمريكا، وخبير بمجمع الفقه الاسلامي، وكان محاضراً في
كلية الملك نايف الأمنية، واشتغل بمناصحة الإرهابيين من
القواد والدواعش. النجيمي هذا يرى إسلام القاعديين والداعشيين
ولو كانوا قتلة، فهم خوارج من المسلمين، ولكن الرافضة
(مجوس ليسوا منا وهم اهل غدر وخيانة). وأكد النجيمي ان
القضاء على داعش اسهل من القضاء على الشيعة، وأن المجوس
الرافضة اخطر! ورغم هذا، أدان النجيمي تفجير القديح لأنه
يستهدف الأمن والاستقرار، وكأنه يقول: لا مصلحة للوهابية
وآل سعود منه!
الشيخ محمد البراك: وهو عضو
هيئة تدريس في جامعة أم القرى، وعضو رابطة علماء المسلمين
التي أسستها قطر والتي رأسها الشيخ القرضاوي. وللبراك
هذا عشرات الفتاوى والتغريدات التحريضية التي يفتري فيها
على الشيعة، فيقول بأنهم لا يقيمون وزنا للمساجد، ودعا
من أسماهم بالمجاهدين الى تدميرها، اي مساجد الشيعة. فهل
نصدق كلامه في تجريم تفجير الدمام، او ان رأيه تغيّر وتوقف
عن التحريض؟ لقد عاد البريك بعد التفجيرات ليمارس هواية
التكفير والتحريض لأتفه الأسباب. فمن قال: لبيك يا حسين!
كافر. وحين طالب المواطنون الشيعة بتغيير المناهج الدينية
ونزع خطاب التحريض والتكفير منها، دعا البراك الى عدم
سماع مطالب الأقلية بنظره، في حين ان الوهابين هم الأقلية
في السعودية.
الشيخ علي المالكي: وهذا
جمع الطائفية والعنصرية والنمطية في مواقفه، يتكلم عن
شيعة السعودية فيقول عنهم: (الرافضة في هذه البلاد أقليّة،
وأوشكوا على الإنقراض. يذكروني بالخنافس. بالله! كم لكم
ما شفتوا خنفس؟). وقال في إحدى تغريداته بأن الطفل الشيعي
يكون مقبول الشكل، ولكن حين يكبر يصبح وجهه كالخنزير.
ما دعا الكاتب أحمد ابو دهمان الى وصفها ومن كتبها بالعفن.
ووصف المالكي المواطنين الشيعة بأنهم (أبناء حرام) يجب
ان يوقفوا عند حدهم! لكن بعد تفجيرات مسجدي القديح والدمام،
غيّر النغمة، فأيد التبرع بالدم كدليل على الوحدة الوطنية،
ولقطع الطريق على كل الحاسدين، واضاف: سنثبت للعالم اننا
على قلب رجل واحد، ويكمل بأن ما جرى من تفجير خطة قذرة
لتفرقة الصف الواحد في بلاد الحرمين، ومخطط عقيم!
الشيخ حسن الحميد: وهو قصيمي
نجدي يعمل استاذاً للدين في جامعة أم القرى يواصل التحريض
على الشيعة حتى بعد التفجيرات في القديح والدمام في العديد
من تغريداته، فهم متآمرون واهل فتن ويريدون تدمير نسيج
السنّة! قال هذا في يوم تفجير الدمام! ويضيف مستسخفاً
في يوم تفجير مسجد الدمام: (خطأ اعطاء الأقلية اكبر من
حجمها وغض الطرف عن جرائمها) يقصد الشيعة، مع ان الوهابيين
اقلية لا تصل الى ٢٥ بالمئة من السكان ولكنهم
حاكمون. اكثر من هذا يقول مهددا: (سيدفع الرافضة ثمن تسمين
ورعاية داعش)؛ وان دواء المواطنين الشيعة: عدل في حزم،
والاّ فسدوا!
محرضون آخرون: هناك الشيخ
السنيدي، الذي دعا: (اللهم اهلك الرافضة اجمعين. الإثني
عشرية في ايران والقطيف، والنخاولة في المدينة المنورة،
والإسماعيلية في نجران، يا رب العالمين)! فهل نصدق انه
بريء من الفتن والشرور التي يدعو الله تجنبها؟!
والشيخ العريفي، الذي طالما افترى على الأبرياء كذباً
ولصق بهم ما لم يقولوه او يعتقدوه، رفع المشيعون بعضاً
من تغريداته؛ وفي تجمعات احتجاجية مثل المواطنين لقنوات
التحريض كوصال التي كانت تجمع تبرعات تحت عنوان صريح وهي
دعم من يقصف ويقتل الشيعة، مع انها قناة محلية والمتحدثون
فيها محليون.
م أكثر المحرّضين، من قنوات ومشايخ وكتاب وصحفيين ورجال
أمن ومخابرات، هذا الشيخ الشعلان يقول انه لا ينفع مع
المواطنين الشيعة سوى سياسة الداعشيين وهي الذبح؛ وهذا
عسكري غرد علنا ووضع رقم هاتفه تحدياً: (والله لو أدخل
القطيف لأنحر رضيعكم قبل كبيركم)!
الشيخ سعد الدريهم، الذي لا يعتقد بأن احداً مسلما
صحيح الاسلام سوى أهل نجد؛ والذي أوصى (المجاهدين!) في
العراق بقتل أطفال ونساء الرافضة بزعمه، قال عن تفجير
القديح بان هناك من يسعى لنشر الفوضى في بلادنا! وأن الوهابية
بريئة وتحترم الإنسانية!
أيضاً فإن الإخواسلفي محمد الحضيف، هدد المواطنين الشيعة
بعد وقوع تفجيرات داعش في مساجدهم، فقال: (يلعب شيعة المملكة
لعبة خطرة، أكبر من حجمهم بسنين ضوئية.. ينتظرون مدداً
من الخارج، قد يدفعون ثمنه غالياً وقاسياً ان تمادوا).
اليس هذا تحريضاً، وما هي اللعبة التي يلعبونها؟. الشيخ
عبدالعزيز الطريفي التكفيري، دعا الى عدم الاعتذار عن
التفجيرات، فهذا ـ بنظره ـ يشجّع الضحايا الشيعة على البغي
والانتقام! ومثله الشيخ الخضيري الذي يقول ان الشيعة ل
يكفون عن البكاء، ول يجب ان يعتذر الوهابيون ـ وليس السنّة
كما يزعم ـ وقال بتجريم الفعل والفاعل، دون تغيير في الموقف
التكفيري.
وغضب الشيخ المهنا من المطالبة باصلاح مناهج التعليم
التكفيرية التي أنتجت أجيالاً عنفية تكفيرية، فقال: (الرافضة
تحاول توظيف حادثة القديح بأكبر قدر ممكن من الضرب في
المناهج). والشيخ المطيري يستنكر: (هل يريد الرافضي تغيير
عقائدنا ومناهجدنا وتوحيدنا ورؤيتنا السلفية؟… لقد تجاوزوا
الحدود). وزيادة على ذلك لا يقبل الشيخ المطيري تجريم
التحريض، لان المستفيد إيران والحوثيين!
إدانة التفجير، وتحريض على القتل
معظم النخب النجدية، الدينية او المثقفة والتكنوقراطية،
أو السياسية، أدانت تفجيرات المساجد في المنطقة الشرقية،
لكنها تكاد تجمع على اعتبار الضحايا غير شهداء، ولا يجري
في الغالب التطرق اليهم، فراراً من مأزق اعتبارهم مسلمين،
وهو أمرٌ لا يتحمل الوهابيون قوله. اكتفى مفتي الوهابية
عبدالعزيز آل الشيخ بأن وصّف الحادث بأنه إجرامي لنشر
العداوة والفتن، وكان همّه الدفاع عن الحكم السعودي فحسب،
لذا لم يعزّي أحداً، او يترحم على الشهداء، لأنه لا يعتبرهم
مسلمين في الأساس. بينما مفتي الازهر ومشايخ الأزهر أكدوا
تعاطفهم وعلى الإخوة في الإسلام!
ومثل المفتي، دان رئيس مجلس الشورى عبدالله ال الشيخ،
التفجير، ولم ينبس بكلمة تعاطف مع الضحاي (المشركين) حتماً
بنظره. والناشط الإخواسلفي محسن العواجي فعل الأمر نفسه،
ووصف التفجير بأنه بدعة ابتدعها (الصهيوصفوية)! وكأنه
يريد تبرئة داعش والقاعدة والفكر الوهابي الذي يحرض على
ذلك. وأما الشيخ سلمان العودة، فسار على نهج السلطة وجماعتها،
حيث أدان في تغريدة يتيمة له وببرود كامل الجريمة، وتوقف،
وكأن الضحايا لا قيمة لهم ولا مشاعر، وفقدانهم ليس خسارة
في الأساس! والشيخ عادل الكلباني، إمام الحرم المكي الأسبق،
والذي سبق له أن كفر الشيعة على شاشة البي بي سي، ربما
غير رأيه في ذلك، حيث كانت ردة فعله تقول بأنه لا يجوز
بحال ترويع المصلين وقتلهم.
كان هناك شبه إجماع بين المثقفين وأصحاب الرأي على
إدانة تفجير المصلين في مساجدهم في القديح والدمام. بعضهم
لأنه رآها مصلحة لآل سعود وله، وهذا شأن النخبة النجدية
في المجمل سواء كانت دينية او سياسية؛ وبعض آخر خوفاً
من ان تنتقل النار الى منطقته والمسجد الذي يصلي فيه؛
وبعض ثالث لسبب إنساني ووطني وهم الأكثرية. لكن ليس كل
من أدان الجريمة تعاطف مع الضحية، وقد ظهرت لنا نخب مناطقية
عنصرية لم تشأ ان تعلن عن رأيها او أعلنته احيانا بقلّة
حياء وذوق، فلم تتعاطف مع الضحية.
رجا المطيري اصاب الحقيقة حينما قال: (أظهرت حادثة
القديح لنا أن العامة اكثر وعياً وحرصاً على الوطن من
النخب الفكرية والدينية). ولاحظ الناشط محمد الخليوي ان
التحريض المذهبي جرف معه دكاترة جامعات وناشطين، ومؤلفي
كتب عن الديمقراطية فاصبحوا فاشيين، فكيف سيكون الحال
مع صغار السن؟. مثال ذلك عبدالله الغذامي، الناقد الحداثي،
فقد غلبته طائفيته مراراً، فوجه اللوم الى خارج البلاد،
ولم يبد عطفا على الشهداء والجرحى وهم بالعشرات، ما جعل
الكثيرين يستاؤون منه. أحمد الدويحي اعتبر موقف الغذامي
(سقوطا إنسانيا واخلاقياً ممن نعدّهم رموزاً ثقافية، وهم
يجتهدون للبحث عن فاعل آخر بعد اعتراف داعش بعملية التفجير
الحقيرة). وأنس زاهد، الصحفي، وجه كلامه للغذّامي مباشرة
فقال: (عيب يا غذامي عيب. إيران لا علاقة لها بصحافتنا
التي يتداول بعض كتابها مفردات كالمجوس والرافضة. إيران
لا تدعم قناتي وصال وصفا).
أما الصحفي والأكاديمي الموتور خالد الدخيل، فعلق بكلام
تبريريٍ فارغ، وكأنه ينتقد الضحايا لا صاحب الجريمة ومن
يقف وراءها ويحرض على أمثالها. قال: (أمام جريمة مثل القديح،
يحاول البعض تسليط الضوء على طائفية الآخر، وكأنه المصدر
الوحيد لها. هذه محاولة بائسة لوصم الآخر وتبرير الذات).
فهو هنا ينتقد الضحايا ويتهمهم بأنهم يستفيدون من الجريمة
باتهام الوهابيين بالطائفية والعنف.
مواجهة التحريض والمحرّضين
الحكومة السعودية التي تلاحق كل كلمة تُكتب في مواقع
التواصل الاجتماعي ان كانت موجهة لها، لم تجد في التحريض
ما يسيء لها، أو يخالف سياستها، لهذا كانت سادرة في غيّها
وتجاهلها، وهذا ما جعل الكثيرين يتهمونها مباشرة او غير
مباشرة بأنها تتحمّل وزر التفجيرات وتمزيق النسيج الاجتماعي،
وتفشّي ظاهرة التكفير والعنف. لم توقف سلطة آل سعود شخصاً
واحداً على قاعدة تمزيق الوحدة الوطنية وما جاء في النظام
الأساسي من ضرورة حمايتها. لا قبل تفجيرات الدالوة ولا
بعدها، وصولاً الى تفجيرات الدمام وبعدها. حتى اليوم لم
يوقف أحدٌ من مشايخ الفتنة وكتاب الصحافة التابعين في
اكثرهم الى الداخلية وجهاز مباحثها. لم توجّههم حتى بأن
يخففوا من غلوائهم، ولم تطلق تحذيراً علنياً لهم، ولم
تقل بأنها ستحاسب المحرّضين، فضلاً عن أن تضع تشريعاً
قانونياً بذلك.
الصحافية حليمة مظفر دعت الى محاسبة المحرضين على الطائفية
والعنف، لأنهم برأيها شحنوا العقول بالكراهية، ودفعوا
بالمراهقين ليكونوا قنابل موقوتة. وتساءل أحدهم كيف أن
التحريض ينطلق بلا حدود في الكتب والتلفاز والمناهج التعليمية،
وخطب الجمعة ومواقع التواصل، فهل يعقل ان كل هذا العنف
اللفظي والتكفيري والتهديد بالقتل وغيره جاء من فراغ وبلا
غطاء او توجيه رسمي؟
الصحفي يوسف ابا الخيل يقول بأن المجرم صالح القشعمي
الذي فجر نفسه، لم ينزل فجأة من كوكب آخر، بل كان ضحية
لفحيح طائفي يحرض ويكفر ويزندق ويطالب بقتل مخالفيه؛ واضاف:
(يكفرون ويزندقون ويضللون ويدعون الى اقامة حد الردة على
مخالفيهم، فإذا حدث المكروه، تنادوا للتباكي الكاذب. هم
العدو فاحذرهم). ودعت الكاتبة الكويتية دلع المفتي المسؤولين
السعوديين: (افتحوا كتبكم، افحصوا مناهجكم، راجعوا تفسيراتكم،
انظروا في أقوال دعاتكم، إغلقوا قنوات الفتنة، سنّوا قوانين
ضد كل تكفيري). والكاتب الصحفي والمؤلف زكي الصدير طالب
بمحاكمة المحرضين فهم معروفون لدى الأجهزة الأمنية رغم
دموع التماسيح التي يذرفونها؛ وأكمل: (الكاريكاتيرات والمقالات
والمحاضرات والمناهج الدراسية وخطب الجمعة والفضائيات،
جميعها كانت المنفذ الحقيقي لتفجير الدمام الارهابي).
في حين سخر الشيخ حسن فرحان المالكي، من أن (الغلاة لهم
القدرة أن يجعلوني، أنا والبليهي والمحمود، من المتعاطفين
مع جريمة القديح، وجعل البراك والنجيمي ودمشقية ووصال
من أهل البراءة منها). ويعود الكاتب محمد حمزة فيقول:
(دعاة الداخل يحرضون ويفتون بكفر الشيعة، فينفذ الدواعش
الفتوى، والقطيع يقول مؤامرة خارجية)!
الصحفي الدكتور زيد الفضيل، دعا الى محاكمة المحرضين
على قتل الشيعة، واصدار قانون يجرم التحريض؛ اما سلطان
فعلق: (ان كانت افعال من يزعم انه يعبد الله هي الانتحار
وقتل المصلين وتفجير المساجد واثارة الفتنة.. فماذا أبقى
لمن يعبد الشيطان؟). وحذر الاعلامي البراء العوهلي من
الفتنة ونصح بالوحدة والا سيعض الجميع اصابع الندم، وستلعنهم
الأجيال.
وأكدت الناشطة نوال الهوساوي بأن: (من فجّر الوحدة
الوطنية هو من روّج ثقافة الفرقة الناجية فكفّر الصوفية
والشيعة من الحجاز الى القطيف، وألغى اختلاف المذاهب لخلق
السلفية).
ايضا رأى الناشط النجراني علي آل حطاب أن لا خروج من
دوامة العنف والدم الا بمشروع وطني وقوانين تجرم الطائفية
وتكافحها. ودعت الدكتورة أمل العامودي: (كفانا وجعاً،
حان الوقت لنتغيّر ونربي ابناءنا على التعايش بإنسانية
تحقق جوهر الاسلام).
وحذر الدكتور مرزوق بن تنباك من أنه (مادام هناك من
يعلن تكفير الناس على المنابر، ويحرض ويغرد باسمه الصريح
ولا يحاسب، ولا يجرّم، فلن تكون القديح الأخيرة). حقا
ما يقوله الصحفي أنس زاهد: (الإرهابي لم يسقط علينا بالبارشوت.
انه نتاج فكر يبثه من صنعوا ثرواتهم ونجوميتهم من التكفير.
إنْ لم يعاقب هؤلاء فلا فائدة). والاعلامي مالك نجر يسخر
متألماً: (حيّرتني يا فضيلة الثور العربي. تحرّض ذات أمس،
واليوم تستنكر الفعل)!
أيضاً حذر عبدالله العقيل بأن النار (التي اشعلتموها
سوف تأكلكم، وتأكل أبناءكم بعدكم، سواء كنت شيخاً متطرفاً
أم سياسياً لا تفهم)؛ واضاف: (حذرت كثيراً من تصعيد وتيرة
الطائفية حتى لا يكون مصيرنا مثل العراق وسوريا، وكنتُ
أُتهم بالعمالة... والآن نفس المجرمين الذين أججوا الطائفية
يتباكون نفاقاً).
مواقف تجاه التفجيرات
لقد زلزلت تفجيرات الدمام والقديح المجتمع السعودي
برمته، وأحدثت فيه تحولات وخضات لاتزال قائمة في الفكر
والموقف. هنا بعض المواقف تجاه تفجير مسجد الدمام.
المفكر المحمود يرى ضرورة (إصدار فتوى إجماعية تدين
تكفير الشيعة السعوديين، لأن التكفير في سياقنا الثقافي
والاجتماعي هو دعوة صريحة للقتل... التكفير ليس رأيا،
بل هو مساوٍ للقتل). وأضاف بأن المتطرفين يكفرون الشيعة
ويصفونهم بأشد الناس عداوة للإسلام، ثم يقولون بكل بجاحة:
لم نُحرّض على التفجير.
الكاتب خالد الوابل مشغول بسؤال: (لماذا اولادنا حطب
لنار الإرهاب). والحقوقي الدكتور حسن العمري يعتمد على
وثيقة تجريم الناشط مخلف الشمري، لأنه جلس الى مواطنين
شيعة وواساهم، فحكم عليه بالسجن، ليخلص الى التالي: (اذا
كان القضاء يعد مجالسة الشيعة ومواساتهم مبرراً للتجريم،
فلا شك أن النظام طائفي بامتياز).
وتوقع الصحفي عصام الزامل تواصل التفجيرات في مساجد
الشيعة، ثم تقوم داعش بتفجير مساجد سنية لتخلق حرباً طائفية؛
ورسام الكاريكاتير في صحيفة مكة عبدالله جابر علق: (داعش
ترى ان الشيعي والسني كافرين. من قتل شيعيا اليوم سبق
وان قتل سنياً بالأمس. الأمر ليس طائفياً، ولكنه استغلال
للطائفية).
الكاتب في صحيفة الوطن عبدالله العلويط وصف الخطاب
الديني الرسمي كالتالي: (الشيعة مرتدون؛ ثم المرتد يُقتل،
ثم تفجير بالشيعة، ثم انا ما قلت فجّروا)! ويصرخ عبدالله
الكويليت: (الفكر الداعشي لا يواجه الا بفكر مضاد. افتحوا
المنابر ووسعوا الفضاءات. لا حل غير ذلك. من يزرع الريح
لن يجني الا العاصفة).
وحسب المغردة والمعلمة الأحسائية وداد منصور فإن الدواعش
نوعان: واحد يطاردك كي تصلي، والآخر يقتلك وأنت تصلي.
الإثنان لا يصليان! وتضيف: (في التفجير الأول ـ الدالوة
ـ اكتشفتم اننا هنا؛ وفي الثاني ـ القديح ـ اكتشفتم اننا
نصلي؛ وفي التفجير الثالث ـ الدمام ـ اكتشفتم انها مساجد.
كم تفجيراً تحتاجون لتكتشفوا اننا نعبد الله وحده؟).
ومن مواقف النخبة السعودية، فإن المفكر محمد الأحمري
(رغم انه تنازل عن الجنسية السعودية لصالح القطرية) دعا
الى مساندة أهالي الضحايا والوقوف ضد جرائم التطرف المذهبي؛
واستاذ العلوم السياسية عبدالخالق عبدالحي توقع ان تتكرر
فجيعة القديح ما لم يُتخذ قرار سياسي صارم بتجريم السلوك
الطائفي. والصحفي جمال خاشقجي قال: (ان بررتَ جريمة القديح
لأنهم شيعة، فاعلم ان داعش مثلما يكفرهم سيكفرك ويستبيج
دمك بمسجدك ويعتبرك صحوات). اما تركي الحمد فتوقع ان يشجب
الطائفيون الجريمة باسم الوطنية فيما هم من مزقها وكفّر
من يقول بالخطاب الوطني؛ في حين وصف الأستاذ صالح الصقعبي
التفجير بالجبان، وقال انه ثمرة للتحريض الطائفي التكفيري،
وحذّر من ان يكون القادم أكثر سوءً.
الاعلامي سلطان الجميري قال محذّراً: (من يفجّر في
القطيف اليوم لإنهم شيعة، سيفجر غداً في الرياض لأنهم
مرتدين). وأنحت الناشطة الحقوقية عزيزة اليوسف باللائمة
على الفكر الداعشي الذي يجب ان يُجتث، وليس معالجة الفروع.
ومثلها قال الدكتور ايمن كريّم، فجريمة القتل كانت نتاج
الشحن الطائفي لعقود، والتمييز على اساس المذهب والطائفة.
ايضا فان الدكتورة ثريا العريض، عضو الشورى والكاتبة،
تقول: (لا يكفي الشجب واظهار التعاطف. يجب ايقاف ممارسي
الطائفية قولاً وفعلا، المؤلبين والمشجعين والمحرضين عليها
والممولين ومحاسبتهم).
وعلقت رغد الفيصل، المغردة المعروفة فقالت: (شعارات
الوطنية ونبذ الطائفية التي بدأ مشايخها برفعها، هي المعنى
الحرفي لقتل القتيل والمشي بجنازته). وانتقد السيد سمير
برقة قصر نظر وضيق فهم وسوء ظن مشايخ الوهابيين بالمسلمين،
واضاف: (التصور الذهني المريض يؤدي بالمعلول أن يقول هذا
شرك وهذا ضلال وهذا كفر).
|