حتمية هزيمة العدوان السعودي
هل تسقط نجران وجازان بيد اليمنيين؟
يحي مفتي
فشلت لقاءات جنيف في إيجاد بداية حل لحرب اليمن. بل
أنها فشلت حتى في توفير الحد الأدنى (هدنة خلال شهر رمضان
الكريم). نذكّر بأن الحرب بدأت في الأشهر الحُرُم، وهي
تستمر في شهر الله، شهر رمضان المبارك، وقد تمتد الى أشهرٍ
حُرُمٍ أخرى.
لم يكن المتحاورون أو المتشاورون يتوقعون حلاً، فالمفاوضات
في ظاهرها بين يمنيين يمتلكون كامل السلطة ويسيطرون على
الأرض، وبين آخرين لاجئين في الديار السعودية. ولكن في
حقيقة الأمر، هي نوعٍ من المفاوضات غير المباشرة بين اليمن
والسعودية. ولأنها كذلك، كان من البديهي أن لا تساعد الظروف
على إنجاحها.
الرياض ليست مستعدة للمفاوضات. هذا أمرٌ مؤكد، فوضعها
العسكري على الأرض لا يسمح لها بالخروج من الحرب بانتصار
سياسي، او في ادنى الأحوال: لا يسمح لها بأقلّ من الهزيمة
المنكرة. عبثاً حاولت الرياض ان تحصل على سلّم نظيف تنزل
عليه الى الأرض، وأنصار الله (الحوثيون) لم يمنحوها الفرصة
لتخرج بماء الوجه. طلبت الرياض بوجود لها في عدن، كيما
تعيد هادي فيكون الأمر بداية للحوار وتوقف الحرب. رفض
المنتصرون (الجيش اليمني واللجان الشعبية) ذلك. سأل السعوديون
في اجتماعات مسقط أن لا يعلن أنصار الله الانتصار أو يحتفلوا
به إذا ما توقّفت الحرب، ولكن الأخيرين رفضوا، وقالوا
للسعوديين: احتفلوا أنتم بنصركم ـ ان كنتم تعتقدون الانتصار!
لم تعد حرب اليمن حرباً عادية، بل هي حرب استنزاف للجانبين.
اليمن خسر بنيته التحتية بشكل شبه كامل. معظم شعبه يعيش
الفقر والمرض والتشرّد، في ظل حصار يتواطؤ فيه العالم
ضد شعب الايمان والحكمة. لكن السعودية رغم هذا لم تحقق
نصراً. لم تنتصر بالضربات الجوية ولن تنتصر. لم تجرؤ على
المعارك البريّة حتى الآن وليس بمقدورها حتى الآن القيام
بإنزال جوي او بحري. رهانها قائم على تغيير المعادلة من
خلال دعم من تسميهم بالمقاومة، ولكنها لم تستطع حتى الان
الصمود في وقف التمدد للجيش اليمني واللجان الشعبية.
الشيء المستجد في الحرب ان مواصلتها عمّق هزيمة الرياض
أكثر وأكثر، فقد أصبح جزء لا بأس من الحرب داخل الأراضي
السعودية نفسها. ثلاث مناطق سعودية جنوبية دخلت الحرب
بسبب توغل الجيش اليمني فيها، هي نجران وجيزان وعسير؛
ومن المؤكد الآن ـ وبعد تساقط المواقع العسكرية السعودية
تباعاً ـ ان استمرار الحرب سيؤدي في النهاية الى سقوط
مدينة أو أكثر من هذه المدن، او ربما كلها وغيرها في الأسابيع
القليلة القادمة.
الرياض التي لا تأبه بنتائج جرائم طيرانها في اليمنيين،
قد تجد نفسها أمام فضيحة عسكرية كبيرة، حين تسقط مدنها
بقبضة الجيش اليمني واللجان الشعبية. لكنها مع هذا ليست
الان في وضع القبول بإيقاف الحرب، ما يعني اعترافاً بالهزيمة
العسكرية. وعليه، فإن المسؤولين السعوديين الذين بدأوا
بالإعتراف بأن الحرب قد وصلت الى مدنهم، ليس فقط بالصواريخ،
وانما بقوى بريّة يمنية أيضاً.. يحاولون استمالة روسيا
الى جانبهم لترتيب مخرج مقبول ـ إن أمكن ـ لقواتهم، مع
حفظ ماء الوجه، وهذا هو المهم.
لكن في جعبة الرياض خططا أخرى، فهي فعلاً قرن الشيطان.
لقد بدأت بالحديث المغالى فيه عن اختراق جبهة عدن، وإيصال
خمسة آلاف من قوات تمّ تدريبها ـ هكذا تقول ـ بحيث تسيطر
على رأس جسر في عدن، يمكن من خلالها تالياً التحوّل الى
الهجوم وتوسيع الرأس وإعادة هادي الى كرسي الرئاسة في
عاصمته المؤقتة! ويقول السعوديون أن المسألة لن تتطلب
أكثر من اسبوع الى اسبوعين، وبإذن الله ـ يقولون ـ أنه
لن يمض شهر رمضان إلا وقد تحوّل الحلم السعودي الى حقيقة!
هذا يعني ان الرياض لم تيأس، ومع ان هذه الخطة ستكون
فاشلة على الأرجح، وهي تتطلب إنزالاً بحرياً يصعب تحقيقه،
إلا ان الرياض تحمل في جعبتها شيئاً آخر، وهو فصل الجنوب
عن الشمال، وتحويل الحرب الى شمالية جنوبية، او شافعية
زيدية ان استطاعت. ومن خطط السعودية التي بدأت بتطبيقها:
اشعال حرب الإرهاب القاعدي والداعشي ضد المساجد والتجمعات
في أماكن السيطرة للجيش اليمني واللجان الشعبية. ولقد
كانت تفجيرات الأول من شهر رمضان في ثلاثة مساجد في صنعاء
رنّة فرح وسعادة بالغة في الإعلام السعودي والقطري. فالتخريب
جزء لا يتجزّأ من معركة الرياض وحربها ضد خصومها في أي
مكان.
نذكّر هنا أيضاً بالسيطرة القاعدية على منفذ الوديعة
بين حضرموت والسعودية، ما يعني تدفق الأسلحة والأموال
وحتى المقاتلين الى الداخل اليمني لفصل الجنوب عن الشمال،
أو على الأقل لتوفير الدعم اللوجستي لمن تسميهم الرياض
والدوحة مقاومة ضد (عصابات صالح والحوثي).
عدوان الرياض على اليمن لا أفق عسكرياً لنجاحه. وحتماً
لا أفق سياسياً لتثميره. واستمرار العدوان يعمّق الهزيمة،
حيث العيون تتركز على الداخل السعودي الذي يشهد اختراقات
عسكرية واسعة، وهزائم سعودية منكرة بالقرب من مدنها الرئيسية.
|