|
|
|
آل الفيصل.. أبناء الملك
فيصل |
|
وزارة في دولة الى الانحدار
|
وفاة سعود الفيصل
إنحدار دولة.. انحدار وزارة!
هيثم الخياط
توفي سعود الفيصل بعد صراع مرير مع المرض، وبعد ان
أُعفي من منصبه كوزير للخارجية في أواخر أبريل الماضي،
وتعيين وزير جديد مكانه، وهو السفير السعودي السابق عادل
الجبير. وكان سعود الفيصل قد أمضى أربعين عاماً كوزير
للخارجية (1975-2015) خلفاً لوالده الملك فيصل، الذي قُتل
في مارس 1975، وهو يمسك بوزارة الخارجية كوزير لها منذ
تأسيسها عام 1930، أي أن الملك فيصل كان وزيراً للخارجية
لمدة تصل الى خمسة وأربعين عاماً، لم تقطعها سوى فترة
قصيرة عُيّن فيها ابراهيم السويل وزيراً للخارجية بين
عامي 1960 و 1962، في فترة صراع بين ولي العهد آنئذ (فيصل)
وأخيه الملك سعود على أشدّه.
وهكذا فإن وزارة الخارجية السعودية هي وزارة (فيصلية)
المبنى والمعنى، فحين تذكر (وزارة الخارجية) فإنك تربطها
كإقطاع لـ (آل الفيصل)؛ ولذا توقّع كثيرون أن يحلّ أحد
من (آل الفيصل) مكان سعود حين تم إعفاؤه من منصبه، كأن
يخلفه شقيقه تركي الفيصل (رئيس الإستخبارات الأسبق، وسفير
آل سعود السابق في لندن ثم في واشنطن). لكن هذا لم يحدث،
وتمّ وللمرة الثانية تعيين شخص من (عامّة) المجتمع في
وزارة سيادية. ونقول (عامّة المجتمع) تجاوزاً، فالذي جرى
هو تعيين شخص من منطقة نجد (المهيمنة) على السلطة في السعودية،
والمتحالفة حدّ الإلتصاق بالعائلة المالكة، النجدية هي
الأخرى.
يعتبر عهد سعود فيصل المديد في وزارة الخارجية، امتداد
لعهد والده الملك فيصل، الذي رفض تسليم الوزارة الى أحد
آخر من الأمراء، اللهم الا ابنه سعود، الذي كان في وزارة
النفط، كيما يهيؤه للوزارة ربما. وحين زادت على فيصل الأعباء
في السنوات الأخيرة من عمره، عيّن عمر السقاف كوزير دولة
للشؤون الخارجية، ليحمل عنه بعض أعباء البروتوكول!
|
فيصل.. ملكٌ ووزير خارجية |
المهم أن السياسة الخارجية السعودية لم يجرِ عليها
تغيير كثير طيلة تأسيسها، فالأسس هي ذاتها، والأهداف هي
ذاتها، وحتى الممارسات تتشابه بين الماضي والحاضر، كأنها
تمثّل الفرق البسيط بين الأب وابنه. فقد كان سعود الفيصل
أكثر تشبّها بأبيه الراحل، بل كانت شخصيته أقرب الى التماثل
ـ مقارنة بإخوته الآخرين ـ مع شخصية والده الملك فيصل.
وتشاء الأقدار أن يعيش الأب وابنه هاجسين متقاربين،
تعاطيا معهما بشكل شبه متشابه، وبعاطفة شخصية قوية. فالأول
ـ الملك فيصل ـ كانت عقدته مصر وزعيمها عبدالناصر، لازمته
منذ بزوغ نجم الرئيس المصري في بداية الخمسينيات حتى وفاة
الأخير 1970. والإبن سعود قضى الشطر الأكبر من عمره في
الوزارة مهجوساً بعقدة إيران ونمو زعامتها في المنطقة
الى أن مات مؤخراً. الطابع الشخصي في العداء لعبدالناصر
او الزعامة الإيرانية المتتالية، هي ذاتها بين الأب والإبن،
حتى ليكاد المرء ليجزم بأن الرجلين قد حوّلا الصراع السياسي
الى أحقاد شخصية عمياء، الى حدّ ان فيصل ابدى شماتة بخصمه
حين هزم في حرب 1967 ثم كررها حين سمع بوفاة عبدالناصر
وهو في مصيفه بجنيف، لكن أمراً مشابهاً لم يُتح للإبن
ليفعل شيئاً مماثلاً.
الحفاظ على مكانة المملكة الإقليمية؛ الاستمرار في
استخدام الخطاب الاسلامي في مواجهة الخصوم، وتطويره لاحقاً
لخطاب سنّي طائفي لمواجهة إيران؛ الحفاظ على العلاقة المتميزة
مع الولايات المتحدة الحامية للعرش السعودي؛ تدمير القوى
العربية الأقليمية الكبرى ومنعها من منافسة الرياض في
زعامتها؛ استخدام النفط ـ كما الدين ـ كركن أساس في السياسة
الخارجية السعودية؛ والإنخراط في المؤامرات والإستمرار
فيها وهي التي كانت الطابع الرئيس للسياسة الخارجية السعودية
منذ نشأتها كما كان الحال مع الهاشميين في الأردن والعراق،
ثم مع عبدالناصر في مصر، وبعدها ضد سوريا أثناء عهد الوحدة،
وغيرها. كل هذه، الأبعاد تجدها واضحة في الماضي والحاضر،
بين سياستي الاب والإبن، ولاتزال حتى الآن.
الفارق الأساس بين الأب والإبن في وزارة الخارجية السعودية،
هي أن الملك فيصل غادر الحياة بطلقات رصاص من ابن اخيه
فيصل بن مساعد، ولكنه ترك زعامة سعودية على العالم العربي
والى حدّ ما الإسلامي دونما منافس، بعد أن غاب الرمز الكبير
عبدالناصر، وبعد أن طفرت أسعار النفط بعيد حرب 1973، فصار
هناك ما سُمّي بـ (حقبة سعودية) على حد تعبير محمد حسنين
هيكل.
اما في عهد سعود الفيصل، الذي مات حتف أنفه، فقد أخذ
(الحقبة السعودية) الى نهايتها الأليمة. اذ لم يمض على
بداية الحقبة سوى سنوات حتى قامت الثورة الإسلامية في
ايران بطموحات تنافسية في طبيعة الحكم الديني، وفي تبنّي
قضايا المسلمين، فواجهتها الرياض بسلاح الطائفية ثم بسلاح
الحرب (العراقية الايرانية)، لتنتهي الحرب بعد ثمان سنوات،
وتقوم أخرى في الكويت 1991، ثم لتتدهور الأوضاع شيئاً
فشيئاً حتى احتلال العراق 2003، في ظل فشل سعودي في حل
أي قضية عربية او اسلامية لا في فلسطين ولا افغانستان
ولا الصومال ولا الصحراء الغربية ولا في تهدئة الخلافات
العربية ولا غيرها. وبمقدار ما كان النفوذ السعودي يتراجع،
كان النفوذ الإيراني يتوسع، مترافقاً مع سياسة خارجية
سعودية أصبحت أكثر عدوانية، تخلّت فيها ـ منذ حرب الكويت
ـ عن أهم عنصري قوتها: المال، والحياد إزاء المشاكل العربية.
الأول، يخضع الدول العربية المحتاجة للزعامة السعودية؛
والثاني يجعل الرياض على مسافة واحدة بين الدول العربية
المتخاصمة، ويسهل دورها كوسيط وزعيم ومرجع تقاضي. لكن
بعد ان تخلت عن الدعم المالي، وأصبحت طرفاً في المشاكل
والأزمات.. خسرت الرياض نفوذها، ولاتزال تخسر، وستخسر
مستقبلاً أيضاً.
|
سعود الفيصل وزيراً للخارجية |
بين عهد الأب فيصل، وعهد الإبن سعود، حكاية انحدار
دولة، لم تشفع لها أموالها، ولا احتضان الحرمين الشريفين،
في الحفاظ على مكانتها.
لم يكن سعود الفيصل المسؤول عن هذا الإنحدار، وإن كان
واحداً من المسؤولين، فهو أحد صنّاع السياسة الخارجية،
وواحداً من أهم أعمدتها، وما كان ليتحمّل مسؤولية كبيرة،
لو كان الوزير واحداً من العامّة ـ كما هو حال عادل الجبيرـ
الذي يُنظر اليه على أنه مجرد تكنوقراطي منفّذ لسياسة
العائلة المالكة، لا يرقى دوره الى مشارك في صناعتها.
الإنحدار السعودي العام في السياسة والإقتصاد والتعليم
والخدمات وغياب المشروع السياسي، وضعف الرؤية، وتغليب
العواطف على المصالح.. أمراضٌ لم تبتلى بها الدولة بسبب
سعود الفيصل وحده، بل كل الطاقم السياسي الملكي القديم
والحالي. ولربما زاد الطين بلّة غياب أركان الدولة الرئيسية
التي قبضت على السلطة وأدارتها لأكثر من نصف قرن في فترة
قصيرة: فهد، سلطان، نايف، عبدالله، والآن سعود الفيصل،
ما يجعل المرء يتوقع صورة أكثر قتامة في المستقبل، إذا
ما أخذنا أمرين أساسيين بالحسبان: الأول، ضخامة التحدّي
للنفوذ السعودي، والذي تمثّله القوة الإيرانية البارزة
والصاعدة في المنطقة، خاصة بعد رفع الحظر على ايران بعد
الاتفاق النووي الإيراني بينها والدول الست الكبرى. الثاني،
عدم وجود مراجعة للسياسة الخارجية السعودية، والقيام بتعديلات
في المواقف، بناء على المتغيرات الشديدة في أوضاع المنطقة.
إن الإستمرار على ذات النهج القائم من حيث الصدامية، واعتماد
سياسة ردود الأفعال، والمضي في نفس السلوك القديم، سيؤدي
بلا شك الى فقدان الرياض لما تبقى من نفوذها، وستجد نفسها
محاصرة ضعيفة منكفئة على نفسها.
بالطبع، فإن وفاة سعود الفيصل خسارة للعائلة المالكة،
وإن كان سعود الفيصل نفسه، سبباً في تضعضع دولة عائلته
ومكانتها. ولئن كان مستبعداً ان يساهم الفيصل في إعادة
انتاج سياسة خارجية سعودية متواءمة مع المعطيات سريعة
التغيّر، كونه أحد الصقور الكهلة الذين يصعب عليهم تغيير
النهج.. فإن وجود عادل الجبير، كوزير من العامة، والذي
لا تقاس خبرته بخبرة سلفه، ولا بيده من الصلاحيات ما كان
لمن سبقه، يدفع المرء الى الاعتقاد بأن غياب سعود الفيصل
ووصول وزير جديد، لا يزيد في احتمال التغيير في السياسة
الخارجية السعودية مستقبلاً. بمعنى آخر، فإن إعفاء سعود
الفيصل، ثم وفاته بعد ثلاثة أشهر، لا يعني في الأساس تغييراً
في السياسة الخارجية، ولا يعني مجرد توافر نيّة في تغيير
السياسات تتوازى مع التغيير في الوجوه.
على العكس، فإن كل المؤشرات تفيد بأن الرياض تستعد
لمعارك قادمة مع (إيران) وفي أكثر من محور إقليمي، حتى
وإن كان العالم كله يتجه الى التهدئة والمساومات السياسية،
ومعالجة مخاطر العنف الداعشي، والتعاون الإقتصادي. فالرياض
لا تبدو معنية بقراءة المتغيرات، حتى وإن فعلت ذلك دول
الخليج الأخرى.
رحل سعود الفيصل محمّلاً بانتقادات داخلية وخارجية،
بأن سياسات بلاده، أطلقت العنان للعنف القاعدي والداعشي،
وأنها صنعت أكثر من حرب أهلية في المنطقة العربية، وفوق
هذا، يحمل كثيرون سعود الفيصل مسؤولية شخصية في إيصال
الصراع السعودي الإيراني الى مديات بعيدة كان يمكن تجنّبها،
وفي رفض الحلول الوسطى وتقاسم المصالح في منطقة مضطربة
مفتوحة على كل الإحتمالات، اللهم إلا احتمال استعادة الرياض
نفوذها القديم وحقبتها الضائعة.
|