|
|
|
تفجيرات مسجد قوات الطوارئ.. انها البداية فقط!
|
تفجير (عسير): ذهاب الدولة السعودية ونهايتها الحتمية
لن ينجو آل سعود ولا مشايخهم ولا جمهورهم ومحازيبهم
من لعنة التكفير والعنف التي استخدموها ضد الخصوم.
فبذات السلاح الذي روّجوه، يُقتَلون. وبذات الفتوى التي
كفروا بها غيرهم.. يُكفَّرون. ولذات الأهداف المسمومة
التي وضعوها نصب أعينهم، تكون أشلاؤهم ودماؤهم طريقاً
للوصول اليها، كما يزعمون
يحي مفتي
يعصف بالسعودية العنف والدم والتكفير، وتتطاولها شرور
الفساد والعجز في الادارة والحكم، وتلاحقها الهزائم في
معظم معاركها السياسية.
هي دولة لم يبارح مؤشر استقرارها العام الانحدار عاماً
بعد عام، منذ ما يزيد على ثلاثة عقود.
غابت (دولة الرفاه) المزعومة منذ عقود طويلة، ورغم
التريليونات من الريالات او الدولارات، إلا أنها بقيت
عاجزة عن حلحلة المشاكل الأساسية للمواطنين، كمشكلة الفقر،
والبطالة، وسوء الخدمات التعليمية والصحية وغيرها.
وغابت (دولة الأمن والأمان) التي هي أحد أهم أسس مشروعية
الحكم السعودي، الذي ذكّر الأجيال الحاضرة والماضية بأن
حكم آل سعود هو الذي ولّد الإستقرار الأمني والسياسي بقبضة
الحديد، في مجتمع تسود بعض مناطقه القبيلة، واللانظام.
اليوم السعودية بلد الجريمة بلا منازع بين دول المنطقة.
احصائيات مؤسساتها (المضروبة) ورغم التهوين والتلاعب بما
يجري، تكشف عن جانب كبير من التراجع الأمني، حيث أرقام
القتل في تصاعد بأرقام ثلاثية كل عام، ومثلها الجرائم
المنظمة والمسلحة، وحالات الاغتصاب التي لا يمكن أن تظهر
في بلد مستقر ويطبق الشريعة الاسلامية كما يزعم حكامه.
والسعودية بلد الفساد والرشوات والانتحار. ثم انها بلد
تهاجرها العقول، ويهجرها أصحاب الضمائر، ويهاجر منها طلاب
الحرية ـ الإجتماعية والسياسية.
وكما (غابت دولة الرفاه)، وغابت دولة (الأمن والأمان)
والإستقرار.. كذلك ضاعت، حدّ الغياب، دولة السّعة والنفوذ
الإقليمي في العالمين العربي والإسلامي.
لم يعد يُنظر الى الرياض كـ (دولة الأيديولوجيا الدينية
التطهرية) التي زعمها حكامها، بل أسفرت عن وجه قبيح مخيف
للمسلم قبل غيره، بأيديولوجيا وهابية لصيقة بالعنف والتكفير
والدمار؛ فأينما تمدّدت وجدت بيوض عدم الاستقرار، والارهاب،
والانشقاق، والكراهية.
ولم تعد الرياض، بلد الأماني والأحلام، تقصدها الدولة
الفقيرة من أجل العون، وتقصدها الدول الغنية من أجل عقود
التسلح والإنشاءات. اصبحت الرياض دولة ـ على المستوى الإقتصادي
والاستراتيجي ـ عادية.
انهيارات اركان الدولة قد شارفت على الاستكمال، بعد
أن انقلبت تلك الأركان في ديناميكيتها الى عناصر تدمير
للدولة محلياً ولمكانتها عالمياً.
حتى الآن لم تستكمل الدولة السعودية عناصر التفتيت
والضياع الكاملين، ولكنها سائرة اليه بلا توقف منذ ثلاثة
عقود على الأقل، وفي الآونة الأخيرة كان التسارع نحو الهاوية
سريعاً. إزاء هذا الوضع لازم القلق على المصير المشؤوم،
نخبة المواطنين من أصحاب الفكر والرأي وهم يشهدون ما يشبه
مصرع الدولة وانحلالها أمام ناظريهم. واليوم استبدّ بهم
ذلك القلق، وانعكس على شكل هجرة الى خارج السعودية، والى
هروب الأموال الخاصة والرساميل، فقد أضحت مملكة آل سعود
(طاردة) للمال والاستثمار والعقول وغيرها.
ومشكلة الدولة السعودية أنها لازالت تنحدر، أي أن المؤشر
العام فيها يتجه الى مزيد من القلق السياسي والإضطراب
الأمني، والمواطنون جميعاً يتوقعون الأسوأ الذي لم يأتِ
بعد.
حالة القلق الشعبي بذاتها غير قابلة للتغطية والتبرير
بإعلام رسمي مطمئن، بل أن الأمراء انفسهم لم يعودوا قادرين
على جلب الطمأنينة وإقناع الجمهور عبر تصريحاتهم الفضفاضة
التي تتحدث عن الاستقرار والرفاه، ما يتسبب ـ كما حدث
في دول أخرى غربية وعربية وغيرها ـ الى تواصل أعمال الفساد
والقمع والعنف والانشقاق الاجتماعي، وتحوّل فئات عديدة
من المجتمع الى موقع الناقد، وبعضها الى موقع المعارض،
وبعض ثالث الى التجرؤ على النظام بوسائل العنف وغيرها.
يشهد المواطنون والمراقبون أركان الدولة وقد أصابها
العطب، فأصبحت:
ـ صراعات أمراء العائلة المالكة مكشوفة وعلى السطح،
ما ينبئ عن انكسار في النواة الداخلية التي يعتقد بعض
المحللين أنها أساس وحدة الدولة. فلا وحدة للدولة ولا
استقرار للحكم بعائلة ساخطة في مجملها، ومنقسمة على نفسها.
وحدة الدولة رهينة في جزء منها بوحدة العائلة المالكة
التي يصعب ارضاؤها وتوحيدها.
ـ وأصبحت المؤسسة الدينية عبئاً على الدولة والمجتمع،
ولكنها حظيت في عهد سلمان بمزيد من الرعاية على خطى الملك
فهد، وتكراراً لتجربته التي منحت التطرف والتكفير والعنف
أسناناً اضافية لازالت الدولة تعاني من آثارها حتى اليوم.
وإن انشقاق المؤسسة الدينية، وانضمام مشايخ وحوارييهم
الى تيارات سياسية، من بينها تيارات العنف القاعدي والداعشي،
لهو نذير بانقلاب الدين على مستخدميه وممتطيه. وفي حين
اعتمد آل سعود على شرعنة مشايخهم الناقصة لحكمهم الناقص،
فإن الأكثرية الشعبية ـ غير الوهابية الأقلوية ـ تدرك
بأن آل سعود لا يتحاكمون الى شرع، ولا يهتدون بالتجربة
الإنسانية في مجالات الإدارة والحكم. وزيادة على ذلك خرج
من بين التيار الوهابي من ينقض شرعية الحكم السعودي اعتمادا
على الأسس الدينية الوهابية نفسها.
ـ وأصبحت العلاقة الحمائية مع امريكا، كعمود خيمة استقرار
للحكم السعودي.. عامل عدم استقرار ـ من وجهة نظر كثير
من المحللين. فحماية الولايات المتحدة الأمريكية للعرش
السعودي، لم تعد مضمونة كما في السابق، بل أن هناك من
يخشى من أن (مُوفِّر الحماية) قادر على ازالة غطائها عن
الأمراء، او على الأقل هو قادر على (استثمارها) في تغيير
النهج السياسي السعودي ان تلكّأ في احداثه. وبالتالي فإن
ال سعود ـ ومن منطق الضعف، وبسبب غياب الارادة الشعبية
ـ لا بد أن يقدموا المزيد من التنازلات. ولعل الإضطراب
في أجواء العلاقات السعودية الأمريكية، ومحاولة الرياض
البحث عن (حماة جدد) من الباكستان الى الصين الى روسيا،
مجرد اشارات يفهم الأمريكي منها أنها رسالة موجهة اليه،
وان هذه الرسالة مجرد أوهام.
ـ وأموال النفط التي نظر اليها استراتيجيون على أنها
أساس (لحمة المجتمع السعودي) وعنصر استقرار سياسي، حيث
العطاءات والرفاه بديلاً عن الحقوق السياسية في دولة ريعية..
هذه الأموال لم تجلب الرفاه، فصارت نكبة المواطن مضاعفة،
فلا هو يعيش حياة مرفهة كما في دول الخليج الغنية كقطر
والكويت والإمارات، ولا هو يعيش أجواء حرية سياسية ولو
أولية. بل ان الأموال نفسها والتي يفترض انها افادت اجهزة
الدولة الامنية والقمعية، وأعانت آل سعود في توسعة آفاق
نفوذهم السياسي، لم تستطع أن تجلب الرضا الشعبي لآل سعود،
وصار السؤال المعتاد عن مصير أموال النفط التي أكلها الفساد
والنهب الملكي. في اغنى دولة في العالم يوجد ٣٠٪ من الشعب
تحت خط الفقر؛ و٧٠٪ من المواطنين لا يمتلكون مساكن ـ حسب
آخر الأبحاث المنشورة في الصحف المحلية؛ ونسبة البطالة
تجاوزت بين النساء والرجال الـ ٣٤٪ بالمائة؛ وهناك اكثر
من أربعة ملايين فتاة عانس، والسبب أن لا امكانيات للزواج،
بسبب البطالة والفقر، وعدم القدرة على توفير المسكن الملائم
بإيجارات معقولة تتناسب مع مدخولات المواطنين. في ظل دولة
تعد من أغنى دول العالم، أصبح النفط في السعودية (عامل
نقمة) على النظام الذي لم يستطع شراء صمت المواطنين عن
حقوقهم السياسية بتوفير الحياة الكريمة.
ـ وفي ظل ظروف كهذه، اصبحت شرعية النظام في خطر ماحق،
خاصة مع تردّي الحالة الأمنية، وشياع عدم الاستقرار الذي
هو نتيجة لما ذكرناه سابقاً. الأمن هو آخر ملجأ لآل سعود،
وإذا ما فقدوا ضبطه وتوفيره، فإن المملكة مقبلة لأن تتحول
كما دول اخرى الى مستنقع العنف المستدام، والانقسامات
المجتمعية، بل وربما الحرب الأهلية والتفتيت.
انفجارات عسير
من القتل في (دالوة الأحساء)، الى تفجيرات مسجد القديح،
ومن ثم مسجد العنود بالدمام، تواصلاً مع اعلان القبض على
٤٣١ عنصرا من القاعدة وداعش، حسب البيانات الرسمية، الى
الاغتيالات والقتل لعدد من رجال الأمن في أكثر من منطقة،
وانتهاءً بتفجير مسجد قوات الطوارئ التابعة لوزارة الداخلية
في مدينة أبها.. حوادث توضح بلا لبس فيه التالي:
* ان هناك موجة عنف متصاعدة داعشياً وقاعدياً، يعززها
مناخ الإخفاق الحكومي في شتى الجوانب الخدمية والسياسية
المحلية.
* أن الحكم السعودي لم يعالج حتى الآن جذور ظاهرة العنف
التي أنتجتها أيديولوجيته الوهابية، وبالتالي فقد أصبح
الخطر ملازما للتيار الوهابي الذي يفترض انه مع آل سعود
وحكمهم. ذلك ان العنف في السعودية وغيرها، هو عنف وهابي
بامتياز، سواء تسمّى بالقاعدة أو السلفية الجهادية أو
داعش أو غيرها. ال سعود ـ خاصة في حكم سلمان ـ لم يقبلوا
بأيّ نصح يتعرّض لمرجعية العنف الداعشي الفكرية، والتي
هي موجودة في مناهج التعليم، وبطون كتب مشايخ الوهابية،
وفتاوى النظام الحاليين والسابقين. لا توجد أي معالجة
جادّة لا للفكر، كما لا توجد نية سعودية في التخلّي عن
(الاستثمار السياسي) لقوى التطرف والعنف الوهابي ضد الخصوم
محلياً، او خارجياً، سواء في سوريا أو العراق او اليمن
او غيرها. ليس العنف الداعشي والقاعدي (مستورداً أجنبياً)
بل (صناعة محلية)، وما لدى الخارج، مجرد فائض من العنف
السعودي ـ غير المترجم ـ محلياً الا في الآونة الأخيرة.
٦٠٪ من الانتحاريين الدواعش والقاعديين هم من شباب الوهابية
السعودية! ترى كم ينتج المصنع السعودي داخلياً منهم؟ وكم
من هؤلاء سيكونوا وقود العنف في المرحلة القادمة؟ وفي
حين تفاخر الرياض باعتقال المئات من العنفيين الوهابيين،
لتذبّ عن نفسها تهمة ترويج ودعم قوى داعش والقاعدة، يتساءل
الآخرون عن عددهم الذي لم يُعتقل بعد، وعن مصير المصنع
الذي ينتجهم ويغذيهم.
* فشل الدولة التنموي، والسياسي، واخفاقاتها المتكررة
في معالجات الوضع الاقليمي، وانخراطها في مغامرات وحروب،
هو المادة الأساس لرؤية المستقبل السعودي. فكلما زادت
الاخفاقات داخلياً وخارجياً، كلما توقعنا تصاعد العنف
داخل السعودية، وقد يبدأ بالمختلف مذهبياً، شيعيا أو اسماعيليا
أو صوفيا، او حتى ليبرالياً! ولكنه يتوسع ليشمل (الذات
الوهابية) حيث تقوم منتجات مصانع التكفير والعنف الوهابي
بتمزيق ذاتها وبأدواتها نفسها. فالأبناء يتحولون ضد الآباء،
بل ويقتلونهم ان كانوا من العاملين لدى النظام، خاصة ان
كانوا في مؤسساته العسكرية والأمنية. اي اننا نشهد مرحلة
تمزّق في الجسد الوهابي السعودي ـ النجدي في معظمه؛ قوامه
العنف الداعشي ـ وليس القاعدي بالضرورة ـ ذلك ان داعش
بالذات لم تترك محرماً لم ترتكبه، ولم تعد لديها ذات تحفظات
القاعدة القديمة، بالتركيز على ضرب امريكا، وبعدم جرّ
المجتمعات الحاضنة الى مستنقع تخسر فيه جمهورها. داعش
تمثل حالة مختلفة من حيث شدّة العنف، ولا محدودية شموله
للأقربين والأبعدين على حد سواء، ولا مانع لديها من اشعال
المصنع المفرخ بالنار، فقد أصبح لديها مصانع أخرى بديلة
لتفريخ انتحاريين وشرعيين، وصار لديها استقلال مالي، وبالتالي
يمكنها التضحية بالمصنع الرئيس في الرياض!
* وتدلنا تفجيرات مسجد عسير، الى أن دعاة التكفير والعنف
ضد الاخر (المحلي) كما (الخارجي)، من مشايخ السلطة وغيرهم،
حينما قبلوا وفرحوا وهللوا بتفجيرات ضد خصومهم في مساجدهم
وقتلوا مصليهم، وأئمة مساجدهم.. فإنهم في كثير من الأحيان
لم يدركوا أن العنف والتكفير سيفٌ يرتدّ عليهم هم أنفسهم،
فقد جاء من يكفرهم كما كفروا الآخرين، وجاء من سمحوا له
وايدوه باستخدام العنف والقتل ضد الآخر المختلف، فيعمل
فيهم السيف كما فعل بالاخرين. لن ينجو آل سعود ولا مشايخهم
ولا جمهورهم ومحازيبهم من لعنة التكفير والعنف التي استخدموها
ضد الخصوم. فبذات السلاح الذي روّجوه، يُقتَلون. وبذات
الفتوى التي كفروا بها غيرهم.. يُكفَّرون. ولذات الأهداف
المسمومة التي وضعوها نصب أعينهم، تكون أشلاؤهم ودماؤهم
طريقاً للوصول اليها، كما يزعمون.
العنف الوهابي يعصف ببقايا دولة
الدول السعودية الحالية غير قادرة بوسائلها المتاحة،
وبرجال ادارتها من أمراء ونخب نجدية ومشايخ مؤدلجين تكفيريين،
على معالجة العنف ومنع وقوعه. ولربما لا نكون بعيدين عن
عين الحقيقة ان قلنا، أن الأمراء غير راغبين في معالجة
الجذور الفكرية للعنف، لأن تلك الجذور هي اساس أيديولوجية
الدولة نفسها، وعليها قامت ونشأت واستمرّت. وهنا مكمن
الخطر والمشكلة. كما أن الامراء غير قادرين على مواءمة
الفكر الوهابي مع معطيات الدولة الحديثة رغم تشكل الدولة
منذ ما يقرب من القرن.
الدولة السعودية، بأمرائها ومشايخها، دولة مناطقية
مذهبية أقلوية، لم تستطع التوسع في فضاء المناطق الأخرى
كالحجاز والشرقية ومعظم الجنوب، عبر ثقافة عابرة للطوائف
والمناطق، وعبر شراكة سياسية تلغي الاحتكار النجدي الأقلوي
للسلطة والدين والمال والسلاح. وإن استمرار خسائر الدولة
على الصعيد الخارجي، لا يؤدي فقط الى تزايد العنف المحلي،
الوهابي بطبعه، بل الأكثر من ذلك، هو يؤدي الى تفتيت سلطة
الأقلية الوهابية النجدية السعودية. العنف المُزكّى وهابياً
في أصوله العقدية، هو من سيأخذ الدولة السعودية الى نهايتها
الحتمية، وهو من سيفتت الدولة، ويعيد السلطة السياسية
في الجزيرة العربية الى أجزائها الجغرافية القديمة، كما
كانت حتى العقد الثاني من القرن العشرين.
العنف الحالي، والصراع القائم، ليس صراعاً اعتدنا عليه
بين المركز والأطراف، أو بين الوهابية والمذاهب الاسلامية
السنية والشيعية في مناطق المملكة المختلفة.
كما أنه ليس صراعاً من أجل الإصلاح السياسي، فهذا انتهى
منذ عقد كامل. ليس هناك افق للإصلاح ولا رغبة حكومية نجدية
وهابية سعودية فيه.
انتهت المهلة الزمنية المتاحة لآل سعود ولنخبهم النجدية
الدينية والتكنوقراطية.. للإصلاح، وبدأ عصر التشرذم والعنف
والإقتتال.
اصبح الصراع نجدياً بامتياز، اي أنه صراع نجدي ـ نجدي
على من يحكم بقية المناطق. فمن جهة هناك الدولة وجزء من
مشايخها (الجامية كما يُسمّون)؛ ومن جهة اخرى، هناك داعش
واختها القاعدة ومشايخ وشرعيين متخرجين من نفس المدرسة
الفكرية الوهابية.
كأن الصراع اليوم، الذي تستخدم فيه ادوات الدولة القمعية
(من جهة آل سعود) أو تستخدم فيه أدوات العنف القاعدي الداعشي
(تفجيرات بالأحزمة الناسفة والاغتيالات التي قد تتطور
الى مفخخات وغيرها).. كأن هذا الصراع، في أحد تجلياته،
صراع على من يمثّل فكر محمد بن عبدالوهاب، او لنقل: يمثل
النسخة الصحيحة من الدين كما يزعمون، وهي النسخة الصافية
ـ بزعمهم ـ حيث يتحاكمون اليها، وكلّ يزعم بأنه الأقرب
الى جوهرها ـ الموبوء أصلاً بكل عناصر التفجير للمجتمع
والدولة. النسخة الوهابية للإسلام، داعشية أو جامية، سرورية،
أو مدخلية، وسواء تبنتها جبهة النصرة، أو جيش الاسلام،
او بوكو حرام، او غيرها، انما هي نسخة لا تتفق مع بقاء
الدولة، ايّ دولة. هي نسخة ملوثة بالدم والتمزق والخراب
للإنسان والعمران.
عبثاً يحاول آل سعود، توحيد الصفّ النجدي خلفهم، عبر
افتعال معارك وحروب خارجية بالسلاح وبالطائفية.
لا يجد الأمراء الحاكمون في العهد الحالي مناصاً من
استرضاء القوة الوهابية النجدية لإبقائها ضمن حريمهم بلا
تضييق وبلا محاسبة بل رفدها بمزيد من القوة والسلطة، حتى
لا تنجذب الى الخصم الداعشي، وحتى تتيقن بأن الدفاع عن
آل سعود إنما هو دفاع عن مصالحها واسلامها الصحيح!
والأهم من ذلك، فإن المزيد من التنازلات والاسترضاء
لقوى التطرف الوهابي، أمرٌ مهم، فبنظر الملك سلمان، إن
وحدة نجد الداخلية أساس وحدة سيطرة العائلة المالكة على
بقية المناطق، واساس بقاء العرش. اذن.. فلتكن وحدة نجد
على أساس الأيديولوجية الوهابية، ولتفعل القوى الوهابية
الرسمية ما تريد من تأجيج الخطاب الطائفي، ومن التحريض
على الكراهية، فالمهم هو الولاء السياسي لآل سعود، ولا
يهم أن تغضب الأكثرية المحكومة بقوى التطرف السياسي والديني
النجدي.
وحدة نجد في خطر في ظل حرب أبناء داعش من السعوديين
الذين تربوا في أحضان النظام وفي مدارسه وجامعاته الدينية
وبين منابر مشايخه المتطرفين.. حربهم على آبائهم ومشايخهم
وولاة أمرهم (سابقاً)! وبأدوات القهر والعنف نفسها: التفخيخ
والاغتيال والقتل المعنوي.
انها معركة نجد (قرن الشيطان) كما وصفها رسول الإسلام.
منها بدأت الفتنة واليها تعود.
انها معركة النظام السعودي المتآكل الأخيرة.. وإنها
معركة دولة آفلة انتهت حقبتها ومشروعيتها، وقد آن لها
أن تزول، بذات الأيديولوجية التكفيرية التي تبنتها، وبذات
منهج العنف والدم الذي استخدمته لبناء كيانها.
آن لدولة الوهابيين ان تستقيل، بعد أن استحالت عملية
علاجها وإصلاحها.
لكن بيننا وبين نهاية الدولة، نهرٌ من الدم قادم!
|