سلمان.. عاد بخفّي أوباما!
عمر المالكي
زار سلمان امريكا والتقى أوباما، تعويضاً عن رفضه الذهاب
الى كامب ديفيد بمعيّة قادة الخليج في مايو الماضي، حين
استدعاهم أوباما الى هناك، ليشرح لهم ما وراء الاتفاق
النووي مع ايران، وليخفف من غضبهم عليه.
الملك سلمان حينها، طلب من قادة الخليج عدم الذهاب
بأنفسهم، وأن يكلوا الأمر الى ولاة عهودهم. الكويت قالت
بأن لديها حالة خاصة، وأمير قطر تذرّع بأن ليس لديه ولي
عهد حتى الآن. وأما عمان والإمارات، فمن الناحية العملية،
ولأسباب تتعلق بمرض السلطان، وكذلك بمرض خليفة بن زايد،
فقد أنابا شخصين عنهما، وإذن لا مشكلة في هذا.
ملك البحرين وحده، كان توّاقاً يومها للقاء أوباما،
وهذا الأخير رفض ولنحو خمس سنوات أن يستقبله في البيت
الأبيض.. لكن أوامر الملك سلمان لا تُردّ.. خاصة من ملك
البحرين الذي لا يستغني عن الدعم العسكري والمالي السعودي
لبقائه في السلطة.
حين رفض سلمان الذهاب الى كامب ديفيد، احتجاجاً على
الإتفاق النووي، وزعلاً على كرامة سبق وأن مرّغت مراراً
وتكراراً حتى صارت الأصل في العلاقة بين واشنطن والرياض..
كرامة مهدورة تمثّلت فيما يشبه استدعاء أوباما العلني
لمشايخ الخليج للقائه في كامب ديفيد. حين رفض سلمان الذهاب
بذرائع مختلفة، وأناب ابنه وولي عهده (المحمدين)، أعلنت
الرياض في نفس الوقت أن أوباما سيستقبل سلمان في زيارة
قادمة.
ترى، ماذا سيحصل سلمان من نظيره المكروه سعودياً (أوباما)؟
ما هي القضايا التي تُشغل بال آل سعود والتي يمكن إقناع
واشنطن بها؟
أدرك السعوديون مبكراً بأنه لا يمكن تغيير موقف واشنطن
تجاه الملف النووي الإيراني، فقد قُضي الأمر الذي فيه
تستفيان، بتوقيع الإتفاق في فيينا. وقد كان واضحاً أن
أوباما لا يريد مناقشة الملف من جديد، وهو يعلم أن الرياض
كما تل أبيب قد بذلتا جهداً لتحشيد الكونغرس من أجل رفض
الإتفاق. كل ما أراده أوباما، هو أن يعلن سلمان إعادة
تأكيده تأييد الإتفاق، مثلما فعل ولي عهده، وولي وليّ
عهده. وهذا ما تمّ فعلاً، ولا قيمة كبيرة له، لأن الرياض
في الوقت الذي أيّدت فيه الإتفاق قبل أشهر، فإنها لم تكفّ
عن التذمّر وابداء الغضب منه ومن أوباما نفسه وإدارته.
وحتى بعد تأييد سلمان للإتفاق، وإظهاره العلني اقتناعاً
به، فإن الإعلام السعودي لم يكفّ عن التذمر والشكوى والنقد
لشخص أوباما وسياساته تجاه ايران، وفي مقدمها الموضوع
النووي.
في الملف السوري، تكفّل السعوديون بالإعلان أنهم فشلوا
في إقناع أوباما وإدارته بموقفهم. ترى ما هو موقفهم؟ يمكن
اختصار موقف السعوديين بالتالي: (لا حل سياسي بدون إزاحة
الأسد؛ لا إزاحة للأسد إلا بتدخل عسكري فاعل؛ لا تدخل
عسكري بدون مشاركة قوات أمريكية عسكرية برية وجويّة).
لكن السعوديين لم يدركوا التتمة التي تمثلها سياسات اوباما
والتي أبلغهم بها، والتي تقول: (لا تدخل أمريكي عسكري
مباشر في سوريا أو غيرها؛ أيّ تدخّل عسكري أمريكي يعني
مواجهة مباشرة مع روسيا؛ ثم إن البديل في سوريا غير ناضج،
وسيكون على الأرجح خليط من داعش والنصرة وجماعات سلفية
وهّابية إرهابية أخرى).
ثم إن لواشنطن أولوية أخرى في سوريا، وهي (مواجهة داعش)
التي بدأت تهدد حلفاءها وتنشر النار في الجوار العراقي
والسوري، بما فيها الأردن والمملكة السعودية نفسها. وكان
لافتاً في البيان الختامي للزيارة، وجود تأكيدين إثنين
على التعاون الأمريكي السعودي في مواجهة (داعش) في رسالة
واضحة للرياض بأن تتوقّف عن دعم الجماعات الداعشية المتطرّفة
نكاية بالنظام السوري، فقد أدّى ذلك ليس فقط الى تدمير
الدولة السورية، بل الى مشاكل متعددة، آخرها الهجرة المليونية
السورية الى اوروبا فراراً من حكم داعش، ما يمثّل ضغطاً
على أوروبا التي ساهمت في صناعة المشكلة أول الأمر بحجة
نشر (الديمقراطية)!
حتى الآن، فإن الملك سلمان لم يحصل على شيء من أوباما.
لكن ماذا عن الملف اليمني؟ فمن المعلوم، بل من الواضح
للغاية، أن واشنطن لم تعترض على حرب اليمن التي طلبتها
السعودية، بل ساعدت الأخيرة، ووفرت لها المعلومات الإستخبارية،
وهي تقود الجهد التخطيطي في الحرب الى حد أن إعلامي السلطة
جمال خاشقجي منح واشنطن (A+) في دورها الحالي في العدوان.
لكن دعم واشنطن لعدوان آل سعود على اليمن، استهدف أمرين
أساسيين:
الأول ـ امتصاص غضب آل سعود بشأن الإتفاق النووي الذي
كان يزمع توقيعه. هناك غضب سعودي متراكم على الإدارة الأمريكية
بشأن موقفها من العراق وسوريا والربيع العربي عامة، فكانت
حرب اليمن مكاناً لتصريف الإحباط الملكي السعودي، فسمحت
للأمراء بالحرب، وأعلنها الجبير من واشنطن، لكن تحت شرط
بأن الأخيرة لن تشارك بقواتها وسلاحها. مع أن امريكا قد
شاركت فعلاً ليس فقط بتوفير المعلومات الاستخبارية، ولا
توفير الذخيرة والأسلحة التي كان آخرها مزيداً من طائرات
الأباتشي.. بل أيضاً قامت باطلاق صواريخ كروز من سفنها
في الخليج وغيره على قواعد عسكرية يمنية بداية الحرب.
الثاني ـ إضعاف الرياض وتطويعها بعد أن أبدت خلال العقد
الماضي اعتراضات ـ غير مسبوقة في تاريخ العلاقة بين البلدين
ـ على سياسات واشنطن خاصة في العراق وسوريا ومصر (قبل
انقلاب السيسي).
أدركت واشنطن بأن انتصار السعودية غير متوقّع في اليمن،
وأنها تحاول استعادة مجدها ونفوذها السابقين من خلال الحرب
في اليمن، وإقناع الغرب بأنها قطب لا يمكن تجاوزه والإستغناء
عنه في اي استراتيجية غربية قادمة أو متوقعة.
وما دامت الرياض تريد أن تجرّب عضلاتها العسكرية أكثر
فأكثر، فلا مانع لدى واشنطن ـ حتى الآن، طالما ان الحرب
تحت السيطرة ـ أن تمنح الوقت الكافي للرياض لتتأكد الأخيرة
بأنها لا يمكن أن تحقق منجزاً بالقوة العسكرية في اليمن.
واضحٌ الآن، أن أوباما ـ ومن خلال البيان الختامي الذي
صدر بعد لقائه بالملك السعودي ـ أنه لا يشعر بارتياح لمجريات
الأوضاع في اليمن، وهو شعور بات واضحاً من خلال التصريحات،
وما يُنشر في الصحافة الغربية عامة. لقد أكّد البيان على
أمرين: تخفيف الوطأة على الغربيين من قبل المنظمات الإنسانية
والإغاثية الدولية التي ترى كارثة اليمن، ولا يريد الغرب
أن يفعل شيئاً، حيث أصبح 95% في حالة تشبه بالمجاعة، فضلاً
عن انتشار الأمراض، ونقص الأدوية والغذاء، بسبب حصار اليمن
جواً وبحراً وبراً. هنا طلب أوباما من سلمان أن يقبل بان
تدير الأمم المتحدة مراقبة الموانئ اليمنية، تسهيلاً لإيصال
الأغذية والأدوية والوقود الى المحتاجين. وقد وافق سلمان
على ذلك، كما وافق على ضرورة البحث عن حلّ سلمي للأزمة
اليمنية، مع ان ليس في نيته فعل ذلك.
في الأمر الأول تباطأ سلمان في التنفيذ ولازال، وفي
الأمر الثاني، قام الملك بعكس ما وعد به تماماً، فأحبط
مؤتمر مسقط الذي دعت له الأمم المتحدة، ورفض أن يشارك
هادي وبحاح فيه، وصعّد المعارك في مأرب وتعز وقصف صنعاء
لاحتلالها. هذا استدعى من أوباما ان يتصل بالملك سلمان
مجدداً في 16 سبتمبر الجاري ليؤكد على المسألة الإنسانية
والحل السلمي بعد فشل الرياض في معاركها.
بالمختصر المفيد، فإن زيارة سلمان الى واشنطن نجحت
في شراء المزيد من الوقت لعاصفة الصحراء، علّها، تحقق
منجزاً لآل سعود، أو تخسف بهم الأرض فتبتلعهم رمال وجبال
اليمن. ومع هذا، فمن الناحية النظرية، أخذ أوباما ما يريده
من الملك بشأن الوضع الإنساني والحل السلمي للأزمة، وإنْ
لم يُفعّلا!
تزايد عدم الرضا عن الأداء السعودي في حرب اليمن يمكن
التقاطه من الإعلام الغربي نفسه، الذي لن ينقلب الى ضغط
قوي ومباشر إلا في حال تزايد الخسائر السعودية، خاصة بعد
نزول القوات برّاً. لكن الأكثر قلقاً لدى الأمريكيين،
هو الإختراقات العسكرية الكبيرة التي يحققها الجيش اليمني
في الأراضي السعودية (نجران وعسير وجازان) حيث تتهاوى
المواقع العسكرية، وقد بدأت بعض المدن بالسقوط (ربوعة
مثالاً).
عدا عن هذا كله، فإن الشيء الذي بدا وكأنه أمرٌ جديد
في الزيارة، هو اتفاق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين،
والذي أُعلن عنه البيان الختامي، وقيل أنه يرتكز الى جوانب
اقتصادية وجلب استثمارات امريكية مباشرة الى السعودية
التي تبحث عن مستثمرين لازالوا قلقين من الوضع السياسي
والمستقبل الإقتصادي للمملكة بعد انحدار اسعار النفط.
رغم هذا، قيل ان هناك صفقة اسلحة جديدة ليست كبيرة الحجم
قد تمّ توقيعها، في وقت لازالت واشنطن تبيع كميات هائلة
من الذخيرة والسلاح التي تستهلكها الحرب اليمنية، فلا
جديد كبير بهذا الشأن.
أما الشراكة الاستراتيجية، فهي موجودة أصلاً وبشكل
أوسع. وكان الملك فهد هو أول من وقع شراكة متعددة الأذرع
في عام 1976، يوم كان ولياً للعهد، وبالتالي فإن ما يقال
عن شراكة جديدة، وكأنها مقطوعة عن الشراكة الاستراتيجية
القديمة، مجرد تضخيم لمنجز الملك في زيارته، وليخفف القلق
لدى المواطنين من مستقبل سياسي واقتصادي وعسكري آخذ في
الإنحطاط!
أيضاً، قيل أن الملك سلمان قد سوّق إبنه محمد الذي
لم يبلغ الثلاثين من عمره بعد، ليكون الملك القادم، ما
يعني تخطّي ولي العهد الحالي محمد بن نايف، الذي يُنظر
اليه على أنه مرشّح واشنطن المفضل. وما عزّز النقاش حول
الموضوع، المقالات العديدة التي كتبتها الصحافة الامريكية
بشكل خاص حول (الملك القادم محمد بن سلمان)، وما إذا كانت
الولايات المتحدة تميل الى هذا القادم الجديد على السياسة
السعودية، دون أن تلغي دور محمد بن نايف، حيث سيبقى وزيراً
للداخلية، وولياً لولي العهد (محمد بن سلمان).
لا شيء مؤكد حتى الآن بشأن مسار الخلافة في السعودية،
فقد يتقاعد الملك سلمان على الطريقة القطرية، ويجعل من
ابنه ملكاً؛ وقد يتأخّر في تعيين إبنه، كما حدث مع الملك
عبدالله فتضيع فرصته. ويبدو أن الأمريكيين لا مانع لديهم
من وصول أي من (المحمدين) الى كرسي العرش، وهم على الأرجح
يفضلون أن يتعاون الرجلان كل من موقعه!
وهكذا.. فإن سلمان ذهب الى واشنطن، في زيارة لا يمكن
أن يطلق عليها تاريخية كما زعم الاعلام السعودي. فقد ذهب
الى هناك لأداء فروض الطاعة، أكثر من كونه إبلاغ عن موقف؛
وهو قد تذاكى وتنازل على أمل شراء وقت لحرب اليمن، التي
لن تأتِ إلا بهزيمة نكراء ـ غير مسبوقة ـ للحكم السعودي.
|