مع السلامة.. مزرعة البقر!
ربما هي المرّة الأولى التي يتأكد فيها المراقب للأحداث
في السعودية من أن النظام وحاضنته النجدية الاجتماعية
يعيشان قلقا بالغا على المصير. مصير الدولة والخوف من
زوالها، ومصير الفئة الحاكمة والمنتفعة الأسود، ومصير
النخبة الدينية النجدية الوهابية المستأثرة بالغُنم.
في التعليقات التلفزيونية، كما في الكتابات الصحافية
وعلى مواقع التواصل الإجتماعي.. تستطيع وبدون جهد كبير
أن تتلمّس القلق والتوتر لدى النظام وحاشيته. بل أنك تستطيع
أن تقرأ بسهولة بالغة، التوتر السعودي، من خلال تصريحات
المسؤولين الموتورة والذين يعيشون عالماً افتراضياً بكل
معنى الكلمة.
قلق العائلة المالكة يتم التعبير عنه بمزيد من القمع،
لإثبات ان النظام لازال قوياً وان عضلاته لم تتراخى بعد!
كما تعبّر عنه الأحكام القراقوشية بالإعدام والتي يصدرها
قضاة نجد الوهابيون ضد خصوم النظام السلميين.
ويظهر التعبير عن القلق من خلال حملات غير مسبوقة في
محاربة أصحاب الرأي على مواقع التواصل الاجتماعي، وتهديدهم،
واعتقالهم، واختراق حسابات المعارضين كما حدث مع (مجتهد)،
وكذلك ملاحقة الحسابات على اليوتيوب، كما حدث للمعارض
المسعري (التجديد)، ونجاحهم في إغلاق موقع قناة نبأ المعارضة
على اليوتيوب، وقناة المعارض غانم الدوسري (غانم تيوب)؛
فضلاً عن ملاحقة آلاف الحسابات على تويتر، وتفاخر النظام
بجيشه الإلكتروني المكون من أكثر من سبعين ألف شخص، بأنهم
وعبر حملة (سبام) استطاعوا ان يغلقوا أكثر من ٣٦٠ حساباً
شخصياً معارضاً، أو داعشياً!
زاد التوتر الرسمي بعد الإنسداد العسكري في حرب العدوان
على اليمن، ما دعا قنوات النظام الى نقل المواطن والمشاهد
الى انتصارات مزيفة لم تتحقق على ارض الواقع، لا في مأرب
ولا تعز ولا الجوف ولا في باب المندب ولا غيرها. وما زاد
القلق السعودي، أن الجيش اليمني واللجان الشعبية يتوغلان
بسرعة كبيرة داخل الأراضي السعودية، ويوقعان خسائر كبيرة
في الجنود السعوديين، لم تعد الآلة الإعلامية الرسمية
قادرة على إخفائها، فالدبابات والآليات المحترقة تتكرر
مشاهدها في محطات التلفزة، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي؛
والجنود السعوديون يتساقطون كأوراق الخريف صرعى، والكثير
منهم وقعوا في الأسر، في حين ان النظام لازال يصرّ على
ان أحداً لم يخترق الحدود، رغم أن نصف المعركة يتم على
الأراضي السعودية.
العائلة المالكة التي عادة ما تتحد في مواجهة المخاطر
المشتركة، لم تعد هذه المرة كذلك، بل أن انحدار الأوضاع
زادها تمزّقاً وبشكل علني، وأصبحت الإنهيارات المتتالية
مغذّياً للصراع بين ديوك العائلة المالكة، فيما تتوجه
الانتقادات الى الملك وابنه الطفل وزير الدفاع.
وجاءت الطامّة الكبرى، بانهيار اسعار النفط، وتقلص
المداخيل الى اكثر من الثلث قليلاً، ما فتح جبهة جديدة
بين النظام والشعب، من خلال اجراءات التقشف، التي زادت
حياة الملايين بؤساً الى بؤسهم. أهم سلاح بيد آل سعود
هو المال، والمال ينضب بوتيرة متسارعة، والجميع يشهد سفينة
تكاد تغرق، ولهذا تجرّأ المتجرئون على النظام، دولاً وأفراداً،
ولهذا أيضاً تكاثرت المقالات الغربية الناقدة لآل سعود
ودعمهم للإرهاب، وخرقهم لأهم مبادئ حقوق الإنسان.
وزيادة على ذلك، لازال العنف مستوطنا (بلد الأمن والأمان
المزعوم). فالتفجيرات والإغتيالات الداعشية والقاعدية
تترى ولم تتوقف طيلة الأشهر الماضية. تحاول العائلة المالكة
التخفيف من أهميتها من خلال استعراض نجاحات باعتقال المئات
من الدواعش، لكن الأرقام الكبيرة تكشف عن مخاطر أكبر وتسبب
قلقاً أكبر بدلاً من أن تخفف منه.
الخسائر السعودية في الخارج، في الصراع مع ايران، والعراق،
وسوريا (تدخل روسيا المباشر)؛ وتوتر العلاقات مع مصر،
وتسلل دول الخليج الواحدة تلو الأخرى خارج المظلة السعودية،
كلها مؤشرات تدلّ على أن البلاد المُسعودة وعائلتها المالكة
تعيش أسوأ سنينها منذ تأسيسها على يد ابن سعود.
التهديد ضرباً بيدٍ جذّاء لم يعد مخيفاً لا للخصوم
في الخارج، ولا للمواطنين في الداخل. كما ان التهديدات
اللفظية المتكاثرة هذه الأيام من قبل مسؤولين حكوميين
إنما تكشف عن واقعٍ خاوٍ ورعب ملكي بامتياز (عادل الجبير
وزير الخارجية يهدد روسيا بالقول: بتشوف/ اي سترى).
السعودية التي يعرفها العالم في السبعينيات والثمانينيات
انتهت منذ فترة طويلة. سعودية اليوم يلفّها السواد والتوتر
والعنف والتكفير والفشل في كافة المناحي.
انها سعودية انتشر فيها سرطان الجمود، وغاب عن إدارتها
العقل والحكمة.
هي دولة أقرب الى مزرعة البقر، كما يصفها المعارضون..
ومصير المزرعة البائس دفع بكتاب غربيين الى الحديث عن
نهايتها، بحيث لا تجدي مع حكامها النصائح ولا العلاجات
السطحية.
|