يقلبون المعادلة ويرسون حقائق جديدة
هل هناك مواجهة سعودية روسية في سوريا؟
عمر المالكي
السعودية ليست الدولة الوحيدة الممتعضة من التدخل العسكري
الروسي في سوريا، لكنها تبدو الوحيدة التي لديها امكانية
التصعيد الى حد قطع العلاقات. هذا ما تشي به تصريحات المسؤولين
السعوديين العلنية او التهديدات المبطنة التي يطلقونها.
قد تغامر الرياض كما موسكو في فتح مواجهة سياسية، فالمصالح
بين البلدين لازالت قليلة جداً، يمكن الزهد والتضحية بها.
لكن النقطة التي يتوقف عندها المسؤولون السعوديون هي ما
إذا كان تصعيدهم في الشأن السوري ذا انعكاس حتمي على الوضع
اليمني، أي احتمال ان تغير روسيا سياستها وتدخل في صدام
مع الرياض بشأن اليمن وعدوان السعودية عليه.
لكن الرياض لا تريد حتى الآن ان تتفهم اسباب تدخل روسيا
في سوريا، بالقدر الذي تفهمت فيه موسكو من تدخل السعودية
في اليمن.
لماذا فجأة قرر الروس التدخّل العسكري المباشر جوّياً
في المرحلة وبحرياً في مرحلة لاحقةً، وبريّاً إن تطلب
الأمر؟.
ترجع أسباب التدخّل الروسي في سوريا الى الأسباب التالية:
1 ـ الثأر لكرامة روسيا بعد الخديعة التي قامت بها
الولايات المتحدة في مفاوضات جنيف 2، حيث وضع الأميركيون
المفاوضات بين الحكومة السورية والمعارضة في عهدة الروس،
فيما اشتغلوا هم على توفير كل أسباب فشلها، وبالفعل فشلت
المفاوضات بفعل التعطيل الأميركي والسعودي، فاكتشف الروس
ذلك لاحقاً وشعروا بأنهم كانوا بمثابة أداة بيد الأميركيين،
الأمر الذي أثار غضب الروس واستيائهم لأن ثمة من نصب لهم
فخاً من أجل التعريض بكرامة وسمعة وصورة روسيا..
2 ـ المصالح الروسية في المنطقة: لم يتبق لروسيا في
منطقة الشرق الأوسط من حليف سوى سوريا، وليس لديها قاعدة
عسكرية سوى في طرطوس وهي أكبر قاعدة روسية في الشرق الأوسط،
وفي حال سقط النظام السوري فإنها تكون قد خسرت آخر حليف
لها في هذه المنطقة الحيوية وعليها حينئذ تحمّل تبعات
ما سوف ينجم عن انحسار نفوذها في مقابل تمدّد النفوذ الأميركي..
3 ـ الارهاب وتهديد الأمن القومي الروسي: فقد بدأ تنظيم
داعش منذ أكثر من ستة شهور بالعمل في أفغانستان الى جانب
عمله في سوريا والعراق، وأن حضور التنظيم في هذه الساحات
سوف يهدد الأمن الروسي. نلفت الى أن 20% من قيادة داعش
هم من القوقاز (أوزباكستان، طاجاكستان، كازاخستان).
وبحسب تقديرات استخبارية أميركية لعام 2020 فإن القوة
سوف تنتقل من الغرب الى الشرق، إذ تصبح الصين القوة الاقتصادية
الأولى في العالم، بعد أن كانت تحتل المرتبة الثانية لسنوات
طويلة، وتليها الهند. وسوف يصبح محور القوة حينذاك يقع
في محيط جغرافي يستوعب الصين والهند وروسيا وايران، ويكون
مركز هذه القوة هو أفغانستان، كونها تتحادد مع الصين.
نلفت هنا الى ما نشرته صحيفة (الجارديان) البريطانية
في 21 أكتوبر الماضي بقلم سيمون تسيدال بعنوان (التدخل
الروسي في أفغانستان يشبه الى حد كبير حملتها في سوريا).
يقول الكاتب: «أن موسكو لا تزال تشعر بالقلق إزاء مستنقع
أفغانستان التي قتل فيها 15 ألف جندي من قواتها وأدى في
النهاية إلى انهيار الاتحاد السوفيتي، لكن زعماء روسيا
الآن يتخوفون من التهديد المتنامي الذي يشكله تنظيم الدولة
في أفغانستان».
وقد توصّل الروس، بناء على تسيدال، الى أن التنظيم
أنشأ معسكرات تدريب دولية هناك، وهذا يثير مخاوف من إمكانية
التسلل لجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة في وسط آسيا،
وبالأخص إلى الدول الإسلامية في منطقة القوقاز.
ونقلت الصحيفة عن زامير كابولوف مبعوث بوتين الخاص
لدى أفغانستان قوله: «إن مقاتلي تنظيم الدولة في أفغانستان
يناهز 3500 مقاتل وأن هذا العدد يتصاعد، مضيفاً «هناك
عدة معسكرات تدرب أشخاص من وسط آسيا وبعض مناطق روسيا»
وأنهم يتدربون على يد عرب وباكستانيين وأميركيين وبريطانيين.
ومؤخراً شعرت الحكومة الروسية بقلق شديد بعد التقدّم
الذي حققته حركة طالبان باستيلائها على مدينة قندوز الاستراتيجية،
والذي اعتبرته روسيا تهديدا مباشرا على حدودها الشمالية.
هذه التخوفات دفعت روسيا ودول سوفيتية سابقة محاذية
لأفغانستان لإنشاء فرقة عمل حدودية مشتركة بعد تحذيرات
أطلقها رئيس طاجيكستان بأن القتال يجرى بطول 60% من الحدود
الأفغانية الطاجيكة.
ولفتت الصحيفة إلى ملامح التدخل الروسي في أفغانستان،
ومنها تقارير تفيد بأن موسكو وافقت على طلب من عبدالرشيد
دستم أحد أمراء الحرب السابقين المدربين على يد روسيا
والنائب الأول لرئيس أفغانستان، بإمداد بلاده بطائرات
عمودية مقاتلة وأسلحة ثقيلة أخرى.
وكان المتحدث باسم دستم قد صرح بأن روسيا ملتزمة بمساعدة
بلاده وتقدم لها المعدات الجوية ومعدات للجيش الأفغاني.
ولفتت الصحيفة إلى تصريحات لوزير خارجية روسيا لافروف
قال فيها بأن موسكو لم تتلق طلباً رسمياً حتى الآن بالتدخل
في أفغانستان بشكل يشابه طلب النظام السوري، لكن المسؤولين
الأفغان يصرون بأنهم لن يطلبوا شيئاً كهذا، رغم أن المساعدة
العسكرية الروسية متواصلة بما فيها بيع السلاح وتقديم
التدريب لطيارين أفغان، بمعرفة الدول الغربية.
واعتبرت الصحيفة أن هناك فرصة أمام روسيا في أفغانستان
لدعم صورتها كلاعب عالمي وهو أحد أهم أهداف بوتن، فقد
سخرت موسكو من تأجيل الرئيس الأميركي سحب قواته بلاده
من أفغانستان معتبرة هذا التأجيل دليلاً على فشل سياسية
أميركا في تلك الدولة.
في الجانب الصيني، تبدي بكين مخاوف كبيرة بشأن تدهور
الأمن مع جارتها أفغانستان والتي تشترك معها في حدود يبلغ
طولها 76 كيلومتراً. وفي حال انسحاب قوات الناتو من أفغانستان
سوف يصبح هذا البلد مسرحاً لنشاطات إرهابية من كل الجماعات
وعلى رأسها القاعدة وداعش ما قد يهدد الامن والاستقرار
في آسيا. وسوف يخلق الفراغ الأمني الكبير والمتوقع مخاوف
مشتركة لدى كل من كابل وبكين وهذا ما دفع بالمسؤول عن
ملف الإرهاب والنزعات الانفصالية فى أقليم شينغيانغ (تركستان
الشرقية) الحدودي مع آسيا الوسطى وأفغانستان، في الحكومة
الصينية تشو يونغ كانغ لزيارة كابل والتفاهم مع كرزاي
وإجراء اتفاقيات أمنية استراتيجية. كرزاي كان قد أكّد
في زيارة للصين في يونيو الماضي على دعم السيادة الصينية
على المنطقة المسلمة والناطقة بالتركية.
نشير الى أن إقليم تركستان الشرقية يسكنه نحو تسعة
ملايين من الإيغور المسلمين الناطقين بالتركية، والذين
يشكون من تعرضهم للاضطهاد من الدولة الصينية وبأنهم مهمشون
فى منطقتهم.
وتعاني هذه المنطقة من الفقر والتخلّف والاهمال، والتي
مهدت لنشوء حركات احتجاجية واخرى انفصالية.
وكانت صحيفة (الشعب) اليومية وهي أكبر الصحف الصينية
قد ذكرت في 4 ديسمبر 2014 بأن الدول الغربية تغذي التطرّف
في الشرق الأوسط بدعمها لحركات المعارضة للحكومات، وعبّرت
الصحيفة عن مخاوف الصين من زيادة نفوذ تنظيم (داعش) في
دول مثل سوريا والعراق اذ تشعر بالقلق من التأثير الذي
قد تحدثه على تركستان الشرقية في أقصى غرب الصين.
ويضيء ذلك على تنظيم «شرق تركستان الإسلامي» وهو أحد
أهم الحركات المسلحة في الصين، والتي تسعى إلى تحويل منطقة
«شين جيانغ» إلى إمارة إسلامية، وهنا تلتقي المصالح السعودية
التركية في هذا الاقليم حيث يتعاون الطرفان على دعم التنظيم
الانفصالي المسلّح الذي يدعو الى إنشاء دولة إسلامية مستقلة
في تركستان الشرقية.
وتعود بدايات تنظيم شرق تركستان الاسلامي إلى أوائل
القرن العشرين وحتى أواخر العقد الرابع منه. في نوفمبر
1933، أسّس مولاي الأكبر شابيتى جمهورية تركستان الشرقية
الاسلامية، في مدينة كاشغار، إلا انها لم تلبث أن انهارت
بعد فترة وجيزة من تأسيسها بسبب رفض باقي القوميات الصينية
في سينكيان.
وفي عام 1944، انفجرت «ثورات المناطق الثلاث» التي
استهدفت حكم الكومينتانغ، (ثورات ييلى وتانشنغ وآلتاي
في منطقة سينكيان)، والتي كانت رافداً من روافد «الثورة
الديمقراطية» للشعب الصيني، غير أن الانفصالي علي خان
سيطر على المناطق الثلاث، وأسس جمهورية تركستان الشرقية،
في مدينة يينينغ، وعين نفسه «رئيسا للجمهورية». وفي يونيو
من العام 1946 أقيل من منصبه باتفاق من قادة المناطق الثلاث
أحمدي جانغ، وآباسوف، فحولوا جمهورية تركستان الشرقية
إلى مجلس لنواب منطقة ييلي الخاصة، وفي أعقاب ذلك، هربت
بعض العناصر الانفصالية خارج البلاد، وبدأت في تسعينات
القرن الماضي شن هجمات داخل الإقليم.
وفي ديسمبر 1992، قامت العناصر الانفصالية في «تركستان
الشرقية»، بدعم مالي من تركيا، بعقد «المؤتمر الوطني لنواب
تركستان الشرقية»، في مدينة اسطنبول التركية، حضره ممثلون
لأكثر من ثلاثين منظمة انفصالية تعمل في كل من دول آسيا
الوسطى والولايات المتحدة واستراليا وباكستان وألمانيا
وتركيا وسويسرا، وانبثق عن المؤتمر تأسيس «اللجنة الوطنية
الدولية المشتركة لتركستان الشرقية»، وتمّ إقرار إسم الدولة
(دولة تركستان الشرقية) وجاء العلم الوطني (على شكل هلال)،
ما عزّز فرص الحركة نحو الاتحاد.
وفي 1993، عقد ممثلو منظمة «تركستان الشرقية» من سبعة
عشر دولة، بما فيها الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا
وباكستان والسعودية ودول آسيا الوسطى، مرة ثانية مؤتمراً
دولياً في تركيا، أعلنوا فيه عن تشكيل حكومة في المنفى،
وتعيين (روزابيك) رئيساً للوزراء، وإصدار إعلان الاستقلال
الذي يناشد هيئة الأمم المتحدة والمنظمة الدولية لحقوق
الإنسان والمؤتمر الإسلامي ممارسة الضغوط على الحكومة
الصينية، لإعلان الحكم الذاتي.
وتفيد شهادات مراقبين بأن حركة طالبان وتنظيم «القاعدة»
وحركة التحرير الاسلامية في أوزبكستان قد زوّدوا المنظمات
الانفصالية «لتركستان الشرقية» بكميات كبيرة من الاسلحة
والذخائر وأدوات النقل والمواصلات وأجهزة الاتصال.
تم تصنيف حركة شرق تركستان الإسلامية من قبل الأمم
المتحدة، سنة 2002 ضمن المنظمات الإرهابية، كما أدرجتها
واشنطن على قائمة التنظيمات الإرهابية في 27 أغسطس 2002،
عقب زيارة قام بها نائب وزير الخارجية ريتشارد ارميتاج
إلى الصين.
الجدير بالذكر أن الحركة، شأن تنظيم القاعدة وتنظيمات
أخرى أفغانية تقاتل ضد الاتحاد السوفيياتي، قد تلقت دعماً
من الولايات المتحدة الأمريكية، خلال فترة الحرب الباردة.
وقد عاد التنظيم الى الواجهة من جديد بعد قيام كل من المملكة
السعودية وتركيا بالاستفادة منه وجلب عناصره الى سوريا
للقتال الى جانب «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم «القاعدة».
وكانت تقارير عدة قد ذكرت أن مئات العناصر من الحركة تم
احضارهم الى سوريا بدعم وتمويل سعودي تحت اشراف المخابرات
التركية. وذكرت بعض التقارير بأن هناك 300 مقاتل من تركستان
الشرقية في صفوف تنظيم داعش، ما يجعل مخاوف الصين من دخول
الأخير على خط الأزمة بين الصين ومحافظة تركستان الشرقية
وارداً وقابلاً للتفجّر في المستقبل.
ليس بعيداً من تلك المنطقة، فإن انتشار الجماعات الارهابية
وخصوصاً تنظيم داعش في القارة الهندية يتم بوتيرة سريعة.
فهناك 300 مليون مسلم في الهند يجد فيهم تنظيم داعش أكبر
حاضنة إسلامية في العالم ويمكن الرهان عليهم في تنفيذ
تطلعات داعش ومخطّطاتها..
إن مشاغلة العالم في العراق وسوريا هو في حقيقة الأمر
لتأجيل الانفجار الكبير في الشرق، وهذه أطروحة أميركية
ـ اسرائيلية ولكن بأموال عربية، وسعودية بدرجة أساسية..
ولذلك، وبحسب معلومات دقيقة حصل عليها الروس، فإنهم
إن لم يتدخلوا في سوريا فإن المعركة سوف تكون في أرضهم
عمّا قريب.
الحضور الروسي في سوريا قوي وسريع وفاعل وكانت له نتائجه
الميدانية والفورية على أداء الجيش السوري وعلى قوات الدفاع
الوطني. فقد ساعدت الضربات الجوية الروسية في تسهيل مهمات
الجيش وقوات حزب الله في السيطرة على مناطق واسعة خصوصاً
جنوب غربي حلب..
وكشفت الضربات الروسية عن حقائق صادمة:
ـ التعاون الخفي بين داعش وجبهة النصرة وباقي التشكيلات
(جيش الاسلام وأحرار الشام ..الخ) وقد ظهر ذلك حين تمّت
محاصرة حلب من قبل داعش لتقوية موقف جبهة النصرة..
ـ أن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لمواجهة
داعش والحرب على الإرهاب كان مجرد إسم ولا أثر له حقيقي
على الأرض، فما قام به الروس في أسابيع لم تنجزه الولايات
المتحدة وحلفاؤها على مدى أكثر من سنة..
في السياسة، أصبح شرط رحيل الأسد أو تنحيه كمقدمة للحل
السياسي من الماضي. والكلام الذي يطرح حالياً يتراوح بين
الجدول الزمني والمرحلة الانتقالية من جهة وبين الحوار
السوري السوري للانتقال الى ترتيبات سياسية بين الحكومة
والمعارضة من بينها تشكيل حكومة وحدة وطنية ودستور جديد.
نجح الروس وحلفاؤهم الايرانيون في تثبيت النقاط التي
كانوا يصرّون عليها من بينها وحدة الاراضي السورية والمحافظة
على المؤسسات والجيش وحفظ الوحدة الوطنية والانتخابات
وعدم طرح شرط استبعاد الاسد..وكان التراجع هذه المرة من
جانب السعودية وقطر..
لقد لعب الروس دوراً محورياً في الميدان الروسي في
الآونة الأخيرة للدفاع عن مصالحهم وأمنهم القومي بدرجة
أساسية..
|