اليمن.. فيتنام السعودية!
فريد أيهم
بعد مرور ثمانية شهور على العدوان السعودي على اليمن
(بدأ العدوان في 26 مارس 2015)، توصّل المعتدون بكل أطيافهم
الى قناعة بعدم جدوى الخيار العسكري.. ولكّنه المأزق الذي
يجعلهم يواصلون العدوان حيث لا خيار لهم سواه.
على العكس، فإن وضع الجيش اليمني واللجان الشعبية يتحسّن
ميدانياً بصورة لافتة سواء في مأرب أو باب المندب أو مدينة
ذو باب الساحلية على البحر الأحمر غربي مدينة تعز، حيث
استعاد الجيش واللجان المبادرة، وأفشلوا محاولات التقدّم
في المحافظة. نشير الى أن الغالبية السكانية في تعز هي
من الفريق الرافض للمصالحة، أي حزب الاصلاح بقيادة عبد
المجيد الزنداني، ولذلك طلب المبعوث الدولي ولد الشيخ
من القيادة القطرية التدخّل للضغط على الإصلاح من أجل
قبول المصالحة. ولكن الأخير يرفض لأنه لن يكون ممثلاّ
في مفاوضات وقف العدوان، وربما في ترتيبات المرحلة المقبلة
لأن الأطراف الداخلية الممثلة في الأطراف المقترحة هي
أنصار الله وحزب المؤتمر الشعبي العام، فيما الإصلاح مصنّف
على المعسكر الآخر الذي تقوده السعودية، التي لديها حلفاؤها
وشركاؤها المفضّلين على الإصلاح..
في الوقت نفسه، فإن قادة الاصلاح هم من يدفعون السعوديين
الى مواصلة الحرب لأنهم سيخسروا في أي تسوية مقبلة، وسوف
يكونون مجرد ملحق الى جانب وفد حكومة بحاح المنبثقة من
اتفاق السلم والشراكة.
الجميع قرر الذهاب الى جنيف، بالرغم من تجاهل المبعوث
الدولي ولد الشيخ للنقاط السبع التي تمّ الاتفاق عليها
سابقاً، وهي النقاط التي يراد لها التخفيف من حدّة القرار
2216 والصادر تحت البند السابع في 16 إبريل 2015، ويطالب
القرار حركة أنصار الله بالقيام بعدد من الخطوات بصورة
عاجلة دون قيد أو شرط:
1 ـ الكف عن اللجوء للعنف
2 ـ سحب قواتهم من جميع المناطق التي سيطروا عليها
في وقت سابق، بما في ذلك العاصمة صنعاء
3 ـ الكف عن أعمال تعتبر من الصلاحيات الحصرية للحكومة
اليمنية الشرعية
4 ـ الامتناع عن أية استفزازات أو تهديدات للدول المجاورة،
بما في ذلك الاستيلاء على صواريخ أرض-أرض ومخازن أسلحة
تقع في مناطق محاذية للحدود أو داخل أراضي دولة مجاورة.
5 ـ الإفراج عن وزير الدفاع اليمني اللواء محمود الصبيحي
وجميع السجناء السياسيين والأشخاص الموجودين تحت الإقامة
الجبرية والموقوفين تعسفيا
6 ـالكف عن تجنيد الأطفال وتسريح جميع الأطفال في صفوف
قوات الحوثيين
ولكن هذه البنود كانت تتغاضى عن قرارات أممية سابقة
تؤكّد على ما تم الاتفاق عليه بين الفصائل اليمنية في
فندق موفنبيك في العاصمة صنعاء، واتفاق السلم والشراكة
ومخرجات الحوار الوطني. وبناء عليه، جرت مشاورات في سلطنة
عمان بمشاركة أطراف دولية أميركية وأوروبية وأخرى ممثلين
عن منصور هادي من جهة ومن أنصار الله وحزب المؤتمر من
جهة ثانية..وتمّ التوصل الى نقاط سبع وهي:
1 ـ الالتزام بتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة
بما فيها القرار 2216 من جميع الأطراف وفق آلية تنفيذية
يتم التوافق عليها، وبما لا يمس بالسيادة الوطنية مع
التحفظ على العقوبات الصادرة بحق المواطنين اليمنيين.
2- وقف دائم وشامل لإطلاق النار من جميع الأطراف
وانسحاب كل الجماعات والمليشيات المسلحة من المدن وفقاً
لآلية تؤدي إلى سد الفراغ الأمني والإداري ورفع الحصار
البري والبحري والجوي.
3- الاتفاق على رقابة محايدة على تنفيذ الآلية التي
سيتم الاتفاق عليها بإشراف الأمم المتحدة.
4- احترام القانون الإنساني الدولي وبالذات ما له
علاقة بحماية المدنيين وإطلاق سراح المعتقلين والمحتجزين
من كل الأطراف بمن فيهم من وردت أسماؤهم في قرار مجلس
الأمن، وتسهيل أعمال الإغاثة الإنسانية والسماح بدخول
كل البضائع التجارية والمواد الغذائية والطبية والمشتقات
النفطية وغيرها من المواد الأساسية بدون قيود.
5- عودة حكومة خالد بحاح لممارسة مهامها كحكومة تصريف
أعمال لفترة لا تتجاوز 90 يوماً يتم خلالها تشكيل حكومة
وحدة وطنية بما لا يتعارض مع الدستور.
6- استئناف وتسريع المفاوضات بين الأطراف اليمنية
التي تجري بوساطة الأمم المتحدة، وفقاً لقرار مجلس الأمن.
7- تلتزم كل الأطراف بتسليم السلاح الثقيل إلى الدولة
وفقاً لمخرجات الحوار الوطني الشامل.
لقد بدا واضحاً التناقضات في القرارات الدولية الخاصة
باليمن 2014 (2011)، 2051 (2012) و 2140 (2014)، وخصوصاً
تلك التي تقرّ باتفاق السلم والشراكة ومخرجات الحوار الوطني
الى جانب (المبادرة الخليجية) التي أصبحت منتهية الصلاحية
لأنها كانت تتعلق بمرحلة علي عبد الله صالح ونقل السلطة
الى منصور هادي لمدة عامين ونصف التي انتهت وأصبح هادي
رئيساً منتهي الصلاحية..
السعودية سعت الى حشد إمكانيات وقوات ضخمة لتوجيه ضربة
قوية قبل حلول موعد المفاوضات في جنيف التي جرى تأجيل
موعدها لإفساح المجال أمام التحالف السعودي لتحقيق منجز
ميداني يمكن توظيفه في المفاوضات.
جدير بالذكر أنه ليس هناك سوى عدد قليل من القوات السعودية
في اليمن فيما يجري الاعتماد على جنود أفارقة (السودان،
الصومال، تشاد، جيبوتي)..
هناك أسرى سعوديون وهذا ملف مؤجل الى جانب التعويضات
بفعل الدمار الذي تسبّب به الطيران الحربي السعودي.
مصير هادي سياسياً كان يلفّه الغموض منذ البداية، وقد
تنبّه أنصار الله الى ذلك مبكراً، ويتوقعوا تفجيره في
جنيف كأحد أوراق الضغط التي يراد استخدامها في مفاوضات
جنيف. نشير الى أن هناك من طرح في الكواليس مقايضة تقوم
على (هادي مقابل الأسد)، ولكن المقايضة رفضت بالمطلق من
جانب أنصار الله، لأنهم غير معنيين بأي صفقات ولا مقايضات
خارج حدود اليمن.
شروط الحوثيين منذ بداية العدوان السعودي على اليمن
كانت معروفة: وقف العدوان، وفك الحصار، والدخول في حوار
يمني يمني.
ماهو لافت بعد مرور ثمانية شهور على العدون السعودي
على اليمن أن صورة أنصار الله على المستوى العالمي هي
دون شك أفضل من قبل العدوان، وظهروا بمظهر حركة تحرير
وطنية ضد العدوان السعودي الذي بات في وضع سيء في العالم،
وليس هناك من ينظر اليه اليوم بكونه دولة تسعى لتطبيق
القانون أو استعادة الشرعية، بل دولة معتدية وترتكب جرائم
حرب وتقوم بتدمير البنى التحتية بدءاً من المطارات والجسور
والشوارع ومروراً بالمدارس والمستشفيات والأسواق والاستاد
الرياضي، وصولاً الى مضخات المياة ومحوّلات الكهرباء والمعامل
والمصانع والمناطق السكنيّة ولا يعبّر ذلك سوى عن أهداف
انتقامية من الشعب اليمني على ثورته من أجل الحرية والاستقلال..
سيناريوهات جنيف
الاتفاق على ضرورة الحل السياسي بات مؤكّداً، لاستناده
على معطيات صلبة:
ـ أن السعودية فشلت بعد 8 شهور في تحقيق أي منجز ميداني
يمكن صرفه سياسياً. وكل ما حققته العمليات الحربية الجوية
هو تدمير البنى التحتيّة وقتل الاطفال والمدنيين. وحتى
الجنوب وتحديداً (عدن وقاعدة العند)، فإن من غير الممكن
الحديث عن نصر عسكري بعد سيطرة القاعدة على هذه المناطق،
وعليه فإن الكلام عن متغيّر ميداني خلال الثمانية الشهور
من العدوان كمن لديه مليار دولار ولكنه مزوّر والطرف الآخر
يعرف أنه كذلك. والدليل على ذلك، أن خالد بحاح حاول تشكيل
حكمة انطلاقاً من عدن ولكّنه فشل وهرب عائداً الى الرياض
وسبقه هادي الى ذلك لأن الجنوب ليس خاضعاً تحت سيطرتهم
بل على العكس سقط في يد القاعدة. واليوم، تعتبر عدن من
أكثر المناطق خطورة على الإطلاق في اليمن. ولم يستطع قادة
التحالف تأمين أي منطقة في الجنوب لتكون منطلقاً لهم أو
مقرّاً لقيادتهم المشتركة، وفي عدن ترفع اليوم أعلام داعش
وليس بحاح ولا هادي ولا غيرهم. وأثبتت الوقائع الميدانية
أن القوة الوحيدة القادرة على مواجهة القاعدة هي أنصار
الله.
ـ أن استمرار الحرب لن يغيّر في المعادلات شيئاً حتى
لو طالت الحرب سنوات، لأن القوى على الأرض باتت ثابتة
ولا يمكن تغييرها بسهولة حتى لو تم إدخال المزيد من القوات
والعتاد.. بل أمكن القول بأن الجيش واللجان الشعبية اليوم
هو أقوى من اليوم الأول، ولا يزال يحقق تقدّماً عسكرياً
في المناطق الحدودية السعودية وقد يصل الى السيطرة على
محافظة عسير.
|