|
|
|
انتفاضة
فلسطينية ضد الصهاينة، وانتفاضة سعودية للتطبيع
معهم! |
فلسطين.. تسقط ورقة التوت السعودية
توفيق العباد
ليس السؤال ما إذا كان ما يجري في الضفة الغربية وداخل
الأراضي الفلسطينية المحتلة انتفاضة أم هبّة شعبية (فصائل
منظمة التحرير أرادتها هبّة لأن الانتفاضة تستبطن التزامات
سياسية وأخلاقية وأمنية واستراتيجية..)، ولكن السؤال أين
حكّام العرب من كل ذلك، بل أين آل سعود الذين أشبعوا إيران
سبّاً وأودت اسرائيل بفلسطين.
الضفة الغربية تشتعل وآل سعود يعقدون قمة عربية لاتينية
غاية ما تهدف اليه النيل من خصمهم المذهبي، ايران، حسب
فحوى تصريح لوزير الخارجية عادل الجبير.
المشهد اليوم هو على النحو التالي:
● انسداد في الأفق السياسي على المستوى الفلسطيني،
فلا مفاوضات مثمرة، ولا حل على أساس الدولتين أو حتى على
أساس اتفاق أوسلو، بل على العكس إن الشباب الذين يخرجون
في الشوارع هم الجيل الذي نشأ في ظل أوسلو، فالشهداء الذين
سقطوا هم في العشرينيات برغم من تزوير التاريخ والثقافة
وأوسلو وما بعده وهذا بحد ذاته يكفي للحكم على فشله.
نذكر هنا وصية الشهيدة رشا أحمد حامد عويسي (23 عاماً)
التي أطلق عليها الاحتلال الاسرائيلي النار على حاجز الياهو
في شمال شرق قلقيليا تقول فيها: «وهذا الطريق اخترته بكامل
وعيي دفاعاً عن وطني والشباب والبنات. لم أعد أحتمل ما
أرى».
● هناك ما يشبه إدارة ظهر عربي وإسلامي، فالجامعة
العربية تواصل سباتها وكأن ما يجري في فلسطين يقع في كوكب
آخر، وأما نظام السيسي فمشغول في تعزيز تدابير الاحتواء..
ثمة مميزات لهذه الانتفاضة:
1 ـ مشاركة كل الفلسطينيين، وحتى في مناطق 48، كانت
هناك تفاعلات (طعن، دهس لصهاينة).
2 ـ لا تقف خلف هذه الانتفاضة جماعات منظّمة، بل أكثرها
يعتمد مبادرات فردية ما يضعف القدرة الاستخبارية على التتبّع
والملاحقة الاستباقية..
3 ـ أنها أوصلت ما انقطع على مستوى النضال الفلسطيني،
وكأنها تأتي في سياق عملية مراكمة تاريخية ونضالية. وعليه،
فإن كل السياسات والاجراءات التي اتبعتها سلطات الاحتلال
الاسرائيلية وبالتعاون مع أجهزة السلطة الفلسطينية برئاسة
محمود عباس لجهة كي الوعي وإضعاف الشعور الوطني والقومي
والديني بالقضية الفلسطينية فشلت.
السيناريوهات:
1 ـ التصاعد والاتساع لتتحوّل انتفاضة شاملة، وذلك
يتطلب توقف الاجهزة الأمنية الفلسطينية التابعة للرئيس
محمود عباس عن ملاحقة الناشطين ووقف التعاون مع الأجهزة
الأمنية الصهيونية..
2 ـ الاستمرار بنفس الزخم الحالي، وهذا السيناريو هو
المرجّح حتى الآن ما لم يطرأ حدث إستثنائي يغّير في مسار
الانتفاضة باتجاه التصاعد أو الاحتواء..
3 ـ الاحتواء من قبل الاحتلال الاسرائيلي والسلطة الفلسطيني.
وفي حال تطوّرت قد تتدخل أطراف إقليمية (السعودية، تركيا،
مصر، قطر)، ودولية مثل الولايات المتحدة في سبيل الوصول
الى هدف الاحتواء. وقد مارست واشنطن ضغوطاً على الرئيس
محمود عباس بهدف التدخل لوقف الانتفاضة..
لحظنا كيف أن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو
خفّف من حدّة المواجهة ولجم المستوطنين الذين كانوا يتغلغون
وسط المتظاهرين واعتقالهم والاعتداء عليهم.
الانجازات التي حقّقتها الانتفاضة كثيرة
وأبرزها:
● أنها أعادت الى القضية الفلسطينية حيويتها
ومركزيتها، وذكّرت الشعوب العربية والاسلامية بأن ثمة
قضية أمة هي فلسطين، ولابد من إعادة توجيه البوصلة ناحية
القدس، التي تتعرض لتهويد ممنهج.
● أن الانتفاضة أعادت للجيل الجديد في الشعب
الفلسطيني ذاكرته وهويته، في ظل محاولات محو الهوية والذاكرة
معاً من خلال مشاريع التهويد للقدس ولفلسطين وفي ظل التجاهل
العربي الرسمي الذي يمارس تطبيعاً هادئاً ولكن بوتيرة
متسارعة..
المخاطر:
● زيادة وتيرة التنسيق الأمني الاسرائيلي ـ الفلسطيني
ما قد يمنح حكومة نتنياهو مكافأة مجانية في وقت يقدّم
الشباب الفلسطيني أرواحهم من أجل قضية أمة، وحق شعب.
● عزل الضفة الغربية عن القدس حيث يسعى الشاباك
الاسرائيلي الى تطويق ما يصفه بالعنف في القدس عن بقية
القطاع من خلال زيادة وتيرة التنسيق الامني بين الجانبين
الاسرائيلي والفلسطيني.
● حرق المراحل والانتقال من السياسي والسلمي
الى العسكري، والذي قد يخلط الأوراق ويؤدي الى مرحلة من
التصادم وتالياً الانقسام السياسي والشعبي..
إن أخطر بل وأسوأ ما كشفت عنه الانتفاضة الفلسطينية
هو غياب الحاضنة العربية والاسلامية. وبخلاف الانتفاضتين
السابقتين وكذلك الحروب العدوانية الاسرائيلية على قطاع
غزّة، فإن التفاعل على المستويين الشعبي والرسمي في العالمين
العربي والاسلامية أدنى مما هو متوقّع. فهناك تفاعل هامشي
وخجول للغاية مع الانتفاضة الفلسطينية، ويقابله صمت رسمي
عربي مخزي والسبب في ذلك يعود الى الانقسامات الشعبية
في العالمين العربي والاسلامي، وانهيار النظام الرسمي
العربي، ولابد من تحميل جانب من هذا التفاعل السلبي مع
الانتفاضة الفلسطينية لحركات المقاومة وعلى رأسها حماس
التي اختارت أن تراهن على السعودية وقطر كدولتين تآمرتا
على القضية الفلسطينية وكبّدتاها الكثير من الخسائر وعلى
رأسها ضمور المشاعر العربية والاسلامية إزاء فلسطين.
باستثناء التصريحات الباردة والروتينية التي تصدر عن
مجلس الوزراء السعودي إزاء ما يجري في فلسطين، لا شيء
جدّي تقوم به السعودية على الأرض.
في منتصف شهر أكتوبر الماضي تحدّث وزير الخارجية عادل
الجبير الى موفد صحيفة (معاريف) في الرياض وقال له بأن
على اسرائيل اغتنام الفرصة التي لا تزال سانحة، لتبني
«مبادرة السلام السعودية»، مشدّداً على أن هذه المبادرة
لا تزال مطروحة على الطاولة، رغم كل التطورات، في تجاوز
واضح للانتفاضة الشعبية في فلسطين.
الجبير التقى موفد صحيفة «معاريف» الإسرائيلية الخاص
إلى السعودية، الكاتب الصهيوني جدعون كوتس، الذي التقى
معه في الرياض، ونقل عنه أن السعودية ترى ملف الأزمة في
سورية أكثر إلحاحاً من القضية الفلسطينية.
وقال الجبير أيضا لموفد الصحيفة الإسرائيلية إنه في
الوضع الصعب القائم حاليًا (في فلسطين)، من المهم المبادرة
إلى خطوات للحد من التوتر، مُشددًا على أن بلاده ستستمر
في العمل من أجل السلام، لكن يجب، قبل كل شيء، معالجة
الأزمة في سورية وإرهاب تنظيم «داعش»، على حد تعبيره.
ولفتت الصحيفة إلى أن مصادر سعودية لم تنفِ للصحيفة
الكلام الصادر مؤخرًا عن وزير خارجية البحرين، خالد بن
أحمد آل خليفة، الذي يفيد بأن دول مجلس التعاون الخليجي
تدرس شراء منظومة «القبة الحديدية» التي تُنتجها إسرائيل،
عبر طرف ثالث، وذلك لمواجهة التهديدات الإيرانية.
الجبير الذي يتحدّث بلسان آل سعود يؤكّد حقائق ثابتة
في السياسة الخارجية السعودية وعلى رأسها:
1 ـ أن اسرائيل لم تعد عدوّاً للسعودية وأن الحديث
عن مبادرة السلام هو شأن عربي، أي مقاربة سعودية لحل الخلاف
الاسرائيلي العربي، وهي تلعب دور الوسيط.
2 ـ أن لا مشكلة للسعودية مع اسرائيل في التعاون العسكري،
وما تصريح وزير الخارجية البحريني حول شراء منظومة «القبة
الحديدية» من الكيان الاسرائيلي سوى موافقة سعودية على
الصفقة. فالوزير البحريني لا ينبس ببنت شفة دون الرجوع
الى الرياض لأخذ الموافقة في مثل هذه الموضوعات ذات الحساسية
العالية..
3 ـ أن النظام السعودي وبالرغم من التطوّرات المتسارعة
في فلسطين المحتلة وتصاعد الانتفاضة الشعبية في الضفة
الغربية ومناطق أخرى من فلسطين، فإنه يواصل تطبيعه مع
الكيان الاسرائيلي سواء عبر اللقاءات المباشرة في المؤتمرات
الأمنية والاستراتيجية في الغرب والولايات المتحدة، أو
عبر استقبال الموفدين الصحافيين والتجاريين في السعودية
أو في الخليج عموماً، في عملية تجاهل واضحة للانتفاضة
الفلسطينية وتالياً التخلي عن الالتزام بالقضية الفلسطينية
كقضية عربية واسلامية.
4 ـ إن النظام السعودي يمارس على المستويين السياسي
والاعلامي عملية تخدير واسعة النطاق لمشاعر العرب والمسلمين
إزاء القضية الفلسطينية، ولذلك يتعامل معها كما لو أنها
قضية منتهية ولم يعد لها وجود، وهي شأن القضايا الأخرى
لا تستحق سوى النظر اليها باعتبارها «مشكلة» لابد من حلها
وليس «حقاً» يجب انتزاعه.
|