اليمنيون يصفعون الرياض على أنفها
آل سعود يستغيثون في اليمن!
محمد قستي
كان الوسطاء الإقليميون والدوليون في غاية الصراحة
حين يتحدثّوا بلغة واحدة أن السعودية تعبت وتبحث عن منقذ.
الامارات نفذت بجلدها وسحبت أغلب جنودها وآلياتها قبل
أن ينقلب سحرها الفارغ على ساحرها الواهم.
المبادرة البريطانية سبقت مبادرات أخرى إقليمية، وعلى
وجه الخصوص عمانية. وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند
زار الرياض في 28 أكتوبر الماضي، والتقى نظيره السعودي
عادل الجبير، وأعلن الوزيران لأول مرة منذ بدء الحرب على
اليمن، عن مؤشرات لإنهاء العدوان. اختار الجبير التوسّل
بلغة المنتصر الوهمي بأن أهداف الحملة العسكرية على اليمن
«تحقّقت»، على أساس موافقة أنصار الله وحزب المؤتمر الشعبي
العام على قرار مجلس الأمن 2216، وأن «الشرعية باتت تسيطر
على معظم الأراضي اليمنية».
تصريح الجبير سبق مؤتمر جنيف الذي كان مقرّراً انعقاده
في منتصف نوفمبر الماضي ثم تأجّل الى نهاية نوفمبر وبقي
مفتوحاً الى حين تتأكد الرياض بأنها لن تخرج من مولد جنيف
بلا حمص. ولأن الطرف الآخر، أي أنصار الله والجيش اليمني
بقي متمسكاً بحق اليمنيين في الاستقلال والكرامة وعدم
التنازل عن أي حق من حقوق الشعب اليمني، واصلت الرياض
محاولات تحسين شروط التفاوض، ودخلت في رهان «معركة تعز»
في محاولة لكسب الوقت وورقة على طاولة المفاوضات..ولأن
مجلس الأمن والولايات المتحدة يعملان لصالح الرياض في
عدوانها، أعطيت مهلة إضافية كيما تجرّب حظّها مرة أخرى
لعلها تحسم في الدقائق الأخيرة ما عجزت عن حسمه في شهور
ثمانية.. فصار موعد مؤتمر جنيف مفتوحاً، ومصحوباً بتأجيل
وراء تأجيل.. والنتيجة هي صفر مكاسب.. ولكن كل المؤشرات
تفيد بأن الانتصار في تعز مكانه الأحلام فحسب.
مبعوث الأمم المتحدة اسماعيل ولد الشيخ تحوّل الى موفد
سعودي يجوب العواصم ويفاوض أنصار الله كما لو أنه ممثل
عن المصالح السعودية. جاء ولد الشيخ الى طهران وكان العرض
الذي تقدّم به في ايران وسلطنة عمان هو وقف اطلاق النار
مقابل انسحاب أنصار الله الى الحدود بين اليمن والسعودية،
مع إيجاد منطقة عازلة، ورفع تدريجي للحصار البحري، وبقاء
حكومة هادي في عدن.
بمرور الوقت، يفقد النظام السعودي القدرة على التأثير
في الموقف اليمني، وأن شروطه التي بدأ بها العداون تراجعت
تدريجياً، وهو اليوم يحاول الخروج بأقل الخسائر. فقد أوصل
محمد بن سلمان رسالة واضحة الى الوسيط العماني بأنه مستعد
لوقف الحرب على اليمن بشرطين: الانسحاب من الاراضي التي
يسيطر عليها أنصار الله واللجان الشعبية داخل حدود المملكة،
والآخر السماح بعودة حكومة هادي الى عدن وعدم التعرّض
لها..
ولكن العرض السعودي ليس كما يصوّره المحلل «مجتهد»
فالمعلومات تفيد بأن موفداً بريطانياً زار طهران عقب لقاء
عماني بريطاني وسعودي بريطاني بأن محمد بن نايف ومحمد
بن سلمان، باتا على استعداد تمام لإيقاف الحرب. الموفد
البريطاني طلب من الجانب الايراني مهلة زمنية لترتيب «وقف
مُشرّف» للنار. واشنطن بطبيعة الحال، في أجواء هذا العرض
الذي تمّ بالتوافق بينها وبين حليفتها المنهكة..
وكما كان الحال بالنسبة لغضب إلادارة الجمهورية بقيادة
الرئيس جورج بوش الإبن من الاسرائيليين في حرب تموز 2006
حين خاطبت كونداليزا رايس وزير الخارجية الاميركية الأسبق
حكومة إيهود أولمرت بأن «عدم كفائتكم تقتلنا»، توجّه اليوم
الادارة الديمقراطية بقيادة باراك أوباما للحليف السعودي
ذات الرسالة الغاضبة بأن أداءكم بالغ السوء وعقيم، خصوصاً
وقد منحوا الفرصة تلو الأخرى، والمهلة تلو أخرى لتحسين
أوضاعهم على الأرض ولكن بلا فائدة بل بدا أن حلفاء السعودية
على الأرض لا يملكون أي تأثير على الأرض. وكانت آخر المهل
التي طلبها السعوديون هي تعز وهي آخر الرهانات التي في
حال فشلها ستتوقف الحرب لا محالة، ولا تزال الرياض تواصل
الارتطام بجبال تعز، بعد فشلها في إحداث أي خرق ميداني
في مأرب. وفيما تراوح الآلة الحربية السعودية مكانها في
تعز يواصل مقاتلو أنصار الله واللجان الشعبية زحفهم في
عمق الأراضي السعودية..
البريطانيون طلبوا من الايرانيين تشجيع الحوثيين على
قبول وقف اطلاق النار والانسحاب من الاراضي السعودية مقابل
وعود باعتراف دولي بهم كقوة فاعلة في اليمن في مرحلة ما
بعد وقف اطلاق النار والدخول في التسويات السياسية.
تلقى الايرانيون عرضاً آخر من وسيط إماراتي وأبلغهم
بأن بلاده لم تكن تنوي الدخول في الحرب على اليمن، وأن
دخولها كان بهدف إرضاء الشقيقة الكبرى (السعودية) التي
تحالفت معها في الملف المصري واضطرت للاستمرار في هذا
التحالف برغم من أن البلدين افترقا بعد دخول السعودية
في عهد سلمان في مصالحة مع الاخوان المسلمين والتيار الديني
القريب منهم..أبلغ الاماراتيون الجانب الايراني نيتهم
الانسحاب من اليمن قبل التوصّل الى وقف لإطلاق النار في
بادرة حسن نيّة.
وكان آخر العروض السعودية جاء هذه المرة عبر سلطنة
عمان، التي كانت محطة رئيسية لوساطات عالية المستوى ولا
تزال هي المحطة المحورية للقاءات الأطراف اليمنية والسعودية
والدولية لجهة التحضير لمؤتمر جنيف والاتفاق على جدول
أعماله.
وعلى خلاف المرات السابقة، حين كان وزير الخارجية الايراني
محمد جود ظريف يستدرج لقاء مع نظيره السعودي، عادل الجبير،
فإن الأخير أرغم هذه المرة على طلب اللقاء عبر الوسيط
العماني، وهنا تبدأ رواية المصدر الخليجي رفيع المستوى
الذي نقل تفاصيل ما جرى..
في الخامس من نوفمبر الماضي، طار عادل الجبير الى سلطنة
عمان للقاء نظيره يوسف بن علوي في مهمة عاجلة ومحدّدة.
الجبير قال عقب اللقاء أنه بحث مع بن علوي «الوضع في سوريا
واليمن ووسائل تعزيز التعاون» بين الدول الست الأعضاء
في مجلس التعاون الخليجي. وكالة الأنباء العمانية أضافت
اليه أن «رؤية البلدين الشقيقين متوافقة فيما يتعلق بالأهداف
المرجوة بدعم الأمن والاستقرار بالمنطقة وكيفية الوصول
إلى أفضل وسيلة لتحقيقها». الجبير كتب تغريدة على حسابه
في تويتر بعد اللقاء بأن «النظرة واحدة بين المملكة وسلطنة
عُمان الشقيقة فيما ناقشناه من موضوعات اليوم، والرؤية
متوافقة فيما يتعلق بدعم الأمن والاستقرار في المنطقة».
نشير الى أن سلطنة عمان لا تشارك في التحالف السعودي
ضد اليمن، ولها قنوات مفتوحة مع الدولة السورية التي يرأسها
بشار الأسد، ولها مواقفها المستقلة في عدد من الملفات
الأساسية بما في ذلك مشروع الاتحاد الخليجي، والعلاقة
مع ايران..
حسناً، ولكن ثمة خلفية لزيارة الجبير الى السلطنة وطلب
الوساطة. فلم تكن زيارة بروتوكولية، ولم تأت في سياق تعزيز
العلاقات بين البلدين. وحقيقة الأمر كما تكشف عن ذلك مصادر
خليجية أن الجبير جاء لطلب وساطة عمّان لإقناع الجانب
الايراني باللقاء بين ظريف والجبير. بن علوي الذي كان
معنياً بمهمة الوساطة اقترح على الجبير بأن يبادر الى
طلب اللقاء بظريف على هامش الحوار الجاري في فيينا بين
الأطراف المعنيّة بالأزمة السورية..الجبير أصرّ على أن
تقوم سلطنة عمان بهذه المهمة وقال الجبير بأن وضع بلاده
في اليمن صعب ويتطلب تسوية سريعة، وأن بلاده على استعداد
لإجراء تفاهمات مع إيران في كل الملفات العالقة في المنطقة
بما في ذلك ملفي البحرين ولبنان. بن علوي أشار على الجبير
بأن يكون اللقاء في فيينا، فوافق الجبير، وفور وصوله الى
العاصمة النمساوية طلب لقاء مع ظريف فأعطاه ثمان دقائق
فقط، على أن يكون اللقاء شبه علني، أي ليس في غرفة مغلقة
ولا أمام وسائل الإعلام. وبالفعل التقى ظريف والجبير في
إحدى صالات مكان انعقاد اللقاء الدولي، وقد شاهد ذلك وزراء
خارجية الاردن وقطر وتركيا والعراق والكويت والامارات،
وكان بالنسبة لهم مشهداً مفاجئاً.
بادر الجبير بدعوة ظريف الى زيارة المملكة، ولكنه اعتذر
عن قبول الدعوة، بعد حادث منى وتجاهل السلطات السعودية
طلب ايران بالكشف عن أسباب وفاة المئات من الحجاج الايرانيين.
حاول الجبير استدراج دعوة من ظريف لأن يقوم هو بزيارة
ايران، وجاءت الاجابة سلبية أيضاً، وقال بأن ليس مرحباً
به في ايران قبل حسم ملف مأساة منى..
اضطر الجبير حينئذ لأن يبادر الى تقديم عرض لنظيره
الايراني بالتعاون لحلحلة كل الملفات الخلافية بين البلدين.
واقترح الجبير تشكيل لجنة لمتابعة الملفات. ظريف قابل
المقترح السعودي ببرود مقصود، وأعاد الكرة الى الملعب
السعودي بأن طلب بأن تبادر الرياض لإظهار جديّة في مقاربة
الملفات الخلافية وحينئذ يكون لكل حادث حديث، ولكن طالما
تصر السعودية على المراوغة وتجاهل الاستحقاقات المطلوبة
منها فلن تجد تجاوباً من طهران..
انتهى اللقاء، ووصلت رسالة أخرى الى ايران ولكن عبر
بريطانيا. كانت رسالة وزير الخارجية البريطاني هاموند
واضحة: السعوديون منهكون في اليمن، ويبحثون عن مخرج لائق
لإنهاء الحرب. المطلوب هو مساعدتهم على تحقيق رغبتهم،
أي المخرج اللائق.
الواقع الميداني تفيد بأن السعودية فشلت في تحقيق أهدافها
البعيدة والقريبة والمعلن منها والمستور، وإن استراتيجية
التدمير الشامل لم تحقق لها نصراً بل ستصبح عبئاً عليها
لأنها معنيّة حين تضع الحرب أوزارها بدفع تعويضات، وستفعل
ذلك رغماً عنها من أجل منع دخول دول أخرى مثل ايران والعراق
أو حتى روسيا والصين في اليمن في مرحلة الاعمار وبالتالي
خسارة أي فرصة محتملة للعودة الى اليمن..
الأمر الآخر، هو الفشل في تعزيز مواقع حلفائها في اليمن،
فقد أصبح الجنوب مرتعاً للقاعدة وداعش ولا مكان فيه لمنصور
هادي أو خالد بحّاح، ويكفي أن الجنوب لم يعد مكاناً مستقراً
وإلا لعادت إليه حكومة هادي والحياة الى طبيعتها، والأخطر
من ذلك كله أن «جيش الكبسه» ليس مؤهلاً لحماية الحدود
التي تتآكل تدريجياً، وتتساقط المواقع العسكرية والقرى
والبلدات الواحدة تلو الأخرى حتى بات خطر سقوط محافظات
بأكملها وارداً جداً..يضاف الى ذلك، أن التحالف السعودي
الذي زعم بأنه سوف يعيد الاستقرار والأمن في اليمن اليوم
هو أعجز من أن يقنع طفلاً في أي محافظة يمنية بهذه المزاعم،
بل على العكس هو اكتسب كراهية اليمنيين، كما أنه فشل في
أقناع الحليف الأميركي بأنه قادر على اقتلاع شوكه بيده
دون الاستعانة بصديق، وإن كان جورج قرداحي نفسه. وبعد
مرور أكثر من ثمانية شهور، يجد السعودي نفسه بلا مكاسب
وبلا أوراق ضغط يستخدمها لفرض إرادته، بل إن مواصلة الحرب
يعني المزيد من الخسائر الفادحة واستنزاف الفائض النقدي
الذي يتآكل بوتيرة سرعة، بما يجعلها عاجزة عن ضبط هذه
الوتيرة. وعلاوة على ذلك، فإن السعودية بعد مرور أكثر
من ثمانية شهور على عدوانها تبدو مصابة بالهون دونما معين
من العرب والعجم، وقد ترجم ذلك نفسه احباطاً وذهولاً لدى
جمهور السلطة حتى بات الكثيرون يتجاهلون ما يصيب النظام
من علل لما فعله بنفسه وما وعد به جمهوره وما ورّط به
المقرّبون منه حتى باتوا يدافعون عن غير قناعة عن عدوان
سافر على شعب مسالم لا يشكّل أدنى تهديد لجيرانه، سوى
رغبة الاستعلاء والوصاية لدى أهل الحكم في المملكة السعودية..
|