دولة الطبّالين
يُسجّل لآل سعود نجاحهم في خلق جوقة من الطبّالين متعددي
الجنسيات، ممن أتقنوا فن مسح الجوخ، وتبرير أفعال أهل
الحكم حقاً كانت أم باطلاً. هذه الجوقة باتت مسؤولة عن
«تعصيم» أولياء النعمة، فهم لا يخطؤون ولا تزلّ لهم قدم
ولو زالت الجبال، وهم (ظل الله في الأرض)، وإن كان أفراد
الجوقة ممن لا عهد له بدين أو تجربة إيمانية. عدّة التطبيل
جاهزة، وبكل الألحان، فهم قوميون عروبيون في مواجهة خصم
أعجمي، وهم وهابيون و»إخوان من طاع الله» في مواجهة من
عداهم من الجماعات بما في ذلك «الإخوان المسلمين»، وهم
سنّة في مقابل الشيعة...وهكذا
وثائق ويكيليكس المفرج عنها مؤخراً كشفت عن طرف من
سيرة الطبّالين الذين يستجدون المال الحرام في مقابل تقديم
وصلات مختارة في التطبيل، وفي الغالب تكون الوصلات معلبات
جاهزة تصل الى الطبّالين في هيئة توجيهات وما عليهم سوى
ترديدها، ويذكّرنا ذلك بقصيدة للشاعر الراحل نزار قباني
يقول فيها:
في بورصة الريال؟
جرائدٌ..
جرائدٌ..
تنتظر الزبون في ناصية الشارع،
كالبغايا..
تحولت نصوصنا الى سبايا
فكاتبٌ مدجنٌ..
وكاتبٌ مستأجرٌ..
وكاتبٌ يباع في المزاد
وصار للبترول في تاريخنا، نقاد؟
لا يبحث الحاكم في بلادنا،
عن مبدعٍ..
وإنما يبحث عن أجير..
هذا له زاويةٌ يوميةٌ..
هذا له عمود..
طريقة الركوع..
والسجود..
من بين الطبّالين من اشتهر بالتبجّح في الكتابة عن
سهراته مع هذا الأمير وذاك الشيخ في ديار النفط. لا تترقب
منه تقييماً متوازناً لمضيفيه، دع عنك الحديث عن الجوانب
الإيجابية والإخرى السلبية. فمن يلتقيهم يحظون بشهادة
من النوع الذي لا يليق سوى بالأولياء والعظماء والملائكة،
ولولا دواعي النفاق الحكيم لرفعهم مكاناً عليّاً، أي الى
العرش أو ما دونه بقليل..
أدمن أحدهم على تقديم مطالعات متكرّرة ومملّة حول علاقاته
بالأمراء منذ زمن بعيد.. ولا تتوقف الحكاية عند هذا الحد،
فهو يبتغي أمراً آخر. هو يوهم قارئيه بأنه يقدّم شهادة
عن قرب، أي شهادة واقعية. ولأنه الشاهد الوحيد، والراوي
الوحيد أيضاً، فله حق صنع الرواية واختيار الزوايا التي
يريد من القارىء أن ينظر اليها لهذا الأمير وذاك..
يقول هذا الـ «أحدهم» أنه التقى الأمير نايف، ولي العهد
وزير الداخلية الأسبق، وأمضى سهرة استثنائية معه حتى طلوع
الفجر. لا أعلم كيف يمضي المسؤول الأول عن الأمن سهرة
مسائية حتى الفجر ما لم يكن هناك ما يشوب هذه السهرة من
شوائب، خصوصاً وأن الشخص الذي التقاه ليس سوى مجرد كاتب
صحافي متهتك كما يعرفه المقرّبون منه.
بكلمات أخرى، ليس هو شخص من العيار الثقيل الذي يستحق
أن يخصّص له الأمير نايف وقتاً مفتوحاً ومن بعد منتصف
الليل حتى ساعات الفجر. الطريف أن هذا الـ «أحدهم» صار
يسرد على سامعيه فضائل الأمير نايف، ولم يكتف بذلك بل
كتبها، ولا أعلم كيف تمكّن هذا الـ «أحدهم» من الوقوف
على تلك الفضائل، وقد كان في سهرة مسائية معه.
مصيبة هذا الـ «أحدهم» أنه يتبرّع في كثير من الأحيان
للدفاع عن أنظمة خليجية محدّدة وخصوصاً السعودي والبحريني
والاماراتي. والمثير في الأمر أنه يتحدث في الغالب وكأنه
من أهل الدار، فينفي وطنية هذه الجمعية السياسية، ويشكّك
في صدقية ذاك الحزب. والمعادلة لديه ثابتة: تنزيه الأنظمة
وتبجيلها في مقابل تجريم المعارضة وتوصيمها.
تحدّث ذات عمود عن السعودية وصوّرها وكأن إفلاطون وجد
من يحيي نموذج دولته المثالية. وصفها بأنها «بلد مسالم»
في وقت يقود نظامها عدواناً وحشياً ومجنوناً على اليمن
الشقيق المسالم صدقاً لا زعماً، ولسوف يكتشف العالم كم
من الجرائم اقترفها النظام السعودي، بما لم يقترفه أي
نظام دموي في العالم كالنازية والفاشيّة والصهيونية..
ولأن هذا الـ «أحدهم» يقدّم نفسه خبيراً في الشؤون
السعودية وأنه يعرف عنها ما لا يعرفه أحد من قبل ومن بعد
ولا الآن ولا في المستقبل، ينظر الى كل من ينتقد النظام
السعودي بأنه جاهل ولا يعرف أهل الحكم كما يعرفهم هو.
وكي يثبت صحة دعواه لابد أن يتلطى وراء قصة من قصص «اللقاءات
النادرة» التي جرت بينه وبين أحد أعضاء آل سعود، فهو صديق
لنايف وسلمان وعبد الله وفهد وسلطان، وقد قالها صراحة
بأنه يعرف أبناء الملك عبد العزيز الآخرين قاطبة.. ولو
اجتهد قليلاً، فلربما صادق محمد بن سعود ومحمد بن عبد
الوهاب وهما تحت التراب!
كل ذلك ليس له أهمية سوى ما يتعلق بتقييمه لآل سعود،
وصدقية ما يقال عنهم وردّه على الانتقادات..الطريف أن
هذا الـ «أحدهم» ينقل عن «توماس فريدمان»، أي طبّال ينقل
عن طبّال آخر، في تمجيد الدولة السعودية وتمييزها عن دولة
داعش!
قد نتفّهم أن يرد هذا الـ «أحدهم» على كاتب أجنبي ربما
لم يزر السعودية، أو لم تكتمل المصادر لديه وخرج بتصوّر
منقوص عن هذا البلد، ولكن أن يرد على أهل الدار ممن عاشوا
ودرسوا وقرأوا وواكبوا وتواصلوا وكتبوا عن هذا البلد طيلة
أربعين عاماً فتلك أحجية محيّرة، خصوصاً وهو الذي غاية
ما يحصل عليه من معلومات هي مسافة الطريق من المطار الى
الفندق ثم لقائه بالأمراء في الأمسيات الخاصة، ولقائه
بعدد محدود ومختار من المثقفين والاعلاميين، فهل هذا كاف
لدراسة مجتمع وتياراته السياسية والثقافية وتطلعاته وتطوّراته
وتوقعاته.
الطريف أيضاً أن لديه مقياساً فريداً لنجاح أي دولة
عربية وهو عدد الحملات عليها، فكلما زادت الحملات زاد
نجاح الدولة. فها هو النظام السوري مثال أمامك، والحملات
عليه لا تتوقف في كل زوايا الأرض، فامنحه شهادة نجاح!
|