|
صراع المحمدين قائماً: إبن
سلمان يسطو على صلاحيات ابن نايف |
الصراع على السلطة في السعودية
عـواصـف حـول الـعـرش
(2-3)
عبد الوهاب فقي
ب ـ ثنائية الأحفاد
من الناحية التاريخية، لم تجر العادة في السيرة السعودية
على المجاهرة بالخلافات الداخلية أو السماح للإعلام بالنفاذ
الى العالم الخاص للأسرة المالكة وأسرارها. ولذلك، فإن
قراءة الخلافات تتم في الغالب من خلال السياسات المتباينة
والقرارات المتضاربة بين هذا الملك وذاك أو بين أمير وآخر
في مناصب سيادية أو في مواقع القرار.
والصراع لا يقتصر بالضرورة على مستويات عليا، فقد يندلع
الصراع على نطاق ضيق وفي مستويات متدنية، كما حصل بين
الأمير بندر بن سلطان وابن عمه الأمير تركي الفيصل، رئيس
الاستخبارات العامة الأسبق والسفير السعودي في لندن وواشنطن
سابقاً.
الاعلامي السعودي جمال خاشقجي المقرّب من تركي الفيصل،
كتب في صحيفة (الحياة) اللندنية والمملوكة للأمير خالد
بن سلطان عن نهاية عصر الرجل الواحد، ومثّل لذلك برجل
المخابرات الذي يعمل على تخريب البلدان وقال:
“من الخطأ معاندة قوة التاريخ بوهم
أن الأقوياء يستطيعون عقد الصفقات وتخطيط المستقبل بعيداً
من الشعوب التي سمحت انقساماتها وقلة خبرتها بالديموقراطية
في أن تعبث بها القوة المتماسكة محلياً وإقليمياً ودولياً،
إلا أنها لا تزال في حال سيولة وغليان أحياناً. إنها تعرف
ما تريد، ولكنها مرتبكة حياله، ولن تقبل بالتأكيد بفاتح
يأتيها على حصان أبيض، يقودها نحو فجر مشرق جديد... لقد
انتهى عصر الرجل الواحد»(1). وجاء المقال بعد تخلي
أوباما عن قرار الحرب على سوريا في إيلول (سبتمبر) عام
2013، والذي تسبب في إحباط الأمير بندر بن سلطان وتالياً
سحب ملف سوريا من يده وإعفائه من منصبه في وقت لاحق.
ديفيد هيرست، الكاتب البريطاني المعروف، وضع مقالة
خاشقجي في سياق النقد لدور بندر، وأن كثيراً من قرّاء
المقالة فهموها على هذا النحو . بالنسبة لهيرست، كمراقب
من الخارج، وفي ضوء معايير الصحافة السعودية، فإن المقالة
تعدّ مادة جريئة، وأنها تعكس التوتر بين الأمراء المتنافسين
في البيت السعودي وسياسات بندر وفريقه، بما يشمل وزير
الخارجية السابق سعود الفيصل(2).
وعلى مستويات عليا، يبدو مشهد الصراع على السلطة أشد
تعقيداً وإثارة، ويلفت الى جوهر الخلافات الداخلية، والى
أي حد يعمل كل جناح على تعزيز موقعه في معادلة السلطة.
في الصراع بين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان ثمة رواية
مثيرة للغاية. فقد لعب القدر لصالح الأمير محمد بن نايف
الذي لم يكن من الممكن، وفق ترتيبات انتقال السلطة في
العائلة المالكة، أن يتبوأ مقعداً في خطه الوارثة. وكان
إعفاء الأمير أحمد بن عبد العزيز من منصبه كوزير للداخلية
«بناء على طلبه» بأمر ملكي في 5 تشرين الثاني (نوفمبر)
2012، قد أزاح عقبة كؤودة من طريق محمد بن نايف نحو العرش.
فالخلاف المتجذّر بين محمد بن نايف وعمّه الأمير أحمد
يجعل من إمكانية حصول الأول على فرصة راجحة للوصول الى
السلطة شبه معدومة. وبقدر ما أثار قرار إعفاء الأمير أحمد
موجة جدل واسعة داخلياً وخارجياً، فإن تعيين محمد بن نايف
مكانه أشاع جوّاً من الارتياح لدى الدوائر الاميركية التي
وجدت فيه حليفاً موثوقاً يمكن التفاهم معه في المستقبل،
تأسيساً على تجربة التعاون والتنسيق بينهما في مكافحة
الارهاب ومحاربة القاعدة.
في المقلب الآخر، لم يكن الأمير محمد بن سلمان في عهد
الملك عبد الله مرشّحاً للعب أي دور محوري، ببساطة لأن
منصب ولي العهد لا يهب صاحبه صلاحيات واسعة. وقد صدر أمر
ملكي في 25 نيسان (إبريل) 2014، بتعيين محمد بن سلمان
وزير دولة وعضواً في مجلس الوزراء، بدلاً من عبدالعزيز
بن فهد، مفضياً إلى استبعاد آل فهد بالكامل من حلبة التنافس
على السلطة.
وما كان مقرّراً في مضامين الأوامر الملكية الصادرة
خلال عهد الملك عبد الله (2005 ـ 2015)، لجهة إفساح المجال
أمام نجله الأكبر متعب، وزير الحرس الوطني الحالي، لأن
يحجز مكاناً في خط الوراثة مع بقاء الأمير مقرن بن عبد
العزيز في منصبه ولياً للعهد كضمانة، تلاشى بصورة نهائية
وخاطفة فور إمساك سلمان بمقاليد السلطة.
لقد بدت التغييرات الكبيرة التي قام بها الملك عبد
الله في عهده غير ذات جدوى أمام سلطة الملك المطلقة، بحسب
مواد النظام الأساسي للحكم. على سبيل المثال، جاء الاعلان
عن تشكيل هيئة البيعة وعن منصب جديد «ولي ولي العهد» في
إطار محاولات الملك عبد الله لجهة تعديل موازين القوى
داخل العائلة المالكة. ولكن بدت هشاشة الهيئة واضحة في
مرحلة مبكرة بعد تجاوزات متكررة من الملك عبد الله نفسه
ولاحقاً الملك سلمان بتعيين نايف نائباً ثانياً ثم سلمان،
كما نقض الأخير نص الأمر الملكي الخاص بتعيين مقرن بن
عبد العزيز في منصب ولي ولي العهد، حيث أصدر أمراً ملكياً
بإعفائه من منصبه.
تجدر الاشارة الى أن الأمر الملكي الذي صدر عن الملك
عبد الله بتعيين الأمير مقرن في منصب ولي ولي العهد حدّث
عن «رغبة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز
آل سعود وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز
آل سعود ولي العهد..وتأييد ذلك بأغلبية كبيرة من أعضاء
هيئة البيعة تجاوزت الثلاثة أرباع» بحسب نص الأمر(3).
الا أن هذه الرغبة كما تأييد أغلبية أعضاء هيئة البيعة
لم تصمد طويلاً حين أصدر الملك سلمان أمراً ملكياً بإعفاء
الأمير مقرن بدعوى «بناء على طلبه»، وأن التأييد لتعيين
محمد بن نايف في منصب ولي العهد ونجله محمد بن سلمان في
منصب ولي ولي العهد جاء عبر القناة نفسها وبذات المزاعم
أيضاً كما ينص الأمر: «وبعد الاطلاع على تأييد الأغلبية
العظمى من أعضاء هيئة البيعة لاختيار سموه ليكون ولياً
لولي العهد»(4).
وبخلاف الأوامر الملكية الأخرى، فإن نص الأمر الملكي
الخاص بتكليف محمد بن سلمان بمناصبه الجديدة أخذ طابعاً
دفاعياً، وكأنه يحمل في طيّاته إجابات على أسئلة متداولة
في الشارع وحتى داخل الأسرة المالكة، ولاسيما البعد القرابي.
يقول النص:
|
|
الأمير أحمد.. الإزاحة عن السلطة |
«نظراً لما يتطلبه ذلك الاختيار من تقديم
المصالح العليا للدولة على أي اعتبار آخر، ولما يتصف به
صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز
من قدرات كبيرة - ولله الحمد - والتي اتضحت للجميع من
خلال كافة الأعمال والمهام التي أنيطت به، وتمكن - بتوفيق
من الله - من أدائها على الوجه الأمثل، ولما يتمتع به
سموه من صفات أهّلته لهذا المنصب، وأنه - بحول الله -
قادر على النهوض بالمسؤوليات الجسيمة التي يتطلبها هذا
المنصب، وبناء على ما يقتضيه تحقيق المقاصد الشرعية، بما
في ذلك انتقال السلطة وسلاسة تداولها على الوجه الشرعي
وبمن تتوافر فيه الصفات المنصوص عليها في النظام الأساسي
للحكم، فإن سموه يرشح سمو الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز
ليكون ولياً لولي العهد»(5).
لم يخبر الأمر الملكي عن طبيعة المهمات الجسّام التي
تحمّلها محمد بن سلمان في السابق، ولكنّها على ما يبدو
لغة مطلوبة لتبرير قرار خطير من هذا القبيل.
ومع استقرار معادلة السلطة على أساس المقاسمة المتكافئة
بين المحمدين، يعاد مشهد ثنائية السلطة التي طبعت سيرة
الحكم السعودية منذ موت المؤسس، وقدّر لها أن تنتقل من
أبنائه الى أحفاده. فقد ظهرت علامات الخصومة بين المحمدين
في وقت مبكر، برغم من أن حجم السلطة لدى كلا الأميرين
غير مسبوق في تاريخ العائلة المالكة، باستثناء الملوك.
يستحضر محمد بن سلمان عقدة العمر في العائلة المالكة.
وينقل أحد زوّاره عنه قوله أنه لا يتوقع أن يصبح ملكاً
حتى يصبح في سن 55 عاماً أي في عمر ابن عمه محمد بن نايف(6).
يمكن أن نلتقط هذه الاشارة للقول بأن الحديث عن خلافات
محمد بن سلمان ومحمد بن نايف يستوجب حذراً شديداً، لأن
ليس كل ما ينقل في الإعلام يستند الى معطيات واقعية. في
الوقت نفسه، لابد أن تلفت بعض المواقف والتصريحات وكذلك
التعيينات والاعفاءات الى تباينات في مستوى وآخر في السلطة.
على سبيل المثال، وضعت مأساة التدافع في منى خلال موسم
الحج لعام 1436/2015، والتي راح ضحيتها آلاف من الحجاج،
في سياق الصراع على السلطة بين محمد بن نايف، الذي يتولى
رئاسة اللجنة العليا للحج، ومحمد بن سلمان. على أية حال،
فإن وقوع مثل الحوادث المأساوية يضنّف غالباً في خانة
الاخفاقات الأمنية، وإن لم يتم المحاسبة عليها في العلن.
قد يستغل خصوم محمد بن نايف الحادثة للتصويب على أدائه
في إدارة ملف الحج، وكذلك ملف الأمن في حال وقوع هجمات
إرهابية، وكذلك الحال بالنسبة للأمير محمد بن سلمان، ولكن
المساحة المتاحة لكل طرف باستغلال هذه الحوادث لتسجيل
مواقف أو زحزحة مواقع تبقى رهينة موازين قوى داخلية وأيضاً
إرادة الملك وبقية الفاعلين الكبار في العائلة المالكة.
وبصورة عامة، ليس من مصلحة أي أمير، وإلى أي جناح ينتمي،
أن تسود الفوضى في المملكة، لأن الخسارة سوف تكون حينذاك
من نصيب الجميع. ولكن هذه الخلفية قد تكون أقوى لدى الجيل
الأول منه لدى الجيل الثاني الذي لم يشهد متاعب وتحديات
التأسيس بل عاش نعيم السلطة ومغانمها فحسب.
من الضروري أيضاً الإشارة الى أن التنافس بين محمد
بن نايف ومحمد بن سلمان يزيد في تعقيد المشهد السياسي
في المملكة. فقد تراجع دور محمد بن نايف الذي يرأس اللجنة
السياسة والأمنية لصالح الأمير محمد بن سلمان الذي تحوّل
الى اللاعب السياسي الأقوى في البلاد، وهو من يدير فعلياً
السياسة الخارجية، فيما يقتصر دور محمد بن نايف على القطاع
الأمني حصرياً، وهو المجال الذي برع فيه من خلال مواجهة
النشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الانسان الى جانب
علاقاته القديمة والعميقة مع المؤسسات الأمنية الكبرى
في الولايات المتحدة.
على أية حال، فإن العلاقة المتميّزة مع الولايات المتحدة
لا تمنح أي من حلفائها في العائلة المالكة ضمانة أكيدة
على دعمها له في كل الأزمنة. وبالتأكيد، حين نقارن بين
إنجازات بندر بن سلطان في إطار تعزيز التعاون الشامل بين
واشنطن والرياض وما قدّمه محمد بن نايف سوف يصبح مجحفاً
مجرد المقارنة، ولكن كانت الإدارة الأميركية على استعداد
للتخلي عن حليف استراتيجي وعريق وخدم الولايات المتحدة
أكثر مما خدمه أركان كبار في الإدارات الأميركية المتعاقبة
منذ عهد الرئيس رونالد ريغان وصولاً الى الرئيس أوباما.
ولذلك، فإن التعويل على مجرد كون محمد بن نايف حليفاً
مأموناً للولايات المتحدة لا يجعله ضامناً للعرش على الدوام.
فالواقعية السياسية قد تفرض قوانينها أحياناً كثيرة.
ينقل ديفيد إغناتيوس كيف أن المسؤولين الأميركيين كانوا
متحمّسين للقاء ولي ولي العهد الشاب، ولكنهم كانوا قلقين
من أن محمد بن سلمان، والمعروف باختصار (MBS) أن يكون
في حالة تحدٍ مع محمد بن نايف، والذي ينظر إليه في واشنطن
بكونه حليفاً موثوقاً في مواجهة القاعدة(7).
قلّة نادرة من ملفات السياسة الخارجية المنوطة بالأمير
محمد بن نايف، باستثناء ملف البحرين الذي ورثه من والده،
إذ كان مسؤولاً مباشراً عنه، تماماً كما ورث محمد بن سلمان
ملف اليمن من والده، وزير الدفاع السابق.
على أية حال، فإن ثمة ملفات تغذّي الخلاف والصراع بين
المحمدين ومن بينها الحرب على اليمن التي يقودها محمد
بن سلمان. تجدر الاشارة الى أن الأخير يعد أصغر وزير دفاع
في العالم وقت تعيينه في هذا المنصب، ومع ذلك قاد حرباً
بعد شهرين من تعيينه، فكانت مغامرة غير مسبوقة..
لاريب أن اخفاق بن سلمان في الحرب على اليمن، وإخفاق
بن نايف في إدارة شؤون الحج أو حتى الاخفاق في المجال
الأمني بسبب تكرار الحوادث الارهابية يزيد من فرص الصراع
على السلطة بين أركان الحكم. وقد يجد الطرف القوي، خصوصاً
محمد بن سلمان الذي يستند الى قوة والده الملك كونه يمسك
بمقاليد السلطة كاملة بحسب مواد النظام الأساسي للحكم
الصادر في مارس 1992، في فشل منافسه محمد بن نايف فرصة
للضغط من أجل إزاحته من الطريق الموصلة الى العرش، ولكن
يبقى هذا الأمر محفوفاً بمخاطر جمّة تتعلق بمصير السلطة
وحدةً واستقراراً.
ثمة تباين في الطبائع الشخصية لدى بن نايف وبن سلمان،
وبحسب س.هندرسون: «فالأمير محمد بن نايف المعروف باقتضابه
في الكلام، هو المفضل بالنسبة لواشنطن بسبب تعاونه في
مكافحة الإرهاب؛ ويعكس أحياناً شخصية مكتئبة مقارنة بالأمير
محمد بن سلمان المندفع والواثق من نفسه..»..يضيف هندرسون
الى ذلك بعداً جديداً في خلاف الرجلين، فبرغم مما يظهره
من احترام لابن عمه، إلا أن محمد بن سلمان بدا مستخفاً
به ومثّل لذلك بالصورة الرسمية للإجتماع الذي ترأسه الأمير
محمد بن نايف في مكة المكرمة بعد وقوع كارثة تدافع الحج
لعام 1436/2015، حيث ظهر محمد بن سلمان وهو يقرأ مجلة.
الكلام عن دور محمد بن سلمان في ترتيبات السلطة قبل
وفاة الملك عبد الله كان رائجاً. وقيل بأنه خطّط لخطوات
انتقال السلطة بعناية في الاسابيع التي سبقت وفاة الملك
عبد الله في 23 يناير 2015 ، ونفّذها بسرعة لضبط الاحتجاجات
داخل العائلة المالكة(8).
سرعة استحواذ محمد بن سلمان على مواقع حساسة في الدولة
تثير شكوكاً وهواجس لدى غريمه محمد بن نايف ولدى عشرات
الأمراء الذين يرون بأنهم تعرّضوا لعملية إقصاء متعمّدة
وكيدية من قبل الملك سلمان، وإن تصرّف محمد بن سلمان على
أساس أنه الملك الفعلي يثير توتّراً وسط العائلة المالكة..يبقى
أن الأخير لم يصل الى مرحلة يكون فيها قادراً على التخلّص
من محمد بن نايف المدعوم أميركياً ولا يزال يحظى بتأييد
قطاع وازن من مسؤولي الداخلية، تماماً كما كان الحال بالنسبة
للملك عبد الله الذي لم يقدر على إزاحة ولي عهده حينذاك،
سلمان، تحت أي ذريعة بما في ذلك الوضع الصحي..
|
|
هل يفضل الأميركيون إبن نايف MBN للحكم أم إبن
سلمان MBS؟ |
مناصرو محمد بن سلمان يرون فيه رجل التغيير القادم
في المملكة التي هي بحاجة الى شخص شاب مثابر طموح بعد
معاناة مع كبار السن، القادة الدفاعيين. الأمير الشاب
يلح على تنويع القاعدة الاقتصادية، والمزيد من الخصخصة،
ومستقبل يقترب من نموذج الانفتاح على غرار الامارات العربية
المتحدة وليس الأسرة المحافظة لآل سعود. ينقل عنه أنه
طلب من شركات استشارية أميركية لوضع خطط تحديثية. وبحسب
مسؤول أميركي رفيع التقى محمد بن سلمان يقول «رؤيته مثيرة
للإعجاب بشكل كبير في مجالها، وتفاصيلها، ووتيرتها»(9).
كان نجاحه في اقتناص فرصة الجدل الدائر حول الأرض التي
يشارك عليها المنتخب السعودي لكرة القدم أمام المنتخب
الفلسطيني والتي هدّدت بعقوبة الفيفا لاتحاد كرة القدم
السعودي حيث أنقذ محمد بن سلمان الموقف باتصاله برئيس
السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن في 3 تشرين الثاني
(نوفمبر) 2015 واتفقا على نقل المباراة الى عمان ما ضاعف
شعبيته وسط جمهور المشجّعين لكرة القدم. كانت تلك إشارة
إضافية على أن محمد بن سلمان يمارس سلطة مطلقة تجعله قادراً
على اكتساب شعبية من ورائها.
ولكن في المقابل هناك من ينتقد أدائه ويصفونه بالمتسّرع
وعديم الخبرة، وأنه خاض حرباً مكلفة وفاشلة في اليمن.
ويجادل هؤلاء المعارضون بأن الحرب على اليمن ساهمت في
تقوية موقف القاعدة هناك وجلبت ضغطاً جديداً من اللائجين
والمعارضين على الحدود السعودية.
بعد لقاء القمة الذي جمع سلمان وأوباما بحضور محمد
بن سلمان في 4 أيلول (سبتمبر) 2015، كتب ديفيد إغناتيوس
مقالاً بعنوان (الإبن الذي سوف يكون ملك السعوديين)، وكان
يشير الى محمد بن سلمان. من وجهة نظر إغناتيوس القريب
من البيت الأبيض، أن محمد بن سلمان قدّم مطالعة شخصية
لتقوية «الشراكة الاستراتيجية» التي يمكن أن تنعكس في
تعزيز الروابط التجارية والاقتصادية خارج الدور التقليدي
للمملكة كمصدر للنفط.
المراقبون، بحسب اغناتيوس، يتوقّعون بأنه طالما أجرى
الملك سلمان تغييراً في عملية الوراثة بإزاحة الأمير مقرن،
فإنه يمكن أن يقوم بخطوة مماثلة لصالح إبنه محمد. وبحسب
مسؤول عربي بارز عندما سئل عن محمد بن سلمان قال: «دعونا
نواجه الحقيقة..إنه نجل الملك، وهناك فرص قوية بأنه سيعتلي
عرش المملكة خلفاً لأبيه، وكلما طال عمر الملك سلمان،
كلما ازدادت فرص محمد بن سلمان لاعتلاء العرش في المرحلة
المقبلة»، ويردف المسؤول مستحثاً الولايات المتحدة لمجاراة
بعض دول الخليج وبعض الدول الأوروبية لغرس فكرة اعتلاء
نجل الملك لعرش المملكة خلفاً لأبيه في المستقبل. ويضيف
المسؤول العربي «لا تقلقوا كثيراً، استثمروا في محمد بن
سلمان، تعرّفوا عليه كما فعلتم مع محمد بن نايف، خذوه
إلى وول ستريت وإلى وادي السليكون، بيّنوا له بأنكم مهمتون
به».
نقل اغناتيوس عن اتجاه آخر في الادارة الاميركية يرفض
الدخول على خط وراثة العرش «يعتقد بعض المسؤولين الكبار
بأن أي تدخل أمريكي حتى ولو على مستوى طفيف في هذا النطاق
قد يأتي بنتائج عكسية، بينما يرى آخرون بأن نسبة المخاطرة
والمكافأة عالية مع محمد بن سلمان؛ فالفوائد المحتملة
التي قد تنجم عن اعتلاءه العرش هي هائلة، بالنظر إلى وجود
عاهل سعودي شاب وديناميكي، يُقال بأنه يسعى للتحرك باتجاه
تحديث المملكة على غرار دولة الإمارات العربية المتحدة».
يعتقد اغناتيوس بأن المسؤولين السعوديين لم يطلبوا
رأي واشنطن في موضوع الخلافة في المملكة، وإن كان هناك
شعور بأنهم قد يقدمون على ذلك مستقبلاً، وعليها أن تستعد
لذلك سلباً أو إيجاباً(10).
قد يكون شق قناة حوار فاعل مع موسكو من قبل محمد بن
سلمان وبغطاء من أبيه الملك يحمل دلالة ما مهمة، وكذلك
لقائه آواخر تموز (يوليو) 2015 مع مسؤول أمن الدولة في
سوريا اللواء علي مملوك في الرياض وبوساطة روسية له معنى
ما حيث طرح «فكرة بقاء الأسد في السلطة مقابل تخليه عن
ايران وحزب الله». ولكن مثل هذا العرض فشل ودفعت الرياض
نحو المزيد من التصلّب في المواقف في الملف السوري وانعكس
مباشرة على مسار حوارها مع موسكو..
البيان المشترك الصادر عن البيت الأبيض حول اللقاء
والإشادة بالعلاقة الدائمة حمل دلالات معينة، وأهمها الفقرة
الاخيرة من البيان والاشارة الى الدور المستقبلي للأمير
محمد بن سلمان في فتح الآفاق المستقبلية للشراكة الاستراتيجية.
مهما يكن، فقد تزايدت التوترات الداخلية بعد أيام من
عودة سلمان وإبنه من واشنطن، حين أصدر الملك، وبإلحاح
من إبنه محمد بن سلمان، أمراً ملكياً في 10 إيلول (سبتمبر)
2015 بإعفاء سعد بن خالد بن سعد الله الجبري وزير الدولة
وعضو مجلس الوزراء من منصبه. وكان الجبري عضواً في اللجنة
السياسية والأمنية ويعد شخصية مقرّبة من محمد بن نايف،
وأمضى سنوات طويلة في وزارة الداخلية كمستشار أمني، وهو
من طلب ترقيته للوزارة، ثم أصبح الذراع الأيمن للأمير
محمد بن نايف. وكان الجبري مسؤولاً عن متابعة الملف الأمني
والاستخباري الخاص باليمن، وقدّم معطيات له حول مسار الحرب
تتعارض مع ما كان يقدّمه فريق محمد بن سلمان الأمر الذي
دفع الأخير لطلب إعفائه..
أثار إعفاء الجبري قلق الحكومات الغربية والإدارة الأميركية
بوصفه واحداً من أهم رجالات الاستخبارات السعودية الذين
كانوا على صلة بالغرب. ويقال بأن الجبري أثار أسئلة حول
تكتيكات محمد بن سلمان في الحرب خشية أن تكون القاعدة
تتنامى بقوة هناك(11).
وبحسب ديفيد أوتاوي أن واشنطن لديها سبباً وجيهاً للنظر
باهتمام الى محمد بن نايف: «فالأمير ليس فقط من الجيل
الشاب، ولكنّه كان مهندس الحملة السعودية الناجحة في منتصف
العقد الأول من الالفية الثالثة لتقويض القاعدة في المملكة.
كما أصبح بطل العائلة بعد هجوم إرهابي ضده داخل قصره في
أغسطس 2009، والتي نجا منها باستثناء جروح طفيفة(12)،
بحسب ديفيد أوتاواي.
زيارة محمد بن نايف الى واشنطن في يناير 2013 وإجرائه
لقاءات مستقلة ومثمرة مع كل من الرئيس أوباما ووزيرة الخارجية
هيلاري كلينتون ورئيس مجلس الأمن القومي توم دونيلون وعدد
آخر من كبار المسؤولين في الادارة الأميركية خلقت انطباعاً
لدى الكثير من المراقبين كما المواطنين بأن محمد بن نايف
هو الشخصية الأثيرة لدى واشنطن. ولذلك، فسّر المراقبون
إعفاء الجبري من منصبه بأنه محاولة لتجريد بن نايف من
مصادر قوته الرئيسة. يقال بأن تحقيقاً سريّاً أجراه فريق
يقوده محمد بن نايف، وقد يكون الجبري هو من يدير الفريق،
حول الأخطاء في حرب اليمن.
في السياق نفسه، وبخلاف أولياء العهد السابقين، فإن
محمد بن نايف لم يحصل سوى على امتيازات ضئيلة للديوان
المخصص لولي العهد، وإن عليه الاعتماد بصورة أو أخرى على
محمد بن سلمان، الذي يتحكم في شؤون القصر.
بات الحديث عن قفز الأمير محمد بن سلمان إلى العرش
متخطّياً ابن عمه محمد بن نايف رائجاً. وهناك من حدّد
وقتاً للقيام بخطوة من هذا القبيل، والبعض حصرها في مرحلة
ما بعد انتهاء موسم الحج لعام 1436هـ/2015 بأمر ملكي من
والده وتعيين نفسه ولياً للعهد. لكن في المقابل، ينظر
الأمراء الى هذه الخطوة على أنها مغامرة مع أنهم لم يستبعدوا
حصولها. يتفق كثيرون منهم على أن خطوة من هذا القبيل سوف
تفجر ثورة داخل العائلة المالكة، وقد تكون سبباً لدفع
الأمير أحمد للقيام بعمل ما وتولي السلطة.
إن تقاليد الحكم السعودي تقتضي وجود توافق من نوع ما
داخل الاسرة المالكة من أجل ضمان استقرار موقع القيادة.
وربما هذا ما يحول دون القيام بخطوة جريئة تفضي الى تجاوز
كبار الأمراء وتتويج محمد بن سلمان ملكاً دون المرور بسلسلة
معقّدة من الترتيبات والتسويات دخل الاسرة للحيلولة دون
وقوع انقسامات واصطفافات تؤدي الى تصدّع وحدة الأسرة والسلطة.
وعلى حد جاين كينيمونت، نائبة رئيس برنامج الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا في تشاتام هوس، وهو مركز دراسات استراتيجية
في لندن، بأنه «على الرغم من كونه نظاماً سياسياً تسلّطياً،
الا أن عليه أن يصل الى درجة من الاجماع داخل النخبة الحاكمة»(13).
اعتصام الملك عبد الله ومن بعده الملك سلمان بـ «هيئة
البيعة» لتمرير قرارات وإن لم يتم الرجوع اليها، أي الهيئة،
مع كونها من صميم صلاحياتها أكّد على الحاجة للإجماع داخل
الأسرة، لما ترمز إليه الهيئة كإطار جامع يمكن اللجوء
إليه لإضفاء مشروعية على قرارات مصيرية قد يقدم عليها
الملك. على أية حال، تبقى «هيئة البيعة» أمام تحديات تتعلق
بدورها وصلاحياتها التي قد تبرز في مرحلة لاحقة لحسم أي
خلاف حول توارث العرش وتقاسم السلطة بين الأجنحة، خصوصاً
في غياب شخصيات كاريزمية أو ذات نفوذ معنوي أو حتى مادي
داخل الأسرة. ومن غير المستبعد أن تلعب الهيئة دوراً محورياً
في مرحلة ما بعد رحيل الملك سلمان، إذ سوف تبرز الحاجة
بصورة أكبر وأكثر من أي وقت مضى للإجماع داخل الإسرة.
|
|
الملك سلمان منح ابنه محمد فرصة السيطرة على كامل
مؤسسات الدولة |
إن تركيز السلطة في يد قلة من أمراء الأسرة، والانتقال
من حكم العصبة/ الجناح الى حكم البيت/ الشخص أو من قبيل
واحد، يعني حصول تبدّل جوهري في مراكز القوى وتلاشي خارطة
التحالفات القديمة، وبروز تحدّيات جديدة نتيجة التهميش
الواسع لعدد كبير من الأفراد والذي لن يصمد طويلاً ولن
يصمت عليه بقية الأمراء الى أجل غير مسمى.
هناك من يقلل من شأن الحديث عن مخطط لدى محمد بن سلمان
لإزاحة ولي العهد وتعيين نفسه الأول في خط العرش.. وبحسب
كوتش من مركز الخليج للأبحاث «لا بد من التذكير بأن العائلة
المالكة كبيرة وإن أي شخص يريد فرض سلطته بحاجة لأن يكون
قادراً على تحصيل إجماع واسع من داخلها، وعليه فإن الآراء،
التي تروج حالياً، بأن محمد بن سلمان يحضّر لانقلاب هي
غير واقعية»(14).
ما يؤمّله المراقبون والمناصرون للدولة السعودية بأن
تأتي المتغيّرات في بنية السلطة خصوصاً نقل السلطة الى
الجيل الثاني متزامنة مع تغييرات في النظام السياسي نفسه
بأن يكون استيعابياً بدرجة أكبر عبر زيادة الحقوق المدنية،
وإدماج المرأة. ولكن هذا لم يحصل، بل المؤشرات تفيد عكس
ذلك تماماً. وقد قام الملك سلمان بخطوات لترضية المحافظين
الدينيين بما يشمل إعادة السلطة الى الشرطة الدينية الرجعية(15).
في لقائه بالمثقفين والاعلاميين، كرّر الملك سلمان
«الكتاب والسنّة» ثلاث مرات: «يجب أن
يكون إعلامنا دائماً كما نحن سائرون على نهج الكتاب والسنة
الذي قامت عليه هذه الدولة»، «المملكة تشكل الجزء الأكبر
من الجزيرة العربية، هي منطلق العرب وبالتالي المنطلق
للكتاب والسنة»، «أن هذه الدولة التي نحن فيها الآن عندما
أقامها عبدالعزيز وتبعه أبناؤه سعود وفيصل وخالد وفهد
وعبدالله قامت على الكتاب والسنة هذه الدولة”(16).
ليس من تفسير متاح لزيادة الجرعة الدينية في كلمة الملك
سلمان المقتضبة سوى نزوعه نحو توكيد العلاقة الوثيقة مع
المؤسسة الدينية، واستبعاد أي عبارة تتعلق بالإصلاحات
على أي مستوى، سياسياً كان أم اجتماعياً. كانت كلمته بمثابة
درس في الدولة الدينية ليس إلا، وهذا ما أراد أيصاله للصديق
والعدو في الداخل والخارج. ويذكّر ذلك بالازدواجية التي
يعتمدها بعض الأمراء المصنّفين على يسار العائلة المالكة.
فبرغم اعجابه بالجنرالات والجواسيس الاميركيين الا
أن الأمير نايف بن عبد العزيز، ولي العهد ووزير الداخلية
الأسبق، شنّ حرباً ضد الإصلاحيين الليبراليين في وقت متزامن
مع حربه ضد الارهابيين. وبالتالي، فإن العلاقة الوثيقة
مع المؤسسة الدينية لا تجعل من الملك محافظاً، ولا العلاقة
الحميمة مع الولايات المتحدة تحيله إصلاحياً، لأن ضرورات
المصالح السياسية تتفوق لدى ملوك آل سعود على مبادىء العلاقة.
جـ ـ الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية
المحلية
فيما يتركّز اهتمام العائلة المالكة على النزاع الداخلي
الكامن بين الجيل الشاب والمهمّش من الأمراء، فإن المملكة
تواجه في الوقت نفسه تحدّيات داخلية اقتصادية واجتماعية
بما في ذلك الفقر المتصاعد، والبطالة المرتفعة، والتعليم
الرديء، والانتهاكات الحقوقية، وأيديولوجية التطرّف المنتشرة(17).
السعودية تواجه بطالة عالية بين الشباب، واقتصادها
يتراجع بفعل انخفاض اسعار النفط. التعليم هو تحد خطير
آخر. فالتعليم التقليدي لم يعد يؤهل الشباب للتنافس على
الوظائف في اقتصاد عالمي حديث، وترك الكثير منهم في حالة
احباط، واغتراب، وبدون إحساس بالوحدة الوطنية أو الولاء
العميق للأسرة المالكة. بعض هؤلاء الشباب اتجهوا الى «الجهاد»
والارهاب كرد فعل على حالة الاحباط على مستويات عدة اجتماعية
وثقافية وسياسية واقتصادية. والبعض الآخر الذي لم يفد
من الرفاه الاقتصادي وليس لديه صوت في إدارة البلاد قد
يبدأ يشجّع على الاصلاح السياسي.
وبرغم من مستوى الثقة المرتفع لدى العائلة المالكة
المصاحب لحالة انكار مفتعلة إزاء المشكلات الملحّة الاقتصادية
والمعيشية، فإن ثمة معطيات واقعية تفرض نفسها على الطبقة
الحاكمة..
لا تزال السلطات السعودية تتعامل مع الأوضاع الاقتصادية
والمعيشية للمواطنين وفق مبدأ «الأسرار الخاصة confedential
« أو عدم الاكتراث، لما يترتب على ذلك من مراجعات نقدية
ومحاسبة وتالياً خطط علاجية.
على سبيل المثال، لا تزال البطالة في السعودية محفوفة
بالشك والتناقض وتالياً سؤال الحقيقة. أدلجة البطالة دفعت
وزير الاقتصاد والتخطيط محمد الجاسر لأن يضفى طابعاً قدرياً
على البطالة، والتي خرجت في هيئة «سنّة إلهية»(18). الجاسر
اختار نسبة متدنية للبطالة، وقال أنها أقل من 6% مع أن
الاحصاءات الرسمية تؤكد أن نسبة البطالة تبلغ 11.8% بحسب
الاحصاءات والمعلومات الحكومية لعام 2014(19).
تضارب الإحصائيات يؤشر، بحسب المحللين الاقتصاديين،
الى ارتباك خطط وزارة العمل. وفي حقيقة الأمر أن تحميل
وزارة العمل المسؤولية هي الأخرى غير واقعي، لأن الوزراء
في الحكومة السعودية هم مجرد موظفين يمتثلون لأوامر عليا،
وإن التخبط الذي يراد تحميل وزارة العمل أو أي وزارة أخرى
مسؤوليته ما هي الا محاولة هروبية لعدم توجيه النقد الى
القيادة السياسية المسؤولة المباشرة عن تلك الأزمات.
وبحسب الخبير الاقتصادي برجس البرجس أن البطالة في
السعودية مرشّحة للتضاعف خلال الـ 15 عاماً المقبلة، وأن
هناك تقارير رسمية تقول إن عدد المشتغلين السعوديين 4.9
ملايين شخص، وتقارير رسمية أخرى تشير إلى أن العدد لا
يتعدى 3.5 ملايين شخص. ويضيف، «لم توضح وزارتا العمل والتخطيط
ومصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، حقائق 1.4 موظف مجهولي
التعريف ما يرفع معدل البطالة كثيراً». المحلل الاقتصادي
فهد الزيد يرفض المعطى الحكومي لمعدل البطالة والذي لا
يتجاوز 12% «بينما هي في الحقيقة تصل لأكثر من 22%»، حسب
تقديره(20). وكانت الغرفة التجارية بالرياض قد أصدرت تقريراً
جاء فيه أن معدل البطالة يزيد بمتوسط 3.6% سنوياً(21).
وبحسب احصائيات 2014، فإن مصلحة الاحصاءات ذكرت بأن
القوة العاملة الوطنية تبلغ 5.26 ملايين، ويبلغ المشتغلون
منهم 4.63 ملايين والباقي 629 ألفاً عاطلون عن العمل،
أي أن نسبة البطالة وفقاً لتقديرات مصلحة الاحصاءات هي
12%، ولكن وفقاً لحافز فإن عدد الباحثين الجادين عن العمل
1.9 مليون عاطل أكثر من 20% منهم جامعيون، أي أن نسبة
البطالة 36%(22).
في ملف الفقر في المملكة ثمة ما يثير الدهشة، في بلد
يحتضن 13 مليون أجنبياً بحسب تقارير شبه رسمية(23). تقارير
عديدة تحدّثت عن نسبة عالية من الفقر في المملكة السعودية
تصل الى 25%(24). وذكرت صحيفة الجارديان البريطانية بأن
ما بين 2 ـ 4 مليون نسمة يعيشون على 530 دولاراً في الشهر
أي 17 دولار في اليوم ما يعتبر أدنى من الخط الفقر في
السعودية(25).
وفي ظل تراجع مداخيل النفط والانضاب المتواصل للفائض
النقدي والعجز الفلكي للموازنة السنوية لعام 2015، فإن
التوقعات تفيد بارتفاع متواصل لنسب البطالة، والفقر، ومعدلات
المعيشة خصوصاً بعد تصريح وزير النفط السعودي علي النعيمي
في 28 أكتوبر 2015 بأن بلاده تدرس رفع أسعار الطاقة المحلية.
ومن المؤكّد أن رفع الدعم عن الطاقة في بلاد يبلغ عدد
سكانها نحو 30 مليوناً سيكون له أثر واضح على مستوى معيشة
الطبقات الفقيرة التي تعتمد في معيشتها على رخص الكهرباء
والوقود الى حد كبير(26).
نشير الى أن النظام السعودي أقام موازنة العام 2015
على أساس سعر للبرميل بقيمة 90 دولار، ولكن بسبب الالتزامات
المالية التي فرضها الملك سلمان على نفسه سواء في الحرب
على اليمن، ومواجهة التهديدات الأمنية في الداخل، وانهيار
اسعار النفط، وأشكال الدعم المالي للجماعات المقاتلة في
العراق وسوريا ولبنان وغيرها فإن الوضع المالي السعودي
يتراجع بوتيرة متسارعة.
إن التراكم النقدي في الفترة ما بين 2003 ـ 2014 والذي
بلغ 737 مليار دولار يتآكل بصورة دراماتيكية. ويرجع الأمراء
المعارضون ذلك الى إخفاق الملك سلمان في إدارة شؤون الدولة
وتسليمها لنجله محمد بن سلمان الذي تسبب في استنزاف الموارد
المالية للدولة وتآكل مخزونها النقدي.
يميل بعض المراقبين الى مقولة أن السعودية تمتلك احتياطات
كافية لدعم موقفها المالي لمدة عام على الأقل، وأن مخزونها
النفطي الكبير يجعلها قادرة على تعويض خسائرها بصورة سريعة.
في المقابل، فإن اعتماد السعودية على النفط كمصدر دخل
رئيس بنسبة 80 بالمئة في الحد الأدنى، يضاف الى ذلك التزاماتها
المالية المتزايدة سواء في تمويل الحروب، أو بناء التحالفات
القائمة على أساس ابرام صفقات أسلحة (على سبيل المثال:
40 مليار دولار مع الولايات المتحدة و10 مليارات دولار
مع فرنسا في العام 2015)، فضلاً عن الاستحقاقات الداخلية
(البطالة، الفقر، الصحة، التعليم، الخدمات، التقديمات
الاجتماعية...الخ)، يجعل من إمكانية التعويض السريع طرحاً
غير واقعي.
صندوق النقد الدولي توقّع بأن يكون عجز موازنة لعام
2015 يصل الى 150 مليار دولار(27). وفي تقرير صادر عنه
نشر في 27 تشرين الأول (أكتوبر) 2015 جاء بأن السعودية
من بين دول شرق أوسطية أخرى سوف تعاني من الإفلاس خلال
خمس سنوات بسبب الهبوط في أسعار النفط. واقترح التقرير
أن السعودية إذا أرادت تلبية التزاماتها فلابد أن يصل
سعر البرميل الى 106 دولاراً(28). وبحسب محلل في سيتي
بنك فإنه بدون اللجوء الى الاقتراض فإن مدخرات البلاد
قد تجف في غضون عامين أو ثلاثة(29).
في النتائج، إن تناقص الموارد المالية وارتفاع معدلات
البطالة والفقر والمعيشة سوف تترك تأثيراتها المباشرة
على الواقع السياسي والاجتماعي المحلي. لابد من التذكير
أن النظام السعودي بوصفه نظاماً ريعياً كان يتوسّل بسياسة
التقديمات الاجتماعية لاحباط مظاهر السخط الشعبي، وقد
نجح النظام في حالات كثيرة في احتواء حركات الاعتراض المحلية
عن طريق برنامج عطاءات سخية، ولكن في ظل تقارير متشائمة
حول مستقبل الاقتصاد السعودي خصوصاً إشارة تقرير صندوق
النقد الدولي حول احتمال وصول السعودية الى مرحلة الافلاس
التام في غضون خمس سنوات، فإن الدولة السعودية سوف تواجه
تحديّاً من داخل المجتمع وسوف ينعكس على الصراع على السلطة.
هوامش
(1) جمال خاشقجي، نهاية "لعبة الأمم"، صحيفة (الحياة)
بتاريخ 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013، أنظر الرابط:
http://www.alhayat.com/Details/572359
(2) David Hearst, Saudi's internal power struggle
sends ripples across international
borders, The Guardian, 21 November 2013; see
http://www.theguardian.com/commentisfree/2013/nov/21/saudi-power-struggles-egypt
(3) السعودية: الامير مقرن ولياً لولي العهد، موقع
(العربية)، بتاريخ 27 مارس 2014
(4) سيف سويلم وخالد العمري، وبعد الاطلاع على تأييد
الأغلبية العظمى من أعضاء هيئة البيعة لاختيار سموه ليكون
ولياً لولي العهد، صحيفة (الحياة) بتاريخ 29 نيسان (إبريل)
2015، أنظر الرابط:
http://www.alhayat.com/m/story/8883750#sthash.PI54mGfe.dpbs
(5) أنظر: صحيفة (الحياة) بتاريخ 30 نيسان (إبريل)
2015
(6) David Ignatius, A cyclone brews over Saudi Arabia
Washiongton Post, October 13, 2015, see
https://www.washingtonpost.com/opinions/a-storm-brews-in-saudi-arabia/2015/10/13/886328c0-71e1-11e5-9cbb-790369643cf9_story.html
(7)David Ignatius, Opinion: Saudi power struggle
oddly public, LJWorld, October 14, 2015, see
http://m.ljworld.com/news/2015/oct/14/opinion-saudi-power-struggle-oddly-public/?templates=mobile
(8) David Ignatius, Reshuffling the House of Saud,
Washington Post, February 3, 2015; see
https://www.washingtonpost.com/opinions/david-ignatius-reshuffling-the-house-of-saud/2015/02/03/6b35c8b8-abec-11e4-abe8-e1ef60ca26de_story.html
(9) David Ignatius, A cyclone brews over Saudi Arabia,
Washington Post, October 13, 2015; see:
https://www.washingtonpost.com/opinions/a-storm-brews-in-saudi-arabia/2015/10/13/886328c0-71e1-11e5-9cbb-790369643cf9_story.html
(10) David Ignatius, The son who would be the Saudis’
king?, Washington Post, September 8, 2015; see
https://www.washingtonpost.com/opinions/the-son-who-would-be-the-saudis-king/2015/09/08/06e94328-566c-11e5-8bb1-b488d231bba2_story.html
(11) David Ignatius, A cyclone brews over Saudi Arabia,
Washiongton Post, October 13, 2015, see:
https://www.washingtonpost.com/opinions/a-storm-brews-in-saudi-arabia/2015/10/13/886328c0-71e1-11e5-9cbb-790369643cf9_story.html
(12) David B. Ottaway, The Struggle for Power in
Saudi Arabia, ibid
(13) Carol J. Williams and Alexandra Zavis, New Saudi
king moves quickly to avoid future power struggle, Los
Angeles Times, January 23, 2015, see
http://www.latimes.com/world/africa/la-fg-saudi-succession-20150124-story.html
(14) Rori Donaghy, ibid
(15) Editorial Board, Shake-up in the House of Saud,
Washington Post, May 3, 2015; see:
https://www.washingtonpost.com/opinions/shake-up-in-the-house-of-saud/2015/05/03/c74ce634-ef5f-11e4-a55f-38924fca94f9_story.html
(16) خادم الحرمين: رحم الله من أهدى إلي عيوبي، صحيفة
(الرياض)، 29 تشرين الأول (أكتوبر) 2015، أنظر الرابط:
http://www.alriyadh.com/1095304
(17) Dr Emile Nakhleh, A Political Earthquake Hits
Saudi Arabia?, LobeLog..Foreign Policy, 11 May 2015;
see
http://lobelog.com/political-earthquake-hits-saudi-arabia
(18) بطالة زمن النبوة.. تعيد الجاسر إلى الجدل، صحيفة
(الوطن) السعودية بتاريخ 24 شباط (فبراير) 2015، أنظر
الرابط:
http://alwatan.com.sa/Local/News_Detail.aspx?ArticleID=215640&CategoryID=5
(19) خالد الشايع، البطالة في السعودية: ارتباك حكومي،
وتضارب في الاحصائيات الحكومية، موقع العربي الجديد، بتاريخ
5 مارس 2015، أنظر الرابط:
http://www.alaraby.co.uk/economy/2015/3/4
(20) خالد الشايع البطالة في السعودية، المصدر السابق.
وانظر أيضاً: عبد الحميد العمري، كم هو معدل البطالة في
السعودية الآن؟!، صحيفة (الشرق)، بتاريخ 20 آيار (مايو)
2012، أنظر الرابط:
http://www.alsharq.net.sa/2012/05/20/295503
(21) "غرفة الرياض": معدل البطالة يزيد بمتوسط 3.6%
سنوياً، أخبار 24، بتاريخ 13 آب (أغسطس) 2015، أنظر الرابط:
http://akhbaar24.argaam.com/article/detail/229260
(22) د. أنور أبو العلا، تقديرات معدل البطالة في المملكة،
صحيفة (الرياض) بتاريخ 5 يناير 2014، أنظر الرابط:
http://www.alriyadh.com/898383
(23) عبد الرحمن الراشد، السعودية: 13 مليون أجنبي!،
صحيفة (الشرق الأوسط)، 4 إبريل 2013، أنظر الرابط:
http://archive.aawsat.com/leader.asp?article=723310&issueno=12546#.VjT39el3vIU
(24) كرم نعمة، في بلاد الثراء والنفط: ربع السعوديين
تحت خط الفقر، موقع (ميدل ايست أون لاين)، 3 يناير، 2013،
أنظر الرابط:
http://middle-east-online.com/?id=146523
(25) Kevin Sullivan, Saudi Arabia's
riches conceal a growing problem of poverty, The Guardian,
1 January 2013; see: http://www.theguardian.com/world/2013/jan/01/saudi-arabia-riyadh-poverty-inequality
(26) كيف ستتأثر حياة السعوديين في حال رفع الدعم عن
الطاقة؟، بي بي سي، بتاريخ 28 تشرين أول (أكتوبر) 2015،
أنظر الرابط:
http://www.bbc.com/arabic/interactivity/2015/10/151028_comments_oil_price_gulfeconomies
(27) السعودية تتجه لإصدار صكوك تمويلاً لعجز الموازنة،
وكالة رويترز 6 سبتمبر 2015، موقع (العربي الجديد) الرابط:
http://www.alaraby.co.uk/economy/2015/9/6/
السعودية-تتجه-لإصدار-صكوك-تمويلا-لعجز-الموازنة
(28) Hazel Sheffield, One chart
that shows which Middle Eastern countries could run
out of money in less than five years, Independent, 27
October, 2015; see:
http://www.independent.co.uk/news/business/news/one-chart-that-shows-which-middle-eastern-countries-could-run-out-of-money-in-less-than-five-years-a6709511.html
(29) Rori Donaghy, ibid..
|