سياسة شدّ الأحزمة
مغامرة (الصبيّ) بمصير الشعب والدولة
محمد الأنصاري
معطيات الموازنة السعودية للعام 2016 جاءت الى حد كبير
متطابقة مع توقعات الخبراء الاقتصاديين وتقارير المؤسسات
المالية الدولية، لا سيما في تقديرات العجز المتوقّعة
والتي تراوحت بين 100 ـ 150 مليار دولار.
وبحسب بيان الموازنة الصادر عن وزارة المالية السعودية
في 29 كانون الأول 2015 فإن الايرادات العامة قدّرت بمبلغ
513.8 مليار ريال، والمصروفات العامة حدّدت بمبلغ 840
مليار ريال. وبذلك، قدّر العجز بمبلغ 329.2 مليار ريال
أي ما يعادل (87 مليار دولار). في موازنة العام 2015 بلغ
العجز 145 مليار ريال (ما يعادل 38.61 مليار دولار).
وبحسب بيان الوزارة فإن تمويل العجز يشمل الاقتراض
المحلي والخارجي. وتجدر الإشارة الى أن الدين العام بنهاية
العام 2014 بلغ 44 مليار ريال (أي ما يعادل 11.7 مليار
دولار)، وتضاعف مع نهاية العام 2015 ليصل الى 142 مليار
ريال (أي ما يعادل 37.8 مليار دولار).
في قراءة مخصصات القطاعات، نال القطاع الأمني والعسكري
الحصة الأكبر في موازنة العام 2016، أي 213.246 مليار
ريال (ما يعادل 56.8 مليار دولار)، أي ربع الموازنة. وتلفت
الزيادة العالية في مخصص هذا القطاع الى التوجّه العام
لدى السعودية في المرحلة المقبلة برغم من التحديّات الكبرى
التي يواجهها الاقتصاد السعودي حالياً وفي المرحلة المقبلة.
قد يجادل البعض بأن بند دعم الموازنة للعام المقبل بمبلغ
183 مليار ريال من شأنه التخفيف من وطأة النقص المحتمل
في الايرادات نتيجة التقلبات الحادة في أسعار البترول
في الفترة الأخيرة. ولكن المؤشرات الراهنة والمسقبلية
تفيد بأن التقلبات سوف تتجاوز قدرة الاقتصاد السعودي على
التحمّل. يذكر أن أسعار البترول تراجعت بما يزيد عن 70
بالمئة عن معدلها عام 2014 ثم بلغت أدنى مستوياتها منذ
إحدى عشر عاماً. وتفيد التوقّعات بأن سعر برميل النفط
سوف ينخفض الى ما دون 20 دولاراً.
انعكاسات العجز المالي فرضت نفسها مباشرة بعد يوم على
إعلان موازنة العام 2016. وكان بيان وزارة المالية قد
تحدّث عن مصادر تغطية العجز عن طريق تطبيق سياسة ضريبية
صارمة تشمل الى جانب الرسوم المفروضة على الماء والكهرباء
والاتصالات ورفع أسعار الوقود ورسوم الجمارك والغرامات،
فإن ثمة توجّهاً جديّاً لدى دول الخليج عموماً لتطبيق
ضبريبة القيمة المضافة التي أقرّها المجلس الأعلى لمجلس
التعاون الخليجي في قمة الرياض الأخيرة في كانون الأول
الماضي، بإضافة رسوم أخرى على المشروبات الغازية والسلع
الضارة مثل التبغ ونحوه..
يلفت بيان وزارة المالية الى قرار الملك سلمان إلغاء
12 من اللجان والهيئات والمجالس العليا وإنشاء مجلسي الشؤون
السياسية والأمنية والشؤون الإقتصادية والتنمية بهدف «رفع
كفاءة الأداء ومستوى التنسيق، وتسريع آلية اتخاذ القرارات
ومتابعها تنفيذها، ورسم الاتجاهات المستقبلية»، حسب البيان.
وأشاد بدور مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يرأسه
نجل الملك، محمد بن سلمان، والذي عمل على «مناقشة توجهات
ورؤى وأهداف 46 وزارة وجهاز حكومي وإقرارها من ظاجل وضع
خطط وأهداف عملية قابلة للقياس والمتابعة لإحداث تنويع
ونمو اقتصادي وتنمية مستدامة».
ولكن من الصعوبة بمكان الحصول على ما يؤكّد دور الترتيبات
التنظيمية في الاصلاحات الاقتصادية المأمولة. إذ قدّر
عدد المشاريع الحكومية المتعثرة 672 مشروعاً، بقيمة إجمالية
تفوق تريليون ريال ( 267 مليار دولار). وبحسب احصائيات
وزارة الشؤون البلدية والقروية في إيلول 2015، فإن ما
يقارب 85% من إدارات المشاريع الحكومية تجاوزت المدة الزمنية
المخطط لها لتنفيذ مشروعاتها، مشيرة إلى تعثر نحو 64.2%
من المشاريع الحكومية في مرحلتي التنفيذ والإنشاء.
وبرغم من أن كلمة الملك سلمان تضمنت إشارة واضحة الى
أن التعثر يعود الى عهد سلفه الملك عبد الله، وقال بأنه
وجّه المسؤولين «بأن تعطى الأولوية لاستكمال تنفيذ المشاريع
المقرّة في الميزانيات السابقة والتي دخل كثير منها حيز
التنفيذ» حسب قوله، إلا أن مسؤولين في قطاع المقاولات
وخبراء ماليين شكّكوا في جديّة السياسة الاقتصادية المعلنة
وقالوا بأن ثمة توجيهات عليا صدرت بتقليص الانفاق عبر
تأجيل المشاريع غير الضرروية وتمديد مدة بعض المشاريع
القائمة، للحد من تآكل الاحتياطي النقدي للبلاد، في ظل
استمرار تراجع أسعار النفط، والتي تمول نحو 90% من موازنة
الدولة. ولأن الاقتصاد السعودي يعتمد على الانفاق الحكومي
فإن القطاعات الأخرى سوف تتأثر سلباً بدرجة كبيرة.
لا بد من إلفات الانتباه الى أن ثمة ملابسات محيطة
ببنود الموازنة السعودية في مجالي الايرادات والمصروفات
معاً. ومن المؤكد أن ثمة بيانات في هذين الحقلين معدومة،
بسبب عدم وجود أية معلومات حولها لا سيما إيرادات الحج
والعمرة، والقروض المسترجعة، وبيع المشتقات البترولية،
والمعادن، والرسوم المستحصلة.
محلياً
الارتدادات الاجتماعية والمعيشية على المواطن السعودي
نتيجة الموازنة المتقشفة كرد فعل على ارتفاع العجز سوف
تكون عنيفة للغاية. الأخطر في تداعيات العجز يتمثل أولاً
في فقدان أكثر من مليوني وظيفة نتيجة تراجع قطاع الانشاءات
والمقاولات، والذي يعد ثاني أكبر القطاعات الاقتصادية
بعد النفط. ونتيجة لذلك، فقد تمّ تأجيل مشاريع إنشاء عدد
من المستشفيات والمدارس ومترو الرياض والدمام وكذلك الملاعب
الرياضية، وكذلك إيقاف برامج الابتعاث بشكل شبه كامل،
وتجميد الرواتب والعلاوات.
في المقابل، فإن زياد أسعار الوقود سوف تؤدي الى رفع
النفقات التشغيلية للشركات في قطاع المقاولات والانشاءات،
لتشغيل المعدّات وشاحنات النقل التي تعتمد على المشتقات
البترولية، وهذا سوف يؤدي الى ارتفاع في أسعار السلع،
وبالتالي تراجع القدرة الشرائية لدى المواطنين.
وفيما ينصّب الاهتمام على نزاع الأمراء على العرش،
فإن المملكة سوف تواجه تحدّيات محلية اقتصادية واجتماعية
بما في ذلك الفقر المتصاعد، والبطالة المرتفعة، والتعليم
الرديء، والانتهاكات الحقوقية، وأيديولوجية التطرّف المنتشرة(1).
سوف تواجه السعودية ارتفاعاً خطيراً في معدلات البطالة
بين الشباب، بمن فيهم حملة الشهادات الجامعية. نشير الى
أن التعليم لا يزال يمثل تحدّياً خطيراً في السعودية وإن
التعليم التقليدي لم يعد يؤهل الشباب للتنافس على الوظائف
في اقتصاد عالمي حديث، وترك الكثير منهم في حالة احباط،
واغتراب، وبدون إحساس بالوحدة الوطنية أو الولاء العميق
للأسرة المالكة. بعض هؤلاء الشباب اتجهوا الى «الجهاد»
والارهاب كرد فعل على حالة الاحباط على مستويات عدة اجتماعية
وثقافية وسياسية واقتصادية. والبعض الآخر الذي لم يفد
من الرفاه الاقتصادي وليس لديه صوت في إدارة البلاد قد
يبدأ يشجّع على الاصلاح السياسي.
وبرغم من مستوى الثقة المرتفعة لدى العائلة المالكة
المصاحب لحالة انكار مفتعلة إزاء المشكلات الملحّة الاقتصادية
والمعيشية، فإن ثمة معطيات واقعية تفرض نفسها على الطبقة
الحاكمة..
لا تزال السلطات السعودية تتعامل مع الأوضاع الاقتصادية
والمعيشية للمواطنين وفق مبدأ «الأسرار الخاصة confidential
« أو عدم الاكتراث، لما يترتب على ذلك من مراجعات نقدية
ومحاسبة وتالياً خطط علاجية جديّة وشاملة..
على سبيل المثال، لا تزال البطالة في السعودية محفوفة
بالشك والتناقض وتالياً سؤال الحقيقة. أدلجة البطالة على
طريقة وزير الاقتصاد والتخطيط محمد الجاسر الذي أضفى طابعاً
قدرياً على البطالة خرجت في هيئة «سنّة إلهية»(2). الجاسر
اختار نسبة متدنية للبطالة في السعودية وقال أنها أقل
من 6% مع أن الاحصاءات الرسمية تؤكد أن نسبة البطالة تبلغ
11.8% بحسب الاحصاءات والمعلومات الحكومية لعام 2014(3).
تضارب الإحصائيات يؤشر، بحسب المحللين الاقتصاديين،
الى ارتباك خطط وزارة العمل. وفي حقيقة الأمر أن تحميل
وزارة العمل المسؤولية هو الآخر غير واقعي، لأن الوزراء
في الحكومة السعودية هم مجرد موظفين يمتثلون لأوامر عليا،
وإن التخبط الذي يراد تحميل وزارة العمل أو أي وزارة أخرى
مسؤوليته محاولة هروبية لعدم توجيه النقد الى القيادة
السياسية المسؤولة المباشرة عن تلك الأزمات.
وبحسب الخبير الاقتصادي برجس البرجس أن البطالة في
السعودية مرشّحة للتضاعف خلال الـ 15 عاماً المقبلة، وأن
هناك تقارير رسمية تقول إن عدد المشتغلين السعوديين 4.9
ملايين شخص. تقارير رسمية أخرى تشير إلى أن العدد لا يتجاوز
3.5 ملايين شخص. ويضيف، «لم توضّح وزارتا العمل والتخطيط
ومصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، حقائق 1.4 موظف مجهولي
التعريف ما يرفع معدل البطالة كثيراً». المحلل الاقتصادي
فهد الزيد يرفض المعطى الحكومي لنسبة البطالة والتي لا
تتجاوز 12% «بينما هي في الحقيقة تصل لأكثر من 22%»، حسب
قوله(4). وكانت الغرفة التجارية بالرياض قد أصدرت تقريراً
جاء فيه أن معدل البطالة يزيد بمتوسط 3.6% سنوياً(5).
مصلحة الاحصاءات ذكرت في العام 2014 بأن القوة العاملة
الوطنية تبلغ 5.26 ملايين، يبلغ المشتغلون منهم 4.63 ملايين
والباقي 629 ألفاً عاطلون عن العمل، أي أن نسبة البطالة
وفقاً لتقديرات مصلحة الاحصاءات هي 12%، ولكن وفقاً لحافز
فإن عدد الباحثين الجادين عن العمل 1.9 مليون عاطل أكثر
من 20% منهم جامعيون، أي أن نسبة البطالة 36%(6).
في ملف الفقر في المملكة ثمة معطيات صادمة، في بلد
يحتضن 13 مليون أجنبي بحسب تقارير اخرى شبه رسمية(7).
تقارير عديدة تحدّثت عن نسبة عالية من الفقر في المملكة
السعودية تصل الى 25%(8). وقد ذكرت صحيفة الجارديان البريطانية
بأن ما بين 2 ـ 4 مليون نسمة يعيشون على 530 دولاراً في
الشهر أي 17 دولار في اليوم ما يعتبر أدنى من الخط الفقر
في السعودية(9).
وفي ظل تراجع مداخيل النفط والانضاب المتواصل للفائض
النقدي والعجز الفلكي للموازنة السنوية لعام 2016، فإن
التوقعات تفيد بارتفاع متواصل لنسب البطالة، والفقر، ومعدلات
المعيشة خصوصاً بعد رفع أسعار المشتقات البترولية. ومن
المؤكّد أن رفع الدعم عن الطاقة في بلد يبلغ عدد سكانه
نحو 30 مليوناً سيكون له أثر واضح على مستوى معيشة الطبقات
الفقيرة التي تعتمد في معيشتها على رخص الكهرباء والوقود
الى حد كبير(10).
نشير الى أن النظام السعودي أقام موازنة العام 2015
على أساس سعر للبرميل بقيمة 90 دولار، ولكن بسبب الالتزامات
المالية التي فرضها الملك سلمان على نفسه سواء في الحرب
على اليمن، ومواجهة التهديدات الأمنية في الداخل، وانهيار
اسعار النفط، وأشكال الدعم المالي للجماعات المقاتلة في
العراق وسوريا ولبنان وغيرها فإن الوضع المالي السعودي
تراجع بوتيرة متسارعة.
إن التراكم النقدي في الفترة ما بين 2003 ـ 2014 والذي
بلغ 737 مليار دولار يتآكل بصورة دراماتيكية. ويرجع الأمراء
المعارضون ذلك الى إخفاق الملك سلمان في إدارة شؤون الدولة
وتسليمها لنجله محمد بن سلمان، ولي ولي العهد ورئيس لجنة
الشؤون الاقتصادية والتنمية، الذي تسبب في استنزاف الموارد
المالية للدولة لمخزونها النقدي.
يميل بعض المراقبين الى مقولة أن السعودية تمتلك احتياطات
كافية لدعم موقفها المالي لمدة عام على الأقل، وأن مخزونها
النفطي الكبير يجعلها قادرة على تعويض خسائرها بصورة سريعة.
في المقابل، فإن اعتماد السعودية على النفط كمصدر دخل
رئيسي بنسبة تصل الى 90 بالمئة، يضاف الى ذلك التزاماتها
المالية الكثيرة والمتزايدة سواء في تمويل الحروب، وبناء
التحالفات القائمة على أساس ابرام صفقات أسلحة (على سبيل
المثال: 40 مليار دولار مع الولايات و10 مليارات دولار
مع فرنسا في العام 2015)، فضلاً عن الاستحقاقات الداخلية
(البطالة، الفقر، الصحة، التعليم، الخدمات، التقديمات
الاجتماعية...الخ)، سوف يفضي الى ما حذّر منه صندوق النقد
الدولي الذي توقّع بأن يكون عجز موازنة العام 2016 يصل
الى 150 مليار دولار(11). وفي تقرير صادر عنه نشر في 27
تشرين الأول 2015 جاء بأن السعودية من بين دول شرق أوسطية
أخرى سوف تعاني من الإفلاس خلال خمس سنوات بسبب الهبوط
في أسعار النفط. واقترح التقرير أن السعودية إذا أرادت
تلبية التزاماتها فلابد أن يصل سعر البرميل الى 106 دولاراً(12).
وبحسب محلل في سيتي بنك فإنه بدون اللجوء الى الاقتراض
فإن مدخرات البلاد قد تجف في غضون عامين أو ثلاثة(13).
في النتائج، إن تناقص الموارد المالية وارتفاع معدلات
البطالة والفقر والمعيشة سوف تترك تأثيراتها المباشرة
على الواقع السياسي والاجتماعي المحلي. لابد من التذكير
أن النظام السعودي بوصفه نظاماً ريعياً كان يتوسّل بسياسة
التقديمات الاجتماعية لاحباط ظواهر السخط الشعبي، وقد
نجح النظام في حالات كثيرة في احتواء حركات الاعتراض المحلية
عن طريق برنامج عطاءات سخية، ولكن في ظل تقارير متشائمة
حول مستقبل الاقتصاد السعودي خصوصاً إشارة تقرير صندوق
النقد الدولي حول احتمال وصول السعودية الى مرحلة الافلاس
التام في غضون خمس سنوات، فإن الدولة السعودية سوف تواجه
تحديّاً داخل المجتمع وسوف ينعكس على الصراع على السلطة.
خارجياً
نجحت السعودية على مدى سنوات طويلة في تشكيل تحالفات
إقليمية ودولية نتيجة برنامج الهبات والمساعدات الاقتصادية
والتسهيلات المالية التي تقدّمها للعديد من الدول. وقد
لحظنا تأثيرات انخفاض حجم المساعدات في الفترة ما بعد
حرب الخليج الثانية سنة 1990/91 حيث بدت السياسة الخارجية
مشلولة، كما وصفها نائب الرئيس السوري الأسبق فاروق الشرع
في تصريح له في آب 2007.
وبحسب الاحصائيات الرسمية، فإن إجمالي المساعدات السعودية
الخارجية خلال 25 عاما، بلغ أكثر من 278 مليار ريال (74.1
مليار دولار) خلال الفترة من عام 1990 وحتى نهاية عام
2014.
ومن المؤكّد أن برامج المساعدات الخارجية سوف يتأثر
بشكل كبير في العام 2016، وعليه سوف ينعكس على مجمل العلاقات
الخارجية للسعودية. في مصر على سبيل المثال، سوف تتراجع
الاستثمارات السعودية، وتبعاً له سوف ينخفض مستوى دعم
الاقتصاد المصري من خلال المساعدات والقروض الميسّرة.
صورة المستقبل
اعتماد السعودية على النفط كمصدر أساسي للدخل يجعل
اقتصادها وكذلك سياستها الخارجية رهينة أسعار هذه السلعة
التي سوف تشهد تقلّبات حادة في العام 2016.
الطفرة النفطية غير المسبوقة التي حصلت عام 2008، إذ
بلغ سعر البرميل 127 دولاراً، ما أدى الى تسجيل أعلى موازنة
في تاريخ المملكة حيث بلغت الايرادات حينذاك 1.1 تريليون
ريال (ما يعادل 293 مليار دولار)، بفائض قياسي بلغ 590
مليار ريال تقريباً (ما يعادل 157 مليار دولار) لن تتكرر،
وبات على السعودية الاستعداد لسنوات صعبة نتيجة الزيادة
القياسية المتوقّعة للعرض في أسواق النفط العالمية، والسقوط
الحاد في أسعار النفط، والفشل في تحويل فكرة تنويع مصادر
الدخل الى واقع على الأرض.
نذكر هنا ما كشف النقاب عنه في 10 حزيران 2015 بأن
إنتاج النفط في الولايات المتحدة بلغ ذروته بعد 43 سنة
في 2015 حيث ارتفع الانتاج الى 9.43 مليون برميل في اليوم،
وهو الأكبر منذ عام 1972، بحسب تقرير صادر إدارة معلومات
الطاقة (EIA)(14).
وكانت وكالة الطاقة الدولية قد ذكرت في تقرير صادر
عنها في 9 حزيران لعام 2015 إن الولايات المتحدة ستتفوق
على السعودية وروسيا لتصبح أكبر منتج للنفط في العالم
في عام 2015 وتقترب من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة
وتقليل اعتمادها على إمدادات أوبك.
ولا بد من الإشارة الى زيادة المعروض المتوقعة نتيجة
رفع ايران لمعدل انتاجها بواقع مليون برميل يومياً مع
نهاية الربع الأول من العام المقبل. يضاف الى ذلك القرار
المفاجىء من الكونغرس الأميركي برفع الحظر عن تصدير النفط
بعد 40 سنة على قرار الحظر لأسباب استراتيجية بدرجة أساسية.
وبصور إجمالية، فإن الاقتصاد العالمي في العام 2016
سوف يشهد بحسب التوقعات تراجعاً حاداً. وبحسب المديرة
العامة لصندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد، فإن نمو
الاقتصاد العالمي سيكون «مخيبا للآمال» العام المقبل في
ظل احتمالات بأن يسهم رفع أسعار الفائدة الأميركية والتباطؤ
في الصين في زيادة مخاطر التعرض للضرر. يضاف الى ذلك عوامل
أخرى لا صلة لها بالسوق وآلياته، وإنما بسبب الصراع السياسي
المحتدم بين دول إقليمية ودولية واعتماد سياسة حافة الهاوية
التي عبّرت عنها الحرب النفطية التي قادتها السعودية في
العام الماضي بهدف الإضرار باقتصادي روسيا وايران في سياق
الصراع على النفوذ في الشرق الأوسط.
في الأخير، فإن طبيعة الالتزامات المالية التي فرضتها
السعودية على نفسها نتيجة انخراطها في حروب خارجية وفي
مقدمها الحرب على اليمن، والتي تستنزف نسبة كبيرة من الإيرادات
تقدّر بـ 12 مليار دولار شهرياً، وحروب النيابة التي تخوضها
التنظيمات المسلّحة الحليفة للسعودية في سوريا والعراق
وأماكن أخرى، وبناء تحالفات عسكرية (التحالف العربي في
الحرب على اليمن، والتحالف العسكري الاسلامي، إضافة الى
التحالفات ذات الطبيعة الثنائية).
وخلاصة لما سبق: في ضوء المعطيات الاقتصادية والسياسية
فإن السعودية أمام استحقاقات أمنية واستراتيجية بالغة
الخطورة، وعليها مواجهة تفاقم ظاهرة الارهاب محلياً وعلى
الحدود، إلى جانب النشاطات الاحتجاجية داخلياً نتيجة تدهور
الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وخارجياً، فإن العلاقات السعودية مع الخارج سوف تشهد
تقلّبات حادة بفعل تظافر عوامل عدّة منها ماهو إقتصادي
ومنها ما هو جيوسياسي نتيجة للحروب الاقليمية، ومنها ما
هو استراتيجي في حال قرّرت الولايات المتحدة نقل جزء من
اهتمامها الى مناطق أخرى حيوية للمرحلة المقبلة، بعد أن
ضمنت ارتفاع كفاءتها الانتاجية من النفط الصخري ومن الأسواق
الجديدة، بما في ذلك السوق الإيرانية المرشحة لأن تكون
أحد أهم استهدافات الاقتصاد الاميركي في العام المقبل.
وإذا ما أرادت الرياض ضمان عمر إضافي لاستقرار نظامها
فإن عليها مراجعة مجمل العلاقات الاقليمية والدولية للبحث
في علاجات ناجعة للتوترات الحاصلة بينها وبين القوى الاقليمية
الفاعلة الآن وفي المستقبل.
هوامش
(1) Dr Emile
Nakhleh, A Political Earthquake Hits Saudi Arabia?,
LobeLog..Foreign Policy, 11 May 2015; see:
http://lobelog.com/political-earthquake-hits-saudi-arabia
(2) بطالة زمن النبوة.. تعيد الجاسر إلى الجدل، صحيفة
(الوطن) السعودية بتاريخ 24 شباط (فبراير) 2015، أنظر
الرابط:
http://alwatan.com.sa/Local/News_Detail.aspx?ArticleID=215640&CategoryID=5
(3) خالد الشايع، البطالة في السعودية: ارتباك حكومي،
وتضارب في الاحصائيات الحكومية، موقع العربي الجديد، بتاريخ
5 مارس 2015، أنظر الرابط:
http://www.alaraby.co.uk/economy/2015/3/4
(4) خالد الشايع البطالة في السعودية، المصدر السابق.
وانظر أيضاً: عبد الحميد العمري، كم هو معدل البطالة في
السعودية الآن؟!، صحيفة (الشرق)، بتاريخ 20 آيار (مايو)
2012، أنظر الرابط:
http://www.alsharq.net.sa/2012/05/20/295503
(5) «غرفة الرياض»: معدل البطالة يزيد بمتوسط 3.6%
سنوياً، أخبار 24، بتاريخ 13 آب (أغسطس) 2015، أنظر الرابط:
http://akhbaar24.argaam.com/article/detail/229260
(6) د. أنور أبو العلا، تقديرات معدل البطالة في المملكة،
صحيفة (الرياض) بتاريخ 5 يناير 2014، أنظر الرابط:
http://www.alriyadh.com/898383
(7) عبد الرحمن الراشد، السعودية: 13 مليون أجنبي!،
صحيفة (الشرق الأوسط)، 4 إبريل 2013، أنظر الرابط:
http://archive.aawsat.com/leader.asp?article=723310&issueno=12546#.VjT39el3vIU
(8) كرم نعمة، في بلاد الثراء والنفط: ربع السعوديين
تحت خط الفقر، موقع (ميدل ايست أون لاين)، 3 يناير، 2013،
أنظر الرابط:
http://middle-east-online.com/?id=146523
(9) Kevin Sullivan,
Saudi Arabia’s riches conceal a growing problem of poverty,
The Guardian, 1 January 2013; see:
http://www.theguardian.com/world/2013/jan/01/saudi-arabia-riyadh-poverty-inequality
(10) كيف ستتأثر حياة السعوديين في حال رفع الدعم عن
الطاقة؟، بي بي سي، بتاريخ 28 تشرين أول (أكتوبر) 2015،
أنظر الرابط:
http://www.bbc.com/arabic/interactivity/2015/10/151028_comments_oil_price_gulfeconomies
(11) السعودية تتجه لإصدار صكوك تمويلاً لعجز الموازنة،
وكالة رويترز 6 سبتمبر 2015، موقع (العربي الجديد) الرابط:
http://www.alaraby.co.uk/economy/2015/9/6
/السعودية-تتجه-لإصدار-صكوك-تمويلا-لعجز-الموازنة
(12) Hazel Sheffield, One chart
that shows which Middle Eastern countries could run
out of money in less than five years, Independent, 27
October, 2015; see:
http://www.independent.co.uk/news/business/news/one-chart-that-shows-which-middle-eastern-countries-could-run-out-of-money-in-less-than-five-years-a6709511.html
(13) Rori Donaghy, ibid
(14) Moming Zhou, Bloomberg ,
U.S. oil production to peak at 43-year high before trailing
off, BUSINESS NEWS NETWORK, 10 June, 2015.
|