الصراع على السلطة في السعودية
عـواصـف حـول الـعـرش
(3-3)
عبد الوهاب فقي
هناك علاقة جدلية بين الحرب السعودية على اليمن والصراع
على السلطة في الداخل.
يراد دائماً من قبل الأمراء المتصارعين صرف الخيارات
العسكرية في الخارج.. سياسياً في الداخل. وفي ضوء تجارب
عديدة سابقة منذ الانخراط في الجهاد الافغاني في ثمانينات
القرن الماضي، ومروراً بالمشاركة غير المباشرة في الحرب
العراقية الايرانية في الفترة ما بين 1980 ـ 1988 وحتى
تسهيل مهمة الراغبين في القتال في العراق منذ 2003 ولاحقاً
في لبنان في معارك نهر البارد سنة 2007، وتالياً سوريا
منذ 2011، وحتى الانزلاق نحو أزمة دبلوماسية تقرع فيها
طبول الحرب مع ايران على خلفية إعدام الشيخ نمر النمر..
يبدو الخارج مهرباً مثالياً بالنسبة للنظام السعودي من
أزمات الداخل.
في المشهد العام يبدو انخراط السعودية في حربين: الاولى
في العراق وسوريا شمالاً والأخرى في اليمن جنوباً على
درجة كبيرة من الأهمية لجهة الحفاظ على الدور القيادي
الحاسم للمملكة في المنطقة وكذلك لتقوية علاقاتها مع الحلفاء
الاقليميين والغربيين الأساسيين(1).
واضح أن الحرب السعودية ضد اليمن مؤشر على مشكلات داخلية
جديّة تواجه النظام. لقد بدا واضحاً بأن انخراط السعودية
في حرب خارجية بعد شهرين على تولي سلمان العرش، وبعد أقل
من ذلك على تولي نجله منصب وزير الدفاع، يتجاوز الأهداف
العسكرية المباشرة أو حتى السياسية المعلنة. كان للحرب
أجندة أخرى خفيّة، عبّرت عن أحد وجوهها في زيادة مستوى
التنسيق بين الرياض وواشنطن، بعد أن كانت الأخيرة تتأهب
لعملية انتقال تدرجي وجزئي من منطقة الشرق الأوسط الى
أقاصي آسيا. إن زيادة مستوى التنسيق لابد أن ينعكس على
الموقف من الأمير الشاب الطموح الذي يتطلع لأن يكون رجل
أمريكا ليس في المملكة فحسب بل في المنطقة. وهنا يبدأ
الافتراق بين محمد بن سلمان ومحمد بن نايف.
ولكن ثمة ما يتجاوز مجرد التطلعات الذاتية لدى الملك
أو نجله أو حتى محمد بن نايف أو أي أمير آخر، فالانخراط
الواسع والكثيف في حروب المنطقة من اليمن جنوباً الى العراق
وسوريا والى حد ما لبنان شمالاً وايران شرقاً، سوف يؤول
حكماً إلى انهاك المجهود السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري
لدى الدولة السعودية، ما يجعل تدخّل الأمراء الكبار أو
حصول انشقاقات داخل الأسرة أمراً متوقعاً إن لم يكن حتميّاً.
طبيعة انغماس السعودية في حروب وأزمات المنطقة ودرجته
تنطوي على مخاطر وجودية، أي مرتبطة بمصير الكيان وليس
من قبيل التدخل الحذر، فخطوط الرجعة تبدو شبه معدومة في
الاستراتيجية السعودية التي بدأت منذ عهد الملك عبد الله
وازدادت رسوخاً في عهد الملك سلمان..وهذا ما تناوله الأمير،
من أحفاد عبد العزيز، في رسالته بما نصّه: «ثم كيف رضينا
بسياسة خارجية تضعف ثقة شعبنا فينا وتؤلب علينا الشعوب
الأخرى؟ وكيف رضينا الدخول في مخاطرات عسكرية غير محسوبة
مثل الحلف العسكري لضرب العراق وسوريا وحرب اليمن؟ وكيف
رضينا أن يكون مصيرنا رهين نزوات مراهقين وتطلعات مستعجلين؟».
فالسعودية اليوم في وضع لا تحسد عليه بفعل انغماسها
شبه التام في حروب ضد شعوب وأنظمة على حد سواء، ما يجلب
عليها نقمة عارمة، ومن شأنها تشجيع بعض الأجنحة على التدخل
من أجل إنقاذ الكيان من الدخول في متاهة قد لا يخرج منها
إلا بزواله.
تمزّق شبكة التحالفات الإقليمية
والدولية
حين نتأمل في السياسة الخارجية السعودية كمؤشر على
مسار العلاقات الاقليمية والدولية، نجد أنها تعمل على
خطوط الأزمات والحروب الاقليمية. فقد تخلّت السياسة الخارجية
السعودية عن ثوابتها وأدواتها السابقة التي تتسم بالهدوء
والمواربة والحذر والتريّث، الى القدر الذي أمكن القول
بأن السياسة السعودية الجديدة تفتقر الى البعد الدبلوماسي،
لأنها تتوسّل المصادمة كخيار أول. باختصار: إن السياسة
الخارجية اليوم هي معنيّة بإدارة حروب وأزمات فحسب، وليس
البحث عن أصدقاء جدّد أو حتى تعزيز العلاقات مع أصدقاء
حاليين. وحتى الأصدقاء لم تعد تربطهم بالمملكة السعودية
علاقات مبدئية بقدر ما هي علاقات محكومة الى نوع المصالح
التي يمكن الحصول عليها من خلال «تحالف إدارة الحروب».
منذ توليه منصب وزير الخارجية اقتصرت زيارات عادل الجبير
على العواصم الضالعة في الأزمات والحروب. ولم يكن مفاجئاً
أن تخلو خطابات الملك سلمان منذ توليه العرش من أي بعد
إقليمي عربي وإسلامي ودولي. في لقائه بالمثقفين والاعلاميين
في الرياض في 27 تشرين الثاني (أكتوبر) 2015، لم يشر حتى
مجرد الاشارة الى أي من الملفات الخارجية، مع أن بلاده
تشن حرباً على دولة عربية جارة، ولم يتناول ملف مأساة
التدافع في منى لحج العام 1436/2015 ولا حتى أشار الى
الحرب على الارهاب.
في حقيقة الأمر، أن الضبابية التي تسود السياسة الخارجية
السعودية تعود الى حالة التخبط التي عاشتها السعودية منذ
إلغاء أوباما قرار الحرب على سوريا في سبتبمر 2013. في
المحصلة، السعودية تخسر المزيد من الأصدقاء، وتكتسب عداوات
ليس فقط على مستوى دول بل حتى شعوب ترى في طريقة تعاملها
مع القضايا العربية والاسلامية سبباً موجباً للنفور منها..
الدور الأميركي
في المبدأ، سوف تجهد السعودية لإبقاء التحالف الاستراتيجي
مع الولايات المتحدة فاعلاً وحيوياً في السنوات القادمة،
وبنفس القدر سوف تعمل على استدراج الدعم الاميركي والدخول
في مواجهة مباشرة مع ايران للحد من نفوذها في المنطقة.
ولكن الرؤية الأميركية الجديدة تقوم على عدم الانخراط
بصورة كاملة في حروب وأزمات المنطقة، والاقتصار على مواجهة
التهديدات التي تتعرض لها المصالح الحيوية للولايات المتحدة.
وهذا ما يدفع الملك سلمان الى خيار دعم الجماعات المسلّحة
المصنّفة على السنّة خصوصاً في العراق وسوريا واليمن ولبنان
لمواجهة النفوذ الايراني. ثمة قلق بالغ يراود القادة السعوديين
إزاء تواري الدور القيادي الأميركي في الشرق الأوسط، بما
في ذلك التزام الولايات المتحدة بحماية المملكة، فيما
يتصدر النزاع مع ايران الواجهة»(2). على أية حال، عبّرت
الادارة الاميركية في أكثر من مناسبة عن التزامها بالحفاظ
على أمن العرش السعودي، وتأكّد ذلك في قمة كامب ديفيد
بين الرئيس أوباما والمسؤولين الخليجيين في 13 ـ 14 آيار
(مايو) 2015، ولقاء القمة الثنائي بين أوباما ـ سلمان
في 4 أيلول (سبتمبر) من العام نفسه. جرى التشديد في اللقائين
عن التزام واشنطن بالدفاع عن حلفائها في الخليج، دون أن
يحدث ذلك تغييراً جوهرياً في الاستراتيجية الأميركية الجديدة
لجهة نقل جزء جوهري من اهتمامها الى الشرق الأقصى.
لا ريب أن التغييرات البنيوية في النظام السياسي السعودي
بعد وصول سلمان الى العرش ساهمت الى حد كبير في تعميق
الروابط السعودية ـ الأميركية وجعلت من الرياض شريكاً
أمنياً موثوقاً. وكان أهم مؤشرات هذا التحوّل النسبي تعيين
شخصيتين على صلة وثيقة بالولايات المتحدة وهما: عادل الجبير
(الخارجية)، ومحمد بن نايف (الداخلية).
وبالنسبة للولايات المتحدة، وكما هو الحال دائماً،
يشكّل التأثير المحتمل على إمدادات وأسعار النفط العالمية
العامل الحاسم في العلاقة بين البلدين، الى جانب الموقع
الاستراتيجي والدور الوظيفي الذي تلعبه السعودية في ملفات
المنطقة. ثمة من يجادل أن أوباما يميل الى التوازن الاستراتيجي
بين السنة (بقيادة المملكة العربية السعودية) والشيعة
(بزعامة إيران). وقد يعبّر مثل هذا الرأي عن اتجاه في
الادارة الأميركية وليس بالضرورة هو رأي الأغلبية.
وبخصوص مستوى الصراع على السلطة في السعودية، فإن المعطيات
المؤكّدة حول التدخل الأميركي في صراع أجنحة الحكم في
السعودية قد تبدو ضئيلة أو غير ظاهرة، ولكن ثمة مؤشّرات
ذات دلالة على دور أميركي في صراع الأجنحة.
من المفيد القول بأنه ظهر في العهود الثلاثة الأخيرة
(فهد، عبد الله، سلمان) رغبة شديدة باستدراج الدعم الأميركي
لترشيح أحد الأبناء لتولّي منصب ولاية العهد وتالياً الملك
بعد وفاة الأب.
على سبيل المثال، ورد في (مذكّرة سرّية) رفعها فريق
مؤلف من وزارة الخارجية ولجنة الشؤون الخارجية في مجلس
الشيوخ الى الرئيس الأميركي بيل كلينتون في بداية عهده
في الأول من كانون الثاني (يناير) سنة 1992 حول الأوضاع
في السعودية إبان أزمة الخليج الثانية وما بعدها. وجاء
في المذكرة ما يلي:
«ألمح ـ أي الملك فهد ـ الى رئيسنا ـ أي جورج بوش الأب
ـ الى أنه يريد دعم الولايات المتحدة بنفس الدرجة (من
القوة) التي قدّمتها خلال الحرب (=حرب تحرير الكويت)،
من أجل تمكين إبنه الأصغر ـ الأمير عبد العزيز ـ لأن يصبح
ملكاً بعد موته. وقد تفادى رئيس الولايات المتحدة أي تعليق،
أي رد فعل مقارب للموضوع وقال له: «كل ما نسعى إليه هو
ضمان أمن السعودية ورفاه الشعب السعودي».
في عهد الملك عبد الله، أخذ التنافس بين الأخير وأخيه
غير الشقيق الأمير نايف شكل السباق نحو واشنطن لتسويق
متعب بن عبد الله من جانب الأول ومحمد بن نايف من جانب
الثاني كمرشّحين مستقبليين للعرش. حزمة الأوامر الملكية
المتعاقبة التي صدرت في عهد الملك عبد الله بتخطيط من
مستشاره خالد التويجري كانت مصمّمة لتعبيد الطريق أمام
متعب للوصول الى العرش بما في ذلك تحويل الحرس الوطني
الى وزارة يرأسها متعب، واستحداث منصب ولي ولي العهد ليكون
ضامناً لوصول الأخير الى العرش عبر تعيينه ولياً للعهد
بعد موت الملك سلمان. من جانبه دفع الأمير نايف بإبنه
لكي يكون شريكاً فاعلاً في أي مفاوضات مع واشنطن في ملف
مكافحة الإرهاب، ونجح في بناء علاقة وثيقة وراسخة مع قادة
الأجهزة الأمنية في الولايات المتحدة، الأمر الذي جعله
على رأس مفضّلة المرشّحين الأميركيين للعرش في السعودية.
في عهد الملك سلمان، بدا الجهد الشخصي من الملك واضحاً
منذ البداية لجهة تصعيد مكانة نجله محمد بن سلمان كيما
يقترب من موقع القيادة. وفي القمة الأميركية السعودية
التي جمعت أوباما ـ سلمان في البيت الأبيض في 4 إيلول
(سبتمبر) 2015 بدا الملك سلمان حريصاً على حضور إبنه محمد
اللقاء والدور المحوري الذي كان يقوم به في ملفات القمة.
كان بيان البيت الأبيض حول اللقاء الثنائي بالغ الدلالة.
ونقرأ في الفقرة الأخيرة من البيان ما يلي:
« ناقش الزعيمان شراكة استراتيجية جديدة للقرن الـ
21 وكيفية رفع مستوى العلاقة بشكل كبير بين البلدين. صاحب
السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان أطلع الرئيس على وجهات
نظر المملكة بشأن الشراكة الاستراتيجية. ووجّه الرئيس
والملك سلمان المسؤولين في حكومتي بلديهما لاستكشاف السبل
المناسبة للمضي قدماً في الأشهر المقبلة»(3).
ليست مجرد عبارة تقنية تلك المتعلقة بإطلاع محمد بن
سلمان الرئيس أوباما على وجهات نظر المملكة حول الشراكة
الاستراتيجية، وإنما تنطوي على إشارات بالغة الدلالة بأن
الرجل هو خيار واشنطن في المملكة، وإن تضمين إسمه في البيان
يحمل أيضاً إشارة أخرى ذات دلالة بأن واشنطن قبلته خياراً
بالنسبة لها في المملكة.
وفي الرد على تقارير إعلامية غربية تحدّثت عن مخطط
يقوده محمد بن سلمان بالاتفاق مع والده لإزاحة محمد بن
نايف عن ولاية العهد، تعمّد الملك سلمان اصطحاب الأخير
في لقائه مع المثقفين والاعلاميين في 27 تشرين الأول (أكتوبر)
2015، وأشار إليه في كلمته (وأحب أن أقول لكم يا إخوان
نتحمل مسؤولية الآن وولي العهد معي وأبناؤنا..»(4).
بصورة إجمالية، تنظر واشنطن الى صعود الجيل الثالث
بإيجابية بالغة، وتعتقد بأنها أقدر في التعاطي مع أبناء
الجيل الثالث، ويبقى السؤال حول الشخصية الأوفر حظاً والحائزة
على توافق أكبر وسط العائلة المالكة والأقرب الى تحقيق
المصالح المشتركة بين واشنطن والرياض.
سيناريوهات العرش
|
|
صراع المحمدين الى أين؟ |
قد تبدو السيناريوهات المحتملة حول مستقبل الصراع على
السلطة متقاربة لدى المراقبين والخبراء في الشؤون السياسية
السعودية. ولعل أكثرها شيوعاً إعفاء الأمير محمد بن نايف
من منصبه كولي للعهد وتعيين الأمير محمد بن سلمان. ويرجع
ذلك الى إمكانية تكرار سيناريو عزل مقرن من منصبه بعد
تولي محمد بن نايف العرش. ولكن هذا السيناريو تراجع بعد
اصطحاب الملك سلمان لولي العهد في لقائه بالمثقفين والاعلاميين
وإشادته بدوره، ما بعث برسالة واضحة الى أصحاب السيناريو
بأن لا تغيير في المعادلة القائمة. على أية حال، هذا المشهد
لا يبدد الشكوك بصورة كاملة، لأن من غير المستبعد حصوله
في حال قرر الملك ذلك. موانع هذا السيناريو: غياب توافق
داخل الأسرة، ممانعة أميركية، غياب بديل عن محمد بن نايف
لإدارة ملفي الأمن والإرهاب.
سيناريوهات أخرى باتت معروفة على النحو التالي:
ـ السيناريو القطري، بتنحي الملك سلمان ونقل حقه في
العرش الى إبنه محمد بن سلمان، ويصبح هو بمثابة رئيس مجلس
العائلة على أن يبقى محمد بن نايف في منصبه ولياً للعهد،
ويتم اختيار أحد أبناء إخوته الاشقاء السديريين في منصب
ولي ولي العهد.
في سيناريو مواز، تنازل الملك سلمان عن منصبه الآخر
كرئيس للوزراء، على الطريقة البريطانية، فيملك ولا يحكم،
وينقل حقّه الى نجله محمد بن سلمان لهذا المنصب، في عملية
فصل بين منصبي رئاسة الوزراء وولاية العهد كما حصل في
فترة قصيرة من عهد الملك سعود. ولكن مثل هذا الفصل سوف
يبقي الباب مفتوحاً على تكرار سيناريو سلمان الذي غيّر
شكل السلطة وموازين القوى فور توليه العرش. وهذا ما قد
يقوم به محمد بن نايف في حال سارت عملية انتقال السلطة
بحسب المعادلة القائمة.
ـ إجراء تعديل جوهري في النظام الأساسي للحكم، يفضي
إلى نزع بعض صلاحيات الملك لضمان وصول محمد بن سلمان الى
العرش. وهي خطوة تبدو سهلة بالنسبة للملك سلمان الذي بيده
مقاليد السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية،
ولكن المساس بالنظام الأساسي سوف يؤسس لسابقة خطيرة من
وجهة نظر العائلة المالكة لأن بإمكان الملوك اللاحقين
القيام بخطوات مماثلة.
ـ دخول المحمدين في سباق محموم على بناء تحالفات داخلية
وخارجية تفضي في نهاية المطاف الى تفوق أحدهما على الآخر
وتالياً حسم الصراع لصالح أحدهما. سيناريو من هذا القبيل
يجري بصورة طبيعية سواء كان المتنافسون على السلطة من
جناحين متخاصمين أو من جناح واحد أو حتى من بيت واحد.
ولكن ما يميّز سباق المحمّدين أنه شبه علني، ومتكافىء
الى حد كبير من حيث القوة، برغم من أن بن سلمان يحتمي
بوالده الملك في سباقه نحو العرش. على أية حال، فإن الملك
وجوداً وعدماً وحده كافٍ لحسم المنافسة بين المحمدين،
ولكن لا يغيّر ذلك من حقيقة لهاث الأخيرين.
ـ أورد سيمون هندرسون سيناريو يقول بـإجبار آل سعود
على التنازل عن بعض أو كامل السلطة لصالح كبار الشخصيات
العسكرية غير الملكية التي تحظى بدعم القوات التي تحت
إمرتها، والتي قد ترى حرب اليمن بأنها عمل أحمق. وكانت
تلك الشخصيات قد ضاقت ذرعاً من قلة الخبرة التي تتمتع
بها قيادة العائلة المالكة وعدم كفاءتها.
غير أن مثل هذا السيناريو مستبعد فضلاً عن كونه غير
واقعي، فليس هناك من الناحية العملية «كبار الشخصيات العسكرية»
من خارج العائلة المالكة، دع عنك وجود تكتّل أو طبقة داخل
المؤسسة العسكرية ذات خصائص متماثلة تجعلها قادرة على
فرض إرادتها أو إحداث تغيير ما في معادلة السلطة. وفي
حقيقة الأمر، لم يعهد في أي من تجارب الصراع على السلطة
السابقة دخول شخصيات عسكرية على خط الصراع، بل هناك توافق
داخل الأسرة المالكة على إبقاء شؤونها محصّنة أمام عموم
الناس، والأمر الآخر، غياب شخصيات عسكرية مؤثّرة ومقتدرة
يمكن الرهان عليها..
نذير من الداخل
لم يعد سرّاً أن أسرة آل سعود تعيش صراعاً متعاظماً
على السلطة، سواء على خلفية خروج أجنحة أساسية من خط السباق
الى العرش في عهد الملك عبد الله، أو كرد فعل على سياسة
التهميش التي اعتمدها الملك سلمان منذ الأيام الأولى لاعتلائه
السلطة، أو نتيجة الانتقال المفاجىء للسلطة من الجيل الثاني
الى الجيل الأول دون حساب للتوازنات داخل الأسرة المالكة
والقائمة على توزيع متعادل للمناصب بين الأجنحة الرئيسة.
على أية حال، فإن معركة الخلافة فتحت الطريق أمام مناظرة
واسعة داخل العائلة بما في ذلك الرسائل التي انتشرت خلال
العام 2015 وتدعو الى إزالة الملك ووليي عهده.
في الرابع من إيلول (سبتمبر) 2015 وجّه أحد الأمراء
من أحفاد الملك عبد العزيز آل سعود دعوة أطلق عليها (نذير
عاجل لكل آل سعود) استحضر فيها التحديات السابقة التي
واجهت الحكم السعودي منذ بداياته وحتى اليوم. وشدّد الأمير
على خاصيتي (الأكبر والأصلح) في المرشّح لتولي العرش،
وأضاف اليهما خصائص أخرى مساعدة مثل إشراك بقية الأمراء
في القرار، والحفاظ على الصبغة الاسلامية للدولة، وعدم
التساهل في تطبيق الشريعة، واحترام العلماء وحفظ دورهم
في المجتمع وإعطاء وجهاء المجتمع قيمتهم. ولفت الى إحدى
المشكلات التي تعاني منها العائلة المالكة وهي «الخلط
بين الحكم والتجارة» في إشارة الى محمد بن سلمان بدرجة
أساسية الذي بات يمسك بملفي الحكم والاقتصاد في المملكة
السعودية.
ورأى الأمير الذي لم يكشف عن هويته خشية القتل، كما
صرّح بذلك للكاتب البريطاني هيو مايلز في حواره مع شبكة
(بي بي سي) في 11 تشرين الأول (أكتوبر) 2015، أن العائلة
المالكة في عهد سلمان لم تعد تلتزم بوصايا عبد العزيز
«فصرنا قريبين من انهيار الدولة وخسارة السلطة، حتى توشك
الكارثة أن تحل علينا وعلى غيرنا» على حد قوله.
وأرجع الأمير التدهور في أوضاع الحكم الى بداية عهد
الملك عبد الله بسبب «سياسات خلخلت ثوابتنا ومنهجنا»،
ومثّل لذلك «بتهميش أبناء عبدالعزيز سواء في السلطة أو
بالمشاركة بالقرار» كما انتقد السياسة الخارجية والدخول
في «حلف عسكري» لضرب العراق وسوريا وحرب اليمن. ووجّه
انتقاداً لاذعاً للمحمدين (بن نايف وبن سلمان) بقوله:
«كيف رضينا أن يكون مصيرنا رهين نزوات مراهقين وتطلعات
مستعجلين؟».
بدا الأمير أشدّ وضوحاً وجرأة في نقد الملك سلمان ونجله
حين شدّد على ضرورة التحرّك على مستوى صناعة القرار بهدف
«إيجاد حل حقيقي لمشكلة الملك العاجز سلمان الذي يستغل
وضعه شاب مراهق». وخلص من ذلك الى ضرورة «تغيير آلية القرار
حتى لو استدعي الأمر تغيير الملك نفسه».
ولفت الأمير الى تأييد كثير من الأمراء لدعوته «أعلم
أن الكثير منكم يؤيدني فيما كتبت لكن كلٌ يقول من الذي
يرفع الراية».
وبرغم من أن الأمير يشدّد على مبدأ الحفاظ على ملك
آل سعود وتماسك الأسرة وبقائها في الحكم، إلا أنه في الوقت
نفسه طالب «بعزل الثلاثة الملك العاجز سلمان بن العزيز،
والمُفَرّطْ المستعجل المغرور ولي العهد الأمير محمد بن
نايف، والسارق الفاسد المُدَمّرْ للوطن ولي ولي العهد
الأمير محمد بن سلمان، ليتولى الأصلح والأكبر إدارة شؤون
البلاد و العباد». وتنصيب «ملك جديد وولي عهد، وأخذ البيعة
من الجميع على ذلك، وإلغاء المنصب المستحدث المستغرب وهو
ولي ولي العهد».
وبعد أقل من إسبوعين، عاد الأمير ونشر بياناً ثانياً
يشتمل على إيضاحات حول خطابه السابق أخبر فيه بالدعم الواسع
من العائلة المالكة ومن رموز شعبية، وناشد أبناء وأحفاد
الملك عبد العزيز لسرعة التحرك وجمع التوقّعات «لعزل الملك
العاجز سلمان وولي العهد وولي ولي العهد».
وفيما يبدو، فإن الأمير واجه انتقادات من أبناء وبنات
الملك سعود على قاعدة المماثلة بين عهده وعهد سلمان في
الفساد وسوء الادارة ونفى المساواة بينهما وقال «إن الأمور
التي عزل بسببها الملك سعود لاتساوي إلا عشرين بالمئة
مما يـُقترف الآن، سواء في تبديد مقدرات الأمة والوطن
أو في فوضى السياسة الداخلية والخارجية».
في توضيح حول معنى عجز الملك سلمان قال بأنه يعني «عجزه
عن القيادة وإدارة شؤون البلاد والعباد اليومية ورئاسة
مجلس الوزراء على نحو فعال بسبب حالته الصحية وأمراضه
العديدة..ولم يعد سراً أن المشكلة الأخطر في وضعه الصحي
هي الجانب العقلي الذي جعل الملك خاضعا بالكامل لتحكم
ابنه محمد».
وفي شأن الاسراف كشف الأمير عن إهدار 160 مليار دولار
(600 مليار ريال، وكذلك سحب ما لا يقل عن 100 مليار دولار
أخرى (375 مليار ريال) لجيب محمد بن سمان وأشقائه تركي
وخالد ونايف وبندر وراكان. ولم يقدّم الامير تفاصيل حول
هذه المبالغ من أين اقتطعها ووجوه صرفها..وذكر «بند الشؤون
الخاصة» والذي يشتمل على 50 مليون ريال يومياً للملك (أو
من يتحكم بختمه ـ إشارة لابنه محمد) لأي أمر يريده. وذكر
الامير الحساب الملكي الخاص وهو حساب جاري في البنك الأهلي
بقيمة 9 مليار ريال وتلتزم مؤسسة النقد بتغطية أي مبلغ
يسحب منه بشكل فوري. يضاف الى ذلك 2 مليون برميل يومياً
تذهب لحساب تابع لمحمد بن سلمان باسم الملك.
على أية حال، تبقى المعطيات خاضعة للنقاش لغياب وسيلة
تحقيق أخرى محايدة أو الاعتماد على مصادر أخرى تؤكدها
أو تنفيها، ولكن من شأنها الاضاءة على أحد جوانب الصراع
على السلطة في العائلة المالكة.
تحدّث الأمير عن منصب رئيس الديوان، وعارض تكرار ظاهرة
عبد العزيز بن فهد، وخالد التويجري، ومحمد بن سلمان في
السيطرة على شؤون الملك.
تقدّم الأمير مرة أخرى بمناشدة أبناء وأحفاد الملك
عبد العزيز لسرعة التحرك وجمع التوقّعات «لعزل الملك العاجز
سلمان وولى العهد وولى ولى العهد، بعد عيد الأضحى المبارك،
وتولية الأكبر والأصلح لإدارة شؤون البلاد والعباد، قبل
هلاك الجميع». وفي حال وفاة الملك سلمان عليهم عزل الملك
الجديد كائناً من كان وولى عهده، وإعادة الأمور إلى نصابها،
بتولية الأكبر والأصلح والأكفأ من أولاد وأحفاد الملك
عبد العزيز..
|
|
هل يتقاعد الملك ويسلم ابنه محمد السلطة والمُلك
على الطريقة القطرية؟! |
في مضامين الرسالتين ما يشي بتطابق من نوع ما مع مواقف
كان الأمير طلال بن عبد العزيز قد أطلقها في مقابلة مع
صحيفة (القدس العربي) الصادرة في لندن في 20 حزيران (يونيو)
سنة 2012، في ردّه على قرار تعيين أخيه غير الشقيق سلمان،
الملك الحالي، وليّاً للعهد. قال الأمير طلال حينذاك أنه
يخشى أن يتكرر ما حدث في الأيام الأخيرة للإتحاد السوفييتي
في المملكة السعودية، حيث أدّى الدفع بمسؤولين كبار في
السن الى قمة الحكم الى الإنهيار. وقال:»إن مجلس العائلة
الذي يضم أبناء وأحفاد الملك عبد العزيز لم يجتمع منذ
أشهر»(5).
وفي حوار مع شبكة (بي بي سي) البريطانية في الحادي
عشر من تشرين الأول (أكتوبر) 2015 أكد كاتب المقال هيو
مايلز، المختص في شؤون السعودية والشرق الأوسط، أنه التقى
بالأمير وتأكد من هويته مئة في المائة». وقال له بأن:
«الأسرة تتخوف من حدوث كارثة إذا لم تتغير الأمور». الكاتب
الأميركي ديفيد إغناطيوس قال أنه تحدّث عبر الهاتف عدّة
مرات مع من وصفه «أحد الأمراء الكبار الذين كتبوا رسالتين».
وذكر الأمير المعارض له بأنه يفضّل تعيين الأمير أحمد،
73 عاماً، إبن الملك المؤسس عبد العزيز. وقال الأمير الذي
رفض الكشف عن هويته مجدّداً «وأنه ـ أي الأمير أحمد ـ
يمثل إختيار 85 بالمئة من عائلة آل سعود»(6).
الأمير كشف عن أن أربعة أو خمسة من أعمامه سوف يجتمعون
لمناقشة رسالتيه، وأنهم يعدّون خطة مع أبناء إخوتهم لجهة
البحث عن مخرج لأزمة الدولة. وقال بأن الكثير من أبناء
الجيل الثاني قلقون للغاية..
يصدر الأمراء الغاضبون عن دوافع شخصية في الغالب، ما
يجعل دعوات التغيير التي يطلقونها موضع ريبة قطاع واسع
من الناس، ولا سيما الاصلاحيين. حديث الأمراء عن سقوط
أسعار النفط يعبّر عن نزاع داخل البيت، أي بين من يعتقدون
بأنهم شركاء حصريون في تقاسم السلطة والثروة، وليس على
أساس الإحساس بضرورة إصلاح النظام بما يستوجبه من توسيع
قاعدة المشاركة الشعبية.
تحدث الامير عن سقوط أسعار النفط الى النصف في العام
2015، ما اضطر الحكومة السعودية الى سحب 70 مليار دولار
من صناديق الاستثمار الأجنبية لدعم موقفها المالي ومواجهة
انهيار أسعار النفط. لا يمكن بطبيعة الحال عزل هذا الانهيار
عن دور الملك شخصياً، فهو مسؤول عن السياسة النفطية للمملكة
الى جانب إبنه محمد بن سلمان، وزير الدفاع ورئيس اللجنة
الاقتصادية والتنمية والمسؤول عن شركة أرامكو، وهذا يجعل
الملك ونجله في موقع المسؤولية المباشرة عن الاخفاق الاقتصادي،
كما تجعل الحوادث المأساوية خلال موسم الحج لعام 2015
(سقوط رافعة الحرم، التدافع في منى، انهدام فندق في مكة)
الأمير محمد بن نايف في موقع المسؤولية المباشرة عن الاخفاق
الأمني.
في رسالتي الأمير دعوة للأمراء الثلاثة عشر (بإضافة
الأمير نواف بن عبد العزيز الذي توفي في 29 سبتمبر 2015)
من أبناء عبد العزيز وخصوصاً الأمراء طلال وتركي وأحمد
«بما لهم من باع طويل، وخبرات سياسية وإدارية يعرفها الجميع،
يجب استثمارها فى صالح الدين والمقدسات والشعب» للخروج
بموقف موحّد وإزاحة سلمان من القيادة في انقلاب داخل القصر،
قبل اختيار حكومة جديدة من داخل العائلة المالكة. وفي
النتائج: تعد الرسالتان فريدتين لناحية كونهما لا سوابق
لهما منذ انقلاب القصر في العام 1964(7). أي المطالبة،
بتكرار تجربة عزل الملك سعود من منصبه نتيجة اتفاق فيصل
وإخوانه وأبنائهم وأبناء إخوتهم على ذلك وأن يقوم هؤلاء
الأمراء الكبار من أبناء عبد العزيز «بعزل الثلاثة الملك
العاجز سلمان بن العزيز، والمُفَرّطْ المستعجل المغرور
ولى العهد الأمير محمد بن نايف، والسارق الفاسد المُدَمّرْ
للوطن ولى ولى العهد الأمير محمد بن سلمان، ليتولى الأصلح
والأكبر إدارة شؤون البلاد و العباد». وتنصيب «ملك جديد
وولى عهد، وأخذ البيعة من الجميع على ذلك، وإلغاء المنصب
المستحدث المستغرب وهو ولى ولى العهد».
يقول الامير بأنه تلقى مواقف داعمة لدعوته داخل العائلة
المالكة والمجتمع بصورة عامة. ولكن لم يعبّر سوى أمير
واحد عن موقفه الداعم لهاتين الرسالتين، ولا غرابة في
ذلك بسبب التاريخ الطويل للنظام السعودي في قمع المخالفين..ولكن،
هناك كلام منسوب لأمير سعودي منشق بأن 8 من أصل 12 من
أبناء الملك عبد العزيز يدعمون التحرك لعزل الملك سلمان
من منصبه كما حدث مع شقيقه الملك سعود عام 1964. وهناك
دعم متنامي لعزل الملك سلمان وتولية شقيقه الأصغر الأمير
أحمد بن عبد العزيز، الذي كان يشغل منصب وزير الداخلية.
وأن 75% من العلماء ورجال الدين يفضلون تولي الأمير أحمد
بن عبد العزيز لزمام الأمور في المملكة. وأضاف: أن دعم
رجال الدين سيكون أمراً حيوياً لأي تغيير يحدث في المملكة
منذ قيامها، مشيراً إلى أنهم يملكون القوة لمنح الشرعية
الدينية ومن ثم السياسية لمن يقود البلاد.
ويُنظَر الى الأمير أحمد الذي كان بحسب تقاليد الوراثة
في البيت السعودي بأنه كان الأوفر حظاً بعد الملك سلمان
في حال بقي في منصبه السابق وزيراً للداخلية قبل أن يُعفى
منه بعد ستة شهور من توليه المنصب في الفترة ما بين (18
يونيو ـ 5 نوفمبر 2012). وبحسب ديفيد أوتاواي: «لايزال
يحظى الأمير أحمد يحظى داخل عائلة آل سعود، بحسب دوائر
ملكية ودبلوماسية سعودية»(8). في المقابل، يلحظ على الأمير
أحمد بحسب مقرّبين أنه رغم توقه للعودة الى الحكم الا
أنه يؤخذ عليه التردد والحذر، وينتظر من الآخرين الدفاع
عنه والانتصار لما يعتقد بأنها ظلامة بحقه.
لا يريد أحمد الظهور في هيئة المنازع لملك شقيقه سلمان
وإبنه محمد، الأمر الذي يقلل من فرص استلامه زمام المبادرة،
بانتظار جهة ما تقوم بالمهمة نيابة عنه وحمله الى العرش..رسالة
الأمير من أحفاد عبد العزيز تعلي من مكانة الأمير أحمد
وتحمّله مسؤولية جمع الآراء وحشد المقامات داخل العائلة
المالكة من أجل القيام بالتغيير المأمول، أي عزل الملك
سلمان وولي عهده محمد بن نايف ونجله محمد بن سلمان الذي
يطلق عليه «السارق الفاسد».
نقل أن عدّة مئات من مناصري الأمير أحمد تجمّعوا في
مطار الرياض لاستقباله والتعبير عن مناصرته عقب عودته
بعد إعفائه من منصبه، وكان من بين المناصرين ناشطون في
مجال حقوق الانسان والجناح الليبرالي في العائلة المالكة
يقوده الأمير طلال.
يقترح الأمير المنشق أن يتولى الأمير أحمد بن عبد العزيز
مسؤولية كل شيء من البترول الى الدفاع الى الداخلية والاقتصاد
حتى مع بقاء الملك في منصبه على أن لا يزاول أي مهام(9).
طالب الأمير بعقد اجتماع طارىء لكبار الأمراء في الأسرة
للبحث عن مخرج «وإجراء تغييرات فى المناصب الهامة، و تولية
أصحاب الكفاءات من العائلة الحاكمة، سواء كانوا من الجيل
الأول أو الثانى أو الثالث أو الرابع. ونقترح أيضاً جمع
توقيعات من أبناء وأحفاد الملك المؤسس بشأن الإجراءات
المقترحة، و تنفيذ ما تُقِرّه الأغلبية للصالح العام».
هناك من يعتقد بأن دعوة الأمير صاحب الرسالة الى اجتماع
عاجل لأبناء عبد العزيز قد تحقّقت ولكن طلب عزل ولي العهد
أو وولي العهد تبدو غير قابلة للتحقّق»، حسب الباحث كريستوفر
ديفدسون، مؤلف كتاب (ما بعد الشيوخ)(10).
لاريب، إن طبيعة الصراع بعد موت الملك عبد الله شهدت
تبدّلاً جوهرياً. وبحسب ديفيد اغناطيوس، أن الأمراء السعوديين
سوف يفكّرون بعد موت الملك عبد الله كيف يحافظون على بقاء
البيت السعودي. توازن القوة في الشرق الأوسط سوف يتشكّل
من خلال قراراتهم. ولكن في السعودية، كما في معظم الأماكن،
السياسة محلية الطابع(11). وأمكن القول في الخلاصات أن
رسالتي الأمير تعكسان جزئياً على الأٌقل صراع بين الأجيال
داخل آل سعود، وتأتي بعد أن حاربت الأجنحة القوية في العائلة
من أجل السيادة في أعقاب موت الملك عبد الله(12).
خلاصة
يبدو مشهد الصراع على السلطة في المملكة مفتوحاً على
احتمالات عديدة وأيضاً مفاجئات، وقد يضمر المستقبل ما
هو أسوأ في حال بقيت معادلة السلطة على حالها. وفيما تحول
الإجراءات الصارمة في العائلة المالكة دون تسرّب أسرار
الصراع على السلطة الا أن ما ينشره الأمراء من رسائل ويدلون
به من تصريحات أو ما تنبىء عنه القرارات والمواقف الصادرة
عن الملك وكبار الأمراء تكشف عن خلاف عميق يتمحور حول
مبدأ تقاسم السلطة بين ابناء وأحفاد المؤسس.
ينظر كثير من المراقبين الى العاصفة السياسية المتنامية
في السعودية بقدر من الاهتمام، وإن المملكة الهادئة لم
تعد كذلك، بل كل مافيها ويحيط بها ينبىء عن أيام صعبة
وأوضاع مرتابة.
ولأول مرة تبدو صورة المستقبل ضبابية وحالكة الى حد
كبير في ضوء المتغيرات الدراماتيكية الأمنية والسياسية
والاقتصادية والاجتماعية. فلا مراكز القوى مرشحة للتبلوّر
في الأمد القريب، ولا عوامل الاستقرار التقليدية يمكن
توفيرها بسهولة. وعليه، فإن ثمة حدثاً استثنائياً يغير
مسار التدهور في البلاد ويفتح آفاق جديدة لعمليات تحول
واسعة النطاق تعيد تصويب مسار الدولة وتؤسس لمرحلة استقرار
ولكن وفق شروط أخرى.
يواجه آخر أعضاء الجيل القديم تحدّيات غير مسبوقة لإرساء
عملية نقل للسلطة لتفادي «أسئلة المشروعية التي لم تواجه
في القرن الأخير من الحكم السعودي» بحسب ملاحظة العميل
السابق في السي آي أيه، بروس ريدل، والذي يعمل في معهد
بروكنز حالياً(13).
مراكز القوة الحالية في المملكة السعودية قد تبقى ثابتة
لبعض الوقت ولكن تبطن مخاطر جمّة على مستقبلها. سلمان
يسيطر على المال، ومحمد بن نايف يدير وزارة الداخلية وشبكة
المراقبة، ومحمد بن سلمان يسيطر على البترول والوزارات
الاقتصادية الرئيسية، ولكن تبقى هذه المواقع محفوفة بالتبدّل
السريع نتيجة أي تغيّر مفاجىء في موازين القوى.
وبرغم من أن الإجراءات الراديكالية التي قام بها الملك
سلمان في بداية عهده وبما أحدثه من تغييرات هيكلية في
السلطة تمهّد السبيل أمام نجله لوصول مريح الى العرش،
إلا أن ثمة تحدّيات من داخل الأسرة وخارجها تعيق مثل هذه
الفرصة. فمثل تلك الإجراءات ألغت تقليداً سائداً منذ عقود
في العائلة المالكة يقوم على التوافق بين أبناء عبد العزيز
فيما يرتبط بالقضايا المصيرية. وعليه، فمن غير الراجح
أن يكون وجود محمد بن نايف ومحمد بن سلمان على رأس منصبين
رفيعي المستوى (ولي العهد، وولي ولي العهد) يجعل تحقيق
ذلك ممكناً في ظل وجود إثنى عشر من أبناء الملك المؤسس
وأحفاده من كبار السن وأصحاب الخبرة الطويلة بالمقارنة
مع محمد بن سلمان الذي لم يكمل عقده الثالث وليس له خبرة
طويلة في السياسة.
ولذلك، فإن توصيف التغييرات التي قام بها الملك سلمان
في بداية عهده بكونها تندرج في سياق ما يعرف بـ (تغيير
الأجيال) (generational change)، لا يجيب على السؤال الأهم
حول السبب الذي يجعل محمد بن سلمان الأقل خبرة والأصغر
سنّاً أوفر حظاً من أبناء جيله الآخرين.
على أية حال، فإن الصراع على السلطة داخل أسرة آل سعود
لا يؤول بالضرورة الى تفكك الأخيرة أو انهيار الكيان،
ولكنّه بالتأكيد يضعف من بنيته، وقد يكون هذا العامل،
الى جانب عوامل أخرى داخلية اقتصادية وأمنية وخارجية في
هيئة اضطرابات أمنية وحروب وتفشي ظاهرة الارهاب في المحيط
الجغرافي بما يؤول الى اختلال موازين الاقليمية وتبدّل
في شبكة التحالفات الدولية، تفضي في نهاية المطاف الى
تصدّع الكيان وتالياً تفكّك الدولة السعودية.
هوامش
(1) Martin Reardon, Three bold
moves by King Salman, Aljazeera, 01 May 2015, see:
http://www.aljazeera.com/indepth/opinion/2015/05/saudi-arabia-king-salman-reshuffle-150501053335493.html
(2) David B. Ottaway, The Struggle
for Power in Saudi Arabia, Foreign Policy, June 19,
2013
http://foreignpolicy.com/2013/06/19/the-struggle-for-power-in-saudi-arabia/
(3) https://www.whitehouse.gov/the-press-office/2015/09/04/joint-statement-meeting-between-president-barack-obama-and-king-salman
(4) خادم الحرمين: رحم الله من أهدي إلي عيوبي، صحيفة
(الرياض) 29 أكتوبر 2015، أنظر الرابط:
http://www.alriyadh.com/1095304
(5) الأمير طلال بن عبد العزيز لـ «القدس العربي»:
هيئة البيعة لفظت أنفاسها منذ تعيين الأمير نايف ولياً
للعهد والبديل ملكية دستورية وبرلمان منتخب، أنظر الرابط:
http://www.alquds.co.uk/pdfarchives/2012/06/06-19/qfi.pdf
(6) David Ignatius, A cyclone brews over
Saudi Arabia, Washiongton Post, October 13, 2015, see:
https://www.washingtonpost.com/opinions/a-storm-brews-in-saudi-arabia/2015/10/13/886328c0-71e1-11e5-9cbb-790369643cf9_story.html
(7)Hugh Miles, Saudi royal calls
for regime change in Riyadh, 28 September 2015, see:
http://www.theguardian.com/world/2015/sep/28/saudi-royal-calls-regime-change-letters-leadership-king-salman
(8) David B. Ottaway, The Struggle for
Power in Saudi Arabia, ibid
(9) Hugh Miles, Saudi Arabia: Eight of
King Salman’s 12 surviving brothers want to oust him,
The Independent, 24 October, 2015; see:
http://www.independent.co.uk/news/world/middle-east/saudi-arabia-power-struggle-between-king-salman-and-mohammed-bin-salman-could-bring-down-the-a6706801.html
(10) Rori Donaghy, ibid
(11) David Ignatius, Saudi Arabia’s coming
struggle, op.cit.
(12)Rori Donaghy, Senior Saudi royal
urges leadership change for fear of monarchy collapse,
Middle East Eye, 22 September 2015, see:
http://www.middleeasteye.net/news/saudi-arabia-senior-royal-urges-change-amid-fears-monarchy-collapse-1612130905
(13) Carol J. Williams and Alexandra
Zavis, New Saudi king moves quickly to avoid future
power struggle, Los Angelese Times, January 23, 2015,
see:
http://www.latimes.com/world/africa/la-fg-saudi-succession-20150124-story.html
|