السعودية.. ملابس ديمقراطية لـ «الدواعش»!
محمد قستي
تروج الولايات المتحدة منذ مدة لمقولة ان هزيمة داعش
لا يمكن ان تتم الا على يد قوات سنيّة. وهذه المقولة تختزن
عددا من التلميحات السيئة التي تعزز موقف داعش، او على
الاقل كما يعتقد المعترضون، كانت في اساس اطلاق التنظيم
الارهابي.
فالمقولة الاميركية تقول ان أهل السنّة يحاربون الارهاب
السنّي. والشيعة يحاربون الإرهاب الشيعي. وبالتالي ليس
في هذه المنطقة لا دول ولا قوميات ولا أديان، بل مجموعات
من العشائر والطوائف.
والرياض تريد ان تمرر، بسذاجة مصطنعة، ان هذا التنظيم
يمثل أهل السنّة. وهذه الرواية هي الغطاء الذي استخدمته
الولايات المتحدة في الاساس للدفاع عن داعش وحمايته في
مرحلة الانطلاق. اذ لطالما روجت الدعاية الصهيونية والاميركية
ان داعش تعبير عن المظالم التي يتعرض لها أهل السنّة على
يد أنظمة شيعية، او حتى غير شيعية، او على يد الاحتلال
الاميركي نفسه.. ويعدون من هذه المظالم: إعدام الرئيس
العراقي السابق صدام حسين، واسقاط التجربة الديمقراطية
في الجزائر في تسعينات القرن الماضي، وكذلك إسقاط حكم
الاخوان في مصر.. وهكذا!
ومن الواضح لكل ذي عين، الافتعال في سرد هذه المظالم،
وحشرها في اطار واحد، دون اي مبرر عقلي، لتبرير المظلومية
المزعومة، التي تعطي الشرعية لداعش، والتوحّش الارهابي
الذي يستقي من الفكر الوهابي شرعيته وخلفيته الدينية.
الشعار ذاته عاد اخيرا بطريقة ملتوية تستبطن تبرير
الارهاب، ونسبته الى أهل السنّة.
فالولايات المتحدة رفضت ولا تزال اشراك الحشد الشعبي
الوطني العراقي في محاربة داعش، حتى لا تستفزّ المشاعر
المذهبية لأهل السنّة، وتشتعل الفتنة التي يهددون بها
المنطقة.
واليوم ايضاً، تتبنّى الولايات المتحدة ـ شيئا فشيئا
ـ هذه المقولة وتريد تعميمها على المنطقة بكاملها، اذ
لا بد من إنشاء جيش سنّي لمحاربة داعش، وتستدعى السعودية
وتركيا، لتكونا رأس حربة لهذا المشروع الأميركي الجديد.
وهذه الدعوة باطلة ومتناقضة، فإذا كان داعش يمثل تنظيما
ارهابيا!
واذا كان مشايخ الوهابية يتبرأون من الفكر الداعشي
الذي يطبق تعليماتهم، بحجة ان اتباع داعش منحرفون ومخطئون
في ترجمة النصوص الوهابية!
واذا كان هذا التنظيم الارهابي قد قتل من أهل السنّة
أضعاف ما قتله من غيرهم، وأساء الى المذهب السنّي في المنطقة
والعالم، بقدر ما اساء للاسلام ككل عقيدة ورسالة!
فالمفترض: أن تكون الحرب مطلباً سنيّاً، وليست إثارة
للفتنة المذهبية، وان يكون عناصر داعش شاذّون منبوذون
لا يمثلون الدول التي أتوا منها، ولا الديانات التي يحملونها،
ولا العقائد التي يتسترون بها.
فالارهابي البريطاني مثلا، لم يعد مواطنا بريطانيا
يفترض أن تحميه سفارات بلاده في الخارج! والارهابي المسلم
لم يعد وجهاً للدين ورمزاً له، بل ضالاً ومنحرفا.
هذا هو المفترض.
الا ان المنهج الاميركي منحرف ومخادع.. وهو في الحقيقة
يخفي الرغبة في:
* حماية هؤلاء المتوحشين.
* تأجيل الحسم معهم لغايات سياسية.
* إطالة أمد الإبتزاز الذي يمارسونه عبر التهديد بهم
ضد شعوب وحكومات المنطقة.
المنهج العقلاني الصحيح في هذا الاطار.. المنهج الفاعل
والطبيعي.. هو الذي يقول أن الارهاب لا دين له ولا عقيدة،
وهو ككل إرهاب آخر مرفوض بالمبدأ، ولا مكان للمتاجرة فيه،
او المساومة عليه. اذ هو لا يلبث ان يرتد وينقضّ على مشغليه
ومموليه ورعاته، ليس لان قياداته بلا اخلاق ولا يلتزمون
بالمواثيق وحسب، بل لأنه بطبيعته نقيض كل القيم والاخلاق،
فهو باعتباره توحشا، قادر على ارتكاب المحرمات. وباعتباره
تكفيريا عدمياً، يرفض الجميع، ولا يقبل أنصاف الحلول،
والحوار، والتعايش السلمي مع الاخر.
الحرب على الارهاب حرب وطنية، لا دينية.
وعلى المرجعيات الدينية ان تساهم فيها بالتبرؤ من القتلة
المتوحشين، وتسفيه عقائدهم، والبعد عنهم.
إنها حرب تتطلب حشد كل الجهود، والتعالي على كل الخلافات،
وليس تعميق الإنقسامات المذهبية، وطرح الشعارات المثيرة
والمقززة لتشتيت الجهود، وتوسيع دوائر الاشتباك؛ وهو ما
تمارسه السياسة السعودية التي تقول انها تحارب الارهاب،
ولكنها تؤجج الصراعات المذهبية، وتوتر العلاقات بين دول
المنطقة وشعوبها، بحيث يخيل لمتابعي اعلامها، وتصريحات
مسؤوليها، ان حربها المركزية هي مع الشيعة ومع ايران ومع
اليمن ومع سوريا ومع العراق ومع مصر ومع روسيا ومع اميركا
ومع الاخوان ومع الفلسطينيين ومع الديمقراطية والاصلاح
وحرية التعبير .. وفي اخر القائمة ترد في المناسبات مسألة
الارهاب.
هذا نقيض المنطق والتاريخ.
فعندما غزت النازية العالم، وهددت قيم الحضارة الانسانية،
توافق الجميع على محاربتها. وتوافق المتخاصمون في المعسكرين
المتناقضين الشيوعي والرأسمالي. والارهاب التكفيري اشد
خطرا من النازية، ولو صارت له دولة لتسبب بمآس تفوق مآسي
الحرب العالمية الثانية.
المطلوب من واشنطن اذا كانت جادة في محاربة الارهاب
ان تتوقف عن هذه المعزوفة التي تبرر لداعش ولا تضعفه.
وان تطلب من حلفائها تكفير الارهاب وتحريمه بفتوى صريحة
واعتبار انه لا يمثل الدين والمؤمنين، والكف عن النظر
الى مقاتلته بصفتها قتالا لطائفة بعينها.
والمطلوب من واشنطن قبل ان توزع الاتهامات، وتقود اوركسترا
الحرب التلفزيونية الافتراضية على الارهاب، ان توقف تمويل
وتسليح وتدريب الارهابيين.. ان توقف مدهم بالخدمات اللوجستية
من أقمارها الصناعية، ومن غرف عمليات اصدقائها الاتراك
والسعوديين.. وان توقف خدمات الانترنت والاتصالات السلكية
واللاسلكية والفضائية عن جهاز ضخم يقود التنظيم.. وان
توقف شراء النفط والمحاصيل من قيادات داعش بشكل رسمي ومنظم
عبر الحدود التركية.
لقد ثبت ان داعش ليس الا نمراً من ورق، الا انه محمي
بالقرار الاميركي، وبالسلاح التركي والمال السعودي.. والحديث
عن قوى سنيّة قادرة على محاربة التنظيم الارهابي خدعة
مكشوفة.
بصراحة: ما تخطط له اميركا هو: ادخال الجيوش السعودية
والتركية وسواها لمنع التعرض للارهابيين، وحمايتهم من
القصف الروسي، وزحف القوى العسكرية الى معاقلهم، والقضاء
عليهم.
وبصراحة اكثر: واشنطن تعرف مدى التعاطف بين مقاتلي
داعش وضباط وجنود الجيوش الزاحفة، ولن تحدث اي حرب حقيقية
بين هؤلاء وهؤلاء، بل سيجري اقناع الارهابيين بتغيير ملابسهم،
وتغيير اسم دولتهم.. بذات المضمون وذات المهمة.. في مرحلة
اولى!
فقد سبق لتركيا وقطر ان طرحتا ان تتخلى جبهة النصرة
عن ارتباطها بأيمن الظواهري زعيم القاعدة، لكي يجري ادراجها
ضمن «الثوار المعتدلين»! نعم هكذا بكل بساطة وسذاجة واستهبال..
يكفي الارهابي ان يغير ملابسه ليصبح ديمقراطياً!
الحكام السعوديون والأتراك يراهنون اليوم على نجاح
خطتهم مع داعش، بعد أن رفضها قاعديو جبهة النصرة.. لسبيين:
الاول هو دخول السعودية على الخط بما لها من «مونة» فكرية
وعقائدية وتمويلية على هذا التنظيم الارهابي.. والثاني:
ان الكثير من قيادات داعش هم ضباط صداميون، ولا بد انهم
يمتلكون خلفية سياسية أكثر مرونة من رجال تورا بورا.
وبصراحة اكثر فأكثر: الولايات المتحدة تريد اقامة الإقليم
السنّي.. في العراق، في سوريا، بينهما، في اي مكان.. وليكن
داعشيا، وهابيا، تركيا، قاعديا.. لا فرق.. فهذه هي عقدة
الاستراتيجية الاميركية، ان تبقي مفجرا لبرميل البارود
في منطقة تشعر انها خسرتها، وهي في كل حال تريد الخروج
منها.
أليست هذه هي السياسة الاستعمارية المعروفة والمسجلة
بالوثائق منذ قرون؟ وهل من الصعب على الخبير البريطاني
ان يعلم الكاوبوي الاميركي هذه القاعدة؟
|