خلفيات القرار السعودي بالتدخل في سوريا
استخدمت السعودية عنوان التحالف الدولي في حرب برية
في سوريا رعاية لعضوية تركيا في الناتو واستدراجه للحرب
الشاملة. الحرب في سوريا مصيرية للنظام السعودي، وعلى
ضوئها سوف يتقرر مستقبل النظام السعودي ودوره الاقليمي
يحي مفتي
قالت مجلة فورين بوليسي في 29 يناير الماضي انها حصلت
على وثيقة سرية اعدها الفريق التابع للموفد الاممي الى
سوريا ستيفان دي مستورا تحذر من ان الامم المتحدة لن تستطيع
مراقبة او تطيبق أي اتفاق سلام قد ينتج عن مفاوضات جنيف.
وبحسب تقرير نشرته المجلة جاء في الوثيقة ان الظروف
السياسية الحالية على الصعيد الدولي والداخلي السوري،
وكذلك «بيئة العمل في سوريا»، تفيد بقوة ان المهمة الاممية
التي تعتمد على قوات دولية او مراقبين عسكريين لا تتناسب
ومهمة مراقبة الهدنة، أي ان سوريا ستبقى لفترة طويلة اخطر
مما تستطيع التعامل معه قوات حفظ سلام اممية.
كما تشدد الوثيقة وفقاً للمجلة الاميركية على ضرورة
«تحول واضح في دور مجموعة الدعم الدولية لسوريا الراعي
للعملية السياسية نحو دور الضامن للاتفاقيات»، وتحث الوثيقة
مجموعة الدعم الدولية على «تنسيق جهود الدول الاعضاء»
والاتصال مع الحكومة والجماعات المسلحة من اجل التوصل
الى اتفاق وقف اطلاق النار وعلى المستوى الوطني والحفاظ
عليه. كذلك ورد في تقرير المجلة ان الوثيقة تتحدث عن اتفاقيات
هدنة في كل منطقة على حدة في سوريا، تمهيداً لاتفاق على
مستوى البلد باكمله.
صحيفة نيويورك تايمز نشرت تقريراً في 28 يناير الماضي
جاء فيه ان مسؤولي وزارة الحرب الاميركية البنتاغون، قد
توصلوا الى استنتاج بضرورة ارسال مئات المدربين والمستشارين
العسكريين الاميركيين الاضافيين الى العراق وسوريا خلال
الاشهر المقبلة «بينما تشتد الحملة لعزل داعش».
وأوضح التقرير نقلاً عن مسؤولين في الادارة الاميركية
ان المسؤولين العسكريين قد اخبروا البيت الابيض خلال اجتماعات
جرت مع الفريق الامني التابع للرئيس باراك اوباما، بان
الحاق الضربة القاضية بداعش يتطلب المزيد من القوات للعمل
مع عناصر الجيش العراقي والعناصر الكردية، وكذلك مقاتلي
«المعارضة السورية المعتدلة». وأضاف بأن صعود داعش أثار
قلق البيت الابيض، بحيث أصبح اوباما مستعداً للنظر في
تعزيز الدور الاميركي في العراق وسوريا، وذلك بحسب ما
نقل عن مسؤول اميركي رفيع.
وفي الوقت نفسه أشار التقرير نقلاً عن مسؤول آخر بأن
من غير المرجّح أن يتخطى عديد القوات الاميركية 4500 عنصراً
مع مرور الوقت، وان ذلك قد يأتي بشكل تدريجي حتى. كذلك
أكّد التقرير ان واشنطن تريد تعزيز دور الحلفاء في هذه
الحرب، كاشفة عن رسالة كان قد وجّهها وزير الحرب الاميركي
«آشتون كارتر» الى وزير الدفاع الايطالية روبرتا بينوتي
حثّ فيها روما على تعزيز دورها في الحرب على داعش.
بدورها اشارت مجموعة صوفان للاستشارت الامنية والاستخبارتية
ان تصريحات المسؤولين العسكريين والحكوميين الاميركيين
تكشف بوضوح التوجه نحو تعزيز العمليات العسكرية الاميركية
في كل من العراق وسوريا وافغانستان وليبيا. ورأت المجموعة
التي تعتبر من أهم المؤسسات التي تعمل في مجال الامن والاستخبارات
أن ذلك بمثابة اعتراف بأن استراتيجية الاعتماد على الطائرات
من دون طيار، وتخفيض التواجد العسكري، والتعاون مع فصائل
محلية لم يحقق النجاح. وعليه توقعت تصعيد التكتيكات الاميركية
في الحرب على الارهاب خلال العام الجاري.
على صعيد العراق، قالت المجموعة ان واشنطن تبدوا عازمة
على لعب دور قيادي في الهجوم المتوقع لاستعادة مدينة الموصل،
مرجّحة أيضاً تعزيز عمليات المداهمة من قبل فرق القوات
الخاصة الاميركية وكذلك الضربات الجوية. وفي سوريا رأت
المجموعة أن حجم التهديد الذي تشكّله كل من جبهة النصرة
وداعش أجبر واشنطن على تغيير مقاربتها، حيث تحتاج المزيد
من العناصر على الارض. ولفتت الى التقارير التي أفادت
أن الولايات المتحدة تستخدم حقل «رميلان» الجوي في شمال
شرق سوريا من أجل دعم العمليات العسكرية ضد داعش، وتوقعت
أيضاً انتشار المزيد من العناصر الاميركية في سوريا خلال
عام 2016 بينما تصبح استعادة مدينة الرقة مسألة اكثر الحاحاً.
اما في افغانستان فقالت المجموعة أن ظهور داعش هناك،
إضافة الى التواجد المستمر لتنظيم القاعدة وصعود جديد
لحركة طالبان، سيتطلب تعزيز التواجد العسكري الاميركي،
وتصعيد العمليات أكثر مما كانت تخطط له واشنطن العام الفائت.
واعتبرت مجموعة صوفان ان الوضع في ليبيا يشكل تهديداً
ليس لليبيا فقط، وانما أيضاً للمنطقة وما أبعد منها، مشيرة
بهذا السياق الى ان واشنطن تدرس القيام بعمليات عسكرية
كبيرة في هذا البلد. وأضافت ان التصعيد العسكري الاميركي
في ليبيا سيتضمن زيادة الضربات الجوية وتواجد معين للقوات
الاميريكية على الارض.
تلك كانت الصورة التي تعكسها المواقف الأميركية والدولية
قبل الموقف السعودي.
وجاء التطوّر الميداني في شمال سوريا، وخصوصاً في ريف
حلب الشمالي، ما أدى الى تعطيل مفاوضات جنيف 3.
أعلنت الرياض وبصورة مفاجئة في 4 فبراير الجاري عن
استعدادها لإرسال قوات برية الى سوريا لمحاربة (داعش)
بوصفها عضواً في تحالف دولي ضد الارهاب تقوده الولايات
المتحدة. لم تستخدم السعودية عنوان (التحالف الاسلامي
العسكري) ضد الإرهاب، وكان ذلك لافتاً، بل اختارت العنوان
الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، لأن تركيا عضو في
حلف الناتو، ولابد من موافقة الحلف على مشاركتها، إلى
جانب أن المواجهة لن تكون سهلة فهي ستكون مع روسيا، وهي
بحاجة الى مضّلة أكبر..
لم يتأخر الترحيب الأميركي للاستعداد السعودي. فإدارة
أوباما تجد نفسها مكبّلة في موضوع الانخراط في حروب مباشرة
وارسال جنود يقاتلون في الميدان، فوجدت في قرار الرياض
مناسبة للتعويض، برغم من أن الأخيرة لن تحدث تغييراً جوهرياً
في موازين القوى على الأرض، وهي التي جرّبت المعارك الميدانية
في حربها مع اليمن، وكيف كان الجنود السعوديون يهربون
أمام المقاتلين اليمنيين.
بالنسبة للنظام السعودي تبدو الحرب في سوريا، كما حروب
المنطقة كافة، بالنسبة له مصيرية، أي على ضوئها سوف يتقرر
مستقبل النظام السعودي ودوره المستقبلي. ولذلك، فإن استعداده
لخوض الحرب ليس مجرد اعلان، وقد يكون قرارها حافزاً لقوى
إقليمية أخرى على التدخّل، وقد تدخل اسرائيل في المعركة
في اللحظة المناسبة.
ذكر موقع سي إن ان العربي في 6 فبراير الجاري نقلاً
عن مصدرين سعوديين مطّلعين أن السعودية وتركيا عيّنتا
قيادة للقوات المشتركة التي ستدخل سوريا من الشمال عبر
تركيا. وبحسب الموقع فإن قائمة الدول الآسيوية المشاركة
هي ماليزيا وإندونيسيا وبروناي والتي أسست قيادة مشتركة
لم تعلن عنها حتى الآن.
راديو أوست الأوروبي نقل في 5 فبراير الجاري عن مصادر
استخبارية غربية قولها أن السعودية لا تملك أية مقومات
لاشراك عشرات الآلاف من قواتها في معركة برية في سوريا
بذريعة قتال تنظيم داعش الارهابي، مؤكداً أن السعوديين
يواجهون تحديات في حربهم على اليمن، وعجز كامل عن دفع
قوات الحوثيين والقبائل اليمنية الى خلف الحدود بعدما
دخلوا الى عمق 50 الى 60 كيلومتراً في جيزان ونجران، واستيلائهم
وتدميرهم مقرات وقواعد عسكرية سعودية.
ويقول التقرير أيضاً أن السعودية سوف تعتمد على قوات
جمعتها ضمن اطار حرب اليمن من قوات سودانية وسنغالية واماراتية
وسترافقها قوات تركية وربما مصرية، لأن من دون هذه القوات
لن تستطيع السعودية ارسال حتى 3 آلاف جندي من قواتها الى
داخل سوريا.. مؤكداً أن الأمراء لن يجرؤوا على ارسال وحدات
عسكرية بدون حصول الامريكان على ضمانات من روسيا بعدم
استهداف قواتهم والقوات الحليفة لهم في الاراضي السورية
ومن بينها القوات التركية.
ينطلق آل سعود من وهم أن السيطرة على العاصمة اليمنية
صنعاء باتت قريبة، وأن إلحاق الهزيمة بالجيش واللجان الشعبية
في اليمن لن تتأخر، بل سوف يتيح الانتصار لهم التفرّغ
تماماً للمعركة في سوريا.
إن استغلال عنوان الحرب على داعش لم يعد قابلاً للتسويق،
فقد باتت المعركة مكشوفة وأطرافها أيضاً معروفون. توقيت
قرار المشاركة السعودية في الحرب كان ذا دلالة، فقد جاء
نتيجة المتغير الميداني الذي حققه الجيش السوري في الشمال
والجنوب السوريين ولاسيما في حلب ودرعا وكسر الحصار عن
بلدتي نبل والزهراء وقطع طرق الإمداد على المسلّحين بين
حلب والحدود التركية، وذلك بفعل الغطاء الجوي الروسي.
هذا المتغيّر الميداني لم يعطل جنيف 3 فحسب، بل تسبّب
في استعجال القرّار المبيّت لدى السعودية وحلفائها للانخراط
المباشر في الحرب.
نفي الرئيس التركي أردوغان التقارير الروسية عن حشود
عسكرية تركية على الحدود السورية لم يؤخذ جديّاً، فتلك
رسالة واضحة روسية بانكشاف خطة الهجوم لدى تركيا والسعودية
وحلفائها، وجاء الاعلان السعودي ليؤكد تقارير الروس..
فالحشود متواصلة، وأن الخيار العسكري بات هو المطروح عملياً،
وليس مستبعداً أن تشهد الساحة السورية مواجهات شرسة قريباً.
على أية حال، فقد أعلن أردوغان في 8 فبراير الجاري بأن
بلاده لن تكرر خطأ 2003 حين رفضت المشاركة في التحالف
الدولي لاسقاط نظام صدام حسين، ما يعني أنها تتأهب للانخراط
في التحالف الدولي لاسقاط نظام بشار الأسد.
وقد تمارس السعودية وتركيا وحلفاؤهما ذات الاستراتيجية
المتبّعة لدى التحالف الروسي الايراني السوري، بحيث تتولى
طائرات الناتو القصف الجوي فيما تتولى قوات سعودية تركية
وغيرها المهمة البرية.
إذن بات التصريح المتكرر لعادل الجبير وزير الخارجية
لقرابة العام بأن «لا مكان للأسد في المرحلة المقبلة،
ولا بد أن يرحل سواء عبر الحل السياسي أو بالقوة» وجد
تفسيره العملي، برغم من أن الحسابات العسكرية التي تبني
عليها السعودية قراراتها تبقى غامضة، بالنظر الى قدراتها
المحدودة في تغيير موازين القوى.
منذ كان بندر بن سلطان يتولى ملف المعارضة السورية،
راهنت السعودية على عدم عودة حلب الى النظام، وهي اليوم
تخشى أن تخسر رهانها في سوريا ولذلك قرّرت التدخل العسكري
البرّي، رغم أنها معركة محفوفة بالخسائر. فالقتال ضد داعش
سوف يتدحرج الى المواجهة التي كانت تخطط لها السعودية
بين الولايات المتحدة والناتو من جهة، وروسيا والمحور
الايراني السوري من جهة ثانية.
خسرت السعودية حليفها زهران علوش، قائد (جيش الاسلام)،
فيما تعرّض «جيش الفتح» التابع لها لهزائم متتالية نتيجة
القصف الروسي الكثيف على مواقعه في إدلب وجسر الشغور.
كل المراقبين باتوا يدركون أن السعودية تخوض مقامرة باسم
منظومة دول وهي تسوق دولاً عديدة الى مواجهة عبثية ولا
طائل منها، بل لا مصلحة لهذه الدول فيها. إشباع الغرائزية
الجشعة لدى النظام السعودي سوف يكون على حساب حياة الناس،
وثروات البلاد، واستقرار وأمن الملايين، وهناك من قادة
الدول مثل رجب أردوغان الذي يشارك آل سعود الخسارة السياسية
يطمع في التعويض عن خسائره الاقتصادية عن طريق «تجارة
الحروب». أما الغرب فلا يهمه حروب آل سعود، من يموت فيها
ومن يحيا، طالما أنهم سوف يسكبون أموال الشعب في مصانع
السلاح، ويحرّكون عجلة الاقتصاد الاميركي والأوروبي.
المنطقة اليوم أمام نوبة جنون سعودي جديدة، فقبل أن
تحسم نتائج عدوانها على اليمن، الذي تسبب في أكبر كارثة
إنسانية في العالم، أرادت التوجّه ناحية الشمال، إلى سوريا
لإشعال حرب إقليمية جديدة تلبية لمطامعها بدلاً من المشاركة
في الحل السياسي ووضع حد للمأساة الانسانية في سوريا،
أرادتها مواجهة عسكرية طاحنة سوف يدفع الشعب السوري ثمنها.
|