الطائفية سلاح آل سعود ضد الاصلاح
نشر معهد واشنطن في 14 يناير الماضي مقالة
للصحافي المصري محمد منصور المقيم في واشنطن حول لعبة
النظام السعودي في الهروب من استحقاق الاصلاح عن طريق
تصعيد الخطاب الطائفي والذهاب به بعيداً من أجل إلهاء
أو تأجيل أو حتى إخماد ـ إن أمكنه ذلك ـ المطالب الإصلاحية
في الداخل، وفيما يلي نص المقالة:
لا يوجد أدنى شك في أن المملكة السعودية تتوجس الان
خيفة ـ مثل باقي الدول العربية ـ من شبح الربيع العربي
الذي نشب في كثير من الدول المجاورة لها، لذلك فهي تسعى
بقيادة الملك سلمان بن عبد العزيز إلى تشتيت الانتباه
بعيداً عن الضغط الداخلي والخارجي، واللذين يطالبانها
بإصلاحات ديمقراطية والتي لو تمت ستمثل تهديدا مباشرا
لحكم آل سعود.
لهذا استخدمت المملكة سياسة التصعيد؛ بإعدامها في توقيت
حساس سبعة وأربعين شخصاً، بعدما أدانتهم المحكمة بتهم
«اعتناق الفكر التكفيري، والضلوع في هجمات إرهابية». وكان
من أبرز المعدَمين رجل الدين السعودي «نمر باقر النمر»،
أحد زعماء الأقلية الشيعية في السعودية. وسرعان ما تصعَّدت
الأمور على المستويين الرسمي والشعبي، وزادت حالة الاستقطاب،
وتعالت لغة التهديد والتنديد بين المعسكرين، إيران وحلفاؤها
من الشيعة في العراق، ولبنان والبحرين في مقابل المملكة
العربية السعودية وحلفائها من الدول ذات الأغلبية السنيّة.
لكن بخلاف بعض المحللين؛ لن تجرؤ الرياض في دخول حرب
ضد إيران، إذ مازال الجيش السعودي غارقاً في المستنقع
اليمني، كما أن الأزمة الاقتصادية قد تفاقمت بعد تدني
سعر النفط عالميا، فما هي إذن الخلفيات والغايات الحقيقة
وراء تصعيد المملكة صراعها ضد المعسكر الشيعي الإيراني
في هذا التوقيت بالذات؟
يرغب الملك سلمان في إيصال رسالة للمعارضة الداخلية،
مفادها: أن الرياض شديدة الحسم تجاه أي انتقادات داخلية
ضد آل سعود، خصوصاً سياستهم تجاه اليمن، والتي زادت وتيرتها
بعد ثورات الربيع العربي، ولقد كان انتقاد «النمر» لآل
سعود في خطبة ترجع لعام 2011، حملت انتقاداً لاذعاً؛ لم
تسمع به المملكة من قبل، إذ وبجرأة كبيرة؛ قال الرجل:
«أنا عمري خمسة وخمسون عاما، منذ ولدت لم أشعر بأمن، ولا
بأمان في هذا البلد»!. وأضاف: «لا ولاية لأي حاكم علينا،
السلطة لا تُعطي الولاية، ولا تُعطي شرعية للولاية، ولاؤنا
لله فقط، لا لآل سعود».
وقد أدت تلك التصريحات قوية اللهجة إلى إقدام السعودية
على إعدام «النمر» بغية إيصال رسالة، مفادها: أنه لا يوجد
أحد فوق آل سعود، فهم أصحاب المملكة، وهم فوق أي انتقادات.
تلك الرسالة هي، أيضاً، للسنة قبل الشيعة، فالشيعة حتى
لو طالبوا بإصلاحات فهم نسبة قليلة؛ من حيث العدد والتأثير
مقارنة مع الأغلبية السنية.
غير أن الخطر الحقيقي في نظر الأسرة الحاكمة يكمن في
التيار الليبرالي، سواءً من السنة أو الشيعة، فأصحاب هذا
التيار من أكثر المطالبين بإصلاحات تواكب التغيرات الحاصلة
بالمنطقة.
ومعلوم أن المملكة أنفقت الكثير من الأموال لوأد ثورات
الربيع العربي، وضخت أموالاً طائلةً على حكومة السيسي
في مصر، كما أنها لا تعترف بجماعة الإخوان المسلمين، بل
وتعتبرها جماعة إرهابية، مثلما تعتبر كل دولة أو حركة
ذات مذهب معارض للوهابية بمثابة خصم حقيقي، حيث أن الفكر
الوهابي يسهل تطويعه، واستثماره لخدمة ودعم نظام آل سعود،
وهذا ما حدث بالفعل منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى
في القرن الـ18 على يد محمد بن سعود، حيث سعت المملكة
الى نشر ودعم الفكر الوهابي في مقابل دعم الحركة الوهابية
لحكم آل سعود. وبالتالي يستخدم الدين لتحقيق مكاسب سياسية
وإذن لا ضرر من وفاق الحكومة السعودية مع النظم العلمانية
في المنطقة، حتى ولو كانت نظماً ديكتاتورية، طالما أنها
لا تعادي سواء الحركة الوهابية أو الحكم السعودي.
ومن الجدير بالذكر أن المخاوف الداخلية للمملكة السعودية
أصبحت أكثر تعقيدا نتيجة التحولات الدولية في تحديد الأولويات.
فعلى المستوى الإقليمي، هناك تقارب بين الولايات المتحدة
وإيران على خلفية الاتفاق النووي الإيراني، ذلك الاتفاق
الذي سيرفع العقوبات عن إيران، وسيخرجها في نهاية المطاف
من حالة العزلة الدولية، وهو الأمر الذي يقلق الرياض التي
تخشى أن ينتج عن ذلك فقدان زعامتها ودورها في المنطقة،
خاصة وأن العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وواشنطن؛ تمر
حالياً بأسوأ فتراتها، حيث تواجه المملكة صعوبة في التواصل
الدبلوماسي مع إدارة أوباما.
في ندوة بالبنك الدولي منذ عدة أسابيع؛ أكد برنارد
هيكل ـ أستاذ في جامعة برنستون، على أن الحكومة السعودية
تفضل الاتصال المباشر مثلما كان الأمر مع بوش الابن ـ
وهو الأمر الذي بات أكثر تعقيداً مع إدراة أوباما، لذلك
شابت العلاقات بعض الفتور على خلفية هذا التجاهل. إضافة
إلى ذلك؛ لا تبدي المملكة علامات رضا عن السياسات الأمريكية
في المنطقة، خصوصاً فيما يتعلق بالأزمة السورية.
وهكذا فإن هذا التقارب الأمريكي الإيراني من جهة، والنفور
الأمريكي السعودي من جهة أخرى؛ قد أثار حفيظة المملكة،
مما أدى الى قيامها بهذا العمل الاستفزازي، حتى ترسل رسالة
للإيرانيين، مفادها: أن التحالف الذي شكلته المملكة هو
الأقوى، وأن إيران لن تنعم بأي نفوذ مهما أشعلت من اضطرابات
في المنطقة. غير أن هذه الأحداث المستجدة بين الطرفين
تبدو، وكأنها ليست سوى استعراض للعضلات فحسب، إذ ليس لكليهما
الاستعداد التام للدخول في حرب مباشرة مع الآخر.
وتعتبر عمليات الإعدامات التي قامت بها السعودية محاولة
لزيادة التوترات بين المملكة وإيران. والغريب في الأمر
أن إيران بلعت الطعم سريعاً، وهذا ما يفسر مدى حساسية
الحالة الطائفية في المنطقة، حيث قام عدد من الإيرانيين
بالهجوم على السفارة السعودية في طهران، فاستغلت الرياض
الحدث، واتخذت منه ذريعة لقطع علاقاتها الدبلوماسية مع
العاصمة الإيرانية محققة بذلك أهدافاً سياسية.
هكذا يبدو الصراع بين المعسكر السنّي بقيادة الرياض،
والمعسكر الشيعي بقيادة طهران؛ وقد دخل في طور التصعيد
من خلال أحكام الإعدامات. وينبغي علينا أن ننتظر ونرى
ما إذا كانت تلك الأحداث ستكون بمثابة الشرارة التي ستشعل
المنطقة برمتها، أم أن صوت الحكمة والتعقل سينتصر، فتعود
الأمور إلى سابق عهدها، حيث العيش بسلام ظاهري مع حرب
باطنية.
|