(قانون محاسبة السعودية)
الشعب.. الخيار الاستراتيجي للسلطة
لماذا يتحمل المواطن تكلفة أخطاء حكومته، ولماذا يصل الابتزاز بالادارة
الاميركية الى حد تجفيف منابع الثروة الوطنية؟. فمنذ أحداث الحادي عشر
من سبتمبر والحكومة السعودية خاضعة تحت ضغوط أميركية متواصلة بحجة تسديد
فاتورة سبتمبر الباهضة، حتى أنها كانت على استعداد لتعويض تكاليف الحرب
على العراق من ثروة البلاد النفطية، فقد تحوّلت أحداث سبتمبر كورقة الجوكر
بيد الادارة الاميركية تستعمله وقت الحاجة، وتملي على الحكومة السعودية
شروطها ومطالبها، تارة باسم تورط مواطنيها في الهجمات الانتحارية وأخرى
باسم عدم التعاون في الجهود لمكافحة الارهاب، وقائمة الاعذار والتبريرات
مفتوحة للادارة الاميركية لتشمل حتى ثقب الاوزون.
قد نشرت وسائل الاعلام الاجنبية في الثالث من فبراير بأن السعودية
قامت باستئجار سبع ناقلات نفط عملاقة من السوق الفورية لنقل 14.5 مليون
برميل من النفط الخام بشكل عاجل للولايات المتحدة الأمريكية، وفي اليوم
التالي نشر خبر آخر بأن السعودية أقدمت على خفض جميع خاماتها النفطية
للشحنات الى الولايات المتحدة الامريكية لشهر اذآر (مارس) بما يتراوح
بين 75 سنتاً ودولار ونصف، بينما أبقت السعودية أسعار الشحنات الى آسيا
واوروبا بلا تغيير. كل ذلك من أجل سد العجز الحاصل في الانتاج المحلي
الاميركي وتغطية الزيادة الواقعة في الاستهلاك النفطي في الولايات المتحدة.
ولا يمكن تفسير هذا التبذير في الثروة الوطنية سوى كونه جزءا من لعبة
الابتزاز الاميركي، ولا يمكن أيضاً تفسير قبول الحكومة السعودية بهذا
الابتزاز سوى الاحساس بالخوف من العقاب، ومهما كان الحال فإن المواطن
والوطن يدفعان ثمن هذه اللعبة القذرة بكل المقاييس. ومن الغريب أن يقابل
هذا الكرم البدوي بالمزيد من الاجراءات الصارمة والقوانين الظالمة، وأن
يصيب أغلبية الشعب كفلين من عقاب أميركا مرة من النفط وأخرى من القوانين.
فاضافة الى خضوع مواطني المملكة السعودية المسافرين الى امريكا للمراقبة
الدائمة والتفتيش الشخصي، فقد صدرت قوانين صارمة تضع كل مواطني هذا البلد
تحت دائرة الاتهام الأولي.
إصلاح العلاقة مع الشعب
قد أثبتت الادارة الاميركية من خلال التدابير التي اتخذتها ضد حليفتها
الاستراتيجية، أي السعودية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر بأن المصالح
الاستراتيجية الأميركية كانت أقوى من الاسس التي بني عليها التحالف،
فقد تصدّعت تلك الاساس لحظة تصدّع بنيان البرج الأول في نيويورك في الحادي
عشر من سبتمبر 2001، وقد أظهرت الادارة الاميركية بأنها على استعداد
للتضحية بحليف استراتيجي شاركها في مشاريعها الكبرى في الحرب الباردة،
وها هي تفرض عليه قانون محاسبة أطلق عليه مجلس الشيوخ مشروع (قانون محاسبة
السعودية) الذي يدعو لعقوبات ضدها في حال لم تبد تعاوناً مع الولايات
المتحدة في حربها على الارهاب . ثم جاء كتاب (نهاية الشر) لأحد أركان
المحافظين الجدد ريتشارد بيرل ليوجه فيه رسالة صارمة واتهام عام ليس
للحكومة السعودية وللجماعات المتشددة فحسب بل يكاد يعمم الحكم على كل
مواطني السعودية، وقال بأن (السعوديين جديرون بأن يتبوؤا مكانهم في محور
الشر) وحذّر قائلاً بأن أي شيء يقلل من تعاون السعوديين التام في الحرب
على الارهاب (ستكون له عواقب وخيمة على الدولة السعودية).
ومن الغريب أن بوب جراهام من فلوريدا والذي يرأس لجنة الاستخبارات
التابعة لمجلس الشيوخ والتي أصدرت تقريرها في الثاني من فبراير لتقييم
أحداث الحادي عشر من سبتمبر تحت عنوان (الحاجة لاصلاحات استخباراتية)،
نقل عن بعض الفقرات المحجوبة من التقرير الصادر قبل عدة أشهر حول أحداث
الحادي عشر من سبتمبر بأن الحكومة السعودية تتعاون بشكل فعّال في جهود
مكافحة الارهاب. ولا ندري لماذا عاد بوب جراهام ونفى ذلك التعاون بناء
على شهادة أخرى من لجنة التحقيق والتي ذكرت بأن المسؤولين السعودين كانوا
غير متعاونين وأنهم لم يتصرفوا في الغالب بناء على معلومات تشير الى
تورط مواطنين سعوديين.
من وجهة نظر كثير من السعوديين فإن حكومة بلادهم تسهم بصورة فاعلة
في الامتثال لإملاءات الادارة الاميركية، كما يظهر من إغلاق فروع مؤسسات
اسلامية مثل رابطة العالم الاسلامي ومؤسسة الحرمين وهكذا أقسام الشؤون
الاسلامية في سفاراتها وقنصلياتها في الخارج، اضافة الى وقف أو تخفيض
عدد كبير من الجمعيات الخيرية ومراقبة حركة الاموال ومساراتها، اضافة
الى القيود الصارمة المفروضة على البنوك والمصارف المحلية.
إن هذه الاجراءات الفورية والصارمة لا يمكن أن تُفهم سوى كونها إستجابة
عملية لطلب الادارة الاميركية بالتعاون، رغم ما تسببه من ردود أفعال
غاضبة أحياناً على المستوى المحلي. وقد يبدو صحيحاً ما ذهب اليه البعض
بأن الولايات المتحدة غير مكترثة بموضوع الاصلاح السياسي في السعودية
بقدر ما يعنيها تأمين أوضاع داخلية تحقق الأمن داخل الولايات المتحدة،
وتكفل بقاء المصالح الاستراتيجية في المنطقة الأكثر حيوية واضطراباً
في نفس الوقت.
إن الطريقة التي أدارت بها الحكومة الاميركية مشكلتها مع السعودية
في موضوع الارهاب ينبّه حكومة بلادنا الى حقيقة جوهرية وهي أن ما يقال
عن (تحالف استراتيجي) هو مجرد تسمية تفقد مصداقها على الواقع، فهذا التحالف
مشدود الى مصالح منظورة يجنيها أحد المتحالفين أو كليهما، وإذا ما تبدّلت
هذه المصالح أو تضاربت فإن التحالف يكون عرضة للتصدع والانهيار.
كنا قد نبّهنا في أعداد سابقة الى أن الحكومة يجب أن تعيد النظر في
تحالفها مع الولايات المتحدة وأن تسعى الى بناء تحالف من نوع آخر يستند
على التحامها مع الشعب الذي يمثل الخيار الاستراتيجي الحقيقي، فهو وحده
الخيار الخالد الذي لا فكاك منه بشرط أن يحسن الحكّام التعامل مع تطلعاته
وآماله، وهو ـ أي الشعب ـ وحده الكفيل بتحقيق الأمن والاستقرار والازدهار
للبلاد، فقد عوّلت الحكومة كثيراً وطويلاً على خيار الخارج في تحقيق
الاستقرار وربطت نفسها بسلسلة تحالفات واتفاقيات أمنية ودفاعية ولكنها
تدرك تماماً بان تلك التحالفات والاتفاقيات قابلة دائماً للاهتزاز والزوال
في حال وجدت الاطراف المشاركة فيها بأن لا مصلحة في الاستمرار.
نأمل أن تعود الحكومة الى شعبها والا تقع ضحية لابتزاز أميركي طويل
الأجل، لأن خسارة الشعب يمثل الخسارة الكبرى التي تمنح الغير فرصة للانقضاض
عليها، تماماً كما خسر طاغية بغداد شعبه فسمح لقوات التحالف أن تغزوه
في عقر داره..نأمل أن يستوعب الحكّام الدرس وأن يسارعوا في إصلاح علاقتهم
مع الشعب قبل أن يكونوا من صيد أمس أميركي.
|