|
مستقبل المملكة مرهون بصراع
المحمدين! |
صراع المحـمدين على السلطة
محـمد بن نايف.. الثعلب المذعور
محمد الأنصاري
السؤال حول اختفاء محمد بن نايف في الشهور القليلة
الماضية كان مطروحاً في الداخل قبل الخارج. فالرجل تعرّض
منذ وصول سلمان ونجله غير المبجّل الى رأس السلطة، تحوّل
بن نايف الى الشخص الثاني مع وقف التنفيذ.
قلق ابن نايف اليوم مزدوج، فمن جهة فهو يتعرض لعملية
تهميش ممنهجة من ابن عمه اللدود محمد بن سلمان، ومن جهة
أخرى فإن الادارة الأميركية خفّضت اهتمامها الى حد كبير
بالمنطقة وبالمملكة السعودية، ما يفقده رهاناً لطالما
اعتمد عليه في تثبيته مرشحاً وشريكاً مستقبلياً.
الباحث الاميركي المعروف بروس ريدل، المتحدّر من المؤسسة
الامنية ومن وكالة الاستخبارات المركزية السي آي أيه،
كتب مقالة نشرت على موقع معهد بروكنز في الثالث والعشرين
من فبراير الماضي، وتساءل فيها عن معنى غياب ولي العهد
السعودي محمد بن نايف عن الانظار.
الكاتب ريدل لفت الى ان محمد بن نايف بقي في السعودية
بالغالب، باستثناء زيارة قام بها الى منتجع كامب ديفيد.
وأضاف إن ولي ولي العهد محمد بن سلمان في المقابل زار
كل من روسيا وفرنسا ومصر والاردن والولايات المتحدة ومقر
حلف الناتو في بروكسل. وعليه أشار الى ان ابن سلمان هو
من يبرم الاتفاقات للمملكة وكذلك هو مَنْ وجّه الحرب على
اليمن.
كما لفت الكاتب إلى غياب محمد بن نايف عن أحداث هامة،
إذ أشار الى أن كلاً من الملك سلمان ونجله محمد بعثا برقيات
تعزية ورسائل دعم الى تركيا بعد الهجوم الارهابي في انقرة،
دون أن يوجه ابن نايف اي رسالة على الرغم من اختصاصه المعروف
بمكافحة الارهاب. كذلك تحدّث عن العدد الكبير من المقابلات
التي اجراها محمد بن سلمان مع وسائل الاعلام، والتي «نادراً
ما يذكر فيها» محمد بن نايف.
و بينما قال الكاتب ان محمد بن نايف لطالما كان رجلاً
بعيداً عن الاضواء، الا ان المقارنة بينه وبين محمد بن
سلمان يحظى باهتمام واسع في الدوائر السعودية، وعليه تساءل
عما اذا كان ذلك ينبىء بتغييرات مستقبلية (انتهى كلام
ريدل).
وللمعلومية، فإن محمد بن نايف أمضى نحو شهرين في الجزائر
بدعوى قضاء عطلة وممارسة هواية الصيد. فقد قرر ابن نايف
التعبير عن زعله بطريقة هادئة، وقرر أن يمضي بعض الوقت
في «القنص» في الصحراء الواقعة بين المغرب والجزائر. وحتى
حين عاد الى البلاد للوقوف على حادث اطلاق النار على المصلين
في أحد مساجد الاحساء، لم يبت ليلته، فقد عاد أدراجه الى
الجزائر مرة أخرى.
يشعر ابن نايف بأنه قد تم تهميشه، ويخشى أن يطير رأسه
فأراد، ألا يصطدم مع ابن عمه اللدود الذي وبّخه في أكثر
من مناسبة، ومن بينها بعد زيارته لآبها بعد تفجير المسجد
التابع لقوى الامن في صيف العام الماضي، حيث زار المنطقة
وزار مكان التفجير والجرحى، ولكنه تلقى توبيخاً من محمد
بن سلمان لأنه لم يحصل على إذن من والده، الملك، وكان
يريد القول بأنه ليس حر التصرف، وإن عليه أن يحصل على
إذن مسبق في كل تحرّك. وهذا ما دفع بابن نايف لأن يكسر
البروتوكولات الملكية في زيارته جرحى الحادث الارهابي
الأخير في الاحساء، حيث أبلغهم تحيات الملك ثم تحيات محمد
بن سلمان الذي كرّر عبارة (تحيات سمو ولي ولي العهد..)،
وهذا أمر غير مألوف في دولة تعتمد التراتبية بدقة.
بعد عودته من لقاء القمة مع الرئيس أوباما في صيف 2015
بحضور عدد من القادة الخليجيين بدا ابن نايف محبطاً لأنه
اكتشف أن الاميركيين لم يعد يكترثون للمملكة..شعر ابن
نايف أن الغطاء الذي كان يستند عليه في حماية وضعه في
العرش السعودي لم يعد موجوداً..وإن ما يخشاه ابن نايف
حالياً هو أن يقدم عمه في لحظة ما على تنفيذ ما يدور في
رأسه، بأن يعزله عن المشهد أو في الحد الأدنى يؤجّل وصوله
الى العرش بتقديم إبنه محمد لكي يكون الملك القادم.
لم يعد سراً أن ثمة خلافاً بين المحمدين MBN &
MBS حول الصلاحيات، فيما يضع محمد بن سلمان يده على الملفات
الرئيسية والساخنة، بما في ذلك ملف الارهاب الذي كان امتيازاً
خاصة بالأمير محمد بن نايف. بل ان ابن سلمان عمد الى تجفيف
منابع قوة ابن عمه ولي العهد، حين قفز الى رجال المؤسسة
الدينية الوهابية وزار بعض رموزها في منازلهم، كالشيخ
الفوزان، كما فعل ابن نايف، وكما فعل والده من قبل، حيث
ان المؤسسة الدينية التكفيرية ملتصقة بوزير الداخلية اكثر
من أي جهة أخرى، وهي تستخدمها ليس فقط ضد المواطنين، وإنما
أيضاً في توازنات القوى داخل العائلة المالكة.
كان واضحاً بأن زيارة سلمان الى واشنطن في سبتمبر 2015
تحمل معها رسالة إحباط وقلق لدى محمد بن نايف، وهو الذي
راهن على دعم واشنطن لضمان وصوله الى العرش باعتباره شريكاً
يمكن الوثوق به.
سلمان اصطحب ابنه الى الرئيس الاميركي لكي يسوّقه وريثاً،
ورغم أنه لا يملك من الخبرة السياسية والكفاءة العلمية
والعملية، فقد جاء جواب البيت الابيض محبطا لابن نايف،
لأن البيان الصادر بعد قمة سلمان ـ أوباما يعزز مخاوفه
ولا يمنحه أي اطمئنان فقد رجّحت واشنطن خيار محمد بن سلمان
كشريك استراتيجي.
اللافت أن محمد بن نايف لم يقم بزيارة واشنطن منذ زيارة
الملك سلمان ونجله، كما لم يلتق بمسؤول أميركي رفيع المستوى،
وكأنما هناك قرار بعدم السماح له بالتواصل مع الاميركيين
من أجل إبقاء الرهان على محمد بن سلمان كقناة تواصل وتفاهم.
ومن المعروف، أن الملك أحدث تغييراً جوهرية في السلطة،
وقام بتغيير ولي العهد وولي ولي العهد، ومنح المحمدين
صلاحيات متكافئة بعد تشكيل لجنتين: لجنة الشؤون السياسية
والأمنية ولجنة الشؤون الاقتصادية والتنمية.. وبذلك تم
استبعاد آلاف من أعضاء الاسرة المالكة.
كانت التوقعات حينذاك تتجه الى أن مستقبل المملكة قد
حسم لصالح المحمدين بعد ارساء معادلة جديدة تقوم على تقاسم
أو بالاحرى حصر السلطة بيد المحمدين، في وقت تواجه السعودية
تحديات خطيرة داخلية وخارجية، وفي ظل اضطرابات متعددة
أمنية واقتصادية وسياسية. ولكن ما حصل كان مختلفاً تماماً،
إذ بدا الخلاف بين المحمدين عميقاً نتيجة خوف وجشع، خوف
محمد بن سلمان خسارته فرصة الوصول الى العرش فور تولي
محمد بن نايف السلطة، وجشع ابن سلمان في الامساك بمقاليد
السلطة باسم والده.. وفي حال سارت الأمور بشكل طبيعي،
فإن كل التوقعات تفيد بأن بن نايف لن يتردد في الانتقام
من محمد بن سلمان وإبعاده بضربة قاضية كما فعل سلمان بولي
العهد السابق مقرن بن عبد العزيز.
إن الادوار الفاعلة التي يلعبها محمد بن سلمان في الساحتين
الاقليمية والدولية رغم ما تجعل المملكة السعودية مشغولة
بهموم ومخاطر تبدو وجودية بالنسبة للنظام السعودي، الا
أنه في الوقت نفسه تجعل الاشتباك على السلطة مؤجلاً وتبقي
السعودية منخرطة في سياسات المنطقة وبذلك تبقي الجمهور
في حالة انشغال دائم.
ووفق هذا المنظور، كان أشد ما أزعج محمد بن نايف، ليس
سطو محمد بن سلمان على صلاحياته الأمنية والسياسية فحسب
ضمن لجنته التي يرأسها من أعضاء مجلس الوزراء. ليس هذا
فحسب، بل ان ابن الملك، أطاح بالرجال الأقوياء داخل وزارة
الداخلية الذين يعتمد ابن نايف عليهم في إدارتها، حيث
أُبلغ محمد بن نايف، وبقرار من الديوان الملكي (الذي يعني
الملك اسمياً/ ومحمد بن سلمان عملياً) بأن يطرد ثلاثة
من كبار موظفي الداخلية غير مرضي عنهم، وقد فعل ما طُلب
منه، لكنه أعادهم من النافذة من خلال التعاقد المباشر
والمؤقت بعد الطرد، وبينهم الحميدي الذي يقوم عملياً بادارة
الوزارة.
كان الاعتقاد بأن تعيين المحمدين يؤسس انتقالاً سلساً
للسلطة الى الجيل الثاني قد تمّ بنجاح، فقد تثبّت تعيين
محمد بن نايف في منصب ولي العهد، والنائب الأول لرئيس
مجلس الوزراء، ووزيراً للداخلية، وتعيين محمد بن سلمان
في منصب ولي ولي العهد، والنائب الثاني لرئيس الوزراء،
ووزيراً للدفاع، وعليه فإن الأسرة المالكة تجاوزت من الناحية
النظرية المخاطر المحدقة بانتقال السلطة إلى الجيل الثانى،
ولكن هل يمكن قول ذلك بدون ريب.
ثمة تفسيرات متفائلة كانت تصب لصالح محمد بن نايف،
إذ إن وصول الأخير الى منصب ولاية العهد قد حصل على تتويج
من الملك بأن يدير ملف الأمن، وهو الملف الأشد حساسية
في مرحلة تتعرض الدولة الى تحدي خطير، أو بالأحرى وجودي،
خصوصاً مع تصاعد خطر داعش على الحدود مع العراق، والقاعدة
في اليمن، والتداعيات المباشرة لانخراط آلاف الشباب السعوديين
في القتال في سوريا والعراق.
كان تصعيد محمد بن نايف من منصبه ولياً لولي العهد
في بداية تولي سلمان السلطة في 23 يناير 2015، ثم ترقيته
الى منصب ولي العهد، اعترافاً من الملك بخبرته ونجاحه
في ادارة الملف الامني، ولم يكن ذلك مفاجئاً، بل المفاجىء
هو تعيين محمد بن سلمان الذي ترقى في السلطة بطريقة اقتحامية
(من المرتبة السادسة الى وزير دفاع، اضافة الى رئيس الديوان
الملكي، ورئيس لجنة التنمية والإقتصاد في رئاسة الوزراء،
ورئيس ادراة ارامكو، وولي ولي العهد، و.. و..) إذ بات
الملك الفعلي وأصبح يدير كل الملفات السياسية والامنية
والاقتصادية والخارجية.. قفزات سريعة بدأها من رئاسة ديوان
ولي العهد حين كان أبوه سلمان ولي العهد، وبعد أن أصبح
سلمان ملكاً صار وزيراً للدفاع ثم ما لبث أن تمدّدت سلطاته
فأصبح ولي ولي العهد ورئيس لجنة الشؤون الاقتصادية والتنمية،
وووضع يده على الشريان الحيوي للاقتصاد في البلاد المتمثل
في أرامكو.. وقد نجح في ذلك بتخطي مئات من أبناء عمومته،
بحيث أصبحت البلاد وكأنها خلو من آلاف الأمراء الذي غابوا
عن المشهد تماماً فيما شكل الحضور الكثيف لابن سلمان،
وكأنه كتابة تاريخ جديد للنظام السعودي.
محمد بن نايف نجح في بناء سمعة له في قمع الحركة الاصلاحية
المطالبة بالتغيير السياسي وإعادة تشكيل السلطة على أساس
تعاقدية، وفي الوقت نفسه احتواء تنظيم القاعدة، الأمر
الذي جعله شريكاً موثوقاً لدى واشنطن، بعد إحباطه عدة
هجمات لتنظيم القاعدة؛ وعليه أصبح معروفاً بخبرته فى الحرب
على الإرهاب، وحظي باحترامٍ كبير لدى قادة الأجهزة الأمنية
الاميركية منذ كان يشغل منصب مساعد وزير الداخلية للشؤون
الأمنية.
وصول محمد بن نايف الى منصب ولي العهد بعث ارتياحاً
في الاوساط السياسية والامنية الاميركية. مدير وكالة الاستخبارات
المركزية جورج تينيت كان يعتبر محمد بن نايف الشريك الأقرب
الى الوكالة في محاربة القاعدة، وقد خضع لدورات عدّة تحت
رعاية الوكالة في مكافحة الارهاب؛ وقد وصفه تينيت ذات
مرة بأنه «الأهم من بين الأشخاص الذين تحدثت إليهم. فهو
شاب نسبياً، وقد وضعنا فيه قدراً كبيراً من الثقة وأوليناه
احتراماً عظيماً».
تولى محمد بن نايف قيادة العمليات الأمنية المسلحة
ضد القاعدة في السعودية فحسب منذ 2003، وأخذ على عاتقه
هذه المعركة التي أرادها رهاناً للمستقبل لتقديم أوراق
اعتماده لنيل المباركة الاميركية في وراثة العرش.
ورغم أن ابن نايف كسب المعركة ضد القاعدة في الداخل
الا أنه أخفق في تقليل أعداد المنخرطين في التنظيمات الارهابية
في «القاعدة» وتالياً «داعش». إن القول بأن ابن نايف نجح
بحلول سنة 2007 في السيطرة على خطر القاعدة وأنه ربح المعركة
ينطوي على كثير من المبالغة، لأن التطورات الامنية اللاحقة
خصوصاً منذ العام 2011 ولاحقاً، وتزايد اعداد السعوديين
المنخرطين في العمليات الارهابية سواء في العراق أو سوريا
أو اليمن ولبنان تكشف عن ان الارهاب السعودي انتقل الى
الخارج ولم يقض عليه.
على أية حال، فإن الانجازات التي حقّقها محمد بن نايف
في المجال الأمني باتت غير قابلة للصرف بسهولة، في ظل
هيمنة محمد بن سلمان على مجمل الملفات الرئيسية في البلاد.
ورغم أن علاقة المحمدين يسودها في الظاهر الود والاحترام،
إلا أنها لم تنجح في إخفاء روايات تشكك فى علاقة الأميرين،
وتشير إلى وجود ما يجعل العلاقة شائكة أو متوترة، وأن
ما يمنع ظهور ذلك على السطح هو عدم السماح بمناقشته فى
العلن، وإن كانت مؤشرات التوتر بدأت تطفو بعد القرار المفاجىء
بعزل وزير الدولة سعد الجبري، الذراع الأيمن لابن نايف،
ولم يصدر أي تفسير رسمي للقرار، سوى أنه جاء بعد عودة
الملك من زيارة واشنطن ولقاء الرئيس أوباما في سبتمبر
2015. حينذاك فتح الباب واسعاً أمام التكهنات بوجود علاقة
غير مستقرة ومريبة بين الملك وولى عهده، أو بالأحرى بين
ولى العهد وولى وولى العهد، خاصة أن الجبري كما تصفه برقية
من السفارة الأمريكية بالرياض فى 2006، نشرها موقع (ويكيليكس)،
بأنه واحد من أبرز مساعدي الأمير محمد بن نايف ومستشاره
فى عدد من القضايا المهمة.
بخلاف ما يقال عن أن التقسيم الواضح للمسئوليات، وفارق
السن بين الاثنين، وأن عدم وجود أولاد للأمير محمد بن
نايف، قد قطع الطريق أمام أي تنافس على السلطة بين المحمدين..
فإن معلومات أخرى أفادت بان محمد بن سلمان كان يخطط لوضع
اليد على ملف مكافحة الارهاب، وتجريد محمد بن نايف من
مصادر قوته منذ أكثر من عشر سنوات. وفي الواقع، فإن تشكيل
(التحالف الاسلامي ضد الارهاب) يعد مصدر تهديد جدي لموقع
ابن نايف بل ومصيره السياسي أيضاً.
ما يجري اليوم بالدقة هو: إنضاب سلطة محمد بن نايف
كولي للعهد لصالح ابن عمه محمد بن سلمان؛ وحصر وظيفة محمد
بن نايف كجلاد للسلطة، شغله قطع الرؤوس وإخماد الأنفس،
وحماية عرش العائلة المالكة من الأخطار الداخلية. بمعنى
آخر، فإن القاعدة التي تقول بأن منصب وزارة الداخلية يؤدي
في الارجح الى العرش، كما حدث مع فهد، وكما حدث ـ لولا
الموت ـ مع ولي العهد الأسبق نايف.. لن يتكرر مع ابنه
محمد بن نايف.
|