|
|
|
سياسيون وشخصيات
لبنانية يوقعون عريضة الولاء لآل سعود على طريقة
(المعاريض) السعودية! |
مملكة أصيبت في عقلها!
خلفيات التصعيد السعودي ضد لبنان
عبدالحميد قدس
لخّص أمين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله، خلفية
التصعيد السعودي المفاجىء في لبنان، في خطابه المتلفز
في الأول من مارس الجاري، بأن مشكلة السعودية هي مع حزب
الله، وإن كل ما عدا ذلك مجرد تفاصيل. فلا الهبة للجيش
اللبناني، ولا عروبة لبنان، ولا تصريحات وزير الخارجية
جبران باسيل، ولا ولا ولا أي شيء آخر.. إنها كلها تفاصيل
تتوارى حين يحضر صاحب المشكلة الرئيسي مع الرياض، وهو
حزب الله.
الباحث الاميركي المعروف، والمختص بالشأن اللبناني،
ديفيد شنكر، كتب مقالة نشرت على موقع «معهد واشنطن لشؤون
الشرق الادنى» بتاريخ الخامس والعشرين من فبراير الماضي،
أشار فيها الى إن الاجراءات التي اتخذتها السعودية حيال
لبنان مؤخراً، تتزامن وتمرير القانون الجديد في الولايات
المتحدة «لمنع تمويل حزب الله». وقال ان الاجراءات السعودية
والاميركية الجديدة تهدّد الاقتصاد اللبناني.
الكاتب لفت الى أن سحب السعودية ودائعها من المصرف
المركزي اللبناني ليس له أهمية كبيرة، إذ أن قيمة الودائع
الخليجية في لبنان لاتصل الى مليار دولار، وبالتالي تشكل
نسبة 2% فقط من الودائع الاجنبية. الا أنه رأى، في الوقت
نفسه، أن تحذير السعودية مواطنيها من السفر الى لبنان
سيكون له أثر، خصوصاً وأن كلاً من الكويت والبحرين ودولة
الامارات اقتفوا أثر الرياض.
وعدّ الكاتب الغاء الهبة السعودية للجيش اللبناني خطوة
رمزية بشكل أساس، ولن يكون لها «اثر فعلي» كبير، مضيفاً
أن الهبة هذه كانت مليئة «بالتساؤلات والفساد».
العامل الأهم في رأي الكاتب، هو التأثير المحتمل لتخفيض
النفقات الخليجية على المزاج الاقتصادي العام في لبنان،
مشيراً الى أن البلد كان يعاني أصلاً من المشاكل الإقتصادية
المتمثلة بالدين العام، والتوترات الطائفية، والحدود المشتركة
مع سوريا. وبالتالي شدّد على أن الخطوات السعودية الأخيرة
تزيد الوضع سوءً، إذ تعد قطاعات السياحة والعقارات والبناء
أهم عناصر الاقتصاد اللبناني، وستتأثر حتماً بسحب المال
الخليجي.
ورأى الكاتب أيضاً أن الخطوات السعودية الاخيرة في
لبنان قد يكون لها ارتدادات سياسية كبرى. وقال أنه من
السابق لأوانه تحديد ما اذا كانت هذه الضغوط الاقتصادية
والسياسية تشكل تحذيراً سعودياً لبيروت، بأن على الاخيرة
القيام بعمل أفضل لناحية توازن العلاقة بين طهران والرياض،
أم تشكل مرحلة أولية لإبعاد دول الخليج نفسها عن المشروع
اللبناني. غير أنه رأى بنفس الوقت أن المسار الحالي يبدو
أنه يسير باتجاه تقليص الدور السعودي في لبنان، منبهاً
من أن ذلك سيضع الدولة اللبنانية أكثر فأكثر تحت «رحمة
ايران و حزب الله»، على حد قوله.
وفي مقالة نشرتها صحيفة (الاخبار) اللبنانية بعنوان
(الحملة السعودية على لبنان: تهديدات فارغة) في 25 فبراير
الماضي بقلم محمد وهبة، الذي قارب موضوع التهديات السعودية
أو الصادرة عن لبنانيين متحالفين مع السعودية، وأكد ما
قاله ديفيد شنكر من أن حجم الودائع الخليجية لا يتجاوز
2% من مجموع الودائع المصرفية البالغة 158 مليار دولار.
ولفت الى أن الأزمة المالية السعودية ترجع الى عوامل عديدة،
ومن ابرزها إصدار وكالة التصنيف الأميركية ستاندر أند
بورز، تقريراً يتضمن خفض التصنيف الائتماني للسعودية من
A+ إلى A-. ، تلاه خفض تصنيف كبريات الشركات السعودية،
ولا سيما الشركة السعودية للكهرباء، والشركة السعودية
للصناعات الأساسية (سابك)، وشركة الاتصالات السعودية،
و11 مصرفاً سعودياً، بينها البنك الأهلي التجاري الذي
أغلق فروعه في لبنان أخيراً، وبنك الرياض، والبنك العربي
الوطني، ومصرف الراجحي، الذي تحوم حول مؤسسه تهم تمويل
الإرهاب. وفي النتائج، فإنه لم يكن مفاجئاً قرار السعودية
سحب الهبة للجيش اللبناني، إذ كانت غاية التهديدات السعودية
المعلن عنها، هي تحويلها الى مصدر قلق على أكثر من صعيد.
وبالعودة الى موضوع الوديعة السعودية، فإن هناك الكثير
من المغالطات والتهويل والابتزاز. تاريخ الحساب السعودي
لدى مصرف لبنان يعود إلى مطلع التسعينيات، حين أودعت الحكومة
السعودية مبلغ 500 مليون دولار لدى مصرف لبنان، ثم أودعت
مبلغاً مماثلاً بعد حرب تموز 2006، في حساب آخر يختلف
عن الأول بأنه منتج للفوائد.
يومها صنّفت الوديعة السعودية ضمن «المكرمات»، إلا
أنه في الواقع كان خافياً على الكثيرين أن الحكومة السعودية
فاصلت وشارعت على نسبة الفائدة التي ستحصل عليها لقاء
إيداع مبلغ لدى مصرف لبنان، ثم عمدت إلى نقل وديعتها الموضوعة
في التسعينيات من حساب غير منتج للفوائد، إلى حساب منتج
للفوائد بمعدّل 3% سنوياً. وهذه المفاصلة على الفائدة
جاءت في وقت كانت فيه أسعار الفائدة العالمية في أدنى
مستوياتها وتقارب الصفر، أي إن إيداع مليار دولار، كان
عبارة عن صفقة مربحة، إذ كانت كلفة الوديعة السعودية على
مصرف لبنان 30 مليون دولار سنوياً.
على أية حال، فإن من غير الممكن التعامل مع قرار السعودية:
إلغاء هبة الثلاث مليارات دولارات للجيش اللبناني، بوصفه
حادثاً معزولاً. في حقيقة الأمر، يأتي هذا القرار منسجماً
مع السياسة الجديدة التي انتهجها الملك سلمان منذ توليه
السلطة في كانون الثاني 2015.
كان قرار الملك سلمان الدخول في حرب ضد اليمن في 26
آذار 2015، إيذاناً بمرحلة جديدة ـ وربما غير مسبوقة ـ
في السياسة الخارجية السعودية. لا يعني ذلك أن هذه المرحلة
مؤسسة على رؤية استراتيجية، أو عقيدة متماسكة في مقاربة
الملفات الخارجية، بقدر ما هي ردود فعل على أحداث تتم
في بيئة سياسية متقلّبة إقليميا ودولياً.
وإذ لا يزال أفق الحرب على اليمن شديد الغموض، إن لم
يكن مخيّباً بالنسبة للقيادة السعودية، في ظل معلومات
من مصادر مقرّبة من العائلة المالكة، عن انقسام حاد بين
الأمراء إزاء المسار الغامض الذي يسلكه الملك ونجله محمد
بن سلمان، وزير الدفاع وولي ولي العهد في الحرب على اليمن.
وعليه، فإن الارتياب المحدق بأوضاع المنطقة، دفع الرياض
للإنسياق نحو المزيد من التوغل في الملفات الاقليمية،
عبر تشكيل تحالفات عسكرية ارتجالية تمهّد، في المقصد،
لأشكال تدخل شتى.
السعودية المحثوثة بهواجس النفوذ الإيراني المتنامي
في سوريا والعراق واليمن ولبنان، وهي هواجس جاء الاتفاق
النووي بين ايران والغرب، والتفاهم الايراني الروسي في
سوريا، ليضفي عليها مصداقية لدى الرياض.. السعودية قامت
بتوظيف كل إمكانياتها وعلاقاتها من أجل تقويض النفوذ الايراني،
وذلك لأن السعودية ليست في وارد القبول بأنصاف حلول، فهي
تعتمد حالياً سياسة كسر العظم.
|
|
زمن العجائب: في السفارة السعودية، تضامن
قادة 14 آذار مع السعودية في معاقبة الرياض لبلدهم
ومؤسساته! |
يلفت التفاوت بين الذرائع والمواقف في القضايا التي
تتبناها السعودية، الى نزوع قبلي نحو الذهاب الى خيارات
راديكالية. بكلمات أخرى، فإن مبررات القرار السعودي بإلغاء
الهبة للجيش اللبناني، تبدو تافهة حين توضع في سياقها
المباشر، أي بكونه رد فعل على الانتقادات التي وجّهها
أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله للنظام السعودي،
أو حتى نتيجة المواقف التي صدرت عن وزير الخارجية جبران
باسيل، في اجتماعي الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي،
والتي أرادت الرياض منهما التضامن معها في مواجهة إيران.
من منظور شامل للتحوّل المفاجيء في السياسة الخارجية
السعودية، منذ وصول سلمان الى العرش، تبدو الحوادث البسيطة
بمثابة صواقع تفجير فحسب. وفي حقيقة الأمر، أن السعودية
لديها مشكلة مع النفوذ الايراني في أربع عواصم عربية (صنعاء
وبغداد ودمشق وبيروت). ومن المصادفات أن تكون هذه العواصم
نفسها التي تحدّث عنها نتنياهو في الكونغرس الأميركي في
آذار 2015، في سياق تأليبه الرأي العام ضد الاتفاق النووي
مع ايران.
في مواجهة التفاهمات السياسية والاستراتيجية التي تجري
في المنطقة (الاتفاق النووي بين إيران والغرب، التدخل
الروسي في سوريا، الإتفاق الروسي الاميركي على وقف اطلاق
النار في سوريا...الخ)، كان على الرياض البحث عن بدائل
في ظل خسائر متلاحقة (الفشل العسكري في اليمن، تصدّع التحالف
العربي على اليمن، والتحالف الإسلامي العسكري ضد الارهاب،
وفشل فكرة الحرب البريّة على سوريا..). عقب الاعلان عن
اتفاق لوقف اطلاق النار في سوريا بين موسكو وواشنطن، والذي
أجهض فكرة التدخل البري التركي ـ السعودي في سوريا، في
ظل تباين المواقف بين الدول الاعضاء في التحالف الإسلامي
إزاء حل الأزمة السورية، فإن السعودية تجد في لبنان المكان
المناسب لتصفية الحساب مع المعسكر الايراني، عن طريق افتعال
أزمة سياسية تقود الى خلخلة الوضع الأمني.
المواقف السعودية المتدحرجة بصورة سريعة في الملف اللبناني،
تعطي انطباعاً عاماً بأن مبادرة الاسترحام التي قام بها
فريق 14 آذار من أجل احتواء الأزمة مع الرياض، لم تقابل
ايجابياً من الجانب السعودي، بل على العكس تسبّبت في إحراج
حلفائها، خصوصاً وأن الخطوات التي قاموا بها أثارت حفيظة
المراقبين، دع عنك الخصوم السياسيين، لجهة كونها تجاوزت
حدود اللياقة الدبلوماسية، وعرّضت بكرامة دولة ذات سيادة.
وعلى خلاف الموقف السعودي السابق من سياسة النأي بالنفس،
والذي كانت تتفهمه الرياض ضمن توافق دولي على تجنيب لبنان
تداعيات الازمة السورية، فإن الموقف الجديد يقوم على فكرة
«إما معنا أو ضدنا» ولا خيار ثالث. ولذلك، كانت الرياض
تنتظر موقفاً متمايزاً من جانب حكومة تمّام سلام، يكون
مفتاحاً لجولة خليجية بتفويض من مجلس الوزراء، ويكون منسجماً
مع اللغة الاعتذارية التي طبعت بيان 14 آذار، وتوّجت بـ
«وثيقة الوفاء للمملكة والتضامن مع الإجماع العربي».
ولكن جاء البيان التوافقي عن حكومة سلام مخيّباً لآمال
الرياض، إذ خلا من عبارات الادانة لحزب الله والتضامن
مع السعودية في مواجهة النفوذ الايراني. ثم جاء المؤتمر
الصحافي لوزير الخارجية جبران باسيل ليؤكد تمسّك لبنان
بالمواقف السابقة في النأي بالنفس، وترجيح الوحدة الوطنية
على الاجماع العربي. فكان الرد السعودي فورياً بمطالبة
رعايا المملكة بعدم السفر الى لبنان «حرصاً على سلامتهم»،
ومغادرة لبنان بالنسبة للزائرين والمقيمين «وعدم البقاء
هناك إلا للضرورة القصوى، مع توخي الحيطة والحذر والاتصال
بسفارة المملكة في بيروت لتقديم التسهيلات والرعاية اللازمة»،
وتبعتها حكومات خليجية أخرى مثل الإمارات والبحرين، برغم
من أن لادواعي أمنية ملحّة تستوجب هذا القرار المفاجىء.
الامارات قرّرت منفردة خفض أفراد بعثتها الديبلوماسية
إلى حدها الأدنى، وبدأت إجراءات «ترحيل» عدد من اللبنانيين
العاملين في الامارات، في ظل أحاديث عن وضع ملف سحب السفراء
من لبنان على الأجندة الخليجية.
ما تتطلع اليه الرياض من حلفائها في لبنان، هو الارتقاء
الى مستوى التصعيد الذي بدأته، وإنها لن تقبل بمجرد حفل
خطابي أو مواقف إعلامية. تومىء حرارة استقبال السفير السعودي
علي عواض عسيري للوزير المستقيل أشرف ريفي، الى أن الأخير
قد يشكّل بديلاً ناجزاً بالنسبة للرياض في حال أخفق سعد
الحريري في تحقيق ما يأمله السعوديون في صراعهم المقبل.
وهذا بحد ذاته مؤشر الى إمكانية انحياز الرياض نحو التفجير
الأمني، بدءً من الشمال، وانتقاله الى مناطق أخرى، للتشويش
على ترتيبات وقف إطلاق النار في سوريا، وتخريب فرص نجاح
المحور الايراني في توظيف التفاهم الاميركي الروسي لجني
المزيد من الأرباح.
السعودية التي لن تستطيع تجاوز التفاهم الأميركي الروسي
في سوريا، قد تجد من يدعم تحرّكها في لبنان سواء من الجانبين
الأميركي والاسرائيلي. ومن الواضح، أن السعودية أوصدت
الأبواب أمام أي مبادرة لبنانية على المستوى الرسمي لاحتواء
تداعيات الأزمة الطارئة بين بيروت والرياض. الوساطات التي
تقوم بها أطراف لبنانية لم تسفر عن نتيجة عملية، لأن سياسة
الحزم التي تبنتها السعودية ترفض منطق «التوافق» وتنزع
بدرجة أكبر الى «الاملاء».
أما الرهان على دور سعد الحريري في احتواء الغضب السعودي،
فقد لا يكون في محله، لأن ما هو مطلوب منه يتجاوز الوساطة،
وقد يكون دوراً تنفيذياً. ثمة سؤال حول توقيت عودة الحريري
الى لبنان، والذي يتجاوز مجرد المشاركة في إحياء ذكرى
مقتل والده، رفيق الحريري، ولربما يكون زمن الزيارة هذه
المرة طويلاً في وقت يتدحرج فيه الوضع اللبناني إلى الأسوأ.
يرجع رئيس مجلس النواب نبيه بري الموقف السعودي الى
«نتيجة معادلات، سواء في سوريا أو العراق، ونحن لدينا
في لبنان أطراف وأحزاب، ونتمتّع بحرّية الرأي، وما حصل
انّ السعودية تأثّرَت وأوقفت الهبة..». إن أهم ما يلفت
اليه الرئيس بري أن رد الفعل السعودي لا علاقة له بمواقف
لبنانية، بل بمتغيّرات ميدانية في سوريا والعراق. لقد
رفض برّي تهمة مصادرة حزب الله للقرار اللبناني، بل دافع
عن حق المقاومة في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي، ولاصحة
لما يقال عن السيطرة على القرار اللبناني.
المواقف التصعيدية بصورة مفاجئة، كتلك الصادرة عن رئيس
حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، تبدو لافتة، خصوصاً وأنها
تأتي بعد تفاهم تاريخي بين القوات والتيار الوطني الحر،
متوّجاً بترشيح جعجع للجنرال ميشال عون لرئاسة الجمهورية.
جعجع عاد أدراجه الى المواقف القديمة، إذ انتقد بيان مجلس
الوزراء، وقال عنه «شعر بشعر»، وتبنى الرواية السعودية
حول حزب الله في دعوى مصادرة قرار الدولة اللبنانية؛ وتساءل:
أين الوحدة الوطنية من خوض «حزب الله» معاركَ شاملة في
المنطقة ككلّ؟ وأين هي الوحدة الوطنية من التهجّم على
السعودية؟». وكان جعجع أول من أرجع وقف الهبة الى التهجم
على السعودية، ثم بدأت أطراف سعودية ولبنانية متحالفة
معها بإضافة أسباب أخرى جديدة للأزمة في العلاقة مع الرياض،
والتي أجملها جعجع في «خوض حزب الله لمعارك ضد المحور
السعودي».
نبرة تيار «المستقبل» كانت الاعلى في تحميل وزير الخارجية
جبران باسيل وحزب الله مسؤولية تخريب «مصالح اللبنانيين
في الداخل والخارج». وطالب التيار بمشاركة واسعة في التوقيع
على «وثيقة الوفاء للمملكة». بدت مبادرة غير منسجمة مع
التقاليد السياسية اللبنانية، وتذكّر الى حد كبير بنهج
«العرائض» في المملكة السعودية.
كان لافتاً أيضاً إعلان 14 آذار، ومنذ اللحظات الأولى
لإعلان وقف الهبة، عن سلسلة مواقف متعاقبة ينوي الفريق
تبنّيها في حال لم تقم حكومة سلام بما هو مطلوب منها سعودياً،
ومن بينها استقالة الوزاء. ولكن على الأرض ثمة كلام آخر،
وهو ما ألمح اليه وزير الداخلية نهاد المشنوق، بأن القادم
أسوأ، وكأنه يبشّر بوضع أمني متفجّر.
مسعى سلام بالقيام بجولة خليجية تمّ إجهاضه سعودياً،
من خلال حزمة الشروط الصارمة التي فرضتها الرياض على حكومة
سلام، ومنها كما هو معلن: وقف حزب الله لحملاته الاعلامية
على السعودية، عدم إرسال «شبكات إرهابية» الى دول الخليج
وعلى رأسها البحرين، وتعهد حكومة سلام بإقناع الحزب بسحب
مقاتليه من سوريا، وابتعاد التيار الوطني الحر عن خط الثامن
من آذار.
كانت رسالة السعودية الواضحة هذه الى الرئيس تمّام
سلام تؤكد بأن الوقت لم يحن لاستقباله في الخليج، فضلاً
عن كون المطالب تنطوي، جزئياً على الأقل، على تدخّل سافر
في الشأن اللبناني، وزيادة على ذلك، فإن مطالب السعودية
تبدو مستحيلة التنفيذ.
في كل الأحوال، السعودية تريد لبناناً لا يكون فيه
لحزب الله دور، وهذا ما عبّر عنه نواف عبيد، الموظف في
الإستخبارات السعودية، والمستشار السابق لرئيس الإستخبارات
الأمير تركي الفيصل. عبيد قال بأن الحل في لبنان يكمن
في استئصال حزب الله (الحياة، 23 شباط 2016). عبيد ألمح
الى ما وصفها «التغييرات الجذرية» التي تقودها السعودية
اليوم «وسط حروب سنشهدها بلا شكّ في المستقبل المنظور».
إذن هي الحرب مجدّداً التي اختارتها الرياض في حسم خلافاتها
مع خصومها، ولربما يكون لبنان ساحة تصفية أول الحسابات.
الكلام بطبيعة الحال لا يدور حول قدرة السعودية على
ربح الحرب، أي حرب، ولكن ما تسعى اليه هو مشاغلة خصومها
للحيلولة دون استثمار انتصاراتهم العسكرية، فإن لم تستطع
كسر عدوها، فإن حرمانه من الإفادة من تفوقه يعد كافياً؛
وقد تلجأ السعودية الى الخيار التقليدي بتسليح الجماعات
المتحالفة معها، السنيّة والمسيحية، وإعادة عقارب التاريخ
الى الوراء في لبنان.
بصورة إجمالية، فإن السعودية تشعر بفداحة الخسارة في
أكثر من بلد عربي، وإن لبنان الذي كان أحد مناطق نفوذها
الثابتة، تحوّل الى أحد القلاع الحصينة في معسكر الممانعة،
وإن الرهان على استنزاف حزب الله في معارك سوريا، تحوّل
الى فرصة بالنسبة له، كيما يراكم المزيد من القوة والنفوذ،
الأمر الذي يغذي مخاوف الرياض من تآكل نفوذها في المناطق
التقليدية.
|