داعش تستهدف رجال المباحث
كلّنا مباحث.. يا عزيزي!
محمد الأنصاري
حدثان وقعا في أقل من أسبوع.
أحدهما هجوم داعش على مركز أمني في بلدة الدلم جنوب
الرياض، قتل فيه شخص واحد، وتضررت سيارات أمنية؛ ووصفت
داعش في بيان لها العملية بأنها نوعية.
الحدث الثاني، وقع في القويعية غرب الرياض، حيث قام
مجموعة من الدواعش بالترصّد للعقيد كِتاب ماجد الحمادي،
مدير مباحث القويعية، وذلك على طريق عرجاء الدوادمي، وأردوه
قتيلاً.
الحدثان يثبتان ان الدواعش انتاج محلّي، بفكر وهابي
محلّي، استخدموا ضد الخصوم، ثم انقلبوا على الأسياد آل
سعود.
إن تزايد تفجيرات داعش وقتل رجال الأمن وحتى الجيش،
داخل المملكة، ومِن قبل شباب في العشرينيات من أعمارهم،
وأكثرهم لم يسافر لخارج البلاد، إنما يؤكد حقيقة لا تريد
الرياض الإعتراف بها، وهي أنها مصدر تفريخ الإرهاب الداعشي،
وأن فكرها الوهابي هو فكر داعش، حتى وإن أعلنت البراءة
من الفكر ورجاله الخارجيين.
لكن مقتل عقيد المباحث الحمادي، مثّل ضربة لجهاز الأمن،
فهذا الجهاز بالذات هو المسؤول عن قمع المعارضين عامة،
وهو المسؤول عن التعذيب والسجون السياسية وكافة الأعمال
القذرة. ولذلك تنادت مجموعات المباحث على مواقع التواصل
الاجتماعي تنعى العقيد الحمادي، وتعدد فضائله وخصاله،
وكيف أنه إنسان ملتزم ومؤمن. وفي الوقت نفسه تتوعد الدواعش
بحرب لا هوادة فيها ستقضي عليهم.
على صعيد آخر، أراد النظام تحويل الخسارة بفقدان مسؤول
كبير في المباحث، الى مكسب، واستثمار حادثة الاغتيال من
خلال توجيه النار لخصومه السياسيين في الداخل فحسب، بل
والترويج لجهاز المباحث نفسه، وتبييض صفحته، باعتباره
الحامي للمواطن من تغوّل الدواعش.
كانت صرخة رجال المباحث المستترين والمعروفين قد عبّرت
عن نفسها تحت يافطة واضحة: (كلّنا مباحث)!
لم يكن هؤلاء يبحثون عن رأي جديد أو قديم في كيفية
مكافحة داعش والقاعدة، يتعلق باستئصال جذورهما الفكرية
والثقافية ومنابع الترويج لهم على مواقع التواصل الاجتماعي
من أساتذة جامعات دينية ومشايخ وهابيين، يكتبون بالعلن
دعمهم للبغدادي وغيره.
لم يكن هؤلاء يبحثون عن حلول بقدر ما يبحثون عن استثمار.
تشريح الذات الوهابية النجدية كان صعباً ولازال، ولهذا
فإن أسهل أمر لديهم هو القاء التهمة على غيرهم بأنه يدعم
داعش والقاعدة، أما ال سعود، واما المجتمع النجدي، واما
الوهابية والأموال التي تغدقها وشباب نجد الوهابيين الذين
يقاتلون فمبرّؤون من التهم، وما هم إلا ضحايا إجرام قادم
من خارج الحدود.
الاعلامي الرسمي عماد المديفر، ترحّم على القتيل، وهتف:
(كلّنا مباحث يا سعادة العقيد)! وتسابق موظفو المباحث
ليدعموا حملة (كلنا مباحث)، وبينهم الصحفي محمد الطاير،
مدير تحرير عكاظ، ونائب رئيس تحرير صحيفة المباحث الالكترونية
سبق. وجاء صحفي في سبق الالكترونية التابعة لجهاز المباحث،
فقال: (نعم يداً بيد ضد الإرهاب، فنحن كلّنا مباحث). ثم
جاء داعية مباحث هو عبدالمانع العجمي ليبرر: (من المباحث؟
هو أخي وأخوك وقريبي وقريبك وجاري وجارك..). يعني كلّنا
مباحث! مثل الفيلم المصري: (كلنا لصوص يا عزيزي)!
داعية وهابي آخر اسمه عادل الشمري قال: (كلنا مباحث
وهو شرف)! وزاد طحنون آل درع فشتم اخوان السعودية وقال:
(كلّنا مباحث ولو كره الكارهون يا إخوان)! وجيء بتغريدة
قديمة للإخواسلفي السعودي محمد الحضيف كمبرر لشتمهم، يقول
فيها هذا الأخير: (أتساءل أحياناً: كيف يُعاد صناعة أفراد
المباحث ليصبحوا بهذا المستوى من التوحّش والإنحطاط والهمجيّة،
فيتعاملوا هكذا مع رجال ونساء بلدهم؟).
في المقابل، ذهب الإعلامي فارس الهمزاني في بحثه الى
الجذر، حيث تغذية الفكر الداعشي محلياً، وتوقّع ان (جرائم
داعش والمتشددين لن تتوقف، وقائمة المستهدفين ستطول، في
ظل تغذية التيار المتزمّت داخلياً). ترى من الذي يغذّي
التيار الداعشي التكفيري العنفي المتزمت داخلياً غير ال
سعود وحكومتهم؟
واستفاد الحميدي العبيسان، الاعلامي، من حداثة اغتيال
عقيد المباحث ليؤكد على محاربة الجذور الداعشية في السعودية:
(اذا لم تُردَم المستنقعات، فمعاركنا مع البعوض لن تنتهي).
وتساءل الصحفي وحيد الغامدي: (متى ستُستأْصَلْ تلك الشجرة
الملعونة من الجذور؟).
اما المفكر المحمود، فكرر ما يقال منذ سنوات، والعائلة
المالكة لا تسمع ولا تريد أن تسمع. يقول: (الإرهاب يبدأ
فكرةً. كل من شارك في نشر فكر الغلو التكفيري والتستر
عليه، شريك مباشر في قتل العقيد الحمادي). ولاحظت فاطمة
رويس ان (الضحية والجاني ينتميان الى نفس قبيلة عتيبة،
وأن فكر داعش أصبح نواة فتنة داخل الأسرة والقبيلة).
بيد أن حملة (كلنا مباحث) لم تؤتِ أُكُلها.
فهذا الجهاز البغيض والمكروه لا ينظر الى رجاله إلا
كأشرار، حقراء، جلاّدين، لا يعرفون الله ولا رسوله، ولا
يقيمون حرمة لدم، ولا لعرض، ولا لمال.
هذا الجهاز (المباحث) يستنكف حتى من يعمل به عن ذكر
إسمه ونشر صورته او القول انه يعمل فيه، لأنه يعلم أنه
سيُعزل اجتماعياً. لهذا لا غرابة ان وزارة الداخلية تصرف
مبلغاً إضافياً على الراتب تحت بند (بدل سمعة)!
فكيف تجرّأ بعضهم وقال: (كلّنا مباحث)؟
يقال لك أن هؤلاء وجوههم (مغسولة بِمَرَق)، وهو تعبير
عن فقدانهم للحياء بالكامل.
ومع هذا، سخر أحدهم فسأل هؤلاء المباحثيين ساخراً:
(كيف قدمتم على الوظيفة؟ تستاهل الرواتب اللي يعطونها؟
هل عرب الشمال ينافسونا، ولاّ بسْ للسعوديين؟). آخر شرح:
(لا والله ما ني مباحث، ليس شرطاً الذي يحب بلده يكون
مباحث). وثالث ختم: (تْخَسِيْ وتِعْقُبْ يا ذَنَبْ آل
سعود! أتفخر بالتجسس على المسلمين يا منحطّ؟ وتشارك في
اعتقالهم وسفك دمائهم خدمة لأسيادك الأخباث؟).
|