(الجهل والنصب).. رؤية العميان 2030!
محمد قستي
هل كانت السعودية تسير في اقتصادها على غير هدى، بلا
خطط وبلا استراتيجية، وبلا خطط خمسية او عشرية، حتى أصبحت
على شفا الإفلاس خلال عامين، كما قال محمد بن سلمان لبلومبيرغ؟
نعم.. كانت ولازالت كذلك. حتى مع وجود خطط خمسية على
الورق لفترة طويلة.
الامير الذكي الذي يسيطر على مفاصل الدولة في معظمها،
ونقصد وزير الدفاع وابن الملك، محمد بن سلمان، حوّل فضيحة
الإفلاس الى شعار (اصلاح اقتصادي) عبر رفع الدعم وزيادة
الضرائب على كاهل المواطنين، ثم ما لبث أن أشعل الوهم
بمشروع جديد وخطة للإقتصاد تبدأ من الآن الى العام ٢٠٣٠،
سمّاها (تحولاً اقتصادياً)، واعتبرها (رؤية جديدة) للسعودية،
التي تعيش حالة من العمى، والتخبّط في الظلام منذ سنوات
طويلة، وفي شتى المجالات، الى أن دهمتها الإنهيارات السياسية
والإقتصادية والأمنية دفعةً واحدة، فجاء اليها أميرٌ حالم،
لم يبلغ بعد من العمر الحادية والثلاثين عاماً، زاعماً
أنه ينقذها، في حين يقول الباحثون أنه سيأخذها الى حتفها
النهائي.
من سخرية القدر، أن وزير الدفاع الفاشل في الحرب على
اليمن، هو رأس الخطة الاقتصادية، والعقل المدبّر لها،
إن كان هناك بالفعل عقل وراء ما سُمي بـ (رؤية 2030).
محمد بن سلمان، 31 عاماً، قفز بوصول أبيه لكرسي العرش،
من مجرد خرّيج جامعي على المرتبة السادسة في حال توظيفه،
الى مسيطر على اقتصاد البلاد ونفطها ووزارات خدماتها،
وجيشها، وقرارات والده أيضاً. هو مسؤول عن استثمارات الدولة،
وعن مراقبة تنفيذ مشاريعها، وعن ارامكو، والمعادن، والتعليم،
والطاقة، والحاضر والمستقبل. هو كل شيء، وزير كل شيء،
كما كان يلقب الوزير عبدالله السليمان الحمدان، في عهد
جدّه الملك عبدالعزيز.
سلطة هائلة بيد شاب بلا خبرة إدارية أو تجربة. رأسماله
اسم إبيه، وتخصصه الجرأة حدّ البجاحة؛ وميدان مغامرته:
كل الوطن، شعباً ومقدرات!
كانت حرب اليمن مفتاحه ليبدع في القتل والعدوان والتدمير،
وليتسلّق على جثث الضحايا وعذاباتهم، ليصبح الملك القادم.
قتل ودمّر ولكنه لم يحقق نصراً!
خرج من عالم العسكر والسلاح والحروب التي لا يفقه فيها
إلا عمولات السلاح، وطلب من أبيه أن يمنحه كل الصلاحيات
ليعبث بثروة البلاد، البشرية والمالية، والنفطية، والمعدنية،
وحتى العاطفية والذهنية، ليجرّب حظّه، فهذا الوطن المُسعوَد،
مجرد (حقل تجارب) لشاب أقرب ما يكون الى الطفولة، يمتلك
سلطات ما حلم بها أيّ من أعمامه الملوك السابقين، الذين
وجد من يشاركهم في السلطة ويعترض على قراراتهم.
الملك غير المتوج، الصاعد عبر الهزيمة والفشل لمقام
العرش، جمع له عدداً من خبراء الشركات الأميركية، في اكتوبر
الماضي (خاصة من شركة ماكنزي للإستشارات) وأجلسهم في أحد
الفنادق، وجاء لهم بالخطط الخمسية القديمة الفاشلة، ثم
أملى عليهم ما يريده، وطلب منهم أن يعدّوا له رؤية حالمة
للإقتصاد، أملى عليهم عدداً من بنودها، فأعطوه ما أراد،
وهم يعلمون أن تنفيذ معشار الخطة في الفترة الزمنية التي
حددها سيكون بمثابة تحقيق (معجزة)!
قال لهم الأمير أنه يريد بعد اربع سنوات من الخطة اي
في 2020، ان يتم الإستغناء عن النفط كليّة، كمصدر دخل
للدولة، في حين أنه ـ مع المنتجات البتروكيمياوية ـ يشكل
ما يزيد على الثمانين بالمائة!
أيّ أحمق، هذا الذي يرى النجوم في منتصف النهار؟!
الغريب أن رؤية الأمير الحالم، للإسكان، ولنفس الفترة
(4 سنوات، اي عام 2020) تقضي بزيادة عدد المتملكين لسكنهم
5% فقط. فكم هو سهل أن تستغني عن النفط وإيراداته في اربع
سنوات؟ وكم هو صعب أن تزيد عدد متملكي المساكن 5% فقط؟!
وقال الأمير الواهم لجماعة (ماكنزي) وخبرائه المحليين،
أنه يريد بنهاية الخطة عام 2030، أن تصنّف ثلاث مدن سعودية
بين أفضل مدن العالم المائة؛ وأن يصبح معدل أعمار المواطنين
ثمانين عاماً بدل ان يكون ٧٤ عاماً الآن. وقرر ابن سلمان
أن تكون هناك خمس جامعات على الأقل من بين أفضل مائتي
جامعة في العالم؛ وأن تنتقل البلاد في عهد خطته وأحلامه
من المرتبة الثمانين الى المرتبة العشرين في مؤشر فاعلية
الحكومة، وأن تنتقل ايضاً من المركز ٣٦ الى احد المراكز
الخمسة الأولى في مؤشر الحكومة الإلكترونية.
والأكثر وربما الأهم، طلب محمد بن سلمان من الوزراء
وكافة اجهزة الدولة ان تحقق له بنهاية ٢٠٣٠، تخفيض مستوى
البطالة الى ٧٪، والتي قال كذباً انها الآن ١١.٦ بالمائة،
في حين يقول كل خبراء الدنيا انها فوق العشرين بالمائة،
بل يصل بها بعضهم الى فوق الثلاثين بالمائة.
ومن أحلام محمد بن سلمان، التي تنم عن جهل وصفاقة وتضليل،
أن يتم في أربع سنوات فقط (اي في 2020) نقل الاقتصاد السعودي
الى المرتبة الخامسة عشرة على مستوى العالم، من حيث الحجم
والقوة. وخلال مدة رؤيته، أوجب محمد بن سلمان على الوزراء
أن يحققوا له رفع نسبة الصادرات غير النفطية من ١٦ بالمائة
الى خمسين بالمئة، أي من ١٦٣ مليار دولار سنوياً، الى
تريليون دولار سنوياً، هكذا بجرّة قلم.
والأدهى أن خطّته تحوي انتاج أسلحة بما يزيد على نصف
ما تنفقه البلاد على السلاح، كما تحوي انتاج طائرات عسكرية،
وبيع منتجات عسكرية الى دول المنطقة!
أحلام محمد بن سلمان كثيرة، وهي هنا ليست رؤية بقدر
ما هي وهم؛ والطريف أن هذه الرؤية الحلم، وهي على الورق،
وقبل ان تنفذ، شديدة العَوَار، تفيض تضليلاً وجهالة، وتعكس
شخصية صاحبها، الممتلئ غروراً، كما ظهر في مقابلته مع
العربية وهو يتحدث عن رؤيته في يوم اعلان مجلس الوزراء
الموافقة عليها. وهو يتحدث عن أحلامه، سُئل الأمير، وماذا
عن البطالة، وأزمة السكن، وغيرها من الأزمات المزمنة؟
أجاب معتبراً هذه المشاكل لا شيء، وأن خطته ستبتلعها كلها!
اذا كانت (رؤية الملك عبدالله) أهدرت نحو مائة مليار
دولار سنوياً، حسب الأرقام الرسمية، فما عسى أن تفعل رؤية
هذا الأمير الصغير؟
(اللهم أنت الصاحب في الوطن)؛ قالها أحدهم قبل ان تُعلن
الرؤية، فرغم التطبيل، كان هناك خوفاً من أن الرؤية مصممة
لتحقيق أهداف أخرى غير تلك التي أُعلن عنها. ومطلع على
أوضاع العائلة المالكة، عبر عن خشيته وهو يرى تجميل منتج
عبقرية وزير الدفاع، والمواطنون ينتظرون أياما قبل ان
تُعلن، عبر بالآية الكريمة: (فلما رأوه عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ
أَوْدِيَتِهِمْ قالوا هذا عَارِضٌ مُمْطِرُنا؛ بل هو ما
اسْتَعْجَلْتُمْ به، رِيحٌ فيها عذابٌ أليم).
وفعلاً.. جاءت مقابلة محمد بن سلمان مع العربية، واعلنت
تفاصيل الرؤية في إحدى واربعين صفحة، وكانت الصدمة التي
عقدت لسان اكثر الخبراء المحليين، الذين خافوا على أنفسهم
من مجرد التعليق عليها بكلمة سلبية، ما اضطر محمد بن سلمان
وفي نفس اليوم ٢٥ ابريل الماضي الى مقابلة المشايخ وبعض
الكتاب للترويج لرؤيته العظيمة.
بيع الأوهام
خطط ابن سلمان الاقتصادية التي يراد منها عدم الاعتماد
على النفط، تعتمد على ايجاد صندوق استثمار بمبلغ تريليوني
دولار، يتم توفير رأسماله عن طريقين: الأول ـ زيادة الضرائب
على المواطنين، في مجالات الوقود والماء والكهرباء وغيرها،
بما في ذلك رفع الدعم عن بعض السلع، وزيادة الخصخصة للقطاعات
الخدمية بما فيها التعليم والصحة، ووضع ضريبة القيمة المضافة
وغيرها. والثاني ـ تحويل ملكية ارامكو الى صندوق الاستثمار،
وخصخصتها او جزء منها، بما في ذلك بيع بعض موجوداتها من
أراضٍ وغيره. بعدها يتم استثمار المبلغ في الأسواق العالمية،
وتحديداً في شركات الطاقة على مستوى العالم. بهذه الطريقة
سيهزّ الصندوق الكرة الأرضية، كما كرر ذلك محمد بن سلمان
(الكرة الأرضية) مرتين في لقائه مع تلفزيون العربية.
ويبني محمد بن سلمان أوهامه على أمور أخرى، منها ان
الجسر الذي لم يقم بعد بين جزر صنافير وتيران وسيناء،
سيكون دخله السنوي مائتي مليار ريال!
لا نعلم كيف حسبها، وكيف توقع ان الضرائب التي تشكل
اكثر ايرادات الجسر، سيتم تحقيقها.
أيضاً فإن الأمير محمد بن سلمان يعتقد ـ حسب رؤيته
ـ أنه يمكن تقريباً مضاعفة أعداد المعتمرين (السياحة الدينية)
من ثمانية ملايين حالياً الى ١٥ مليون بعد اربعة اعوام،
اي في ٢٠٢٠، ليصل الى ثلاثين مليون معتمر وحاج في ٢٠٣٠.
أرقام كبيرة، يقول انه سيهيء الارضية لاستقبالها من جهة
المطارات، والسكن، ومترو مكة، وغيرها. كل هذا سيكون في
غضون أربعة اعوام!، بما في ذلك أكبر متحف، ولكنه سيكون
في الرياض، العاصمة النجدية، وليس في جدة او مكة او المدينة
المنورة، حيث الزائرون المعتمرون!
ليس محمد بن سلمان اول من قال ان لديه مشروعاً ورؤية؛
فكل ملك يأتي يجرب هو وأبناؤه الحلاقة في رؤوس المواطنين!
وكل رؤية او خطة تبدأ بالمديح والتطبيل وتمر بالنهب، وتنتهي
بالنسيان!
الملك عبدالله كان يُزعم ان لديه رؤية، سياسية واقتصادية،
وقال طبّالوه بأنه سيقوم بمشاريع عظيمة كتلك التي قالها
ابن سلمان، وبقي معظمها على الورق. ايضاً قال ان لديه
(صندوق)، وقال ان لديه تطوير تعليم (جامعة كاوست)؛ وقال
ان لديه اصلاح، وشكّل مؤسسة (نزاهة).. ثم تبيّن ان هناك
عشرات الألوف من المشاريع الوهمية، وعشرات المليارات من
الدولارات تُنهب سنوياً، ولم توجد إلا على الورق. حتى
ان وزير الدولة محمد آل الشيخ، امتدح من جهة محمد بن سلمان،
وذمّ الملك عبدالله، حين قال بأن الأول (وفّر على الدولة
تريليون ريال حين أوقف صرف مستحقات سبعة آلاف مشروع متعثّر).
ونُشر في الصحافة أن هناك (هدراً) مالياً يقدّر بين 1200
و 1500 مليار ريال (اي بين 320 و 400 مليار دولار فقط!).
الآن جاء دور تغيير (الطبقة الناهبة)، او (الحاشية
الناهبة) أكثر من غيرها. يجري هذا تحت مسميات (رؤية)،
(خطة)، (مشروع)؛ واذا ما تحقق الفشل تصبح (السرقة): هدراً؛
ويصبح تشبيك الأراضي (تعدياً)؛ واختفاء المشاريع ومخصصاتها:
(تعثّراً).
|