الرؤية 2030 تنصّب محمد بن سلمان ملكاً!
سعدالدين منصوري
اصبح محمد بن سلمان الرجل الأول في الدولة، متخطياً
من الناحية العملية أباه وابن عمه ولي العهد محمد بن نايف.
وفي وقت انتظر كثيرون انهيار مكانة محمد بن سلمان لفشله
الفاقع في اليمن، فهو وزير الدفاع، إلا أنه ظهر لهم بوجه
اقتصادي، وبوعود غير قابلة للتنفيذ. فهل كان هدف رؤية
محمد بن سلمان تحويل الأنظار اليه، وتهيئته ليكون الملك
القادم، او ليعلن أبوه ان ابنه محمد سيكون الملك القادم؟
هذا ما يعتقده الكثيرون. بل ويرون ان شهية محمد بن
سلمان ستتمدّد الى الحرس الوطني، بغية ضمّه لوزارة الدفاع
التي يتولاها، فضلاً عن نجاحه في إضعاف ولي العهد محمد
بن نايف، الذي أشفق عليه الكثيرون، وبات منسيّاً.
محمد بن نايف، وحين رأى ان انظار المواطنين والعالم
تتجه للرجل القوي، كتب تغريدة تستبطن وجود صراع على الحكم،
وتؤكد على أنه لازال ولياً للعهد، اي في المرتبة الثانية
في الدولة. قال محمد بن نايف على حسابه في تويتر: (اهنئ
الوطن بإطلاق رؤية السعودية 2030، وأدعم عضيدي وأخي ويدي
اليمنى محمد بن سلمان، على هذه الرؤية الطموحه، حفظ الله
ملكنا، وحفظ وطننا). كان تعليقاً يدعو للشفقة، فهو يريد
ان يقول بأن محمد بن سلمان يده اليمنى، وليس العكس، أي
أنه لازال في مرتبة أعلى من ابن الملك.
لم تنجح تغريدة محمد بن نايف، وزير الداخلية، في لفت
نظر المواطنين اليه؛ وإذا به يعلن عن سلسلة عمليات ارهابية
داعشية متتالية تمّ إفشالها والقبض على منفذيها، بدأت
في بيشة ثم الطائف ثم مكة وهكذا، وذلك للفت نظر العائلة
المالكة والمواطنين بأنه هو (حامي العرش).
|
|
محمد بن سلمان متحدثا عن رؤيته في (العربية)
|
سايمون هندرسون، الباحث في الشأن السعودي، في معهد
واشنطن، المقرب من وزارة الخارجية الأميركية، كتب مقالاً
في التاسع من مايو الجاري تحت عنوان (نجل العاهل السعودي
يُعيد تشكيل الحكومة بصورة جذرية) شكّك فيه بنجاح الرؤية
اقتصادياً، وخلص في مقالته الى الأهداف السياسية، فقال
بأن (تأثير الأمير محمد في صنع القرار السعودي كبير جداً
حالياً، الأمر الذي يطرح السؤال عما إذا كان الملك سلمان
سيعيّنه رئيساً للوزراء، وهو المنصب الذي يحتفظ به العاهل
السعودي حالياً. ومثل هذه الترقية ستؤدي لا محالة تقريباً،
إلى أن يصبح الأمير محمد بن سلمان الملك القادم، كما ستزيد
من تهميش ولي العهد الحالي، الأمير محمد بن نايف، المفضل
لدى واشنطن والأكبر سناً من الأمير محمد بن سلمان بستة
وعشرين عاماً والأكثر خبرة بكثير في شؤون الحكومة).
واستقرأ هندرسون خطوة محمد بن سلمان القادمة، وهو أن
(يستهدف الأمير محمد بن سلمان في المستقبل القريب الأمير
متعب، وزير الحرس الوطني السعودي، الذي هو حليف وثيق للأمير
محمد بن نايف الذي يواجه مرحلة صعبة. وفي دوره المزدوج
كوزير للدفاع، يريد محمد بن سلمان على ما يبدو استيعاب
الحرس الوطني في وزارته، على الرغم من أن الدور التقليدي
لهذا الحرس، هو حماية أسرة آل سعود من انقلاب عسكري. إن
أي تحرك ضد الحرس الوطني قد يثير أزمة في صفوف العائلة
المالكة).
|
|
هندرسون: سطو مرتقب على الحرس الوطني |
ثم إن رؤية محمد بن سلمان الإقتصادية مقطوعة عن سياقاتها
السياسية والإجتماعية والقانونية. هو يعتقد بتحويل ثروة
البلاد وتراثها الى مجرد شركة قابضة يرأس هو ادارة شركتها.
ويعتقد ـ كما أسلافه ـ انه بالإمكان ان ينجح في التنمية
الاقتصادية بدون تنمية سياسية، وبدون منظومة تشريعات،
وبدون محاسبة، وبدون رقابة شعبية. وهذا كله أضغاث أحلام!
وفي المجال السياسي نفسه، فقبل ان يعلن محمد بن سلمان
عن رؤيته، كتب كثيرون في الصحافة وفي مواقع التواصل الاجتماعي،
آمالهم بما يمكن أن يفعله الأمير سواء ما يتعلق بإيلاء
المرأة دوراً في رؤيته، وإمعان النظر في حقيقة أن المشاريع
الاقتصادية لا يمكن أن تنجح بدون منظومة تشريعية حديثة،
وبدون إصلاح سياسي يؤدي الى مراقبة شعبية على مشاريع الحكومة،
ومشاركة في صناعة القرار السياسي، حتى أن البعض أخرج من
(أرشيف غوغل) نصوص العرائض السابقة التي قدّمها الإصلاحيون
للملك عبدالله واخوته، بما في ذلك (وثيقة الرؤية) التي
تختزل حاجات البلاد في نقاط محددة تغطي كافة مساحات التغيير
المطلوبة.
لكن هذا لم يحدث. فتركي الدخيل، مدير العربية، لم يطرح
سؤالاً واحداً يتعلق بالحريات السياسية والعدالة الاجتماعية
والمشاركة السياسية؛ ما دفع بالمعارضة الدكتورة مضاوي
الرشيد للقول أنه من الغريب أن رؤية جمعية حسم للإصلاح
وللمستقبل السياسي والاقتصادي والأمني كان عقابها السجن
له ولزملائه سنين طويلة، أما رؤية ابن سلمان فخيالية حالمة
بامتياز.
|
|
الشلهوب: الاصلاح السياسي أولاً |
الاعلامي تركي الشلهوب قدّم اراءً جريئة. قال: (لا
يمكن تحقيق الإصلاح بأدوات فاسدة. التحول الإقتصادي يحتاج
برلماناً منتخباً بصلاحيات واسعة يكون سيفاً مسلطاً على
الفاسدين)؛ وأضاف: (الاصلاح السياسي قبل أي شيء، ومتى
اصبح الشعب شريكا بالوطن، فسنثق حينها برؤية السعودية
للعام ٢٠٣٠).
ايضاً لخص الاعلامي عبدالله المالكي رأيه في جملة واحدة،
وكأنه يقول في فمي ماء كثير: (كل الشعارات والأيديولوجيات
إذا لم تجعل كرامة الإنسان أولا، فمحلها تحت القدم). ووصف
الدكتور والحقوقي حسن العمري رؤية ابن سلمان بأنها قنابل
دخان وغاز وفرقعات اعلامية للتغطية على الإخفاقات وعلى
أزمة السلطة. واكد ان التحول الوطني يحتاج بيئة سليمة
مضمونها الإصلاح السياسي والشفافية.
الدكتور حمزة الحسن قال ان (من يزعم ان لديه رؤية اقتصادية
ستنجح بدون ان تكون لديه رؤية سياسية واجتماعية وقانونية
وأمنية، فهذا لا رؤية لديه بالمرّة. هذا أعمى، بس مفتِّحْ).
وشرح: (التحول من دولة ريعية احادية الاقتصاد لا يكون
بدون تحول سياسي. النجاح الاقتصادي في بلد كالسعودية بلا
اصلاح سياسي وتشريعي مجرد وهم، وليس رؤية). وتمنى الكاتب
عبدالرحمن الكنهل تحولا وطنياً في حقوق الإنسان والإفراج
عن معتقلي الرأي، في الطريق الى دولة الحقوق والقانون.
وحذر الصحفي والكاتب خالد الوابل بأن خطة التحول الوطني
قد تنقلنا الى وضع كسنغافورة، أو تبقى حبرا على الورق
مثل الخطط الخمسية العشر الماضية، وطالب بالمساءلة والمحاسبة
عبر مجلس منتخب. وحين علق الامير خالد آل سعود على رؤية
ابن سلمان بأن البلاد على اعتاب دولة عصرية، رد عليه مرزوق
العتيبي بأن الدولة العصرية تحتاج الى دستور وقضاء مستقل
ونقابات مهنية وجهاز تشريعي ومنظومة قانونية مكتملة (وليس
شويّة استثمارات).
والكاتب طراد العمري تمنى ان تحوي الرؤية حلّاً لمجلس
الشورى واستبدالاً له ببرلمان منتخب، ولكن هيهات. وبعد
استماعه لمقابلة الأمير في قناة العربية، قال ان نسبة
نجاح المقابلة كانت ٦٥٪. فيما وصف آخر
ما سُمي برؤية محمد بن سلمان بأنه مجرد (نسخة من هرطقات
القذافي في الكتاب الأخضر، ولكن بنكهة سعودية). أما الدكتور
تركي الحمد فرأى انه بدون منظومة قانونية واضحة، لا يمكن
ان ينجح مشروع ابن سلمان الاقتصادي. وأخيراً علق الناشط
الدكتور متروك الفالح، الذي دخل السجن ورفاقه حين قدموا
عريضة في ٢٠٠٣ بعنوان: (رؤية
لحاضر الوطن ومستقبله) فتم سجنه هو مع عبدالله الحامد
ومحمد سعيد طيب وغيرهم.. الفالح علّق بحذر: (عندما يكثر
قرع الطبول، فخيارك هو إما أن تضرب الدفّ وترقص، أو تسدّ
أُذُنيك وتولول لاعناً إبليس!).
|