يوم الحساب
أقرّ مجلس الشيوخ الأميركي مشروع قرار يتيح لضحايا
وعائلات ضحايا تفجيرات نيويورك وواشنطن، ان يرفعوا دعاوى
ضد الحكومة السعودية، باعتبارها ضالعة في دعم من قام بها.
الصفحات الثمان والعشرون التي حجبت من النشر في التقرير
المطول والناتج عن التحقيق في تلك الهجمات، تتضمن تفاصيل
عن الدور السعودي في دعم الإرهاب. وقد رأت عائلة بوش،
الصديقة الحميمة للعائلة المالكة السعودية، حجبها. لكن
الأصوات تعالت في الآونة الأخيرة مطالبة بالكشف عنها،
وبإقرار قوانين تجيز للضحايا رفع دعاوى على دول.
الصفحات المحجوبة من التقرير، تشير ـ على الأقل ـ الى
دور أميرين في دعم الإرهاب القاعدي. أولهما تركي الفيصل،
رئيس الإستخبارات السعودية السابق، الذي أوصل كميات هائلة
من النقد، وبملايين الدولارات الى أسامة بن لادن في أفغانستان،
واستمرت الحكومة السعودية في الدفع حتى بعد أحداث ٩/١١.
يبرر الأمراء ذلك الدعم بالتالي: حين وقعت تفجيرات
الخبر ١٩٩٦، وقُتل فيها ١٩
جنديا أمريكياً، طلب الملك فهد من تركي الفيصل بأن يقوم
بزيارة الى أفغانستان، وأن يقنع الملا عمر، زعيم حكومة
الطالبان حينها، بواحدٍ من إثنين: أن يُسلّم أسامة بن
لادن الى السلطات السعودية مقابل مئات الملايين من الدولارات؛
وإذا ما فشل في ذلك، فعليه أن يُقنع الملا عمر، بأن يبعد
عمليات ابن لادن عن الأراضي السعودية، وأن يتعهد بذلك
مقابل دفعات مالية للطرفين الافغاني والبن لادني. وهكذا
كان، دون أن يعلم الأمريكان بالخبر الا متأخراً.
الرواية الإضافية تقول، بأن ابن لادن لم يشأ أن يبدو
وكأنه ملتزم بأوامر ال سعود، او أنه كشخص يمكن شراؤه بالمال،
او حتى إبعاد الشر عن ال سعود بالمال. لهذا، اتفق مع تركي
الفيصل بأن يتم إطلاق سراح مسؤولي تفجير الخبر، ممن ينتمون
الى القاعدة، وفي مقدمتهم الشيخ يوسف العييري، اول زعيم
للقاعدة في جزيرة العرب.
ولهذا نفهم اليوم، لماذا أراد السعوديون تحميل المواطنين
الشيعة مسؤولية تفجيرات الخبر، وتبرئة جماعتها الوهابية
القاعدية؟ وايضاً لماذا، لم يقتنع الأميركيون أنفسهم بتحقيقات
الرياض في تفجيرات الخبر، وفي خلاصة الاعترافات المنسوبة
للمعتقلين على خلفية الحدث، وهم تسعة أشخاص، لازالوا حتى
اليوم معتقلين.
هناك أيضاً دورٌ للأمير بندر بن سلطان في دعم خاطفي
الطائرات ممن قاموا بهجمات نيويورك وواشنطن. فالثابت أن
زوجة الأمير بندر، وهي هيفاء الفيصل، شقيقة الأمير تركي
الفيصل، دعمت اثنين من المهاجمين الإنتحاريين. وتحوي الصفحات
المحجوبة من التقرير، تورط مسؤولين سعوديين آخرين، ولكن
على مستوى أدنى، في تمويل عمليات القاعدة في أكثر من بلد،
عبر استخدام الجمعيات الخيرية السعودية.
وفي كل الأحوال، فإن الضغوط تتجة اليوم لكشف المستور
السعودي الداعم للإرهاب. بل أن مرشحي الرئاسة يتسابقون
في الدعوة الى كشف محتوى الصفحات للرأي العام الأمريكي،
ويطالبون بإقرار تشريع يتيح محاكمة السعودية ومصادرة اموالها
في واشنطن.
الرياض خشيت على نفسها وأموالها، وهدد وزير الخارجية
عادل الجبير، بسحب استثمارات الرياض من أمريكا، إن تمّ
إقرار القانون. ثم تراجع بعد الهجوم الاعلامي الاميركي
عليه، وقال أنه لم يقصد ذلك!
أوباما، أكثر رئيس أمريكي يحتقر ال سعود والسعودية،
قال أنه ولمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية، فإنها لن
تنشر المحجوب من الصفحات، وأنه لن يمرر مشروع قرار مجلس
الشيوخ بشأن إجازة رفع دعاوى قضائية على السعودية.
لكن هذا التكتيك قد ينقضه الرئيس القادم الجديد الى
البيت الأبيض بعد بضعة أشهر. وتأمل الرياض ان تنجح هيلاري
كلينتون في الإنتخابات، لأن من السهل التفاهم معها، في
استمرارية حجب الصفحات وإيقاف مشروع القرار من التنفيذ.
لكن في حال وصل أوباما، فالأرجح أن رهان الرياض سيكون
خاسراً.
في الوقت الحالي، يقوم كيري ورئيسه أوباما، بعملية
ابتزاز سياسي للسعودية، في عدد من الملفات المتعلقة بشؤون
المنطقة، بما فيها سوريا واليمن وحتى العلاقة مع ايران.
فالغرض في النهاية ليس قطع التحالف مع الرياض، بل إعادتها
كلية الى الإتجاه الصحيح الذي يخدم الاستراتيجية الأميركية
كما كانت الرياض تفعل في الماضي، عدا مشاغبتها الجزئية
في السنوات الأخيرة.
لكن ماذا ستصنع الرياض، وما هي بدائلها؟
هناك من يقترح ابتداءً، سحب الأموال الممكن سحبها من
الولايات المتحدة. فهذه الأموال المدّخرة لإنجاح رؤية
ابن سلمان (العمياء)، قد يتم السطو عليها بحجّة أو بأخرى.
ومع ان وزارة الخزانة الأميركية حددت حجم استثمارات الرياض
لديها بنحو ١١٧ مليار دولار فقط، فإنه لا يعلم بالتحديد
أين تُستثمر بقية الأموال، أو ما إذا كانت الأرقام المقدمة
من السعودية في الأساس صحيحة.
امريكا تستطيع ان تستغني عن الرياض كحليف، وعلى مضض.
لكن الرياض لا تستطيع ان تجد لها حليفاً او حامياً للعرش.
الإرهاب السعودي الوهابي الذي أشعل العالم ودمّر الدول،
ارتدّ وسيرتدّ أكثر على الرياض، وستدفع الأخيرة ثمن زرعها
الدموي لسنوات طويلة قادمة، قد تفضي الى انكسار لحكم أوغل
في الدم والإجرام.
|