دولة MBS
منذ تسلّمه منصب ولي ولي العهد في 29 إبريل 2015 الى
جانب مناصبه الأخرى التي لا تعد ولا تحصى ومنها (وزير
الدفاع، رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية والتنمية، رئيس الديوان
الملكي، رئيس المجلس الأعلى لشركة أرامكو.. الخ) والدولة
قيد إرادته، يفعل بها ما يشاء، فتارة يدخلها في حرب، وتارة
يخرجها من استقرار، حتى تحوّلت الدولة بكامل حمولتها الى
لعبة بيده، يجرب ويخطأ ثم يعيد الكرّة، ولا حسيب ولا رقيب،
بل النياشين والأوسمة تسبقه أينما حلّ..
خاض حرباً عبثية وعدوانية على اليمن منذ 26 مارس 2015،
وكان يرى فيها حرباً خاطفة. ومضى عام كامل وحصادها الوحيد
الدمار الهائل، والمجازر الجماعية، والتشريد. وأما الأهداف
العسكرية والسياسية فنصيبها الصفر المكعّب.
وفي 15 ديسمبر 2015، أعلن في أول ظهور له بالصوت والصورة
عن تحالف أطلق عليه التحالف الإسلامي العسكري ضد الإرهاب،
قوامه ثلاثون دولة، نصفها على الأقل لم يتم إبلاغه بقرار
العضوية. وراحت فرق التطبيل والتزمير تعزف ألحان النفاق
طرباً لتحالف «واتساب» شرّق به بن سلمان وغرّب، وخاض به
ميادين الوغى، ولكن على الورق فحسب..
وبين الحرب والتحالف صولات وجولات، يديرها النابغة
البنسلماني، كما يصفه أحدهم. وفي الاقتصاد الذي يمسك بملفه،
جاء بالعيد في الجيل الحالي والأجيال القادمة، بإعلان
ميزانية العام 2016 مثخنة بعجز فلكي غير مسبوق قدّره واضعو
الميزانية بعد «التدليك» بـ 87 مليار دولار، ثم انهالت
العقوبات على المواطنين برفع الدعم عن أسعار المحروقات،
وزيادة الرسوم على الماء والكهرباء والهاتف، وكرّت سبحة
«شفط» الأموال من الناس، لتعويض خسارة تسبّبها بن سلمان.
أراد أن يعاقب روسيا وايران بطلب من أمريكا فشمل العقاب
الشعب بكل فئاته، وأصاب الشرر كل بيت في مملكة القهر..
وفجأة، داهمنا سمّوه بإعلانه رؤية السعودية 2030، واعتقدنا
بأن الشاب المتهوّر استفاق من غفوته، وبدأ يفكّر بطريقة
صحيحة. وعلى غير العادة وجدنا من يخطّط لعقد ونصف قادم،
وبدأت فرق التطبيل والتزمير تقرع آذاننا بألحان لا نفهم
مصدرها ولا المدرسة التي تنتمي اليها، ولكنّنا قلنا: خير
اللهم إجعله خيراً..
خرج سموّه على إحدى شاشات «التطبيل»، وراح يهيم في
تصوير الرؤية، بكل ثبات وصلابة..واستهبال. وفي الخلاصة:
هناك رؤية طموحة، حالمة، وبكلمة: ثورية بكل ما في الكلمة
من معنى.
تأملنا في محتويات الرؤية، شأن كثيرين انخرطوا في مهمة
تأمل متأنية، واستوقفنا أمر جوهري: ما مدى تطابق الرؤية
مع كفاءة الجهاز البيروقراطي الذي سوف يتولى تنفيذها.
وللتوضيح نسأل: هل يمكن لعربة حصان أن تتحمل ماكينة سيارة
سباق سرعتها 400 كم في الساعة.
المشكلة ليست في الرؤية، بصرف النظر عن واقعيتها وعدم
واقعيتها، بل المشكلة في رافعتها. ويبدأ السؤال الكبير
في الرؤية الطموحة حول سبل التحرر من الاعتماد على النفط
كمصدر دخل رئيس، وتالياً كيف يمكن التحرر منه كليّاً في
العام 2020. هذا الهدف الثوري يتطلب انتقالاً شاملاً وانقلابياً
في كل البنى والتجهيزات البيروقراطية التي تبدأ من التشريعات
المسؤولة عن تنظيم عمل المؤسسات والسياسات مروراً بكفاءة
أداء المؤسسات البيروقراطية، الى الكفاءات العلمية والمعرفية
المناسبة، الى العلاقات الخارجية المطلوبة لتسهيل حركة
الاستثمار في أبعادها الكونية..الأهم من ذلك كله، لا يمكن
الاقلاع برؤية ثورية وشاملة بجسد معلول، ومثخن بالأزمات:
البطالة، الفقر، أزمة السكن، أزمة الخدمات، الفساد الإداري
والمالي، انعدام الحريات العامة، تزايد الانتهاكات لحقوق
الانسان، اضطهاد المرأة والاقليات الدينية، تغوّل دور
المؤسسة الدينية المحافظة، ترهّل الطبقة الحاكمة، اختلال
مستوى الشراكة الشعبية والتمثيل السياسي للمكونات السكانية
كافة..
ليست تلك قائمة تمنيّات، ولا نوافل في الحياة العامة،
ولن تتمكّن الدولة، أي دولة، أن تنهض باقتصادها اعتماداً
على مكوّن سكاني محدّد دون بقية المكوّنات. إن الرؤية
التي أعلن عنها بن سلمان تستند على ذات الحسابات والمعايير
السابقة المسؤولة عن أزمة الدولة، وقد جاءت الهيكلة الحكومية
الجديدة لتؤكّد ذلك. فقد بقي الاختلال الفاضح في التمثيل
السكّاني، وبرز التفوّق النجدي في الجهاز البيروقراطي
وربما أكثر من التشكيلات الحكومية السابقة. لم تتجدّد
الدماء في جسد الحكومة وإنما جرى نقل أجزاء منها الى أماكن
أخرى، فيما تمّت عملية إدماج لأمراء جدّد، وتضخّم القسم
الاستشاري في الديوان الملكي الذي يرأسه بن سلمان..
طيب، لنفترض أن المعجزة حصلت وتعالجت الدولة من «الإدمان»
على النفط، حسب قوله، ماهي مصادر الدخل البديلة. هل تحويل
الدولة الى شركة قابضة هو الحل؟ وكيف؟ وهل الاستثمار في
نيويورك ولندن وهونك كونج بالبساطة التي يتخيّلها بن سلمان،
وهل يعقل أن يتم ذلك في غضون أربعة عشر سنة؟
هل يمكن أن اقتصاد دولة بني على مدى نصف قرن على الصناعة
النفطية انتاجاً وبيعاً واستهلاكاً وتشغيلاً لديه القدرة
في غضون أربع سنوات أن يتحرر منه، ثم في غضون أربع عشرة
سنة أن يحدث انقلاباً كليّاً بما ينقل الدولة الى اقتصاد
غير نفطي..
لاشك أن الخطط الخمسية التسع في الفترة ما بين 1970
ـ 2015 لم تحقق كامل أهدافها، وقد تكون أقرب الى الفشل
منها الى النجاح ولكن ما يميزّها عن الرؤية أنها اعتمدّت
التدرّج، ولم تسلك سبيل مغامرة من النوع الذي قد يؤول
الى انهيار الدولة..
فصل الاقتصادي عن التشريعي والسياسي والتنظيمي والاداري
يجعل من الفشل رفيقاً دائماً لهذه الرؤية لأن من غير الممكن
الكلام عن ثورة اقتصادية مع بقاء تنظيم إداري متخلّف،
وأجهزة بيروقراطية متكلّسة، ومؤسسات دولتية وتشريعية غير
مواكبة لتطوّر الزمن وشروطه..بكلمة أخرى، لا يمكن الفصل
بين الثورة الاقتصادية والثورة السياسية والادارية والتشريعية.
إن الاحتجاج بالصين كدولة أنجزت ثورتها الاقتصادية من
دون إصلاحات سياسية يملي مراعاة الحقيقة التالية: أن هذا
العملاق الاقتصادي حقّق استقلاله الاقتصادي أولاً، ونجح
في تعويض السياسي بالاقتصادي، ولكن ليس على حساب إصلاحات
أخرى تشريعية وإدارية وتنظيمية. وحين تصبح الصين قوة دولية
عابرة للقارات ونافذة سوف تجد نفسها أمام استحقاق الاصلاح
السياسي طوعاً أو كرهاً، تماماً كما حصل مع نمور آسيا
التي تبنّت الاصلاح السياسي جنباً الى جنب الاصلاح الاقتصادي
وإلا لكن الفشل حليف تجاربها الناشئة.
السؤال: هل بن سلمان الذي يمسك بمفاصل الدولة قادر
على تطبيق رؤية لن يتسنى له تطبيقها الا بزلزال بنيوي
في مملكة الآباء والأجدادا؟
|