هوس ملكي حدّ المرض
شرقاً أم غرباً.. السعودية تلاحق إيران
فريد أيهم
لم يعد للنظام السعودي عدوٌ غير ايران، فالخصومة معها
تصل الى ذروتها، فيما التطبيع مع الكيان الاسرائيلي يتواصل
بوتيرة متقدّمة، ولن يمض وقت طويل حتى نسمع عن تحالف بين
الرياض وتل أبيب.
الجنون السعودي اليوم في أغلبه موّجه ضد ايران، لأسباب
لا علاقة لها بتهديدات مباشرة تشكّلها طهران، ولكنه النفوذ
الذي تخشى أن تخسره السعودية فيما تواصل معاركها المباشرة
وغير المباشرة لمنع ايران من أن تكسب نفوذاً جديدا.. فتخوض
المعارك معها في الميدان، وفي السياسة، وفي النفط، وفي
الاعلام، وفي الدين، والحج مثالاً، ولو تطلب منها أن تحرق
مئات المليارات من الدولارات لمنع إيران من الافادة من
مرحلة ما بعد توقيع الاتفاق النووي لفعلت. بينما مع الكيان
الاسرائيلي، فالبشارة تلو البشارة يقدّمها تارة صغير مثل
أنور عشقي، وأخرى تافه مثل عادل الجبير، وزير الخارجية
غير مكتمل الرشد، ومعتوه مثل تركي الفيصل.. هؤلاء وغيرهم
يبشرون الصهاينة بعلاقات متميزة في حال فتحوا لهم باب
السلام.
فريق سلمان أشداء على العرب والمسلمين، ورحماء على
الصهاينة وأضرابهم، وباسم العروبة والاسلام يقودون المعركة
ضد العرب والمسلمين.
في تقرير (رويترز) المنشور في 5 يونيو الجاري ما يستحق
التأمل، فالسعودية، في عهد الخرف الوعائي، توسّع نطاق
استراتيجية الحرب على ايران خارج فضاء الشرق الأوسط، دون
أن تعتمد اعتماداً كبيراً على حلفائها فى الغرب فى قمع
طموحات طهران خارج العالم العربي.
منذ تولي سلمان الحكم فى أوائل العام الماضي، توصلت
طهران إلى اتفاق نووي مع القوى العالمية، وعدّلت الرياض
من استراتيجيتها في التصدي لجهود إيران الشيعية لإيجاد
مناطق نفوذ في أفريقيا وآسيا بل وفي أمريكا اللاتينية.
ومن أبرز مظاهر هذه الاستراتيجية أن السعودية استخدمت
شبكات إسلامية في دفع الدول لقطع اتصالاتها مع إيران،
بما في ذلك إنشاء تحالف إسلامي ضد الإرهاب دون دعوة طهران
أو العراق او سوريا للمشاركة فيه. وقال وزير الخارجية
السعودى عادل الجبير فى مؤتمر صحفى مؤخراً إن إيران هي
التي عزلت نفسها بتأييدها للإرهاب، وإن هذا هو السبب فى
ردود الفعل من الدول الأخرى، خاصة في العام الإسلامي.
وتنفي طهران دعمها للإرهاب وتشير إلى سجلها في محاربة
تنظيم الدولة الإسلامية.
وتشعر الرياض بالانزعاج لدعم طهران لجماعة حزب الله
الشيعية في لبنان وقد قطعت مساعداتها العسكرية للحكومة
اللبنانية بعد أن جرت اعتداءات على البعثات الدبلوماسية
السعودية في إيران دون أن تصدر إدانة لها. وبالمثل شنت
القوات السعودية حرباً على الحوثيين المتحالفين مع إيران
في اليمن. لكن هذا كله جزء من مساعيها القديمة دبلوماسياً
واقتصادياً وعسكرياً لاحتواء ما ترى أنه توسع للنشاط الإيراني
في الدول العربية ينذر بعواقب وخيمة. وهي تحاول الآن تنظيم
الدعم في مناطق أخرى بما في ذلك دول مثل باكستان وماليزيا
عبر تأسيس تحالف محاربة الإرهاب في نوفمبر الماضي. وقال
مهران كمرافا الأستاذ بجامعة جورج تاون - قطر «بأشكال
عديدة بدأت أبعاد التنافس بين إيران والسعودية تتجاوز
الشرق الأوسط. هذا تطور له مغزاه ولم يكن الحال هكذا من
الناحية التاريخية».
انتهاء النظام القديم تمثّل في تبني الرياض هذه الاستراتيجية
كرد جزئي على تنفيذ الاتفاق النووي في يناير الماضي. وتخشى
الرياض أن يتيح ذلك لطهران مجالاً أكبر لتعزيز مصالحها
على المستوى الدولي بإعفائها من كثير من العقوبات التى
عرقلت اقتصادها. وبعد أن أصبحت الولايات المتحدة نفسها
تردّد أن بوسع البنوك الغربية إبرام التعاملات المشروعة
مع إيران، يعتقد السعوديون أن واشنطن حليفهم الرئيسي في
الغرب، بدأ ينسلخ تدريجيا عن المنطقة.
وتتابع رويترز فتنقل عن دبلوماسي رفيع فى الرياض قوله:
«السعوديون يفهمون أن النظام الدولي القديم قد أصبح ميتاً
وعليهم أن يتولوا المسؤولية». لكن هذه الاستراتيجية يحفزها
أيضا - على حد قول مصطفى العاني، الصحفي العراقي الذي
يقول انه خبير في الأمن والسياسة، والذى تربطه صلات وثيقة
بوزارة الداخلية السعودية - اعتقاد الملك سلمان أن النفوذ
الإيراني لم يكبر إلا لأن أحدا لم يتصدى له. ويأتي تحالف
محاربة الإرهاب في هذا السياق. فعندما التقى رؤساء الأركان
من 34 دولة إسلامية بعد مناورة عسكرية مشتركة في أواخر
مارس الماضي، أظهر رسم كاريكاتوري فى صحيفة الشرق الأوسط
اليومية طائرة قاذفة، وهي تلقي على إيران بمنشورات عليها
علامة ممنوع الدخول.
وعندما أعلنت الرياض عن هذا التحالف فى البداية تسبب
في بعض البلبلة بخصوص مجاله وعضويته لكنه الآن يتحرك للأمام
ومن المحتمل إضفاء الصفة الرسمية على إقامة «مركز للتنسيق»
خلال شهر رمضان. وقال العميد أحمد العسيرى بالقوات المسلحة
السعودية إن الخطوة التالية هي اجتماع وزراء الدفاع ربما
خلال شهر رمضان أيضاً إلى جانب الإعداد لمركز التنسيق
فى الرياض. وأضاف أن هذا المركز سيعمل به موظفون دائمون
من كل دولة مشاركة، وسيكون بمثابة المحفل الذي تطلب فيه
كل دولة إما المساعدة في التعامل مع التطرف، أو تقدم من
خلاله الدعم العسكري والأمني وخلافه.
ورغم أن هذا التحالف ليس الهدف منه صراحة التصدي لإيران
فهو لم يضم فى عضويته طهران ولا حكومة العراق المتحالفة
معها. كذلك يهدف التحالف إلى التصدي لتعليقات في بعض وسائل
الإعلام الغربية التي تردد أن السعودية تؤيد تطرف الجهاديين
في بعض المستويات في الوقت الذى تعمل فيه إيران وحلفاؤها
من الشيعة على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية. وقال العاني
«الغرض من هذا التحالف الجديد فى الأساس هو حشد التأييد
الإسلامي على المستوى العالمي للسعودية كي تقود الحرب
على الإرهاب وتأخذ الراية من إيران». أما ما إذا كان أعضاء
التحالف يرون الأمر على هذا النحو فمسألة أخرى. وقد أشاد
محمد نفيس زكريا، المتحدث باسم وزارة الخارجية الباكستانية،
بالرياض لإنشاء هذا التحالف، وقال إن إسلام أباد مستعدة
لتبادل الخبرات. لكنه قال أيضاً إن الترتيبات ستستغرق
وقتاً وإن باكستان تسعى لتحقيق الأخوة بين الدول الإسلامية
ومن ثم يقلقها تصعيد التوتر بين السعودية وإيران.
وبخلاف مبادرة التحالف، تحاول الرياض الفوز بدعم الهند
وتشجيعها على عزل إيران. وقد حققت حتى الآن نتائج متباينة
فى هذا المجال. فبعد أن زار رئيس الوزراء الهندي ناريندرا
مودى البلدين الشهر الماضي، زادت مبيعات الطاقة السعودية
للهند، لكن نيودلهي وافقت على إنشاء ميناء فى إيران. وقال
محلل سعودي يقوم فى بعض الأحيان بمهام دبلوماسية لحساب
الحكومة، إن استضافة الرياض لقمة دول أمريكا الجنوبية
وجامعة الدول العربية فى العام الماضي، كان من أهدافها
أيضا صد النفوذ الإيراني. وزار الرئيس الإيرانى السابق
محمود أحمدى نجاد فنزويلا ونيكاراجوا وكوبا والإكوادور
عام 2012، طلباً للدعم الدبلوماسي من هذه الدول اليسارية
دون تحقيق نجاح يذكر.
واقتدت بعض الدول الأفريقية بدول كثيرة من أعضاء الجامعة
العربية فى الشهور الأخيرة، فقطعت العلاقات الدبلوماسية
مع إيران في أعقاب اقتحام سفارة الرياض في طهران، رداً
على إعدام السعودية رجل دين شيعي في يناير الماضي. وظهر
الرئيس الزامبي مؤخراً في الرياض في زيارة رسمية في أعقاب
إدلائه بتصريحات مناهضة لإيران. كانت إيران قد خصصت أموالاً
للسعي للفوز بأصدقاء في مختلف أنحاء أفريقيا، فاستثمرت
في صناعات محلية، وأنفقت على نشر المذهب الشيعى في الدول
الإسلامية. وبدا أن الهدف الإيراني فاز بدعم أوسع في الأمم
المتحدة باللعب على مناهضة الامبريالية.
وليست القوة الناعمة وحدها المعرضة للخطر. ففى عام
2012 رست سفينتان حربيتان إيرانيتان فى ميناء بور سودان
في أعقاب سنوات من العلاقات الوثيقة بين الخرطوم وطهران.
ومنذ ذلك الحين استثمرت الرياض حوالى 11 مليار دولار في
السودان وتجاهلت الأمر الدولي بالقبض على الرئيس عمر البشير
فسمحت له بزيارة المملكة. وفي يناير الماضي قطعت الخرطوم
علاقاتها مع طهران. وفعلت جيبوتي والصومال الشيء نفسه.
وأظهرت وثيقة اطلعت عليها (رويترز) في يناير الماضي أن
مقديشو تلقت مساعدات قيمتها 50 مليون دولار قبل صدور القرار.
لكن جيبوتى نفت في فبراير أن قطع العلاقات كان حافزه مالياً،
واتهمت طهران بنشر التوترات الطائفية في القارة الأفريقية.
وعموماً فإن الرياض تعتقد أن هذا النهج يحقق نجاحا.ً وقال
ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الشهر الماضي
إن السياسة التوسعية الإيرانية توقفت تقريباً. لكن كمرافا
الأستاذ بجامعة جورج تاون - قطر قال إن من السابق لأوانه
إعلان الفائزين والخاسرين. وقال «في العلاقات الدولية
يمكنك أن تستأجر الأصدقاء، لكن لا يمكنك شراؤهم. وبالنسبة
للسعودية فإن فعالية هذه السياسة في المدى البعيد مشكوك
فيها، لأن هذه التحالفات قائمة على علاقات تكتيكية أو
تجارية محضة».
|