المفكّ.. أحمد بن سعيّد
سعدالدين منصوري
يسمّيه خصومه بـ (المَفَكّْ)، أي مفتاح العُلَب المعدنية.
وذلك لأنه كان يتصيّد مواقف الاعلام السعودي المتصهين،
وخاصة قناة (العربية)، وكانت كتاباته في مواقع التواصل
الاجتماعي تحت عنوان أطلقه هو: (تفكيك الخطاب المتصهين).
إنه أحمد بن راشد بن سعيّد، وهو نجدي، أي أن مساحة
نقده أكبر من مساحة نقد المسعودين، ولديه حماية كونه (مواطن
درجة أولى).
أحمد بن سعيّد، استاذ جامعي، وصحفي، وشاعر.. والأهم
انه (إخواني) سعودي. او لنقل انه في جوهره (إخواسلفي).
فالإخواني السعودي استعار هيكل التنظيم، ولكن المحتوى
بقي سلفياً وهّابياً.
كان سعيّد عائداً من اسطنبول، فتمّ اعتقاله في المطار،
مطار المدينة المنورة على الأرجح، شأنه شأن محمد الحضيف،
الذي هو ايضاً من نفس الفئة، ونفس التوجه السياسي والأيديولوجي،
وقد سبقهما اعتقال آخرين من الإخوان او (الإخواسلفيين)
واطلق سراح بعضهم، وتم تجنيد بعضٌ آخر.
الحكاية ربما لها علاقة بنشاط سياسي يتخذ من اسطنبول
مقراً له. ومعظم الناشطين الاخواسلفيين يكتبون في صحف
قطرية، ويظهرون على الإعلام القطري، وبينهم أحمد سعيّد،
ومهنا الحبيل، وغيرهما. بعضهم توقف بعد ان قرصت السلطات
أذنه، وبعضهم لازال!
المهم، ان ابن سعيّد تم إيقافه، والتحقيق معه، وقد
أطلق سراحه، ولكن هناك دعاوى ضدّه، من قناة (العربية)
نفسها. وهي حجّة، تستخدمها السلطات لإسكات خصومها، مع
ان ابن سعيّد وهو ينتقد الاعلام السعودي، فإنه يؤيد حروب
السعودية الطائفية في اليمن والعراق وسوريا وغيرها، وهو
لازال يخوض حرباً اعلامية بنكهة طائفية على كثير من الأصعدة.
كتب أحمد سعيّد قبل أيام من اعتقاله: (حفنة من أعداء
الفضيلة لديهم أم بي سي والعربية وروتانا. نحن الجماهير
ما عندنا أموال مثلهم، ولا نفوذ. كيف نتغلّب عليهم؟ بالوعي
والصمود والإيمان). وكتب قبلها ضد مكرم محمد أحمد حين
وصف عدو الله نتنياهو بـ (صقر الصقور)، وأضاف: (يِخَسِيْ
هو والعربية)، التي نشرت مقالته.
كان هذا قبل بدء شهر رمضان المبارك، حيث يتصاعد السخط
ضد قنوات الإفساد السعودية، وتكثر الدعوات الى مقاطعتها.
بسبب نقد الاعلام السعودي المتصهين، ولدور ما يحاول
الإخوان السعوديون لعبه انطلاقاً من تركيا.. تمّ تدبير
القبض على سعيّد وتهديده عبر الحكومة، وبحجة (العربية
وأخواتها). فشتمهما هو شتم لملاّكها من الأمراء. لكن الغريب
ان الإخواسلفي احمد سعيّد لم يعتقل او يُحاسب لأنه يدعم
داعش ويؤيد جرائمها، وقد وصفهم بثوار الدولة أصحاب الغنائم.
السعيّد، أيّد ثوار داعش بزعمه وقتلهم الجنود العراقيين،
لأنهم مثل الصهاينة في معتقدهم.
عموماً، فإن دعم داعش ليس جريمة بنظر آل سعود بالضرورة
مادامت تخوض حرباً طائفية تريدها الرياض. حتى منافحة أحمد
بن سعيّد عن اردوغان وتركيا والعثمانيين الذين يكفرهم
الوهابيون يمكن التغاضي عنها، ولو كانت الكتابة في صحيفة
قطرية لا تنظر اليها الرياض بارتياح. الغريب ان سعيّد
وبعد ساعات من اطلاق سراحه، غرّد في مديح تركيا التي قررت
تلاوة القرآن في رمضان من (آيا صوفيا). وسأله أحدهم عن
مقالته الأسبوعية الجديدة في العرب القطرية، فقال انه
توقف عن الكتابة في الصحيفة القطرية، وانه سيكتب في جريدة
أخرى. والأرجح انه تمّ اجباره في التحقيق على فعل ذلك.
الاكاديمي الاماراتي عبدالخالق عبدالله لا يطيق الإخوان
كحكومته، أشار الى اعتقال سعيّد وهو قادم من تركيا، وأنه
(لم يكن موفقاً في لغته التحريضية). وسخر بعضهم من قول
السلطة ان اعتقال سعيّد كان (على خلفية قضايا مرفوعة ضدّه)،
فهل كان اعتقال سعيّد لا علاقة له بقضية سياسية تتعلق
بمعارضة آل سعود، ودعم جماعة الإخوان؟!
سلفيّو جهاز المباحث وقفوا مع سيّدهم وزير الداخلية،
والمحامي عبدالرحمن اللاحم الذي له صولات وصراعات كثيرة
مع ابن سعيّد، بدا منتشياً مؤيداً لاعتقال خصمه، وخاطبه:
(ما قلتْ لكْ: تستطيع ان تهرب بعض الوقت، لكنك لا تستطيع
ان تهرب كل الوقت. لا تصارع من هم أقوى منك)، واضاف: (تمّ
ترحيله من المدينة المنورة الى الرياض: الدولة تبقى دولة).
سلفي مؤيد للسلطات هو صالح الفارس علّق: (بدأ رمضان، لا
مكان للشياطين، وهو ـ أي احمد سعيد ـ أضلّ منهم. عقبال
بقية الخونة المحرّضين).
عبدالإله الفنتوخ يقول عن بن سعيّد: (ما خلاّ أحد ما
صَهْيَنَهْ! ووزّعْ الليبروفاشية على معظم من يخالفه الرأي.
لو طالبه خصومه بالحق الخاص، لما خرج من السجن). ولو طبق
هذا الأمر على معظم الكتاب، وعلى معظم مشايخ السلطة لبقوا
في السجن سنين طويلة، فهم قد حرضوا ضدّهم وكفروهم واتهموهم
بما ليس فيهم. لكن القانون السعودي يعمل وفق أجندة السلطة،
فمن يُراد ادانته، يستخرجون القانون، وأما الذي يخرقه
بشكل فاضح وعلني ومتكرر ولسنوات طويلة، فإن ولاءه لأسياده
آل سعود يشفع له!
اعلام السلطة يقول ان بن سعيّد ليس حقوقيا ولا مناضلاً
ولا معارضاً بل (بذيء اللسان، يقذف ويشتم، ويتهم شرف من
يختلف معه). لكن هذه الصفات يحملها معظم التيار الوهابي،
والإخواسلفي، وحتى ليبراليو وعلمانيو السلطة المزعومون.
فالبذاءة ديدنهم، والتجنّي على الخصوم يسري في دمهم، والتكفير
والإرهاب وسيلتهم.
اخواسلفي من بريدة هو الصحافي تركي هو الشلهوب، يقول
مؤيداً لابن سعيّد: (أكثر الناس إثارة للشفقة هم الذين
يرفعون شعارات قبول الرأي الآخر، لكنهم أول المطبّلين
والفرحين باعتقال مخالفيهم)، في اشارة الى المحامي عبدالرحمن
اللاحم. هذا وقد تضامن مع ابن سعيد كل المواقع الإخوانية
والإخواسلفية، فقال أحدهم ساخراً بأن اعتقال بن سعيّد
جزء من خطة التحول الوطني لابن سلمان. وتألم سلفي متطرف
من التحريض على الحضيف الى ان اعتقل، ثم الطريفي، ثم بن
سعيّد. ويسأل: لماذا قمع الشرفاء؟؛ لكنه يضيف محرّضاً
على خصومه: (لماذا غضّ الطرف عن زوّار السفارات والرافضة)؟!
ويعيب معاوية السايبري على احمد بن سعيّد ان
النظام اعتقله بعد أن مدحه شعراً ومجّد عاصفة الحزم، فيما
الإخواني عبدالله القصادي يخاطب ابن سعيّد: (يا أحمد سعيّد.
إنك بنقدكَ عهر ام بي سي، وتتبّعكَ لفجور العربية، قد
أتيت منكراً من القول وزورا). والداعية حسن الحميد امتدح
ابن سعيد واعتبره (لسان صدق) و(وطني لا يُشقّ له غبار).
من جانب آخر، اعتبر الدكتور حسن العُمري، رئيس ديوان
المظالم الأهلي، اعتقال بن سعيّد عملاً تعسفياً وطالب
باطلاق سراحه واحترام حقوقه في حرية التعبير عن الرأي.
وفي النهاية تم الإفراج المؤقت ربما عن ابن سعيد بسبب
شكوى العربية، ولكن الى حين، فهذا عهد القمع السلماني
المجيد.
|