حوار على الطريقة الوهابية!
فاجأتنا جريدة المدينة بتصريح للشيخ عبدالله المنيع،
عضو هيئة كبار العلماء الوهابية، يقول فيه أن الهيئة تحضّر
لحوار مع عقلاء المواطنين الشيعة وغيرهم، لبيان الحق لهم.
وفي التفصيل، يقول المنيع بأن الهدف من الحوار هو: (لبيان
الحق لهم، وأن الثوابت هي القرآن والسنّة ومن خالفهما
فهو على ضلال).
سبب المفاجأة أمران:
الأول ـ أن الوهابيين لا
يؤمنون بالحوار مع الآخر، سواء كان ضمن الدائرة الإسلامية،
أو ضمن دائرة الأديان السماوية، فضلاً عن أن الحوار لم
يكن في يوم من الأيام ضمن ثقافتهم، وهي ثقافة تقول بأن
العالم منقسم الى فسطاطين (مثلما قال ابن لادن، ومثلما
تفعل داعش) فسطاط حق وآخر باطل، وأن الوهابيين يمثلون
أهل الحق، وبالتالي لا مكان للحوار مع أهل الباطل والكفر
إلا بالسيف. وفلسفة رفض الوهابيين للحوار مع المذاهب والأديان،
تقول بأن الحوار يرفع من شأن المخالف أو المختلف، وأن
من الأفضل تجاهلهم وعدم القبول بأي حوار معهم، وبهذا فإن
مشايخ الوهابية يوصون أتباعهم بأن لا يحاوروا أحداً مع
المواطنين الشيعة، فضلا عن ان يسلموا عليهم أو يجلسوا
معهم، بل ان قلّة الحياء بلغت بقضاء آل سعود أن حكم على
الناشط والمحامي مخلف الشمّري بالسجن، بتهمة (مخالطة الشيعة)،
والقاضي خالد الغامدي يقول له: (من سمح لك بالجلوس معهم
والتحدّث إليهم؟)!
ثم إن من بين تهم الناشط الشيخ الرشودي هو أنه يدافع
عن معتقلين من المواطنين الشيعة! والناشط وليد أبو الخير
قبل اعتقاله، كان المباحث يحذّرونه من أنه سيعتقل ان التقى
بمواطنين شيعة، بل أن الجواسيس ورجال السلطة، شهّروا به
ونشروا صوراً لأبي الخير المعتقل الآن، مع زميله الناشط
المناسف، وقالوا انظروا تحالف ابو الخير الصوفي الكافر
مع الشيعة الكفار!
الثاني ـ ان اتباع الوهابية
في السعودية أقلية، لا يصل تعدادهم الى عشرين بالمائة
من السكان، ولكنهم يسيطرون على الدولة وعلى الدين وعلى
القضاء، وعلى العسكر والأمن والسياسة والتعليم والمال
وكل شيء تقريباً. وفوق هذا، هم يكفرون بقية الشعب، في
الحجاز هم صوفية كفرة، وكذلك الشيعة في الشرق، وفي الجنوب
الزيدية والإسماعيلية، وهكذا بقية المذاهب الشافعية والمالكية
والحنفية في الشرق والغرب. فالجميع كافر، والمذهب الوهابي
يجب ان يسود. وعلى المستوى العربي والإسلامي، حارب الوهابيون
أية محاولات تقارب مذهبي، بل انهم وصفوا دار التقريب في
مصر بأنها سفارة اسرائيلية، وبيت للماسونية، كما يقول
الوهابي ابراهيم الجبهان في أحد كتبه الذي طُبع بناء أمر
ابن باز ووزع مجاناً قربة الى الله تعالى!
ولهذا كان الحديث الوهابي عن الحوار مفاجئاً، وغير
مسبوق في تاريخ الوهابية في الجزيرة العربية، خاصة في
ظرف مثل هذا الظرف الذي يشعل فيه آل سعود وعلماء الوهابية..
الطائفية في كل مكان في العالم العربي والإسلامي.
المواطنون الشيعة في السعودية يقترب عددهم من عدد الوهابيين،
ورغم مرور أكثر من مائة عام على سقوط مناطق الشيعة بيد
الحكم السعودي الوهابي، إلا أن حديثا عن الحوار لم يحدث
من قبل هيئة كبار العلماء، بل أن هذه الهيئة لم تقبل ان
تشارك في اجتماعات عامة فيما يسمى بالحوار الوطني، خاصة
مؤتمره الأول. ذات الأمر يمكن قوله بالنسبة لعلماء الحجاز،
فقد كفرهم الوهابيون، وألفوا كتباَ ضدهم، وحطوا من شأنهم،
وفصلوهم من أعمالهم، ولعل تجربة السيد محمد علوي مالكي
رحمه الله تكفينا كدلالة، إذ رفض الشيخ السديس حتى مجرد
اداء صلاة الميت عليه!
فما عدا مما بدا، أن يقول الشيخ المنيع ما قاله. فلا
فكر الوهابية يقبل الحوار باعتبار ان المواطنين الشيعة
بنظره وبقية زملائه.. كفار، وأنهم معاندون لن يغيروا من
مواقفهم. وبالأمس القريب جداً، ظهر الشيخ الوهابي صالح
الفوزان عضو هيئة كبار العلماء الوهابيين وأطلق العديد
من الصواريخ الداعشية، وقال ان المواطنين الشيعة كفار
كلّهم بلا استثناء.
واضح ان ما قاله المنيع لا علاقة له بحوار مذاهب، بل
غطرسة، لفرض المذهب الوهابي. ثم إن لفظة معتدلي الشيعة
استفزت المواطنين، وكأن الأصل هو التطرف، في حين أن النبتة
الوهابية هي أساس التطرف والتدعشن في الداخل والخارج!
الدكتور ابراهيم المطرودي، قال بأن كل الناس راضون
عن أديانهم ومذاهبهم، ومخاطبة عقلائهم تثير حفيظتهم لأنها
تعني أنهم لا يعقلون!؛ ونصح المؤسسات الرسمية ومنها هيئة
كبار العلماء الإبتعاد عن هكذا خطاب لأن هذا يُحسب على
الحكومة؛ وختم: (في ظنّي أننا سنكون الدولة المسلمة الوحيدة
التي تطلب مؤسساتها الرسمية إقناع بعض فئات مجتمعها بمذهب
أو دين).
أحدهم سخر من المنيع فخاطبه: (هذا ليس حوارا، بل غزوة
مباركة) على الطريقة الداعشية. والدكتور تركي الحمد يعتقد
بأن حواراً كهذا لن يؤدي الى نتيجة: (المطلوب هو التعايش
وليس الحوار). وقالت البروفيسورة مضاوي الرشيد: (الصراع
ـ بين الشيعة والسنّة في التاريخ والحاضر ـ سياسي، وليس
فقهياً أو دينياً، لذلك الحل في مواطنة حقيقية وتمثيل
شعبي للجميع).
ومن جانبه سخر المحامي سلطان العجمي من التصريح الذي
لخص معناه على النحو التالي: (تعالوا نتحاور يا كفرة)!
ورسام الكاريكاتير سراج الغامدي، رأى ان الاختلافات ستبقى
الى قيام الساعة، وما نحتاجه هو قانون ضد التمييز العنصري
والطائفي ليهذّب تعايشنا. واما الناشطة سعاد الشمري فخاطبت
مشايخ الوهابية باستهزاء: (الحين يعني أنتم زعلانيين أن
الشيعة بيدخلون النار. وِشْ دَخَلْكْ؟). أصل الشرور ادعاء
امتلاك الحقيقة.
المعارض حمزة الحسن علق على خبر الحوار فقال: (أعاننا
الله على هؤلاء المستعلين جهلاً، الذين لا يجيدون خطابا،
ولا يحسنون حواراً، ولا يبتغون رشداً)؛ اما الكاتب والباحث
منصور الهجلة فقال: (أدعو المسؤولين لوقف الحوار، اذا
كان المقصود إقامة حجة، الحوار يجب في التعايش مع وجود
الاختلاف). والشيخ عيسى الغيث عضو مجلس الشورى رأى أنها
(بداية غير موفّقة). ونصح الدكتور والمحامي صادق الجبران:
(جرّموا الطائفية والحض على الكراهية وانتقاص الآخرين
ودعوا الخلق للخالق).
|