المماطلة تكتيكاً، والحرب مستمرة
مفاوضات الكويت (اليمنية) الى أين؟
خالد شبكشي
الحرب السعودية على اليمن تراوح مكانها من الناحية
العسكرية، إذ لم تعد الرياض قادرة على إحداث خرق ميداني
فارق، يقلب موازين القوى العسكرية على الأرض. قناعة توصّل
اليها ولي العهد، محمد بن نايف، قبل ستة أشهر تقريباً،
وبادر الى فتح قناة حوار مع حركة أنصار الله انتهت الى
حوار الكويت. ولكن إيقاف الحرب على هذه النتيجة ليس مقبولاً
سعودياً وأميركياً. وفي حين تريد الرياض مكاسب ضخمة على
طاولة المفاوضات عجزت عن تحقيقها في الميدان، فإن هناك
قبولاً يمنياً بأن يُحفظ ماء وجه السعودية بصورة ما دون
تحقيق أهداف عدوانها.
على السطح، تبدي الإدارة الأميركية موقفاً معارضاً
لاستمرار الحرب، وتظهر وكأنها ليست مع حرب بلا طائل، وهكذا
يوحي أيضاً الاعلام الاماراتي عن انسحاب ملتبس، ما لبث
أن تمّ التراجع عنه، ومعه الموقف الأممي الذي اقتفى السيرة
الملتبسة ذاتها.
في الرؤية العامة، فإن عبد ربه منصور هادي المقيم هو
وحكومته في فنادق الرياض، هو، من وجهة النظر الأميركية
والسعودية والأممية، الممثل الشرعي للدولة اليمنية، ويحظى
بدعم المجتمع الدولي، وإن هذه الشرعية اليمنية المزعومة
لها حكومة ورئيس وجيش، ووراؤها تحالف إقليمي مدعوم دولياً،
وهناك قرار أممي يمنحه شرعية الحرب. وعليه، فمن غير المتوقّع
أن يتم التخلّي عن هذه «الشرعية» وتبني قرار إعدامها،
كيف وهم يتصرفون على أساس أنهم منتصرون في الحرب. أكثر
من ذلك، إن المفاوضات الكويتية تملي، نظرياً، على وفد
الرياض اليمني القبول بمبدأ المشاركة مع الجهات التي شنّوا
الحرب عليها، وإخراجها من معادلة السلطة، بل ومن المشهد
السياسي اليمني بصورة نهائية، ولا سيما أنصار الله والمؤتمر
الشعبي العام، فيمنحونهم نصف الرئاسة، ونصف الحكومة ونصف
اللجان الأمنية والعسكرية. وبالتالي نصف الدولة، ولكن
السؤال: مقابل ماذا؟
يكشف تقرير ولد الشيخ حول المفاوضات الكويتية حجم التواطؤ
الأممي، فقد كان التقرير مليئاً بالتضليل والتناقضات،
الأمر الذي تسبب في خيبة أمل لدى الشارع اليمني في مفاوضات
الكويت. حين صنّفت الأمم المتحدة التحالف السعودي ضد اليمن
في القائمة السوداء للدول والجماعات التي تنتهك حقوق الطفل
في زمن النزاعات، اعتقد العالم بأن ثمة تحوّلاً جوهرياً
في الموقف الدولي إزاء حرب اليمن، لا سيما في ظل إصرار
الرياض على استخدام الأسلح المحرمة دولياً، ولكن ما لبث
أن تراجعت المؤسسة الدولية عن قرارها، وأعاد تثبيت الانطباع
العام عنها بأنها مؤسسة خاضعة للدولة المانحة، فيما تساءل
يمنيون: إذا كان الأمين العام للأمم المتحدة جاداً في
قراره، فلماذا لم يحل ملف جرائم التحالف السعودي على المحكمة
الجنائية الدولية، اذا كان يؤمن بالفعل بالعدالة الدولية؟
إن انسحاب الامارات بصورة علنية كان، في الظاهر، بتشجيع
من واشنطن للضغط على الرياض لوضع حد لحالة اللاحرب واللاسلم
في اليمن. ويأتي الانسحاب، وهكذا في الظاهر أيضاً، عقب
سقوط ثلاث طائرات حربية إماراتية في يومين بأسلحة تعود
لمصادر سعودية. ويعزّز هذا المنحى من التحليل ما أعلنت
عنه الإمارات في 16/6 بأن حربها في اليمن «انتهت عملياً»،
كما جاء على لسان أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية
الإماراتي. ونقل الحساب الشخصي للشيخ محمد بن زايد آل
نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة
عن قرقاش قوله: «موقفنا اليوم واضح فالحرب عمليا انتهت
لجنودنا».
القرار الاماراتي، في حال التعامل معه بحسب ظاهره،
يأتي في توقيت حرج، إذ لا تزال المباحثات في الكويت بين
وفدي الرياض وصنعاء، لم تستأنف بعد في جولتها الثانية،
بسبب تمنع وفد الرياض، رغم وصول وفد صنعاء اليها.
ومن هنا، بدا أن القرار الإماراتي لم يكن جديّاً، إذ
عاد قرقاش في 17/6 وتراجع عن موقفه بدعوى اجتزاء وتحوير
كلامه، وقال «نحن في حرب ويؤسفني أن يتم اجتزاء بعض تصريحاتي
وتفسيرها لأجل أهداف وأجندة خارجية لا تريد الخير لأبناء
المنطقة ودول الخليج خصوصاً». ووجّه كلامه الى فئة من
المحللين الذين تحدثّوا عن خلافات إماراتية سعودية وقال
«أن محور الرياض وأبوظبي سيخرج من الأزمة أكثر قوة وتأثيراً،
والضرورات الاستراتيجية للمنطقة تحتم ذلك..».
في تقدير مراقبين يمنيين وأجانب أن الامارات تلعب دور
بلطجي الحرب الذي يمارس الادوار القذرة والمتناقضة، لأهداف
مرتبطة بترتيبات الوقف الشكلي للحرب، حيث تتوزع الادوار
بين واشنطن وأبو ظبي والرياض. وفي كل الإحوال، وكما يلحظ
الوفد اليمني الوطني المفاوض في الكويت، فإن إرادة الحسم
أميركية بامتياز، وإن قرار الحرب والسلم بيد واشنطن في
البدء والخاتمة.
مفاوضات الكويت، حسب الجانب اليمني الوطني، تهدف الى
فرض الأجندة الاميركية الخليجية، وأن المطلب الذي يتم
التركيز عليه في الكويت هو الانسحاب من مؤسسات الدولة
وإعادتها الى جماعة هادي وتسليم السلاح الثقيل. وفيما
بدا وفد الرياض معوًقاً، وغير جاهز لقبول أو مناقشة أي
مبادرة جديّة، بل غالباً ما يشارك في جلسات المفاوضات
بهدف المماطلة وتضييع الوقت، فإن الحكم على مفاوضات الكويت
بأنها متعثرة وتنتظر إعلان الفشل، وأن كل الأحاديث عن
تقدّم هي من اختراعات الاعلام الخليجي. كان القرار السعودي
ينزع نحو تمديد أجل المفاوضات وإبقاء حالة اللاسلم واللاحرب
قائمة حتى نهاية العام بانتظار جلاء الصورة بعد الانتخابات
الاميركية.
ما قيل عن نتائج إيجابية من لقاء أمين عام الأمم المتحدة
بان كي مون مع محمد بن سلمان في نيويورك في 22/6، كان
مبالغاً فيه، وإن كان يشي باتفاق على كسر الجمود في مفاوضات
الكويت. سفر بان كي مون الى الكويت لإبلاغ القيادة الكويتية
وأطراف التفاوض اليمنية ما تمّ التوصل اليه مع بن سلمان،
والانتقال الى مرحلة التسوية النهائية للملف اليمني، هو
الآخر يحمل إشارة إيجابية، في الظاهر على الأقل، ولكن
الوفد الوطني اليمني لم يثق في الامم المتحدة في السابق
وسوف يبقى على موقفه حتى إشعار آخر.
الآن الحديث عن استئناف المفاوضات، والرياض لا تريدها،
ووفد هادي مجرد ممثل للرؤية والموقف السعودي. قد تُجبر
الرياض على حضور المؤتمر عبر وفدها اليمني، مقابل التنازل
الأممي بمسح سجل الرياض الأسود الجنائي بقتل أطفال اليمن.
لكن حتى لو عقدت المفاوضات، فإن الرياض لن تسمح بنجاحها،
وإلا خسرت نفوذها في اليمن كلياً.
|