وهم النفوذ السعودي في سوريا
محمد فلالي
على مدى سنوات، كان قادة المعارضة السورية يستمعون
لتصريحات المسؤولين السعوديين حول ما يجب على السوريين
فعله، والنظام الذي يحكمهم. وطيلة سنين كان بندر بن سلطان،
رئيس الاستخبارات العامة السابق، يقايض الرئيس الروسي
فلاديمير بوتين، أن يعطيه في سوريا كيما ينال في أسواق
أوروبا غازاً، وفي بلاد العرب صفقات تسلح. كان لدى الروسي
قول واحد بأنه لن يقايض على الأسد، وأن الحل يبدأ تحت
هذا السقف وليس فوقه.
محمد بن سلمان جرّب حظّه، وطار الى موسكو والتقى بوتين
وقدّم عرضه مجدّداً، بإزاحة بشار مقابل الحصول على صفقات
مغرية مع الرياض في مجالات النفط والغاز والسلاح. يومها
سهّل الروسي لقاء ابن سلمان مع ممثل النظام السوري رئيس
جهاز الأمن الوطني علي مملوك، وكان العرض تحت سقف تنحي
بشار، ولكن الشرط كان فك الارتباط مع ايران وحزب الله،
فجاء الجواب من بشار نفسه الذي رفض المقايضة على حلفاء
وقفوا معه وقت الشدّة. ما جعل نبرة (تنحي بشار الأسد)
تعود من جديد.
لا يكاد يتقن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير منذ
تسلّمه منصبه في 29 نيسان 2015 سوى عبارة «على الاسد التنحي
بالسياسة أو القوة»، حتى تحوّلت الى شكل بلهلواني يثير
السخرية، في وقت يتخلى فيه الأميركي والأوروبي عن هذا
الشرط ضمن تسوية سياسية شاملة. وما زاد الأمر سخرية، أن
يعرض الجبير على الروسي صفقة: التخلي عن الأسد مقابل منح
الروس نفوذاً أكبر في الشرق الأوسط. لا تكمن السخرية في
أن الجبير يهب ما لا يملك، بل في الغطرسة التي تغلّف هذا
العرض، فهو لم يصادر حق الشعب السوري في أن ينوب عنه بتقديم
هذه الصفقة، ولكن الأدهى مصادرته لشعوب الشرق الأوسط قاطبة
بتقديمه نفوذاً أكبر للروس في هذه المنطقة التي تشمل تركيا
وايران ومصر وصولاً الى بحر العرب وقبرص في البحر الأبيض
المتوسط، أي على مساحة تصل الى مايربو عن 5 ملايين كيلومتراً
مربعاً باستثناء المملكة السعودية التي تشغل 2.150 مليون
كيلومتراً مربعاً.
بعد هذه المقدّمة الضرورية، نقرأ لشخصية سورية معارضة
وهو الكاتب والروائي عمر قدّور في مقالته المنشورة في
موقع (المدن) في 26 تموز (يوليو) الماضي، ينتقد فيه الدور
السعودي في سوريا، في ضوء المقايضة التي تقدّم بها عادل
الجبير للقيادة الروسية، حيث وصف العرض السعودي بأنه إعلامي،
يهدف الى إحراج موسكو بإظهارها متمسكة بشخص بشار على حساب
مصالحها الأوسع. وينقل قدّور عن «دوائر مقربة من الكرملين»
وصفاً قادحاً في شخصية الجبير مفاده أنه «شاب تنقصه الخبرة
الدبلوماسية لا يراعي تاريخه الدبلوماسي الشخصي، لكنه
من ناحية أخرى يقرأ العرض الإعلامي بواقعية، إذ لو كانت
هذه الصفقة تمتلك حظاً من التطبيق لما أُعلنت هكذا، ولكانت
أُبرمت بتفاهمات بعيدة عن وسائل الإعلام».
يعلّق قدّور على العرض السعودي بأنه أتى على أرضية
«العجز عن التأثير في الميدان، وأنه تتويج لفشل الدبلوماسية
السعودية في التأثير على الحليف الأميركي أولاً، ومن ثم
الفشل في التأثير على الكرملين عبر زيارات عديدة لمسؤولين
سعوديين كبار». ويضيف الى ذلك «سجل الوزير الشاب تكرار
تصريحاته التي تنص على أن بشار سيرحل بالمفاوضات أو بالقوة،
بينما كانت القوات الروسية تغيّر الوقائع على الأرض، بمباركة
أميركية شبه علنية».
من المعلوم أن السيطرة الميدانية في سوريا ليست للسعودية،
بلحاظ أن «سبل الوصول إلى الميدان السوري تنحصر باثنين،
الجنوب والشمال. في الجنوب تسيطر الإدارة الأميركية بحزم
تام على المعبر الأردني للإمدادات، ويعلم الجميع ألا قطعة
سلاح واحدة يمكن تهريبها بعيداً عن التنسيق بين المخابرات
الأميركية والأردنية، مثلما يعلم الجميع عدم قدرة فصائل
الجبهة الجنوبية على خوض أية معركة في غياب خطوط الإمداد.
أما في الشمال، مع وجود تأثير للقرار الأميركي أيضاً،
فالالتفاف على الأخير يتطلب تنسيقاً عالي المستوى بين
الرياض وأنقرة، الأمر الذي كان يُستبعد حدوثه سابقاً،
ويمكن القول بانقضاء أوانه حالياً».
في الجنوب تبدو الجبهة هادئة نسبياً أو بالاحرى منضبطة،
بقرار من إدارة أوباما منذ خريف عام 2012، وأدى ذلك «إلى
انقطاعها عن جبهات ريف دمشق، بمعنى إنهاء الخطر المباشر
على النظام في دمشق. أي منذ ذلك التاريخ لم يعد من منفذ
للرياض سوى المنفذ التركي، وفي ظل علاقات أقل ما يُقال
عنها إنها فاترة بين الرياض وأنقرة كان يستحيل على الأولى
تكريس واقع ميداني تسيطر عليه وتستثمره سياسياً، على رغم
ما أعلنه وزير خارجية قطر السابق عن نقل الملف السوري
آنذاك من العهدة القطرية إلى السعودية».
بعبارة أخرى، فإن النفوذ السعودي القاصر أو المقيّد
لا يعود للتدخل الروسي والايراني، بل «كان الحائل دونه
الحليف الأميركي من الجنوب والعلاقات السيئة مع تركيا
من الشمال، مع حفظ التأثير الأمريكي شمالاً وجنوباً لجهة
منع وصول أسلحة نوعية لفصائل المعارضة». ويضع قدّور ذلك
في سياق صفقة ما يشرحها بما نصّه أن «توزيع الأدوار في
المنطقة لا يمنح السعودية حصّة أكبر من انقلاب السيسي
في مصر ومنع انقلاب الحوثيين في اليمن. المقايضة الحقيقية
بالنسبة للرياض ربما تكون قد حدثت حقاً بالموافقة على
تدخلها العسكري في اليمن والقبول بالسيسي دولياً، مقابل
منع النفوذ السعودي في سوريا وانحساره فعلياً في لبنان،
على رغم عدم رضا القيادة السعودية بهذه القسمة».
|