مفاوضات الكويت: فشل سعودي امريكي ذريع في تركيع شعب اليمن		الجبهات تشتعل، والسعودية تخسر حرب اليمن

الحرب اليمنية المصيرية سعودياً

سقوط مدن ومواقع عسكرية سعودية

ناصر عنقاوي

بعد يوم من اعلان وقف المفاوضات في الكويت وقبل أن يصل الوفد الوطني اليمني الى صنعاء، حيث دمّرت الطائرات الحربية السعودية المطارات، قرّر التحالف العدواني بقيادة بن سلمان الدخول في مغامرة أخيرة في الحرب على اليمن، تشبه في جنونها، وهجميتها، ودمويتها المرحلة الأولى من عاصفة الحزم.

أفق الحل السياسي بات مسدوداً، بقرار أممي، وطلب أميركي..لا تسل بعد الآن من يدعم خيار السلم فلا صوت يعلو فوق صوت الصواريخ والمدافع والجنون السعودي. وهناك رواية يقدّمها ممثل الوفد الوطني اليمني مهدي المشاط تصلح أساساً للمناقشة، بل والمحاجّة، في ظل غياب رواية مضادة.

المشاط يحمّل مسؤولية فشل المفاوضات بجولتيها للجانب الأميركي ممثلاً في السفير الأميركي في الكويت. وثمة تفاصيل يرويها المشاط حول ما توصلت اليه الجولة الأولى من تفاهمات تتعلق بالحل السياسي، وقال بأنه في الجولة الأولى والتي استمرت لسبعين يوماً تم التوصل لأفكار منصفة للحل تتلخّص في سلطات تنفيذية (رئاسة وحكومة) بالتوافق ولجنة أمنية وعسكرية وترتيبات امنية وعسكرية بالاضافة الى وقف العدوان ورفع الحصار والقيود التي اضرت باقتصاد البلد.

وأضاف المشاط في منشور على صفحته بالفيس بوك: كان الإتفاق أن المبعوث الأممي ولد الشيخ يقوم على صياغة هذه الافكار خلال إجازة العيد ونعود لفترة إسبوع للتوقيع فقط وليس للنقاش.

ويستدرك المشاط بأن تلك التفاهمات أزعجت السفير الأميركي في الكويت، سيما وأن تلك التفاهمات حظيت بدعم المجتمع الدولي وهو ما دفع السفير إلى الضغط على ولد الشيخ لرفع المشاورات قبل أن يتم التشاور خلال فترة الإجازة وتمّ رفض الورقة بالتزامن مع تصعيد عسكري في الميدان.

وأشار المشاط إلى أن السفير الأمريكي مع الجانب السعودي وعن طريق المبعوث قدّموا ورقة أخرى غير تلك التي تمّ التفاهم بشأنها. ويرجع المشاط الموقف الروسي الداعم لموقف الشعب اليمني في مجلس الأمن الى أن الروس كانوا قد وافقوا على الورقة قبل أن تستبدل بورقة أخرى أميركية سعودية..

وكشف المشاط عن خلفية تقديم الورقة الأميركية السعودية الأممية وقال بأن هذه الأطراف متأكّدة تماماً بأن الوفد الوطني لن يقبلها لأنهم يعلمون بأنها غير قابلة للتطبيق ويدركون في قرارة أنفسهم بأنها ليست منصفة ولا واقعية ولم تبنى على الافكار التي تمّت مناقشتها خلال السبعين يوماً من المشاورات، أي أنها إنقلاب بكل ما لكلمة انقلاب من معنى على كل ما كنا قد توصلنا اليه من خلال المفاوضات. والأنكى اخراجها بشكل تعجيزي وتحميل مسؤوليات: إما تنفذ المستحيل أو تتحمل الجهة الرافضة مسؤولية العواقب، وهنا تقع المسؤولية الكبرى على المبعوث الموريتاني الجنسية الذي انساق بعلم او بدون علم ضمن هذا المخطط، حين وضع نفسه في مصادمة مع الواقع الحقيقي الذي لابد منه، وما كلام مندوب روسيا في مجلس الأمن الدولي عن هذا المبعوث الا دليل على انحيازه، والكثير مما ستكشفه الايام القادمة للبدء بالانحدار الاممي وتكشف دور الامم المتحدة في اطار المخطط الامريكي.

بطبيعة الحال، قوبلت الورقة الأميركية بالاستهجان وليس الرفض فقط، وهم يعرفون انها ستقابل بذالك لانهم وضعوها بالشكل الذي لا تقبل لان هذا هو مايخدم هدفهم وهو استمرار العدوان على اليمن.

وصلت هذه المعطيات سالفة الذكر إلى مجلس الامن ورأى مندوب روسيا بأن يؤكد على الحل الشامل في اليمن وهذا الذي لا يريده الجانب الامريكي كيف؟ عمل عبر بريطانيا ومندوبها على إضافة بعض النصوص التي تفشل إصدار أي موقف يدعو الى سرعة الحل لأن الجانب الامريكي يريد استمرار العدوان، وهذه هي المعطيات الموجودة لدى مندوب روسيا في مجلس الامن التي جعلته ينفعل ويخرج من الجلسة.

وكانت حالة من التوتر شهدتها جلسة مجلس الأمن الدولي في 3 أغسطس لبحث المسار السياسي في اليمن، حيث اعترض مندوب روسيا في المجلس، فيتالي تشوركين، بشدّة على مشروع بيان بريطاني، تقف خلفه السعودية. وغادر تشوركين الجلسة غاضباً، وقال: «لقد سئمت من ذلك وضقت ذرعاً، ولهذا أغادر المجلس، متمنياً لهم التوفيق في مواصلة المحادثات والتي أرى أنها غير مسؤولة، لأن المجلس كان قاب قوسين أو أدنى من إصدار بيان مشترك يؤيّد ويدعم العملية السياسية قبل أن يتقرر إدخال نصوص أنانية».

وكشف تشوركين في تصريحات صحفية، تناقلتها وكالات أنباء، إلى أن اتفاق مبدئي تمّ في المجلس لإصدار بيان صحفي قبل أن تتدخّل إضافات وصفها بـ(الأنانية) من الوفد البريطاني. وقال: نأسف بعد 16 شهراً من الحرب في اليمن أنه لا يزال هناك من هو خارج مزاج الوصول إلى تسوية سياسية.

و أشار السفير الروسي إلى أن ورقة المبعوث الأممي، ولد الشيخ، ركزت على الجوانب العسكرية وخلت من الترتيبات و الرؤية السياسية. و قال: لهذا السبب (لم نتفاجأ) بأن الحوثيين وصالح مضوا بعيداً عن ذلك المقترح، في إشارة إلى مضامين إتفاق وإعلان صنعاء السياسي الذي بموجبه تمّ الاتفاق على تشكيل مجلس سياسي أعلى لإدارة البلاد.

في الخلفيات أيضاً، وبحسب رواية المشّاط، فإن الاتفاق بعد مشاورات السبعين يوماً يقول بأن المبعوث الاثيوبي الجنسية يقوم خلال إجازة العيد بصياغة الافكار التي تم الاتفاق عليها ويعود الطرفان لفترة اسبوع للتوقيع فقط وليس للنقاش.

لكن الجانب الامريكي رأى بأن استمرار العدوان على اليمن لصالحه كان لايستطيع ان يرفع صوته ويرفض خاصة وان هناك اجماعاً للمجتمع الدولي بأن الحل بات واضحاً ومنصفاً ولا داعي للتاخير. فمالذي عمله الجانب الأميركي؟

	بروس ريدل: الخروج من المستنقع اليمني

طلب من المبعوث ولد الشيخ بالذهاب خلال إجازة العيد لمناقشة الورقة مع حليفته السعودية، وقوبلت الورقة بالرفض لانه كان مرسوماً لهم ان يرفضوا وصعّدوا عبر حلفاء لهم في الداخل اليمني، مع أن لا السعودية ولا حلفاء أمريكا في الداخل اليمني كانوا على علم بما يجري ولكّنهم أمروا فنفذوا.

المهم، حصل تصعيد خلال العيد وصدرت تصريحات من طرف هادي الذي زار مأرب، ولكنه أحدث ربكة ورأوا بانهم أمام وقت ضيق ولا يريدون أن تظهر قوى العدوان بقيادة السعودية وكأنها هي الرافض للحل فعملوا مع المبعوث هذه التخريجة، بالشكل الذي لا يحمل قوى العدوان مسؤلية الرفض للحل كيف؟

هذا هو الاخراج الامريكي للأبقاء على استمرار العدوان على اليمن لانه هو المستفيد ولإنقاذ قفازاته التي يعتمد عليها في إدارة الحرب على اليمن عبر السعودية. . أما لماذا تقدّم مندوب بريطانيا بإضافات في بيان مجلس الأمن، فالجواب هو لإفشال أي صوت مع وقف الحرب والدعوة للحلول في اليمن لأن ثمة من يريد استمرار الحرب على اليمن، وكما يقال إن أردت معرفة الموقف الأميركي فانظر الى السلوك البريطاني.

الان وقد تصاعد الجنون السعودي في اليمن من خلال موجة غارات متواصلة على كل أرجاء اليمن، يعود السؤال مجدّداً عن صنعاء، على أساس أن لا حسم ممكن بدون السيطرة على العاصمة، وهذه المهمة المستحيلة التي تسعى الرياض للعمل عليها ولو على خراب اليمن.

المراقبون مجمعون على أن صنعاء ليس سهلة المنال، ولن تكون وحتى لو حشدت الولايات المتحدة قواتها ومعها كل قوات التحالف السعودي، لأن ذلك يتطلب تغييراً في البنية السكانية للعاصمة، وتحصيناتها الطبيعية، وقدرة الصمود لدى الجيش واللجان الشعبية في الدفاع عنها..

أكثر من ذلك، أن السماح لقوات التحالف بالسيطرة على صنعاء، شأنها شأن تسليم السلاح الثقيل، وعودة هادي للحكم مجدّداً، والانسحاب من المدن. بكلمة، هو اعلان استسلام، وتوقيع شيك على بياض للطرف المعتدي.

بروس ريدل، المستشار السابق لشؤون الشرق الأوسط وجنوب آسيا في مجلس الأمن القومي، وزميل رفيع في مركز سابان لسياسات الشرق الأوسط في معهد بروكينغز كتب في 7 أغسطس الجاري مقالاً في موقع (المونيتور) تناول فيه التطوّرات الدراماتيكية بعد فشل المفاوضات في الكويت وعودة الحرب بوتيرة متصاعدة ودموية. من وجهة نظر ريدل، أن السعودية تواجه نقطة حاسمة في اتخاذ قرار في حربها باليمن، وسيتحتم على الملك سلمان ثلاثة خيارات للخروج من مستنقع اليمن، رغم أنها ـ للأسف ـ كلها غير جيدة، فالحرب، كلفت المملكة الكثير، وباتت في موقف خطر من مواجهة مستنقع مفتوح.

وقال بروس ريدل، إن العملية السياسية لحل الأزمة بين الأطراف المتحاربة في اليمن باءت بالفشل. وسيكون على الملك سلمان تقرير ما إذا سيصعد من الحرب ضد الحوثيين وحلفائهم أو تسوية لتقسيم فعلي للبلاد. لكنه، لربما، يلجأ إلى قرار غير حاسم.

وأشار ريدل إلى أن محادثات السلام في الكويت عُلقت لمدة لا تقل عن شهر، إن لم تكن لفترة أطول، في حين كانت الأمم المتحدة حريصة على ترك الباب مفتوحاً لاستئناف المحادثات، وهناك احتمال ضئيل لتحقيق انفراج سياسي في العملية نظراً للتشبث بقرار مجلس الأمن رقم 2216، الذي يدعو لاستعادة حكومة عبد ربه منصور هادي إلى السلطة في صنعاء، وهو مطلب قوبل بالرفض من قبل تحالف الحوثيين والرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح.

وكشف ريدل، أن السعوديين دعموا هادي على مضض ولم يكونوا مستعدين لاستخدام نفوذهم في حماية نظامه، لافتاً الى أن لديهم نفوذاً هائلاً، وبطبيعة الحال، وفّر السعوديون وحلفاؤهم لهادي الأسلحة كي يحافظ على حكومته الضعيفة في عدن. دعم السعوديون هادي ليحل محل صالح بعد أزمة “الربيع العربي”، ولذا سيكون التخلي عنه محرجاً بالنسبة لهم.

وتقول قوات التحالف السعودي - الآن ـ إنها ستعمل على إحياء العملية العسكرية تحت مسمى “إعادة الأمل” للتعامل مع الانتهاكات المستمرة للهدنة الضعيفة التي صاحبت محادثات الأمم المتحدة. وبالفعل كثفت السعودية الغارات الجوية.

لكن من غير الواضح - كما يرى بروس ريدل - ما إذا كانت الرياض تريد المحاولة للاستيلاء على العاصمة صنعاء ومدن شمالية أخرى من الحوثيين. ولفت إلى أن أحد المعلّقين السعوديين كتب، مؤخراً، أن مثل هذا الهجوم من شأنه أن يحول العاصمة إلى “مقبرة” ووقود كراهية لدى اليمنيين تطارد السعوديين لأجيال.

وعلق ريدل على ذلك، أنه في حال قرّر التحالف دخول صنعاء ستكون معركة من منزل إلى منزل، وستكون دموية وباهظة الثمن، في حين لا يزال الحوثيون يسيطرون على معقلهم التقليدي في شمال اليمن المتاخمة للحدود السعودية.

ويرى ريدل أن مواصلة الحوثيين الحفاظ على المنطقة الحدودية تحت النار، سيجعل البلدات الحدودية السعودية في خطر داهم. وإذا صعد السعوديون وحلفاؤهم الهجمات ضد صنعاء، سيصعد الحوثيون وحلفاؤهم من الحرب على الحدود. الحرب، كما يقول ريدل، كلفت السعودية الكثير. في العام الماضي، أنفقت السعودية على الدفاع بشكل كبير مما جعلها أكبر المنفقين في العالم بعد الولايات المتحدة والصين. ورغم أن كل نفقات الرياض في الدفاع لا تذهب إلى مغامرة اليمن، لكن القدر الأكبر من ذلك مخصص لذلك، بالطبع.

باعت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، المملكة السعودية كميات كبيرة من الذخائر والإمدادات الأخرى للحفاظ على استمرارية مجهودها الحربي في اليمن. وتخطط السعودية لإنتاج نصف أسلحتها في الداخل تحت الخطة الرئيسة “رؤية 2030” لكنها خطة غير واقعية بشكل ميؤوس. بلد من 20 مليون شخص لا يستطيع تحمّل ميزانيات الدفاع بهذا الشكل، خاصة مع تراجع أسعار النفط، بحسب مايراه بروس ريدل.

وأشار أنه في نهاية يوليو الماضي، دعا كبير رجال الدين الوهابي في المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشركات والبنوك للتبرع بالمال للمساعدة في دعم عائلات الجنود الذين قتلوا في الحرب، ودعا الجامعات في البلاد لتقديم التعليم المجاني لأطفال الجنود الذين لقوا مصرعهم. وناشد، أيضاً، بجمع التبرعات لمساعدة البلدات الحدودية التي تتعرض للهجوم. دلالة هذا النداء الذي جاء من قبل كبير رجال الدين الوهابي في المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء تؤكد، حسب ريدل، كلفة الحرب الباهظة التي قدموا لها وخطر النظام الملكي من مستنقع مفتوح.

بعض المعلقين في المملكة اقترح خياراً احتياطياً للحرب، وهو قبول الرياض بتقسيم البلاد، وترك الحوثيين في الشمال إلى أجل غير مسمى في حين تنال المنطقة الجنوبية الموالية للسعودية شرعية دولية. وهذا من شأنه، حسب ريدل، تمكين دولة جنوب اليمن من أن تصبح عضواً في مجلس التعاون الخليجي.

ويرى ريدل، أن الخيار الأسهل بالنسبة للمملكة هو في اللجوء إلى الفوضى واتخاذ لا قرار، لافتاً إلى أن النظام الملكي يرفض أي حكومة انتقالية في البلاد ويؤكد على أن الحرب لمنع الإيرانيين من الاستيلاء على اليمن. وينبّه ريدل الى خطورة اللعب بالورقة الايرانية وإن كان يحافظ على التأييد الشعبي للحرب، ويحشد معظم دول مجلس التعاون الخليجي وراء ذلك. في حين أن دور إيران في اليمن مبالغ فيه إلى حد كبير. ولكن ليس هذا هو السؤال للملك، فهو يستطيع استخدام التهديد الإيراني إلى أجل غير مسمى، مع العلم أن طهران لم تنخرط بما يكفي من الأذى لتبرير مخاوف السعودية والخليج. ويقول ريدل، إن مهندس الحرب السعودية والابن المفضل للملك، وزير الدفاع محمد بن سلمان، انخفضت مكانته، وتوارى صيته خصوصاً في المجهود الحربي، لأنه تعثّر في الحرب التي يخوضها لأكثر من عام في اليمن، كما أن الأمير نائب ولي العهد البالغ من العمر 30 عاماً لا يمتلك أفكاراً ثانية حول الحرب أو خطة لحلها.

وخلص بروس ريدل، في ختام مقالته إلى أن واشنطن كانت في الغالب مراقبة للأزمة اليمنية، لكن وزير الخارجية الأمريكية جون كيري لم يجعلها من أولويات دبلوماسيته. لكن في وراء الكواليس، يحاول دبلوماسيون أميركيون مساعدة عملية للأمم المتحدة، ولكن من دون نجاح، مشيراً إلى أن اليمن هي، ببساطة، ليست أولوية. وفي الوقت نفسه، فإن نصف الشعب اليمني يعانون من سوء التغذية. عشرات الآلاف من الأطفال عرضة للخطر. والمعادلة كما يظهرها ريدل هي أن أغنى دولة في العالم العربي تقصف أفقر بلد في حين العالم ينشغل بأمور أخرى.