تصفية الوجود الوهابي في أوروبا
نوائح جديدة لدى التيار السلفي الوهابي، وهي تستمع
الى اخبار من الحليف الفرنسي بتعليق التمويل الخارجي للمساجد
في فرنسا، واغلاق عشرين مسجداً وصالة صلاة كلها تنتمي
الى التيار الوهابي السلفي، وإبعاد ثمانين إمام مسجد متطرف
عن فرنسا، والعمل على إعداد أئمة جدد بمواصفات فرنسية.
بمعنى آخر، فإن ما تقوم به فرنسا، يضرب الوجود الوهابي
فيها، والذي ابتُني على مدار عقود طويلة، باعتبار ان هذا
الوجود كان ولازال أحد العوامل المهمّة في توليد إرهابيين
محليين. وعلى ذات الخطى تسير دول أوروبية أخرى ضربتها
عاصفة الإرهاب الوهابي الداعشي، مثل بلجيكا وألمانيا وغيرها.
صحيح أن الدول الغربية لاتزال (رسمياً) حريصة على عدم
الإشارة الى ال سعود وأيديولوجيتهم بأنها سبب الإرهاب
لديهم، لكن الصحف والمجلات ومراكز البحث والمتحدثين غالباً
ما يشيرون اليهما باعتبارهما أساس البلاء الإرهابي الذي
يضرب كل أصقاع العالم تقريباً.
ظنّ آل سعود أن دفعهم لهيئة كبار علمائهم بأن تدين
هجمات نيس وميونخ وبلجيكا سيبعد عنهم التهمة. وظنوا بأن
مقولات مثل: الإرهاب لا دين له؛ الإرهاب لا دولة له؛ ستخدع
العالم. لكن هذا لم يفد كثيراً، فقد انبرى الداعشيون المحليون
السعوديون لتبرير قتل القسيس جاك هامل، بالقول: لماذا
لا يبكي أحدٌ على المسلمين في العراق وسوريا تحديداً؟
لماذا لم يُدَن (الرافضة) (والروس)؟ وكأن هؤلاء على شاكلتهم
في الإجرام. وهم هنا يقولون: لا تبكوا على ضحايا الغرب،
وابكوا على ضحاياكم، وكأن هناك فرق انسانياً بين الضحايا.
بل ان بعض الإخواسلفيين برر جرائم داعش في المدن الغربية،
بأنهم يعاملونه بمستوى أخلاقه ـ اي بطريقة الغرب نفسه!
ما فَجع كثير من المواطنين المسعودين غير الوهابيين،
هو حقيقة ان الوهابية ومن ورائها آل سعود، يمنعون المسيحيين
من العمالة الأجنبية من مجرد التجمع للإحتفال بأعياد الميلاد،
في بيوتهم ومناطق سكنهم، بل ويصادرون شجيراتهم، والهدايا
التي تصلهم بالبريد من أهاليهم.. آل سعود هم من يتنطع
ليقول بأن الإسلام بريء من الدواعش واجرامهم.
نعم هو كذلك، لكن الإسلام شيء، والوهابية شيء آخر.
المسلمون يختلفون عن الوهابيين، قادة القتل والإجرام
في العالم.
لا يقتل ولا يفخخ ولا يذبح إلا وهابي متعصب، تم حشو
دماغه بالأيديولوجيا الوهابية التي سبق لها أن أقامت مذابح
عديدة في الجزيرة العربية وأطرافها، بل في كل دول الخليج
والعراق وبادية الشام. الوهابية هي التي قذفت بنحو نصف
سكان الجزيرة العربية الى خارجها فرارا من الإجرام والقتل
وفق معتقدات مؤسسها محمد بن عبدالوهاب.
ويزداد الأمر سوءً، ان القس جاك هامل، الذي ذبحه المؤدلجون
وهابياً داخل كنيسته، هو من تبرّع من أملاك الكنيسة بأرض
لبناء مسجد في مدينته عام ٢٠٠٠. فأي إسلام تقدّمه لنا
الوهابية؟ وكيف تعلن براءتها مما يجري من مذابح؟ وكيف
يمكن لسمعة المسلمين والإسلام ان تكون حسنة، ومثل آل سعود
يدعمون هذه الأيديولوجية التكفيرية التفجيرية وينشرونها
في كل أصقاع الدنيا؟
المفكر المتخصص في الفكر الوهابي محمد علي المحمود،
علّق على قتل القس في كنيسته بالقول: (تبّاً لسدنة هياكل
الوهم، الذين يوهمون الناس أن إسلامهم لا يصحّ إلا بكراهية
الآخرين)، وهو هنا يقصد الوهابية المحلية السعودية، أي
أنه يشير الى المصنع الحقيقي للفكر المتطرف والارهاب.
ويضيف: (لا أذكر طوال حياتي أني سمعتُ خطيباً أو داعية
دعا الى محبة الآخر، وخاصة الغربي. العكس هو ما كان يحدث
دائماً!). ويحاجج: (هل يستطيع أحد أن يُنكر أن تراثنا
يتضمن فصولاً كاملة، تؤسس لمشروعية كراهية الآخر، بل لوجوب
كراهيته؟!). وواصل: (لا ينفعنا أن نقول ان داعش لا تمثل
الإسلام، بينما لا ننتقد أصول الأحكام التي تنفذها داعش)،
وأصول فكر داعش ومرجعيتها هي الوهابية طبعاً.
ويقرّ الدكتور عبدالعزيز بن فوزان، حقيقة مؤلمة: (في
تراثنا، البغض في الله، مُقدّمٌ على الحبِّ فيه!). والأستاذ
أحمد العواجي يتوقع بأن (تصاعد اعتداءات السلفية الجهادية،
سيؤدي بالغرب الى تصنيف السلفية كديانة محظورة، وسيُعتبر
اعتناقها او الدعوة اليها جريمة يُعاقب عليها القانون).
وقال: (في الوقت الذي نبدأ فيه بمجابهة داعش الفكر، عندها
فقط سنكون قد بدأنا بالفعل في مكافحة عدونا الحقيقي. احفظوها
وافهموها). لكن أنّى لآل سعود يحاربون أيديولوجيتهم الداعشية
الوهابية وهي التي تسند حكمهم وتُبقي تسلّطهم؟ لهذا رأى
العواجي ان عملية إحياء الوهابية بداية الثمانينيات الميلادية
بدعم من الملك فهد، خلقت داعش والقاعدة: (أنجبت لنا الصحوة
مسوخاً تحمل فكر داعش، وتدين بالولاء للقاعدة، وتدّعي
المواطنة. جِنْسٌ مُشْكِل، يصعبُ على كل جاهل بحقيقته
تصنيفه).
حقاً كما قال أحدهم: (داعش خرجت عن نطاق الديانات؛
والوهابيون خرجوا عن نطاق الكائنات العاقلة. والأرض امتلأت
جوراً وجهلاً).
|