رحلة محمد بن سلمان الى الشرق
سعدالدين منصوري
توقّف في باكستان، وانتقل الى اليابان ثم الى الصين
لحضور قمة العشرين..وضعت الزيارات جميعاً في سياق تطبيق
رؤية السعودية 2030. والده، حين كان ولي العهد، قام بزيارة
مماثلة وتحت العنوان نفسه: تنويع مصادر التحالف، بعد أن
شعرت الرياض بأن واشنطن لم تعد وجهتها النهائية..في زيارة
سلمان، ولي العهد ووزير الدفاع آنذاك، في 12 مارس 2014
في إطار جولة آسيوية شملت باكستان والهند واليابان. حينذاك،
شهدت الزيارة مباحثات اقتصادية وسياسية وعسكرية، وقيل
حينذاك عن شراكة اقتصادية وقال السفير السعودي لدى بكين
يحيى بن عبد الكريم الزيد بأن الرياض تسعى إلى تعزيز العلاقات
مع بكين في جميع المجالات، بما فيها المجال السياحي.
وأكد الزيد أن الزيارات المتبادلة على جميع المستويات
بين الجانبين الصيني والسعودي أعطت دفعات قوية للعلاقة
وعزّزتها وجعلتها في محل قوة يوما بعد آخر. من جهته، أكد
السفير الصيني لدى السعودية لي تشنغ ون أن العلاقات الثنائية
تتسم بخصوصيتها، مشيراً إلى أن السعودية هي الدولة العربية
الوحيدة التي تتمتع بعضوية مجموعة العشرين، وأوضح أن العلاقة
بين البلدين تطورت حتى وصلت لمرحلة «الشراكة الاستراتيجية».
وقال إن «زيارة الأمير سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد
نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي، جاءت في
وقتها تماما»، مشيراً إلى أنها ستدفع بالعمل الاستراتيجي
المشترك نحو الأمام. لم يفصح الكثير عن الزيارة، ولكن
كما هم معروف فإن الصين باتت أحد الدول الرئيسية في تخزين
النفط السعودي، وهي تمثل السوق الآسيوية الأكبر للنفط
السعودي، كما تشكل الصين الشريك التجاري الفاعل بالنسبة
للسعودية.
ولكن.. لا الصين، ولا روسيا ولا أي دولة كبرى في العالم
يمكن أن تحل محل الولايات المتحدة، في توفير الحماية،
والثقة، والاطمئنان لدولة مثل السعودية التي ارتبطت بعقود
شراكة وتعاون استراتيجي على مدى عقود، حتى صارت مؤسسات
الدولة السعودية منكشفة أمام النفوذ الأميركي..
زيارة بن سلمان الى الولايات المتحدة في الفترة ما
بين 13 ـ 26 يونيو الماضي كانت تاريخية بامتياز، وتأتي
في سياق تطبيق الشراكة الاستراتيجية، وهي تمثل النسخة
المطوّرة لمعاهدة الحماية التي وقّعها جدّه عبد العزيز
مع روزفلت والتي تقوم على النفط مقابل الحماية..
حتى الآن، لا تزال رؤية بن سلمان في طور الاختبار،
وفي الداخل تحوّلت جيوب المواطنين الى مصدر الدخل الثاني
بعد النفط. وعليه، فإن أي حديث عن نتائج عملية للرؤية
لايزال بعيد المنال.
الولايات المتحدة حصدت النسيب الأكبر من خطط «التحوّل
الوطني»، وهذه كانت النجم الهادي لمجموعة ماكنزي التي
وضعت الخطط. ولكن بالتأكيد وفق منطق الأشياء، فإن الحد
الأدنى من العقل يفرض تثمير نسبة ما ولو ضئيلة في دول
ومشاريع لأهداف اقتصادية وسياسية.
هناك من تحدّث عن شراكة استراتيجية بين السعودية والصين،
وفي ذلك دون ريب مبالغة، فمجرد إبرام عقود تجارية مهما
كان نوعها لا ينقل العلاقة الى مستوى الشراكة الاستراتيجية.
لا شرك أن ثمة أبعاداً سياسية في العلاقة بين الرياض وبكّين.
على سبيل المثال، شهدت زيارة الرئيس الصيني شين جين بينغ
الى الرياض في 19 ـ20 يناير 2016 توقيع 14 إتفافية ومذكرة
تفاهم، ولكن لم تكن زيارة منفردة أو معزولة، فقد شملت
جولته ايران، وهناك من وضع زيارة الرئيس الصيني في سياق
الصراع السعودي الايراني.
ولاشك أن الرياض تسعى لتطويق طهران في أي مكان يمكن
أن تصل اليه، ولاشك أن الصين هي السوق العالمية الكبرى
التي يمكن أن تمتص كل النفط المنتج في العالم، وسوف تكون
إيران هدفاً أساسياً على مستوى استيراد النفط بأسعار تنافسية،
وفي الوقت نفسه هي سوق استهلاكية نموذجية بعد رفع العقوبات
عن ايران..
كانت الرياض تعمل على تخريب العلاقة المتميّزة بين
ايران والصين وايران وروسيا من خلال تقديم عروض اقتصادية
مغرية. بالنسبة للصين، فإن الفرص الاستثمارية في ايران
كثيرة وواعدة، بالنظر الى المخطط الاميركي الهادف الى
الحد من تفوق الصين اقتصادياً واستراتيجياً، وبالتالي
فأن تكون الصين ضمن المجال الرأسمالي والاستراتيجي الأميركي
عن طريق اتفاقيات تجارية مع السعودية، أفضل من أن ترتبط
الصين بعقود ومعاهدات مع طهران يجعلها مستقلة ويعدّد فرصها
وخياراتها بما يجعلها متحرّرة من أية ضغوطات يمكن أن تفرض
عليها في أي وقت..
بالنسبة للصين، فإن الصراع السعودي الايراني ليس موضوع
اهتمام بحال، بل من الناحية الإجمالية تعتبر الصراعات
في المنطقة خسارة للصين، كونها تستورد ستين بالمئة من
احتياجاتها من النفط الخام من منطقة الشرق الأوسط. السعودية
تمثل أكبر مصدّر للنفط الى الصين، ولكن مع رفع العقوبات
فإن إيران باتت قادرة على تقديم عروض سخصية لا سيما على
مستوى العقود الآجلة بأسعار تنافسية، بما يجعل ايران مورّداً
مهماً للصين. فالأخير تتطلع الى تنويع مصادر نفطها، لكنها
في وضع صعب لأن هذا النفط يقع في منطقة تابعة استراتيجياً
للولايات المتحدة وهي اللاعب الرئيس في الشرق الأوسط.
في السياق نفسه، لا يمكن تخيّل أن تلعب الصين دور وساطة
بين طهران والرياض، وليس ذلك ضرورة ملحّة، فهي قادرة على
الحصول على ما تريد من النفط مع منتجين مختلفين أو حتى
خصوما، فما يهمها هو تنويع مصادر نفطها وليس عقد مصالحات
بين دول منتجة قد تتفق فيما بينها على سعر مرتفع، خصوصاً
في ظل الشعور المشترك بالقلق بين المنتجين نتيجة انهيار
أسعار النفط.
المبادرة الاقتصادية في المنطقة لا تزال بيد الأميركي
والى حد ما بيد الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة،
وهذا يفرض على الصين الانتقال من موقع المراقب والمتلقي
الى الشريك الاقتصادي، وهذا لم يتحقق حتى الان وهذا الأمر
يفهمه الصينيون تماماً بالنظر الى أن الولايات المتحدة
فرضت خياراتها على أكثر من بلد نفطي في المنطقة (احتلال
العراق، التحالفات الاستراتيجية مع مشيخات الخليج).
ان استمرار الصين في الاعتماد على نفط الشرق الأوسط
يمثّل نقطة ضعف كبيرة، وتترك أثراً عميقاً في موازين القوى
العالمية، الأمر الذي يفرض على الصين البحث عن بدائل وينهض
بها للعب دور فاعل في الاقتصاد العالمي..
بالعودة الى زيارة بن سلمان، ولي ولي العهد، إلى بكين،
فإنه بنى على ما تراكم في العلاقة وعقد أول اجتماعات اللجنة
المشتركة رفيعة المستوى بين الحكومتين، بحضور نائب رئيس
مجلس الدولة الصيني تشانغ قاو لي، وبدا واضحاً بأن الصين
تتطلع الى تعزيز التعاون مع الرياض في مجالات الطاقة بما
فيها الطاقة النووية والبنية التحتية والاستثمار والتجارة
وفي كل المجالات المتاحة بما يشمل الأقمار الصناعية والطاقة
الحيوية..
الجديد في زيارة بن سلمان الى الصين، أنه يحمل معه
مشروعه (رؤية السعودية 2030) ويريد أن يحقق نجاحاً لافتاً،
وهذا ما يجعل زيارته فارقة عن زيارة بينغ للسعودية، فقد
حدث العديد من المستجدات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية
بين الطرفين وعلى المستوى الدولي أيضاً.
بن سلمان يحمل هدفاً كبيراً هو جلب الاستثمارات الأجنبية
الى بلاده، ولا شك أن الصين بثقلها المالي والتجاري الضخم
سوف تكون فاعلاً اقتصادياً كبيراً في حال وافقت على الدخول
الى السوق السعودية، خصوصاً بعد فتح أسواق التجزئة والجملة
السعودية للاستثمار بصورة كاملة.
حتى الآن لم يجر الكشف عن تفاصيل الـ 14 اتفاقية ومذكرة
تفاهم في الرياض خلال زيارة الرئيس الصيني للرياض في 20
يناير 2016. كل ما قيل هو حزام اقتصادي لمحاصرة ايران
وداعمه الروسي، ويلتقي مع خطوات أخرى مثل بناء جسر بين
السعودية ومصر لربط القارات الثلاث (آسيا وأفريقيا وأوروبا)،
وزيارة بن سلمان الى الولايات المتحدة والاتفاقيات المبرمة
مع الشركات التجارية الكبرى..الخ.
ينطلق بن سلمان، وفريق والده في علاقة الرياض وبكيّن
من زيارة سلمان في مارس 2014 والتي وصفت بأنها «البداية
المثمرة للشراكة بين البلدين وأوصلت التبادل التجاري الى
ما يتجاوز 69 مليار دولار سنوياً».
بالنسبة للرؤية الصينية، كما يصوغها الرئيس الصيني
شي جينبينغ في مقالة له في (الرياض) في 18 يناير 2016
بعنوان (شريكان عزيزان نحو التنمية المشتركة)، فإن المملكة
تمثل «الكنز النفطي والغازي». يستحضر الرئيس الصيني بتبجيل
المساعدة الخارجية التي تلقتها الحكومة الصينية من السعودية
عقب وقوع زلزال مدمر في عام 2008 في محافظة ونتشوان بمقاطعة
سيتشوان الصينية بقيمة تفوق 60 مليون دولار، ويعد ذلك
دلالة على الصداقة الصينية السعودية وأن ذلك الدعم «يؤثر
في نفوس أبناء الشعب الصيني وسيظل محفوظا في أذهانهم وقلوبهم».
وبعيداً عن التاريخ الذي يتشارك فيه شعوب وأقوام، فإن
الرئيس الصيني وضع بداية متأخرة للعلاقات بين البلدين
وهي عام 1990، حينما أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين الصين
والسعودية، ثم سلكت مرحلة متطوّرة بعد إقامة علاقات الصداقة
الاستراتيدية عام 2008. وكان من علامات هذه العلاقة، بحسب
الرئيس الصيني، أن أصبحت السعودية «أكبر مورد النفط الخام
للصين على مستوى العالم وأكبر شريك تجاري لها في منطقة
غربي آسيا وإفريقيا لسنوات متتالية، بينما أصبحت الصين
لأول مرة أكبر شريك تجاري للمملكة في عام 2013. وفي عام
2014، بلغ حجم التبادل التجاري الصيني السعودي 69.1 مليار
دولار بزيادة أكثر من 230 ضعفا عما كان عليه في وقت تبادل
التمثيل الدبلوماسي». وبحسب الرئيس الصيني، فإن من بين
كل 6 براميل من النفط الخام، فإنها منها برميل واحد من
السعودية، وأن كل 7 ريالات تجنيه السعودية من صادراتها،
جاء ريال واحد من الصين.
يسرد الرئيس الصيني قائمة من المشروعات المشتركة والتي
تشمل البنية التحتية والاستثمارات والأيدي العاملة والزراعة،
ومن بين المشروعات مشروع القطار الخفيف الذي أنجزته الشركة
الصينية في مكة المكرمة، وكذلك مشاريع في الاتصالات، وخريطة
لنخيل التمر، التي نجحت مراكز البحوث العلمية الصينية
والسعودية في رسمها والتي تساهم مساهمة كبيرة في زيادة
إنتاج التمور وتحسين أنواعها ومكافحة أمراضها والحشرات
الضارة لها. الى جانب بطبيعة الحال، المشروعات الثقافية
والتراثية.
لاشك أن الصين تمثّل خياراً مريحاً بالنسبة للسعودية،
للمشتركات على المستوى السياسي، فالنظام الشمولي السائد
في البلدين يجعل الشراكة والتعاون بين البلدين ممكناً
بل وسهلاً، ولذلك يجد الرئيس الصيني ما هو مشترك بين الدولتين
أو كما يصفه «الهدفين المئويين» لناحية تحويل الحلم الصيني
للنهضة العظيمة للأمة الصينية، فيما تسعى السعودية الى
تعزيز «استراتيجية تنويع الاقتصاد».
مشتركات كثيرة وجدها الرئيس الصيني في الاقتصاد وتبعاً
في السياسة، ما يجعل التعاون بينهما مريحاً، دون إغفال
وجهة بوصلة الصراع الاقليمي بخلفية دولية أي ابعاد ايران
عن أي ساحة يمكن أن تصل اليها وبالتالي تعزيز فرص خصوم
الرياض وقبل ذلك خصوم واشنطن..
على أية حال، فإن ما تتطلع اليه الصين، بحسب رؤية الرئيس
تشي جينبينغ هي أن تصبح بكين والرياض «شريكين استراتيجيين
مخلصين يدعم بعضهما البعض ويثق ببعضهما البعض». واستطراداً
الانتقال بالشراكة من الاقتصاد الى السياسة والاستراتيجيا
وصولاً إلى «التفاهم والدعم في القضايا التي تخص المصالح
الجوهرية والهموم الكبرى للجانبين لتوطيد الثقة السياسية
المتبادلة». باختصار، الصين تريد بناء شراكة شاملة قوامها
الاقتصاد والتجارة وانبثاثاتها مفتوحة على المجالات كافة..
|